إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون قوله : ( مات ) صفة لأحد ، و ( أبدا ) ظرف لتأبيد النفي .
قال : معنى قوله : الزجاج ولا تقم على قبره أن رسول [ ص: 590 ] الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع هاهنا منه ، وقيل : معناه : لا تقم بمهمات إصلاح قبره ، وجملة أنهم كفروا تعليل للنهي ، وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر ، لأن الكافر قد يكون عدلا في دينه ، والكذب والنفاق والخداع والجبن والخبث مستقبحة في كل دين .
ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ثم نهى رسوله عن أن تعجبه أموالهم وأولادهم ، وهو تكرير لما سبق في هذه السورة وتقرير لمضمونه ، وقيل : إن الآية المتقدمة في قوم ، وهذه في آخرين ، وقيل : هذه في اليهود ، والأولى في المنافقين ، وقيل غير ذلك .
وقد تقدم في الآية الأولى جميع ما يحتاج إليه في تفسير هذه الآية .
ثم عاد الله سبحانه إلى توبيخ المنافقين ، فقال : وإذا أنزلت سورة أي من القرآن ، ويجوز أن يراد بعض السورة ، وأن يراد تمامها ، وقيل : هي هذه السورة : أي سورة براءة ، و " أن " في ( أن آمنوا بالله ) مفسرة لما في الإنزال من معنى القول ، أو مصدرية حذف منها الجار : أي بأن آمنوا ، وإنما قدم الأمر بالإيمان لأن الاشتغال بالجهاد لا يفيد إلا بعد الإيمان استأذنك أولو الطول منهم أي ذوو الفضل والسعة ، من طال عليه طولا ، كذا قال ، ابن عباس والحسن ، وقال الأصم : الرؤساء والكبراء المنظور إليهم ، وخصهم بالذكر لأن الذم لهم ألزم ، إذ لا عذر لهم في القعود وقالوا ذرنا أي اتركنا نكن مع القاعدين أي المتخلفين عن الغزو من المعذورين كالضعفاء والزمنى .
والخوالف : النساء اللاتي يخلفن الرجال في القعود في البيوت ، جمع خالفة ، وجوز بعضهم أن يكون جمع خالف ، وهو من لا خير فيه وطبع على قلوبهم وهو كقوله : ختم الله على قلوبهم [ البقرة : 7 ] وقد مر تفسيره فهم لا يفقهون شيئا مما فيه نفعهم وضرهم ، بل هم كالأنعام .
وقد أخرج ، البخاري ومسلم ، وغيرهما ، عن قال : ابن عمر عبد الله بن أبي ابن سلول أتى ابنه عبد الله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال : يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ فقال : إن ربي خيرني وقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [ التوبة : 80 ] وسأزيد على السبعين ، فقال : إنه منافق ، فصلى عليه فأنزل الله : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا الآية ، فترك الصلاة عليهم . لما توفي
وأخرج ، ابن ماجه ، والبزار ، وابن جرير وابن مردويه ، عن جابر قال : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره . مات رأس المنافقين بالمدينة فأوصى أن يصلي عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن يكفنه في قميصه ، فجاء ابنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقال : إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك ، فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره ، فأنزل الله :
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ، في قوله : ابن عباس أولو الطول قال : أهل الغنى .
وأخرج هؤلاء ، عن ، في قوله : ابن عباس رضوا بأن يكونوا مع الخوالف قال : مع النساء .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم ، في الآية قال : رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء . السدي
وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ، قال : الخوالف النساء .