سورة الواقعة
إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة . الذي يظهر لي صوابه أن " إذا " هنا هي الظرفية المضمنة معنى الشرط ، وأن قوله الآتي : قوله تعالى : إذا رجت الأرض رجا [ 56 \ 4 ] ، بدل من قوله : إذا وقعت الواقعة وأن جواب " إذا " هو قوله : فأصحاب الميمنة ، وهذا هو اختيار أبي حيان خلافا لمن زعم أنها مسلوبة معنى الشرط هنا ، وأنها منصوبة بـ " اذكر " مقدرة أو أنها مبتدأ ، وخلافا لمن زعم أنها منصوبة بـ " ليس " المذكورة بعدها .
والمعروف عند جمهور النحويين أن " إذا " ظرف مضمن معنى الشرط منصوب بجزائه ، وعليه فالمعنى : إذا قامت القيامة وحصلت هذه الأحوال العظيمة ظهرت منزلة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة .
وقوله في هذه الآية الكريمة : إذا وقعت الواقعة أي قامت القيامة ، كالطامة والصاخة والآزفة والقارعة . فالواقعة من أسماء القيامة
وقد بين - جل وعلا - أن الواقعة هي القيامة في قوله : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية [ 69 \ 13 - 16 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ليس لوقعتها كاذبة فيه أوجه من التفسير معروفة عند العلماء ، كلها حق ، وبعضها يشهد له قرآن .
الوجه الأول : أن قوله كاذبة مصدر جاء بصفة اسم الفاعل ، فالكاذبة بمعنى الكذب كالعافية بمعنى المعافاة ، والعاقبة بمعنى العقبى ، ومنه قوله تعالى عند جماعات من العلماء : لا تسمع فيها لاغية [ 88 \ 11 ] ، قالوا : معناه لا تسمع فيها لغوا ، وعلى هذا القول فالمعنى ليس لقيام القيامة كذب ولا تخلف بل هو أمر واقع يقينا لا محالة .
[ ص: 509 ] ومن هذا المعنى قولهم : حمل الفارس على قرنه فما كذب ، أي : ما تأخر ولا تخلف ولا جبن .
ومنه قول زهير :
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
وهذا المعنى قد دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى : الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الآية [ 4 \ 87 ] ، وقوله تعالى : وأن الساعة آتية لا ريب فيها [ 22 \ 7 ] ، وقوله تعالى : ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه [ 3 \ 9 ] ، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الشورى في الكلام على قوله تعالى : وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه [ 42 \ 7 ] .الوجه الثاني : أن اللام في قوله : لوقعتها ظرفية ، و كاذبة اسم فاعل صفة لمحذوف أي ليس في وقعة الواقعة نفس كاذبة بل جميع الناس يوم القيامة صادقون بالاعتراف بالقيامة مصدقون بها ليس فيهم نفس كاذبة بإنكارها ولا مكذبة بها .
وهذا المعنى تشهد له في الجملة آيات من كتاب الله كقوله تعالى : لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم [ 26 \ 201 ] ، وقوله تعالى : ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم [ 22 \ 55 ] .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى : بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون [ 27 \ 66 ] ، وباقي الأوجه قد يدل على معناه قرآن ولكنه لا يخلو من بعد عندي ، ولذا لم أذكره ، وأقربها عندي الأول .