.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من أحسن - أي بالإيمان والطاعة - فإنه إنما يحسن إلى نفسه ; لأن نفع ذلك لنفسه خاصة . وأن من أساء - أي بالكفر والمعاصي - فإنه إنما يسيء على نفسه . لأن ضرر ذلك عائد إلى نفسه خاصة .
وبين هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها الآية [ 41 \ 46 و 45 \ 15 ] ، وقوله : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ 99 \ 7 - 8 ] ، وقوله : من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون [ 30 \ 44 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . واللام في قوله : وإن أسأتم فلها [ 17 \ 7 ] بمعنى على ، أي فعليها ، بدليل قوله : ومن أساء فعليها [ 41 \ 46 ، 45 \ 15 ] . ومن إتيان اللام بمعنى على ، قوله تعالى : ويخرون للأذقان الآية [ 17 \ 109 ] ; أي عليها ، وقوله : فسلام لك الآية [ 56 \ 91 ] . أي سلام عليك على ما قاله بعض العلماء . ونظير ذلك من كلام العرب : قول جابر التغلبي ، أو شريح العبسي ، أو زهير المزني أو غيرهم :
تناوله بالرمح ثم انثنى له فخر صريعا لليدين وللفم
أي على اليدين وعلى الفم . والتعبير بهذه اللام في هذه الآية للمشاكلة . كما قدمنا في نحو : وجزاء سيئة سيئة الآية [ 42 \ 40 ] ، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا [ ص: 15 ] عليه الآية [ 2 \ 194 ] .
قوله تعالى : فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم
الآية . جواب إذا في هذه الآية الكريمة محذوف ، وهو الذي تتعلق به اللام في قوله : ليسوءوا [ 17 \ 7 ] وتقديره : فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسؤوا وجوهكم . بدليل قوله في الأولى : فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا الآية [ 17 \ 5 ] ، . قال وخير ما يفسر به القرآن القرآن ابن قتيبة في مشكل القرآن : ونظيره في حذف العامل قول حميد بن ثور :
رأتني بحبليها فصدت مخافة وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
أي : رأتني أقبلت ، أو مقبلا . وفي هذا الحرف ثلاث قراءات سبعيات : قرأه على " لنسوء وجوهكم " بنون العظمة وفتح الهمزة ; أي لنسوءها بتسليطنا إياهم عليكم يقتلونكم ويعذبونكم . وقرأه الكسائي ابن عامر وحمزة وشعبة عن عاصم " ليسوء وجوهكم " بالياء وفتح الهمزة ، والفاعل ضمير عائد إلى الله . أي ليسوء هو - أي : الله - وجوهكم بتسليطه إياهم عليكم .
وقرأه الباقون : [ 17 \ 7 ] ليسوءوا وجوهكم بالياء وضم الهمزة بعدها واو الجمع التي هي فاعل الفعل ، ونصبه فحذف النون ، وضمير الفاعل الذي هو الواو عائد إلى الذين بعثهم الله عليهم ليسؤوا وجوههم بأنواع العذاب والقتل .