nindex.php?page=treesubj&link=28973_3866قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) .
اختلف العلماء في المراد بالإحصار في هذه الآية الكريمة فقال قوم : هو صد العدو المحرم ، ومنعه إياه من الطواف بالبيت .
وقال قوم : المراد به حبس المحرم بسبب مرض ونحوه .
وقال قوم : المراد به ما يشمل الجميع من عدو ومرض ونحو ذلك .
ولكن قوله تعالى بعد هذا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإذا أمنتم ) [ 2 \ 196 ] يشير إلى أن المراد بالإحصار هنا صد العدو المحرم ; لأن الأمن إذا أطلق في لغة العرب انصرف إلى الأمن من الخوف لا إلى الشفاء من المرض ونحو ذلك ، ويؤيده أنه لم يذكر الشيء الذي منه الأمن ، فدل على أن المراد به ما تقدم من الإحصار ، فثبت أنه الخوف من العدو ، فما أجاب به بعض العلماء من أن الأمن يطلق على الأمن من المرض ، كما في حديث "
من [ ص: 76 ] سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص ، واللوص ، والعلوص " أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في سننه فهو ظاهر السقوط ; لأن الأمن فيه مقيد بكونه من المرض ، فلو أطلق لانصرف إلى الأمن من الخوف . وقد يجاب أيضا بأنه يخاف وقوع المذكور من الشوص الذي هو وجع السن ، واللوص الذي هو وجع الأذن ، والعلوص الذي هو وجع البطن ; لأنه قبل وقوعها به يطلق عليه أنه خائف من وقوعها ، فإذا أمن من وقوعها به فقد أمن من خوف .
أما لو كانت وقعت به بالفعل فلا يحسن أن يقال أمن منها ; لأن الخوف في لغة العرب هو الغم من أمر مستقبل لا واقع بالفعل ، فدل هذا على أن زعم إمكان إطلاق الأمن على الشفاء من المرض خلاف الظاهر . وحاصل تحرير هذه المسألة في مبحثين : الأول : في معنى الإحصار في اللغة العربية .
الثاني : في تحقيق المراد به في الآية الكريمة وأقوال العلماء وأدلتها في ذلك ، ونحن نبين ذلك كله إن شاء الله تعالى .
اعلم أن أكثر علماء العربية يقولون : إن
nindex.php?page=treesubj&link=3866_3867_3868الإحصار هو ما كان عن مرض أو نحوه ، قالوا : تقول العرب : أحصره المرض يحصره بضم الياء ، وكسر الصاد إحصارا ، وأما ما كان من العدو فهو الحصر ، تقول العرب : حصر العدو يحصره بفتح الياء وضم الصاد حصرا بفتح فسكون ، ومن إطلاق الحصر في القرآن على ما كان من العدو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5وخذوهم واحصروهم ) ومن إطلاق الإحصار على غير العدو كما ذكرنا عن علماء العربية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) الآية [ 2 \ 273 ] وقول
ابن ميادة : [ الطويل ]
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت عليك ولا أن أحصرتك شغول
وعكس بعض علماء العربية . فقال : الإحصار من العدو ، والحصر من المرض ، قاله
ابن فارس في " المجمل " نقله عنه
القرطبي ، ونقل
البغوي نحوه عن
ثعلب .
وقال جماعة من علماء العربية : إن الإحصار يستعمل في الجميع ، وكذلك الحصر ، وممن قال باستعمال الإحصار في الجميع الفراء ، وممن قال : بأن الحصر
[ ص: 77 ] والإحصار يستعملان في الجميع
nindex.php?page=showalam&ids=12851أبو نصر القشيري .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_3866قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) .
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْإِحْصَارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ صَدُّ الْعَدُوِّ الْمُحْرِمِ ، وَمَنْعُهُ إِيَّاهُ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ بِهِ حَبْسُ الْمُحْرِمِ بِسَبَبِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مِنْ عَدُوٍّ وَمَرَضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَلَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِذَا أَمِنْتُمْ ) [ 2 \ 196 ] يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْصَارِ هُنَا صَدُّ الْعَدُوِّ الْمُحْرِمِ ; لِأَنَّ الْأَمْنَ إِذَا أُطْلِقَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ انْصَرَفَ إِلَى الْأَمْنِ مِنَ الْخَوْفِ لَا إِلَى الشِّفَاءِ مِنَ الْمَرَضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرِ الشَّيْءُ الَّذِي مِنْهُ الْأَمْنُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِحْصَارِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ الْخَوْفُ مِنَ الْعَدُوِّ ، فَمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْأَمْنَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَمْنِ مِنَ الْمَرَضِ ، كَمَا فِي حَدِيثِ "
مَنْ [ ص: 76 ] سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ أَمِنَ مِنَ الشَّوْصِ ، وَاللَّوْصِ ، وَالْعِلَّوْصِ " أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فَهُوَ ظَاهِرُ السُّقُوطِ ; لِأَنَّ الْأَمْنَ فِيهِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ مِنَ الْمَرَضِ ، فَلَوْ أُطْلِقَ لَانْصَرَفَ إِلَى الْأَمْنِ مِنَ الْخَوْفِ . وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَخَافُ وُقُوعَ الْمَذْكُورِ مِنَ الشَّوْصِ الَّذِي هُوَ وَجَعُ السِّنِّ ، وَاللَّوْصِ الَّذِي هُوَ وَجَعُ الْأُذُنِ ، وَالْعِلَّوْصِ الَّذِي هُوَ وَجَعُ الْبَطْنِ ; لِأَنَّهُ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِهِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَائِفٌ مِنْ وُقُوعِهَا ، فَإِذَا أَمِنَ مِنْ وُقُوعِهَا بِهِ فَقَدْ أَمِنَ مِنْ خَوْفٍ .
أَمَّا لَوْ كَانَتْ وَقَعَتْ بِهِ بِالْفِعْلِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ أَمِنَ مِنْهَا ; لَأَنَّ الْخَوْفَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ الْغَمُّ مِنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبِلٍ لَا وَاقِعٍ بِالْفِعْلِ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ زَعْمَ إِمْكَانِ إِطْلَاقِ الْأَمْنِ عَلَى الشِّفَاءِ مِنَ الْمَرَضِ خِلَافُ الظَّاهِرِ . وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَبْحَثَيْنِ : الْأَوَّلُ : فِي مَعْنَى الْإِحْصَارِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ .
الثَّانِي : فِي تَحْقِيقِ الْمُرَادِ بِهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَأَدِلَّتِهَا فِي ذَلِكَ ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3866_3867_3868الْإِحْصَارَ هُوَ مَا كَانَ عَنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ ، قَالُوا : تَقُولُ الْعَرَبُ : أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ يُحْصِرُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَكَسْرِ الصَّادِ إِحْصَارًا ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ فَهُوَ الْحَصْرُ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : حَصَرَ الْعَدُوُّ يَحْصُرُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الصَّادِ حَصْرًا بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْحَصْرِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ ) وَمِنْ إِطْلَاقِ الْإِحْصَارِ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=273لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) الْآيَةَ [ 2 \ 273 ] وَقَوْلُ
ابْنِ مَيَّادَةَ : [ الطَّوِيلِ ]
وَمَا هَجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَتْ عَلَيْكَ وَلَا أَنْ أَحْصَرَتْكَ شَغُولُ
وَعَكَسَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ . فَقَالَ : الْإِحْصَارُ مِنَ الْعَدُوِّ ، وَالْحَصْرُ مِنَ الْمَرَضِ ، قَالَهُ
ابْنُ فَارِسٍ فِي " الْمُجْمَلِ " نَقَلَهُ عَنْهُ
الْقُرْطُبِيُّ ، وَنَقَلَ
الْبَغَوِيُّ نَحْوَهُ عَنْ
ثَعْلَبٍ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ : إِنَّ الْإِحْصَارَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمِيعِ ، وَكَذَلِكَ الْحَصْرُ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِاسْتِعْمَالِ الْإِحْصَارِ فِي الْجَمِيعِ الْفَرَّاءُ ، وَمِمَّنْ قَالَ : بِأَنَّ الْحَصْرَ
[ ص: 77 ] وَالْإِحْصَارَ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْجَمِيعِ
nindex.php?page=showalam&ids=12851أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ .