قوله : " فاستجاب " الاستجابة بمعنى الإجابة ، وقيل : الإجابة عامة ، والاستجابة خاصة بإعطاء المسئول ، وهذا الفعل يتعدى بنفسه وباللام ، يقال : استجابه ، واستجاب له ، والفاء للعطف ، وقيل على مقدر ; أي : دعوا بهذه [ ص: 264 ] الأدعية فاستجاب لهم ، وقيل : على قوله : - ويتفكرون - وإنما ذكر سبحانه الاستجابة وما بعدها في جملة ما لهم من الأوصاف الحسنة لأنها منه ، إذ من أجيبت دعوته فقد رفعت درجته .
قوله : أني لا أضيع عمل عامل منكم أي بأني ، وقرأ عيسى بن عمرو بكسر الهمزة على تقدير القول ، وقرأ أبي بثبوت الباء وهي للسببية ; أي : فاستجاب لهم ربهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم . والمراد بالإضاعة ترك الإثابة .
قوله : من ذكر أو أنثى " من " : بيانية ومؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم . قوله : بعضكم من بعض أي : رجالكم مثل نسائكم في الطاعة ونساؤكم مثل رجالكم فيها ، والجملة معترضة لبيان كون كل منهما من الآخر باعتبار تشعبهما من أصل واحد .
قوله : فالذين هاجروا الآية ، هذه الجملة تتضمن تفصيل ما أجمل في قوله : أني لا أضيع عمل عامل أي : فالذين هاجروا من أوطانهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجوا من ديارهم في طاعة الله عز وجل وقاتلوا أعداء الله وقتلوا في سبيل الله ، وقرأ ابن كثير وابن عامر ( وقتلوا ) على التكثير وقرأ الأعمش وحمزة ( وقتلوا وقاتلوا ) وهو مثل قول الشاعر : والكسائي
تصابى وأمسى علاه الكبر
أي : قد علاه الكبر ، وأصل الواو لمطلق الجمع بلا ترتيب كما قال به الجمهور . والمراد هنا : أنهم قاتلوا وقتل بعضهم ، كما قال امرؤ القيس :فإن تقتلونا نقتلكم
وقرأ وقتلوا وقتلوا . عمر بن عبد العزيزومعنى قوله : وأوذوا في سبيلي أي بسببه ، والسبيل : الدين الحق والمراد هنا : ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله وعملهم بما شرعه الله لعباده . وقوله : لأكفرن جواب قسم محذوف .
وقوله : ثوابا من عند الله مصدر مؤكد عند البصريين ؛ لأن معنى قوله : ولأدخلنهم جنات لأثيبنهم ثوابا ; أي : إثابة أو تثويبا كائنا من عند الله . وقال : إنه منتصب على الحال . الكسائي
وقال الفراء : على التفسير والله عنده حسن الثواب أي حسن الجزاء ، وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله من ثاب يثوب : إذا رجع . وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ، فأنزل الله أم سلمة فاستجاب لهم إلى آخر الآية . عن
وأخرج عن ابن أبي حاتم عطاء قال : فذكر ما من عبد يقول يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه للحسن فقال : أما تقرأ القرآن ؟ ربنا إننا سمعنا مناديا [ آل عمران : 193 ] إلى قوله : فاستجاب لهم ربهم . وأخرج ابن مردويه عن قالت : آخر آية نزلت هذه الآية أم سلمة فاستجاب لهم ربهم إلى آخرها . وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة .