قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [ 5 \ 54 ] .
[ ص: 398 ] قوله تعالى : ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع .
قرأ هذا الحرف ابن كثير وابن ذكوان وابن عامر " شطأه " بفتح الطاء ، والباقون من السبعة بسكون الطاء .
وقرأ عامة السبعة غير ابن ذكوان : فآزره بألف بعد الهمزة .
وقرأه ابن ذكوان عن عامر " فأزره " بلا ألف بعد الهمزة مجردا .
وقرأ عامة السبعة غير قنبل على سوقه بواو ساكنة بعد السين .
وقرأه عن قنبل ابن كثير بهمزة ساكنة بدلا من الواو ، وعنه ضم الهمزة بعد السين ، بعدها واو ساكنة .
وهذه الآية الكريمة قد بين الله فيها أنه ضرب المثل في الإنجيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بأنهم كالزرع يظهر في أول نباته رقيقا ضعيفا متفرقا ، ثم ينبت بعضه حول بعض ، ويغلظ ويتكامل حتى يقوى ويشتد وتعجب جودته أصحاب الزراعة ، العارفين بها ، فكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا في أول الإسلام في قلة وضعف ثم لم يزالوا يكثرون ويزدادون قوة حتى بلغوا ما بلغوا .
وقوله تعالى : كزرع أخرج شطأه أي فراخه فنبت في جوانبه . وقوله : فآزره على قراءة الجمهور من المؤازرة ، بمعنى المعاونة والتقوية ، وقال بعض العلماء : فآزره أي ساواه في الطول ، وبكل واحد من المعنيين فسر قول امرئ القيس :
بمحنية قد آزر الصال نبتها مجر جيوش غانمين وخيب
وأما على قراءة ابن ذكوان فآزره بلا ألف ، فالمعنى شد أزره أي قواه .ومنه قوله تعالى عن موسى : واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري الآية [ 20 \ 29 - 31 ] ، وقوله : فاستغلظ أي صار ذلك الزرع غليظا بعد أن كان رقيقا ، وقوله : فاستوى أي استتم وتكامل على سوقه أي على قصبه .
[ ص: 399 ] وما تضمنته الآية الكريمة من المثل المذكور في الإنجيل المضروب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بأنهم يكونون في مبدأ أمرهم في قلة وضعف ، ثم بعد ذلك يكثرون ويقوون - جاء موضحا في آيات من كتاب الله تعالى كقوله : واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره [ 8 \ 26 ] .
وقوله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة [ 3 \ 123 ] ، وقوله تعالى : اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون الآية [ 5 \ 3 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .