لما ذكر سبحانه مثل أعمال الكفار ، وأنها كرماد اشتدت به الريح ، ثم ذكر نعيم المؤمنين ، وما جازاهم الله به من إدخالهم الجنة خالدين فيها ، وتحية الملائكة لهم ذكر تعالى هاهنا مثلا للكلمة الطيبة ، وهي كلمة الإسلام ، أي : لا إله إلا الله ، أو ما هو أعم من ذلك من ، وذكر مثلا للكلمة الخبيثة ، وهي كلمة الشرك ، أو ما هو أعم من ذلك من كلمات الشر ، فقال مخاطبا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو مخاطبا لمن يصلح للخطاب كلمات الخير ألم تر كيف ضرب الله مثلا أي اختار مثلا وضعه في موضعه اللائق به ، وانتصاب " مثلا " على أنه مفعول " ضرب " و " كلمة " بدل منه ، ويجوز أن تنتصب " الكلمة " على أنها عطف بيان ل " مثلا " ، ويجوز أن تنتصب " الكلمة " بفعل مقدر ، أي : جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وحكم بأنها مثلها ، ومحل كشجرة النصب على أنها صفة ل ( كلمة ) ، أو الرفع على تقدير مبتدأ ، أي : هي كشجرة ، ويجوز أن تكون ( كلمة ) أول مفعولي " ضرب " ، وأخرت عن المفعول الثاني ، وهو " مثلا " لئلا تبعد عن صفتها ، والأول أولى ، و ( كلمة ) وما بعدها تفسير للمثل ، ثم وصف الشجرة بقوله : أصلها ثابت أي راسخ آمن من الانقلاع بسبب تمكنها من الأرض بعروقها وفرعها في السماء أي أعلاها ذاهب إلى جهة السماء مرتفع في الهواء .
ثم وصفها سبحانه بأنها تؤتي أكلها كل حين كل وقت بإذن ربها بإرادته ومشيئته ، قيل : وهي النخلة ، وقيل : غيرها .
قيل والمراد بكونها تؤتي أكلها كل حين ، أي : كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف ، وقيل : المراد في أوقات مختلفة من غير تعيين ، وقيل : كل غدوة وعشية ، وقيل : كل شهر ، وقيل : كل ستة أشهر .
قال النحاس : وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الخبر عند جميع أهل اللغة إلا من شذ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره ، وأنشد قول الأصمعي النابغة :
تطلقه حينا وحينا تراجع
قال النحاس : وهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت .وقد ورد الحين في بعض المواضع يراد به أكثر كقوله : هل أتى على الإنسان حين من الدهر [ الإنسان : 1 ] .
وقد تقدم بيان أقوال العلماء في الحين في سورة البقرة في قوله : ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين [ البقرة : 36 ] .
وقال : الحين الوقت طال أم قصر الزجاج ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون يتفكرون أحوال المبدأ والمعاد ، وبدائع صنعه سبحانه الدالة على وجوده ووحدانيته ، وفي ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعاني .
ومثل كلمة خبيثة قد تقدم تفسيرها ، وقيل : هي الكافر نفسه ، والكلمة الطيبة : المؤمن نفسه كشجرة خبيثة أي كمثل شجرة خبيثة ، قيل : هي شجرة الحنظل ، وقيل : هي شجرة الثوم ، وقيل : الكمأة ، وقيل : الطحلبة ، وقيل : هي الكشوث بالضم وآخره مثلثة ، وهي شجرة لا ورق لها ولا عروق في الأرض .
قال الشاعر :
وهي كشوث فلا أصل ولا ثمر
وقرئ " ومثلا كلمة " بالنصب عطفا على " كلمة طيبة " اجتثت من فوق الأرض أي استؤصلت واقتلعت من أصلها ، ومنه قول الشاعر :هو الجلاء الذي يجتث أصلكم
قال المؤرخ : أخذت جثتها وهي نفسها ، والجثة : شخص الإنسان ، يقال : جثه قلعه ، واجتثه اقتلعه ، ومعنى من فوق الأرض : أنه ليس لها أصل راسخ وعروق متمكنة من الأرض ما لها من قرار أي من استقرار على الأرض .وقيل : من ثبات على الأرض ، كما أن الكافر وكلمته لا حجة له ولا ثبات فيه ولا خير يأتي منه أصلا ، ولا يصعد له قول طيب ولا عمل طيب .
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت أي بالحجة الواضحة ، وهي الكلمة الطيبة المتقدم ذكرها .
وقد ثبت في الصحيح أنها كلمة الشهادة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وذلك إذا قعد المؤمن في قبره قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، وقيل : معنى تثبيت الله لهم هو أن يدوموا على القول الثابت ، ومنه قول فذلك قوله تعالى : : عبد الله بن رواحة
يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
وقيل : المراد بـ الحياة الدنيا وقت المساءلة في القبر ، وفي الآخرة في وقت المساءلة يوم القيامة : والمراد أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم ، أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردد ولا جهل ، كما يقول من لم يوفق : لا أدري ، فيقال له : لا دريت ولا تليت ويضل الله الظالمين أي يضلهم عن حجتهم التي هي القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم ولا عند [ ص: 747 ] الحساب ، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا .
قيل : والمراد بالظالمين هنا الكفرة ، وقيل : كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة فإنه لا يثبت في مواقف الفتن ولا يهتدي إلى الحق ، ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا راد لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل .
قال الفراء ، أي : لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل ، والإظهار في محل الإضمار في الموضعين لتربية المهابة كما قيل والله أعلم .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن في قوله : ابن عباس ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة قال : شهادة أن لا إله إلا الله كشجرة طيبة وهو المؤمن أصلها ثابت يقول : " لا إله إلا الله " ثابت في قلب المؤمن وفرعها في السماء يقول : يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء ومثل كلمة خبيثة وهي الشرك كشجرة خبيثة يعني الكافر اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يقول : الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان ، . ولا يقبل الله مع الشرك عملا
وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم .
وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن أنس قال : مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة حتى بلغ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال : هي النخلة ومثل كلمة خبيثة حتى بلغ ما لها من قرار قال : هي الحنظلة . أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقناع من بسر فقال :
وروي موقوفا على أنس ، قال الترمذي : الموقوف أصح .
وأخرج أحمد وابن مردويه قال السيوطي بسند جيد عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : كشجرة طيبة ، قال . هي التي لا ينقص ورقها قال : هي النخلة
وأخرج وغيره من حديث البخاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما لأصحابه : ابن عمر ، وفي لفظ إن شجرة من الشجر لا يطرح ورقها مثل المؤمن ، قال : فوقع الناس في شجرة البوادي ، ووقع في قلبي أنها النخلة ، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هي النخلة قال : للبخاري فذكر نحوه . أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا تؤتي أكلها كل حين ،
وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن عمر هل تدرون ما الشجرة الطيبة ؟ ، ثم قال : هي النخلة وروي نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال : كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف ، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف .
وأخرج عنه في الآية قال : يكون أخضر ثم يكون أصفر . ابن أبي حاتم
وأخرج عنه أيضا في قوله : كل حين قال : جذاذ النخل .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا وابن أبي حاتم تؤتي أكلها كل حين قال : تطعم في كل ستة أشهر .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال : الحين هنا سنة .
وأخرج البيهقي عنه أيضا قال : الحين قد يكون غدوة وعشية .
وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة .
وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : البراء بن عازب محمدا رسول الله ، فذلك قوله سبحانه : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن في قوله : البراء بن عازب يثبت الله الذين آمنوا الآية قال : فقال : ربي الله ، قال : وما دينك ؟ قال : ديني الإسلام ، قال : ومن نبيك ؟ قال : نبيي التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر ، فقالا : من ربك ؟ محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فذلك التثبيت في الحياة الدنيا .
وأخرج البيهقي عن نحوه . ابن عباس
وأخرج في الأوسط الطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد في الآية قال : " في الآخرة " القبر .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : " يثبت الله الذين آمنوا الآية قال : هذا في القبر . قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى :
وأخرج البيهقي من حديثها نحوه .
وأخرج البزار عنها أيضا يثبت الله الذين آمنوا الآية ، وقد وردت أحاديث كثيرة في قالت : قلت : يا رسول الله تبتلى هذه الأمة في قبورها ، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ قال : ، وفي جوابه عليهم وفي عذاب القبر وفتنته ، وليس هذا موضع بسطها ، وهي معروفة . سؤال الملائكة للميت في قبره