تنبيه
قد علمت مما مر أن
nindex.php?page=treesubj&link=26614الحج واجب مرة في العمر ، وهل ذلك الوجوب على سبيل الفور أو التراخي ؟
اختلف أهل العلم في ذلك ، وسنبين هنا إن شاء الله أقوالهم وحججهم ، وما
[ ص: 330 ] يرجحه الدليل عندنا من ذلك ، فممن قال : إن وجوبه على التراخي ;
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه . قال
النووي : وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
ومحمد بن الحسن ، ونقله
الماوردي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأنس ،
وجابر ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، وممن قال إنه على الفور
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
وأبو يوسف ، وجمهور أصحاب
أبي حنيفة والمزني . قال
النووي : ولا نص في ذلك
لأبي حنيفة ، وقال صاحب تبيين الحقائق في الفقه الحنفي : إن القول بأنه على الفور قول
أبي يوسف ، وعن
أبي حنيفة ما يدل عليه فإن
ابن شجاع روى عنه أن
nindex.php?page=treesubj&link=3334الرجل إذا وجد ما يحج به وقد قصد التزوج ، قال : يحج ولا يتزوج ; لأن الحج فريضة أوجبها الله على عبده ، وهذا يدل على أنه على الفور . انتهى .
وأما مذهب
مالك فعنه في المسألة قولان مشهوران ، كلاهما شهره بعض علماء المالكية .
أحدهما : أنه على الفور ، والثاني : أنه على التراخي ، ومحل الخلاف المذكور ما لم يحسن الفوات بسبب من أسباب الفوات ، فإن خشيه وجب عندهم فورا اتفاقا .
قال
خليل بن إسحاق في مختصره في الفقه المالكي : وفي فوريته وتراخيه لخوف الفوات خلاف . اهـ .
وقد ذكر في ترجمته أنه إن قال في مختصره : خلاف ، فهو يعني بذلك اختلافهم في تشهير القول .
وقال الشيخ
المواق في كلامه على قول
خليل المذكور ما نصه
الجلاب : من لزمه فرض الحج لم يجز له تأخيره إلا من عذر ، وفرضه على الفور دون التراخي والتسويف ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابن عرفة هذا
للعراقيين ، وعزا
لابن محرز والمغاربة وابن العربي ،
وابن رشد : أنه على التراخي ما لم يخف فواته . وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فهذه حججهم :
أما الذين قالوا : إنه على التراخي فاحتجوا بأدلة ، منها : أنهم قالوا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=26614الحج فرض عام ست من الهجرة ، ولا خلاف أن آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله الآية [ 2 \ 196 ] نزلت عام ست من الهجرة في شأن ما وقع في
الحديبية من إحصار المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهم محرمون بعمرة ، وذلك في ذي القعدة من عام ست بلا خلاف ، ويدل عليه ما تقدم في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة الذي نزل فيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك [ ص: 331 ] [ 2 \ 196 ] ، وذلك متصل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا الآية [ 2 \ 196 ] ، ولذا جزم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره بأن الحج فرض عام ست . قالوا : وإذا كان الحج فرض عام ست ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا عام عشر ، فذلك دليل على أنه على التراخي ؛ إذ لو كان على الفور لما أخره عن أول وقت للحج بعد نزول الآية . قالوا : ولا سيما أنه عام ثمان من الهجرة فتح
مكة في رمضان ، واعتمر عمرة
الجعرانة في ذي القعدة من عام ثمان ، ثم رجع إلى
المدينة ، ولم يحج ، قالوا : واستخلف
عتاب بن أسيد ، فأقام للناس الحج سنة ثمان ، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما
بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه ، ولم يحجوا ، قالوا : ثم غزا غزوة
تبوك في عام تسع ، وانصرف عنها قبل الحج ، فبعث
أبا بكر رضي الله تعالى عنه ، فأقام للناس الحج سنة تسع ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأزواجه وعامة أصحابه قادرون على الحج ، غير مشتغلين بقتال ولا غيره ، ولم يحجوا ، ثم حج صلى الله عليه وسلم هو وأزواجه وأصحابه كلهم سنة عشر حجة الوداع ، قالوا : فتأخيره الحج المذكور إلى سنة عشر دليل على أن الحج ليس وجوبه على الفور ، بل على التراخي .
واستدلوا لذلك أيضا بما جاء في صحيح
مسلم في قصة
ضمام بن ثعلبة السعدي رضي الله عنه : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16696عمرو بن محمد بن بكير الناقد ، حدثنا
هاشم بن القاسم أبو النضر ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16034سليمان بن المغيرة ، عن
ثابت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاءه رجل من أهل البادية فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008486يا محمد صلى الله عليه وسلم ، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك . قال : صدق . قال : فمن خلق السماء ؟ قال : الله . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : الله . قال : فبالذي خلق السماء ، وخلق الأرض ، ونصب هذه الجبال آلله أرسلك ؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا . قال : صدق . قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا . قال : صدق . قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا ، قال : صدق . قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : صدق . ثم ولى قال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن [ ص: 332 ] صدق ليدخلن الجنة " . انتهى من صحيح
مسلم ، قالوا : هذا الحديث الصحيح جاء فيه وجوب الحج ، وقد زعم
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي وغيره : أن قدوم الرجل المذكور وهو
ضمام بن ثعلبة كان عام خمس ، قالوا : وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16100شريك بن أبي نمر عن
كريب فقال فيه : بعث
بنو سعد ضماما في رجب سنة خمس ، فدل ذلك على أن الحج كان مفروضا عام خمس ، فتأخيره صلى الله عليه وسلم الحج إلى عام عشر دليل على أنه على التراخي ، لا على الفور .
ومن أدلتهم على أنه على التراخي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008487أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمر المحرمين بالحج أن يفسخوه في عمرة " فدل ذلك على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=3276تأخير الحج ، وهو دليل على أنه على التراخي .
ومن أدلتهم أيضا : أنه إن أخر الحج من سنة إلى أخرى ، أو إلى سنين ، ثم فعله ; فإنه يسمى مؤديا للحج لا قاضيا له بالإجماع ، قالوا : ولو حرم تأخيره لكان قضاء لا أداء .
ومن أدلتهم على أنه على التراخي : ما هو مقرر في أصول الشافعية ، وهو أن المختار عندهم أن الأمر المجرد عن القرائن ، لا يقتضي الفور ، وإنما المقصود منه الامتثال المجرد . فوجوب الفور يحتاج إلى دليل خاص زائد على مطلق الأمر .
ومن أدلتهم : أنهم قاسوا الحج على الصلاة الفائتة . قالوا : فهي على التراخي ، ويقاس الحج عليها ، بجامع أن كلا منهما واجب ليس له وقت معين .
ومنها : أنهم قاسوه على قضاء رمضان في كونهما على التراخي ، بجامع أن كليهما واجب ، ليس له وقت معين : قالوا : ولكن ثبتت آثار : أن قضاء رمضان غاية زمنه مدة السنة . هذا هو حاصل أدلة القائلين بأن وجوب الحج على التراخي لا على الفور . وأما الذين قالوا إنه على الفور فاحتجوا أيضا بأدلة ، ومنعوا أدلة المخالفين .
فمن أدلتهم على أن وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=3275الحج على الفور آيات من كتاب الله تعالى يفهم منها ذلك ، وهي على قسمين :
قسم منها فيه الدلالة على وجوب المبادرة إلى امتثال أوامره جل وعلا ، والثناء على من فعل ذلك .
والقسم الثاني : يدل على توبيخ من لم يبادر ، وتخويفه من أن يدركه الموت قبل أن يمتثل ; لأنه قد يكون اقترب أجله ، وهو لا يدري .
أما آيات القسم الأول فكقوله :
[ ص: 333 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ 3 \ 133 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض الآية [ 57 \ 21 ] ، فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا إلى مغفرة فيه الأمر بالمسارعة والمسابقة إلى مغفرته ، وجنته جل وعلا ، وذلك بالمبادرة والمسابقة إلى امتثال أوامره ، ولا شك أن المسارعة والمسابقة كلتاهما على الفور لا التراخي ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فاستبقوا الخيرات الآية [ 2 \ 148 ] ، ويدخل فيه الاستباق إلى الامتثال . وصيغ الأمر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فاستبقوا تدل على الوجوب ; لأن الصحيح المقرر في الأصول : أن صيغة افعل ، إذا تجردت عن القرائن اقتضت الوجوب ، وإليه أشار في المراقي بقوله :
وافعل لدى الأكثر للوجوب . . إلخ
وذلك لأن الله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ 24 \ 63 ] وقال جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ 33 \ 36 ] فصرح جل وعلا ، بأن أمره قاطع للاختيار ، موجب للامتثال ، وقد سمى نبيه
موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مخالفة الأمر معصية ، وذلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93أفعصيت أمري [ 20 \ 93 ] يعني قوله له :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين [ 7 \ 142 ] وإنما قال
موسى لأخيه
هارون قبل أن يعلم حقيقة الحال ، فلما علمها قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=151رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين [ 7 \ 151 ] ومما يدل على اقتضاء الأمر الوجوب : أن الله جل وعلا عنف إبليس لما خالف الأمر بالسجود ، وذلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك [ 7 \ 12 ] والنصوص بمثل هذا كثيرة ، وقد أجمع أهل اللسان العربي : أن السيد لو قال لعبده : اسقني ماء ، مثلا ، فلم يمتثل أمره فأدبه على ذلك ، أن ذلك التأديب واقع موقعه ; لأنه عصاه بمخالفة أمره ، فلو قال العبد : ليس لك أن تؤدبني ، لأن أمرك لي بقولك : اسقني ماء ، لا يقتضي الوجوب - لقال له أهل اللسان : كذبت ، بل الصيغة ألزمتك ، ولكنك عصيت سيدك ، فدل ما ذكر على أن الشرع واللغة دلا على اقتضاء الأمر المجرد الوجوب ، وذلك يدل على أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا يدل على وجوب المبادرة إلى امتثال أوامر الله فورا .
ومن الآيات التي فيها الثناء على المبادرين إلى امتثال أوامر ربهم قوله تعالى :
[ ص: 334 ] nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إنهم كانوا يسارعون في الخيرات الآية [ 21 ] . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=61أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون [ 23 \ 61 ] .
وأما القسم الدال على التخويف من الموت قبل الامتثال المتضمن الحث على الامتثال : فهو أن الله جل وعلا أمر خلقه أن ينظروا في غرائب صنعه وعجائبه ، كخلقه للسماوات والأرض ، ونحو ذلك من الآيات من كتابه كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قل انظروا ماذا في السماوات والأرض الآية [ 10 \ 101 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج [ 50 \ 6 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=17أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت [ 88 \ 17 - 20 ] . ثم ذكر في آية أخرى ما يدل على أن ذلك النظر مع لزومه يجب معه النظر في اقتراب الأجل ، فقد يقترب أجله ويضيع عليه أجر الامتثال بمعالجة الموت ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم [ 7 \ 185 ] إذ المعنى : أولم ينظروا في أنه عسى أن يكون أجلهم قد اقترب ، فيضيع عليهم الأجر بعدم المبادرة قبل الموت ، وفي الآية دليل واضح ، على أن الإنسان يجب عليه أن يبادر إلى امتثال الأمر ؛ خشية أن يعالجه الموت قبل ذلك .
ومن أدلتهم على أن وجوب الحج على الفور ، أحاديث جاءت دالة على ذلك ، ولا يخلو شيء منها من مقال ، إلا أنها تعتضد بالآيات المذكورة ، وبما سنذكره إن شاء الله بعدها .
منها ما أخرجه
أحمد : حدثنا
عبد الرزاق ، أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن
إسماعيل وهو أبو إسرائيل الملائي ، عن
فضيل ، يعني ابن عمرو ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008488تعجلوا إلى الحج " يعني الفريضة . فقوله في هذا الحديث : تعجلوا ، يدل على الفور ، وقد نقل حديث
أحمد هذا المجد في المنتقى بحذف الإسناد على عادته ، فقال : عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008488تعجلوا إلى الحج " - يعني الفريضة - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008489فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " . رواه
أحمد . انتهى منه .
وقد سكت على هذا الحديث ، وسكت عليه أيضا شارحه
الشوكاني في نيل الأوطار ، وظاهر سكوتهما عليه : أنه صالح للاحتجاج عندهما ، والظاهر عدم صلاحية هذا الحديث بانفراده
[ ص: 335 ] للاحتجاج ; ففي سنده
إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي ، وهو لا يحتج بحديثه ; لأنه ضعفه أكثر أهل العلم بالحديث ، وكان شيعيا من غلاتهم ، وكان ممن يكفر أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقال فيه
ابن حجر في التقريب : صدوق ، سيئ الحفظ ، نسب إلى الغلو في التشيع .
والحاصل : أن أكثر أهل العلم لا يحتجون بحديثه ، وانظر إن شئت أقوال أهل العلم في تهذيب التهذيب ، والميزان وغيرهما .
ومن أدلتهم أيضا على ذلك : ما رواه الإمام
أحمد : حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن
مهران أبي صفوان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490من أراد الحج فليتعجل " . اهـ . ورواه
أبو داود : حدثنا
مسدد ، ثنا [
أبو ] معاوية محمد بن خازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
الحسن بن عمرو ، عن
مهران أبي صفوان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490من أراد الحج فليتعجل " . اهـ . وقال
الحاكم في المستدرك : حدثنا
أبو بكر بن إسحاق ، أنبأنا
أبو المثنى ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12156أبو معاوية محمد بن خازم ، عن
الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن
أبي صفوان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490من أراد الحج فليتعجل " ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وأبو صفوان هذا سماه غيره
مهران ، مولى
لقريش ، ولا يعرف بالجرح . انتهى منه . وأقره
nindex.php?page=showalam&ids=14324الحافظ الذهبي على تصحيحه لهذا الإسناد ، ولا يخلو هذا السند من مقال ; لأن فيه
مهران أبا صفوان ، قال فيه
ابن حجر في التقريب : كوفي مجهول ، وقال صاحب الميزان : لا يدرى من هو . وقال فيه في تهذيب التهذيب : روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490من أراد الحج فليتعجل " ، وعنه
الحسن بن عمرو الفقيمي ، قال
أبو زرعة : لا أعرفه إلا في هذا الحديث ، وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات . قلت : وقال
الحاكم لما أخرج حديثه هذا في المستدرك : لا يعرف بجرح . انتهى منه ، وهو دليل على أن حديث
مهران المذكور معتبر به ، فيعتضد بما قبله ، وبما بعده ، مع أن
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان عده في الثقات ، وصحح حديثه
الحاكم ، وأقره
الذهبي على ذلك . اهـ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في سننه : حدثنا
علي بن محمد ،
وعمرو بن عبد الله ، قالا : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، ثنا
إسماعيل أبو إسرائيل ، عن
فضيل بن عمرو ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن
الفضل - أو أحدهما عن الآخر - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490من أراد الحج فليتعجل ; فإنه قد يمرض المريض ، وتضل الضالة ، وتعرض الحاجة " . اهـ . وفي سنده :
إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي ، وقد قدمنا قريبا أن الأكثرين ضعفوه .
[ ص: 336 ] ومن أدلتهم على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008491من لم يحبسه مرض ، أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا " قال
ابن حجر في التلخيص : هذا الحديث ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في الموضوعات . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني : لا يصح فيه شيء .
قلت : وله طرق .
أحدها : أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في السنن
وأحمد وأبو يعلى والبيهقي من طرق عن
شريك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث بن أبي سليم ، عن
ابن سابط ، عن
أبي أمامة بلفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008492من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا " . لفظ
البيهقي ، ولفظ
أحمد : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008493من كان ذا يسار فمات ولم يحج " الحديث .
وليث ضعيف ،
وشريك سيئ الحفظ ، وقد خالفه
سفيان nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري فأرسله ، ورواه
أحمد في كتاب الإيمان له عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
ابن سابط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008494من مات ولم يحج ولم يمنعه من ذلك مرض حابس أو سلطان ظالم أو حاجة ظاهرة " فذكره مرسلا .
وكذا ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، عن
أبي الأحوص ، عن
ليث مرسلا ، وأورده
أبو يعلى من طريق أخرى ، عن
شريك مخالفة للإسناد الأول ، وراويها عن
شريك عمار بن مطر ضعيف . وقال
الذهبي في الميزان ، بعد أن ذكر طريق
أبي يعلى هذه في ترجمة
عمار بن مطر الرهاوي المذكور الراوي ، عن
شريك : هذا منكر عن
شريك .
الثاني : عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007239من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ; وذلك لأن الله تعالى قال في كتابه : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ 3 \ 97 ] " رواه
الترمذي ، وقال : غريب ، وفي إسناده مقال ،
والحارث يضعف ،
وهلال بن عبد الله الراوي له عن
أبي إسحاق مجهول ، وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي عنه ؟ فقال : من
هلال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي : يعرف بهذا الحديث ، وليس الحديث بمحفوظ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي : لا يتابع عليه ، وذكر في الميزان حديث
علي هذا في ترجمة
هلال بن عبد الله المذكور ، وقال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : منكر الحديث . وقال
الترمذي : مجهول ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي : لا يتابع على حديثه . اهـ . وقال فيه في التقريب : متروك . وقد روي عن
علي موقوفا ، ولم يرو مرفوعا من طريق أحسن من هذا ، وقال
المنذري : طريق
أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه .
الثالث : عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه : "
من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس ، [ ص: 337 ] أو حاجة ظاهرة ، أو سلطان جائر ; فليمت أي الميتتين شاء : إما يهوديا أو نصرانيا " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي ، من طريق
عبد الرحمن الغطفاني ، عن
أبي المهزم - وهما متروكان - عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وله طريق صحيحة ; إلا أنها موقوفة ، رواها
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور والبيهقي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فتنظر كل من كانت له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ; ما هم بمسلمين ، ما هم بمسلمين " لفظ
سعيد ، ولفظ
البيهقي أن
عمر قال : ليمت يهوديا أو نصرانيا - يقولها ثلاث مرات - رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة ، وخليت سبيله .
قلت : وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل
ابن سابط ، علم أن لهذا الحديث أصلا ، ومحمله على من استحل الترك ، وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع والله أعلم . اهـ من التلخيص الحبير بلفظه .
وقول
ابن حجر : ومحمله على من استحل الترك ، هو قول من قال من المفسرين : إن الكفر في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين [ 3 \ 97 ] يحمل على مستحل الترك ، ولا دليل عليه ، ووجه الدلالة من الأحاديث المذكورة على ما فيها من المقال أنها تصرح أنه لا يمنعه من الإثم إلا مانع يمنعه من المبادرة إلى الحج ؛ كالمرض ، أو الحاجة الظاهرة ، أو السلطان الجائر . فلو كان تراخيه لغير العذر المذكور لكان قد مات ، وهو آثم بالتأخير . فدل على أن وجوب الحج على الفور ، وأنه لا يجوز التراخي فيه إلا لعذر ، وقال
الشوكاني في نيل الأوطار ، بعد أن ساق الطرق التي ذكرناها عن صاحب التلخيص : وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا . وبذلك تتبين مجازفة
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في عده لهذا الحديث من الموضوعات ، فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسنا لغيره ، وهو محتج به عند الجمهور ، ولا يقدح في ذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني : لا يصح في الباب شيء ; لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن . اهـ . محل الغرض منه .
ومن أدلتهم أيضا على أن وجوب الحج على الفور ، ما قدمناه في سورة البقرة ، من حديث
الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008496من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه الحج من قابل " قال
عكرمة : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة عن ذلك - يعني حديث
الحجاج بن عمرو المذكور فقالا : صدق . وقد قدمنا أن هذا الحديث ثابت من رواية
الحجاج بن عمرو الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، وقد قدمنا أنه رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وأصحاب السنن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة والحاكم ،
والبيهقي ، وقد
[ ص: 338 ] قدمنا أنه سكت عليه
أبو داود والمنذري ، وحسنه
الترمذي ، وأن
النووي قال فيه : رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه والبيهقي ، وغيرهم بأسانيد صحيحة ، ومحل الشاهد من الحديث المذكور قوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث ، عند
أبي داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008497فقد حل ، وعليه الحج من قابل " ; لأن قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008498من قابل " دليل على أن الوجوب على الفور ، وقد قدمنا هناك ما يدل على أن ذلك القضاء الواجب على المحصر بمرض أو نحوه إنما هو في حجة الإسلام ، وأنه لا قضاء على المحصر في غيرها ، وبينا أدلة ذلك هناك في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي [ 2 \ 196 ] والرواية التي ذكرنا هناك : " فقد حل ، وعليه حجة أخرى " ، وهذه الرواية قد بينتها رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008499وعليه الحج من قابل " وهي ثابتة ، وهي دالة على الفور ، مفسرة للرواية التي ذكرنا هناك .
فهذه الأحاديث - مع تعددها واختلاف طرقها - تدل على أن وجوب الحج على الفور ، وتعتضد بالآيات القرآنية التي قدمناها ، وتعتضد بما سنذكره - إن شاء الله - من كلام أهل الأصول .
واعلم أن المخالفين قالوا : إن هذه الأحاديث لم يثبت منها شيء ، وأن حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008500من أراد أن يحج فليتعجل " - مع ضعفه - حجة لهم لا عليهم ; لأنه وكل الأمر إلى إرادته ، فدل على أنه ليس على الفور ، ولا يخفى أن الأحاديث التي ذكرنا لا يقل مجموعها عن درجة الاحتجاج ، على أن وجوب الحج على الفور .
ومن أدلتهم على أن وجوب الحج على الفور ، هو أن الله أمر به ، وأن جماعة من أهل الأصول قالوا : إن الشرع واللغة والعقل كلها دال على اقتضاء الأمر الفور . أما الشرع فقد قدمنا الآيات القرآنية الدالة على المبادرة فورا لامتثال أوامر الله كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا إلى مغفرة من ربكم [ 3 \ 133 ] ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سابقوا إلى مغفرة من ربكم الآية [ 57 \ 21 ] ، وبينا دلالة تلك الآيات وأمثالها على اقتضاء الأمر الفور ، وأوضحنا ذلك .
وأما اللغة : فإن أهل اللسان العربي ، مطبقون على أن السيد لو قال لعبده : اسقني ماء ، فلم يفعل ، فأدبه ، فليس للعبد أن يقول له : صيغة افعل في قولك : اسقني ماء ، تدل على التراخي ، وكنت سأمتثل بعد زمن متراخ عن الأمر ، بل يقولون : إن الصيغة ألزمتك فورا ، ولكنك عصيت أمر سيدك بالتواني والتراخي .
[ ص: 339 ] وأما العقل : فإنا لو قلنا : إن وجوب الحج على التراخي ، فلا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون ذلك التراخي له غاية معينة ينتهي عندها ، وإما لا ، والقسم الأول ممنوع ; لأن الحج لم يعين له زمن يتحتم فيه دون غيره من الأزمنة ، بل العمر كله تستوي أجزاؤه بالنسبة إليه إن قلنا : إنه ليس على الفور .
والحاصل : أنه ليس لأحد تعيين غاية له لم يعينها الشرع .
والقسم الثاني الذي هو : أن تراخيه ليس له غاية يقتضي عدم وجوبه ; لأن ما جاز تركه جوازا لم تعين له غاية ينتهي إليها ، فإن تركه جائز إلى غير غاية ، وهذا يقتضي عدم وجوبه ، والمفروض وجوبه .
فإن قيل : غايته الوقت الذي يغلب على الظن بقاؤه إليه .
فالجواب : أن البقاء إلى زمن متأخر ، ليس لأحد أن يظنه ؛ لأن الموت يأتي بغتة ، فكم من إنسان يظن أنه يبقى سنين فيخترمه الموت فجأة ، وقد قدمنا قوله تعالى في ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم [ 7 \ 185 ] ولا ينتهي إلى حالة يتيقن الموت فيها إلا عند عجزه عن العبادات ، ولا سيما العبادات الشاقة كالحج . والإنسان طويل الأمل ، يهرم ، ويشب أمله ، وتحديد وجوبه بستين سنة تحديد لا دليل عليه .
فهذه جملة أدلة القائلين بأن وجوب الحج على الفور ، ومنعوا أدلة المخالفين ، قالوا إن قولكم : إن الحج فرض سنة خمس بدليل قصة
ضمام بن ثعلبة المتقدمة ، فإن قدومه سنة خمس ، وقد ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الحج ، وأن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله الآية [ 2 \ 196 ] نزلت عام ست في عمرة
الحديبية ، فدلت على أن الحج مفروض عام ست ، وأنه صلى الله عليه وسلم أخره بعد فرضه إلى عام عشر ، كل ذلك مردود ، بل الحج إنما فرض عام تسع ، قالوا : والصحيح أن قدوم
ضمام بن ثعلبة السعدي كان سنة تسع .
وقال
ابن حجر في الإصابة في ترجمة
ضمام المذكور ما نصه : وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي أن قدومه كان في سنة خمس ، وفيه نظر . وذكر
ابن هشام عن
أبي عبيد أن قدومه كان سنة تسع ، وهذا عندي أرجح . اهـ منه ، وانظر ترجيح
ابن حجر لكون قدومه عام تسع .
وذكر
ابن كثير قدوم
ضمام المذكور في حوادث سنة تسع ، مع أنه ذكر قول من قال : إن قدومه كان قبل عام خمس ، هذا وجه ردهم للاحتجاج بقصة
ضمام ، وأما وجه ردهم للاحتجاج بآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله [ 2 \ 196 ] فهو أنها لم يذكر فيها إلا
[ ص: 340 ] وجوب الإتمام بعد الشروع ، فلا دليل فيها على ابتداء الوجوب ، وقد أجمع أهل العلم على أن من أحرم بحج أو عمرة ، وجب عليه الإتمام ، ووجوب الإتمام بعد الشروع لا يستلزم ابتداء الوجوب .
قال
ابن القيم في زاد المعاد ما نصه : وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله [ 2 \ 196 ] فإنها وإن نزلت سنة ست عام
الحديبية فليس فيها فرضية الحج ، وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما ، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء .
فإن قيل : فمن أين لكم تأخر نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة ؟
قيل : لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود ، وفيه : قدم
وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصالحهم على أداء الجزية ، والجزية إنما نزلت عام
تبوك سنة تسع ، وفيها نزل صدر سورة آل عمران ، وناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة ، ويدل عليه أن أهل
مكة ، وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين ، لما أنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا [ 9 \ 28 ] فأعاضهم الله تعالى من ذلك الجزية ، ونزول هذه الآيات والمناداة بها إنما كان عام تسع ، وبعث الصديق رضي الله عنه بذلك في
مكة في موسم الحج ، وأردفه
بعلي رضي الله عنه ، وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف ، والله أعلم . انتهى من زاد المعاد .
فتحصل أن آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله [ 2 \ 196 ] ، لم تدل على وجوب الحج ابتداء ، وإنما دلت على وجوب إتمامه بعد الشروع فيه كما هو ظاهر اللفظ ، ولو كان يتعين كونه يدل على ابتداء الوجوب لما حصل خلاف بين أهل العلم في وجوب العمرة ، والخلاف في وجوبها معروف ، وسيأتي إن شاء الله إيضاحه .
بل الذي أجمعوا عليه : هو وجوب إتمامها بعد الشروع فيها ، كما هو ظاهر الآية ، وأن قصة
ضمام بن ثعلبة ، كانت عام تسع كما رجحه
ابن حجر وغيره ، فظهر سقوط الاستدلال بها وبالآية الكريمة ، وأن الحج إنما فرض عام تسع كما أوضحه
ابن القيم في كلامه المذكور آنفا ; لأن آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ 3 \ 97 ] هي الآية التي فرض بها الحج .
وهي من صدر سورة آل عمران ، وقد نزل عام الوفود ، وفيه قدم
وفد نجران ، وصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الجزية ، والجزية إنما نزلت عام
[ ص: 341 ] تبوك سنة تسع كما تقدم قريبا ، وعلى كون الحج إنما فرض عام تسع غير واحد من العلماء ، وهو الصواب إن شاء الله تعالى .
وبه تعلم أنه لا حجة في تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج عام فتح
مكة ; لأنه انصرف من
مكة والحج قريب ، ولم يحج لأنه لم يفرض .
فإن قيل : سلمنا تسليما جدليا أن سبب تأخيره الحج عام فتح
مكة مع تمكنه منه وقدرته عليه ، أن الحج لم يكن مفروضا في ذلك الوقت ، وقد اعترفتم بأن الحج فرض عام تسع ، وهو صلى الله عليه وسلم لم يحج عام تسع ، بل أخر حجه إلى عام عشر ، وهذا يكفينا في الدلالة على أن وجوبه على التراخي ؛ إذ لو كان على الفور لما أخره بعد فرضه إلى عام عشر .
فالجواب والله تعالى أعلم : أن عام تسع لم يتمكن فيه النبي ، وأصحابه من منع المشركين من الطواف بالبيت وهم عراة ، وقد بين الله تعالى في كتابه أن منعهم من قربان
المسجد الحرام ، إنما هو بعد ذلك العام الذي هو عام تسع وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا [ 9 \ 28 ] ، و ( عامهم هذا ) هو عام تسع ، فدل على أنه لم يمكن منعهم عام تسع ، ولذا أرسل
عليا رضي الله عنه بعد
أبي بكر ينادي بـ " براءة " وأن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا عريان ، فلو بادر صلى الله عليه وسلم إلى الحج عام تسع لأدى ذلك إلى رؤيته المشركين يطوفون بالبيت وهم عراة وهو لا يمكنه أن يحضر ذلك ، ولا سيما في حجة الوداع التي يريد أن يبين للناس فيها مناسك حجهم ، فأول وقت أمكنه فيه الحج صافيا من الموانع والعوائق بعد وجوبه : عام عشر ، وقد بادر بالحج فيه ، والعلم عند الله تعالى ، وأجابوا عن قولهم : كونه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي ، أن يفسخوا حجهم في عمرة ، دليل على تأخير الحج ; لأنهم بعد ما أحرموا فيه فسخوه في عمرة ، وحلوا منه - بأن هذا ليس فيه تأخير الحج لعزمهم على أن يحجوا في تلك السنة بعينها ، وتأخير الحج إنما هو بتأخيره من سنة إلى أخرى ، وذلك ليس بواقع هنا ، فلا تأخير للحج في الحقيقة ; لأنهم حجوا في عين الوقت الذي حج فيه من لم يفسخ حجه في عمرة ، فلا تأخير كما ترى ، وأجابوا عن قولهم : إنه لو أخره من سنة إلى أخرى ، أو سنين ، ثم فعله بعد ذلك فإنه يسمى مؤديا لا قاضيا بالإجماع ، ولو حرم التأخير لكان قضاء - بأن القضاء لا يكون إلا في العبادة الموقتة بوقت معين ثم خرج ذلك الوقت المعين لها كما هو مقرر في الأصول ، والحج لم يوقت بزمن معين ، والعمر كله وقت له ، وذلك لا ينافي وجوب المبادرة خوفا من طرو العوائق ، أو نزول الموت قبل
[ ص: 342 ] الأداء ، كما تقدم إيضاحه .
وأجابوا عن قولهم : إن من
nindex.php?page=treesubj&link=3276تمكن من أداء الحج ثم أخره ثم فعله ، لا ترد شهادته فيما بين فعله وتأخيره . ولو كان التأخير حراما لردت شهادته لارتكابه ما لا يجوز - بأنه ما كل من ارتكب ما لا يجوز ترد شهادته ، بل لا ترد إلا بما يؤدي إلى الفسق ، وهنا قد يمنع من الحكم بتفسيقه مراعاة الخلاف وقول من قال : إنه لم يرتكب حراما ، وشبهة الأدلة التي أقاموها على ذلك ، هذا هو حاصل أدلة الفريقين .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر القولين عندي وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض هو أن وجوب أوامره جل وعلا - كالحج - على الفور لا على التراخي ، لما قدمنا من النصوص الدالة على الأمر بالمبادرة ، وللخوف من مباغتة الموت كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وسارعوا إلى مغفرة من ربكم الآية [ 3 \ 133 ] وما قدمنا معها من الآيات ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم [ 7 \ 185 ] ولما قدمنا من أن الشرع واللغة والعقل كلها يدل على أن أوامر الله تجب على الفور ، وقد بينا أوجه الجواب عن كونه صلى الله عليه وسلم لم يحج حجة الإسلام إلا سنة عشر ، والعلم عند الله تعالى ، وأشار في مراقي السعود إلى أن مذهب
مالك أن وجوب الأمر على الفور بقوله :
وكونه للفور أصل المذهب وهو لدى القيد بتأخير أبي
تَنْبِيهٌ
قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26614الْحَجَّ وَاجِبٌ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ ، وَهَلْ ذَلِكَ الْوُجُوبُ عَلَى سَبِيلِ الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي ؟
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ ، وَسَنُبَيِّنُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَقْوَالَهُمْ وَحُجَجَهُمْ ، وَمَا
[ ص: 330 ] يُرَجِّحُهُ الدَّلِيلُ عِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ ، فَمِمَّنْ قَالَ : إِنَّ وُجُوبَهُ عَلَى التَّرَاخِي ;
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ . قَالَ
النَّوَوِيُّ : وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، وَنَقَلَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَأَنَسٍ ،
وَجَابِرٍ ،
وَعَطَاءٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ ، وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ،
وَأَبُو يُوسُفَ ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ . قَالَ
النَّوَوِيُّ : وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ
لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ صَاحِبُ تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ : إِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ قَوْلُ
أَبِي يُوسُفَ ، وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ
ابْنَ شُجَاعٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3334الرَّجُلَ إِذَا وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ وَقَدْ قَصَدَ التَّزَوُّجَ ، قَالَ : يَحُجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ ; لِأَنَّ الْحَجَّ فَرِيضَةٌ أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ . انْتَهَى .
وَأَمَّا مَذْهَبُ
مَالِكٍ فَعَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ، كِلَاهُمَا شَهَرَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يَحْسُنِ الْفَوَاتُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفَوَاتِ ، فَإِنْ خَشِيَهُ وَجَبَ عِنْدَهُمْ فَوْرًا اتِّفَاقًا .
قَالَ
خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْفِقْهِ الْمَالِكِيِّ : وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ . اهـ .
وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّهُ إِنْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ : خِلَافٌ ، فَهُوَ يَعْنِي بِذَلِكَ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَشْهِيرِ الْقَوْلِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ
الْمَوَّاقُ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ
خَلِيلٍ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ
الْجَلَّابُ : مَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ ، وَفَرْضُهُ عَلَى الْفَوْرِ دُونَ التَّرَاخِي وَالتَّسْوِيفِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14120ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا
لِلْعِرَاقِيِّينَ ، وَعَزَا
لِابْنِ مُحْرِزٍ وَالْمَغَارِبَةِ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ ،
وَابْنِ رُشْدٍ : أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَهُ . وَإِذَا عَلِمْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهَذِهِ حُجَجُهُمْ :
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَاحْتَجُّوا بِأَدِلَّةٍ ، مِنْهَا : أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26614الْحَجَّ فُرِضَ عَامَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ آيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ الْآيَةَ [ 2 \ 196 ] نَزَلَتْ عَامَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي شَأْنِ مَا وَقَعَ فِي
الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ إِحْصَارِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهَ ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ بِعُمْرَةٍ ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ عَامِ سِتٍّ بِلَا خِلَافٍ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=167كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ ص: 331 ] [ 2 \ 196 ] ، وَذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا الْآيَةَ [ 2 \ 196 ] ، وَلِذَا جَزَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ عَامَ سِتٍّ . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ الْحَجُّ فُرِضَ عَامَ سِتٍّ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا عَامَ عَشْرٍ ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ؛ إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتٍ لِلْحَجِّ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ . قَالُوا : وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ عَامُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَتَحَ
مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ ، وَاعْتَمَرَ عُمْرَةَ
الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ عَامِ ثَمَانٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَحُجَّ ، قَالُوا : وَاسْتَخْلَفَ
عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ ، فَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ سَنَةَ ثَمَانٍ ، بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا
بِالْمَدِينَةِ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ ، وَلَمْ يَحُجُّوا ، قَالُوا : ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ
تَبُوكَ فِي عَامِ تِسْعٍ ، وَانْصَرَفَ عَنْهَا قَبْلَ الْحَجِّ ، فَبَعَثَ
أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ سَنَةَ تِسْعٍ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ قَادِرُونَ عَلَى الْحَجِّ ، غَيْرُ مُشْتَغِلِينَ بِقِتَالٍ وَلَا غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَحُجُّوا ، ثُمَّ حَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَأَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ سَنَةَ عَشْرٍ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، قَالُوا : فَتَأْخِيرُهُ الْحَجَّ الْمَذْكُورَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ ، بَلْ عَلَى التَّرَاخِي .
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِمَا جَاءَ فِي صَحِيحٍ
مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ
ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّعْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16696عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا
هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16034سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ
ثَابِتٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008486يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ . قَالَ : صَدَقَ . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ ؟ قَالَ : اللَّهُ . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ ؟ قَالَ : اللَّهُ . قَالَ : فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ ؟ قَالَ : اللَّهُ . قَالَ : فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا . قَالَ : صَدَقَ . قَالَ : فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا . قَالَ : صَدَقَ . قَالَ : فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا ، قَالَ : صَدَقَ . قَالَ : فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا . قَالَ : صَدَقَ . ثُمَّ وَلَّى قَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَئِنْ [ ص: 332 ] صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ " . انْتَهَى مِنْ صَحِيحِ
مُسْلِمٍ ، قَالُوا : هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ جَاءَ فِيهِ وُجُوبُ الْحَجِّ ، وَقَدْ زَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ : أَنَّ قُدُومَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ
ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ كَانَ عَامَ خَمْسٍ ، قَالُوا : وَقَدْ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16100شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ
كُرَيْبٍ فَقَالَ فِيهِ : بَعَثَ
بَنُو سَعْدٍ ضِمَامًا فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ كَانَ مَفْرُوضًا عَامَ خَمْسٍ ، فَتَأْخِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ إِلَى عَامِ عَشْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، لَا عَلَى الْفَوْرِ .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008487أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَمَرَ الْمُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ أَنْ يَفْسَخُوهُ فِي عُمْرَةٍ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=3276تَأْخِيرِ الْحَجِّ ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا : أَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْحَجَّ مِنْ سَنَةٍ إِلَى أُخْرَى ، أَوْ إِلَى سِنِينَ ، ثُمَّ فَعَلَهُ ; فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُؤَدِّيًا لِلْحَجِّ لَا قَاضِيًا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ ، قَالُوا : وَلَوْ حَرُمَ تَأْخِيرُهُ لَكَانَ قَضَاءً لَا أَدَاءً .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي : مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الْقَرَائِنِ ، لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِامْتِثَالُ الْمُجَرَّدُ . فَوُجُوبُ الْفَوْرِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ زَائِدٍ عَلَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ : أَنَّهُمْ قَاسُوا الْحَجَّ عَلَى الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ . قَالُوا : فَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَيُقَاسُ الْحَجُّ عَلَيْهَا ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ .
وَمِنْهَا : أَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ فِي كَوْنِهِمَا عَلَى التَّرَاخِي ، بِجَامِعِ أَنَّ كِلَيْهِمَا وَاجِبٌ ، لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ : قَالُوا : وَلَكِنْ ثَبَتَتْ آثَارٌ : أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ غَايَةُ زَمَنِهِ مُدَّةُ السَّنَةِ . هَذَا هُوَ حَاصِلُ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَدِلَّةٍ ، وَمَنَعُوا أَدِلَّةَ الْمُخَالِفِينَ .
فَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ
nindex.php?page=treesubj&link=3275الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُفْهَمُ مِنْهَا ذَلِكَ ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ :
قِسْمٌ مِنْهَا فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَالثَّنَاءُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : يَدُلُّ عَلَى تَوْبِيخِ مَنْ لَمْ يُبَادِرْ ، وَتَخْوِيفِهِ مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَمْتَثِلَ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اقْتَرَبَ أَجْلُهُ ، وَهُوَ لَا يَدْرِي .
أَمَّا آيَاتُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَكَقَوْلِهِ :
[ ص: 333 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ 3 \ 133 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [ 57 \ 21 ] ، فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمُسَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ إِلَى مَغْفِرَتِهِ ، وَجَنَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَذَلِكَ بِالْمُبَادَرَةِ وَالْمُسَابَقَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسَارَعَةَ وَالْمُسَابَقَةَ كِلْتَاهُمَا عَلَى الْفَوْرِ لَا التَّرَاخِي ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ الْآيَةَ [ 2 \ 148 ] ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِبَاقُ إِلَى الِامْتِثَالِ . وَصِيَغُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فَاسْتَبِقُوا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ; لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمُقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ : أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ ، إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنِ الْقَرَائِنِ اقْتَضَتِ الْوُجُوبَ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَرَاقِي بِقَوْلِهِ :
وَافْعَلْ لَدَى الْأَكْثَرِ لِلْوُجُوبِ . . إِلَخْ
وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ 24 \ 63 ] وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [ 33 \ 36 ] فَصَرَّحَ جَلَّ وَعَلَا ، بِأَنَّ أَمْرَهُ قَاطِعٌ لِلِاخْتِيَارِ ، مُوجِبٌ لِلِامْتِثَالِ ، وَقَدْ سَمَّى نَبِيُّهُ
مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُخَالَفَةَ الْأَمْرِ مَعْصِيَةً ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=93أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [ 20 \ 93 ] يَعْنِي قَوْلَهُ لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [ 7 \ 142 ] وَإِنَّمَا قَالَ
مُوسَى لِأَخِيهِ
هَارُونَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ ، فَلَمَّا عَلِمَهَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=151رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [ 7 \ 151 ] وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْوُجُوبَ : أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا عَنَّفَ إِبْلِيسَ لَمَّا خَالَفَ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [ 7 \ 12 ] وَالنُّصُوصُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ : أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : اسْقِنِي مَاءً ، مَثَلًا ، فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ فَأَدَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ ، أَنَّ ذَلِكَ التَّأْدِيبَ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ ; لِأَنَّهُ عَصَاهُ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ، فَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ : لَيْسَ لَكَ أَنْ تُؤَدِّبَنِي ، لِأَنَّ أَمْرَكَ لِي بِقَوْلِكَ : اسْقِنِي مَاءً ، لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ - لَقَالَ لَهُ أَهْلُ اللِّسَانِ : كَذَبْتَ ، بَلِ الصِّيغَةُ أَلْزَمَتْكَ ، وَلَكِنَّكَ عَصَيْتَ سَيِّدَكَ ، فَدَلَّ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّ الشَّرْعَ وَاللُّغَةَ دَلَّا عَلَى اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ الْوُجُوبَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا وَقَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ اللَّهِ فَوْرًا .
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الثَّنَاءُ عَلَى الْمُبَادِرِينَ إِلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ رَبِّهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 334 ] nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ الْآيَةَ [ 21 ] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=61أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [ 23 \ 61 ] .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الدَّالُّ عَلَى التَّخْوِيفِ مِنَ الْمَوْتِ قَبْلَ الِامْتِثَالِ الْمُتَضَمِّنِ الْحَثَّ عَلَى الِامْتِثَالِ : فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَمَرَ خَلْقَهُ أَنْ يَنْظُرُوا فِي غَرَائِبِ صُنْعِهِ وَعَجَائِبِهِ ، كَخَلْقِهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [ 10 \ 101 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=6أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ 50 \ 6 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=17أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [ 88 \ 17 - 20 ] . ثُمَّ ذَكَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّظَرَ مَعَ لُزُومِهِ يَجِبُ مَعَهُ النَّظَرُ فِي اقْتِرَابِ الْأَجَلِ ، فَقَدْ يَقْتَرِبُ أَجَلُهُ وَيَضِيعُ عَلَيْهِ أَجْرُ الِامْتِثَالِ بِمُعَالَجَةِ الْمَوْتِ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [ 7 \ 185 ] إِذِ الْمَعْنَى : أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي أَنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَجَلُهُمْ قَدِ اقْتَرَبَ ، فَيَضِيعُ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ بِعَدَمِ الْمُبَادَرَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ ، عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُعَالِجَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ ، أَحَادِيثُ جَاءَتْ دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ ، إِلَّا أَنَّهَا تَعْتَضِدُ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ ، وَبِمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَهَا .
مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنْبَأَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ ، عَنْ
فُضَيْلٍ ، يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008488تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ " يَعْنِي الْفَرِيضَةَ . فَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : تَعَجَّلُوا ، يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ ، وَقَدْ نَقَلَ حَدِيثَ
أَحْمَدَ هَذَا الْمُجِدُّ فِي الْمُنْتَقَى بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ عَلَى عَادَتِهِ ، فَقَالَ : عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008488تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ " - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008489فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ " . رَوَاهُ
أَحْمَدُ . انْتَهَى مِنْهُ .
وَقَدْ سَكَتَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَيْضًا شَارِحُهُ
الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ ، وَظَاهِرُ سُكُوتِهُمَا عَلَيْهِ : أَنَّهُ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ عِنْدَهُمَا ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِانْفِرَادِهِ
[ ص: 335 ] لِلِاحْتِجَاجِ ; فَفِي سَنَدِهِ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيفَةَ أَبُو إِسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ ، وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ ; لِأَنَّهُ ضَعَّفَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ، وَكَانَ شِيعِيًّا مِنْ غُلَاتِهِمْ ، وَكَانَ مِمَّنْ يُكَفِّرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ فِيهِ
ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ : صَدُوقٌ ، سَيِّئُ الْحِفْظِ ، نُسِبَ إِلَى الْغُلُوِّ فِي التَّشَيُّعِ .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ ، وَانْظُرْ إِنْ شِئْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ، وَالْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ : مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيُّ ، عَنْ
مِهْرَانَ أَبِي صَفْوَانَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ " . اهـ . وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ ، ثَنَا [
أبو ] مُعَاوِيَةُ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ
مِهْرَانَ أَبِي صَفْوَانَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ " . اهـ . وَقَالَ
الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ : حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ، أَنْبَأَنَا
أَبُو الْمُثَنَّى ، ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12156أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ، عَنْ
أَبِي صَفْوَانَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ " ثُمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
وَأَبُو صَفْوَانَ هَذَا سَمَّاهُ غَيْرُهُ
مِهْرَانَ ، مَوْلًى
لِقُرَيْشٍ ، وَلَا يُعْرَفُ بِالْجَرْحِ . انْتَهَى مِنْهُ . وَأَقَرَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14324الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ لِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَلَا يَخْلُو هَذَا السَّنَدُ مِنْ مَقَالٍ ; لِأَنَّ فِيهِ
مِهْرَانَ أَبَا صَفْوَانَ ، قَالَ فِيهِ
ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ : كُوفِيٌّ مَجْهُولٌ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ : لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ . وَقَالَ فِيهِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ : رَوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ " ، وَعَنْهُ
الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيُّ ، قَالَ
أَبُو زُرْعَةَ : لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ . قُلْتُ : وَقَالَ
الْحَاكِمُ لَمَّا أَخْرَجَ حَدِيثَهُ هَذَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ : لَا يُعْرَفُ بِجَرْحٍ . انْتَهَى مِنْهُ ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ
مِهْرَانَ الْمَذْكُورَ مُعْتَبَرٌ بِهِ ، فَيَعْتَضِدُ بِمَا قَبْلَهُ ، وَبِمَا بَعْدَهُ ، مَعَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنَ حِبَّانَ عَدَّهُ فِي الثِّقَاتِ ، وَصَحَّحَ حَدِيثَهُ
الْحَاكِمُ ، وَأَقَرَّهُ
الذَّهَبِيُّ عَلَى ذَلِكَ . اهـ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ : حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ،
وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَا : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ أَبُو إِسْرَائِيلَ ، عَنْ
فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ
الْفَضْلِ - أَوْ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008490مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ ; فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ " . اهـ . وَفِي سَنَدِهِ :
إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيفَةَ أَبُو إِسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ ضَعَّفُوهُ .
[ ص: 336 ] وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008491مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ ، أَوْ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا " قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ : هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14798الْعُقَيْلِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14269وَالدَّارَقُطْنِيُّ : لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ .
قُلْتُ : وَلَهُ طُرُقٌ .
أَحَدُهَا : أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي السُّنَنِ
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ
شَرِيكٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16861لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنِ
ابْنِ سَابِطٍ ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ بِلَفْظِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008492مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا " . لَفْظُ
الْبَيْهَقِيِّ ، وَلَفْظُ
أَحْمَدَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008493مَنْ كَانَ ذَا يَسَارٍ فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ " الْحَدِيثَ .
وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ ،
وَشَرِيكٌ سَيِّئُ الْحِفْظِ ، وَقَدْ خَالَفَهُ
سُفْيَانُ nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ فَأَرْسَلَهُ ، وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٍ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
لَيْثٍ ، عَنِ
ابْنِ سَابِطٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008494مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ ظَالِمٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ " فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا .
وَكَذَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ
لَيْثٍ مُرْسَلًا ، وَأَوْرَدَهُ
أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ، عَنْ
شَرِيكٍ مُخَالِفَةٍ لِلْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ ، وَرَاوِيهَا عَنْ
شَرِيكٍ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ ضَعِيفٌ . وَقَالَ
الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ طَرِيقَ
أَبِي يَعْلَى هَذِهِ فِي تَرْجَمَةِ
عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ الرَّهَاوِيِّ الْمَذْكُورِ الرَّاوِي ، عَنْ
شَرِيكٍ : هَذَا مُنْكَرٌ عَنْ
شَرِيكٍ .
الثَّانِي : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007239مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ; وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [ 3 \ 97 ] " رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : غَرِيبٌ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ ،
وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ ،
وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّاوِي لَهُ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ مَجْهُولٌ ، وَسُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12352إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْهُ ؟ فَقَالَ : مَنْ
هِلَالٌ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابْنُ عَدِيٍّ : يُعْرَفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ بِمَحْفُوظٍ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14798الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ حَدِيثَ
عَلِيٍّ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ
هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ ، وَقَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ . وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ : مَجْهُولٌ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14798الْعُقَيْلِيُّ : لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ . اهـ . وَقَالَ فِيهِ فِي التَّقْرِيبِ : مَتْرُوكٌ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ مَوْقُوفًا ، وَلَمْ يُرْوَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا ، وَقَالَ
الْمُنْذِرِيُّ : طَرِيقُ
أَبِي أُمَامَةَ عَلَى مَا فِيهَا أَصْلَحُ مِنْ هَذِهِ .
الثَّالِثُ : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ : "
مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ وَجَعٍ حَابِسٍ ، [ ص: 337 ] أَوْ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ ، أَوْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ; فَلْيَمُتْ أَيَّ الْمِيتَتَيْنِ شَاءَ : إِمَّا يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابْنُ عَدِيٍّ ، مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغَطَفَانِيِّ ، عَنْ
أَبِي الْمُهَزِّمِ - وَهُمَا مَتْرُوكَانِ - عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَهُ طَرِيقٌ صَحِيحَةٌ ; إِلَّا أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ ، رَوَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ فَتَنْظُرَ كُلَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ جِدَّةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ ; مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ " لَفْظُ
سَعِيدٍ ، وَلَفْظُ
الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ
عُمَرَ قَالَ : لِيَمُتْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا - يَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - رَجُلٌ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَجَدَ لِذَلِكَ سَعَةً ، وَخُلِّيَتْ سَبِيلُهُ .
قُلْتُ : وَإِذَا انْضَمَّ هَذَا الْمَوْقُوفُ إِلَى مُرْسَلِ
ابْنِ سَابِطٍ ، عُلِمَ أَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا ، وَمَحْمَلُهُ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ التَّرْكَ ، وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ خَطَأُ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ مِنَ التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ بِلَفْظِهِ .
وَقَوْلُ
ابْنِ حَجَرٍ : وَمَحْمَلُهُ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ التَّرْكَ ، هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الْكُفْرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [ 3 \ 97 ] يُحْمَلُ عَلَى مُسْتَحِلِّ التَّرْكِ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْمَقَالِ أَنَّهَا تُصَرِّحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِثْمِ إِلَّا مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْحَجِّ ؛ كَالْمَرَضِ ، أَوِ الْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ ، أَوِ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ . فَلَوْ كَانَ تَرَاخِيهِ لِغَيْرِ الْعُذْرِ الْمَذْكُورِ لَكَانَ قَدْ مَاتَ ، وَهُوَ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّرَاخِي فِيهِ إِلَّا لِعُذْرٍ ، وَقَالَ
الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ ، بَعْدَ أَنْ سَاقَ الطُّرُقَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ : وَهَذِهِ الطُّرُقُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا . وَبِذَلِكَ تَتَبَيَّنُ مُجَازَفَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي عَدِّهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ ، فَإِنَّ مَجْمُوعَ تِلْكَ الطُّرُقِ لَا يَقْصُرُ عَنْ كَوْنِ الْحَدِيثِ حَسَنًا لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ مُحْتَجٌّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14798الْعُقَيْلِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14269وَالدَّارَقُطْنِيِّ : لَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْحُسْنِ . اهـ . مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ ، مَا قَدَّمْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، مِنْ حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008496مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ " قَالَ
عِكْرِمَةُ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ - يَعْنِي حَدِيثَ
الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورَ فَقَالَا : صَدَقَ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ
الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ ،
والْبَيْهَقِيُّ ، وَقَدْ
[ ص: 338 ] قَدَّمْنَا أَنَّهُ سَكَتَ عَلَيْهِ
أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ ، وَحَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ ، وَأَنَّ
النَّوَوِيَّ قَالَ فِيهِ : رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ والْبَيْهَقِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ ، عِنْدَ
أَبِي دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنِ مَاجَهْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008497فَقَدْ حَلَّ ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ " ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008498مِنْ قَابِلٍ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَضَاءَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ فِي غَيْرِهَا ، وَبَيَّنَّا أَدِلَّةَ ذَلِكَ هُنَاكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [ 2 \ 196 ] وَالرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا هُنَاكَ : " فَقَدْ حَلَّ ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى " ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ قَدْ بَيَّنَتْهَا رِوَايَةُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008499وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ " وَهِيَ ثَابِتَةٌ ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْفَوْرِ ، مُفَسِّرَةٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا هُنَاكَ .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ - مَعَ تَعَدُّدِهَا وَاخْتِلَافِ طُرُقِهَا - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ ، وَتَعْتَضِدُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا ، وَتَعْتَضِدُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ قَالُوا : إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَأَنَّ حَدِيثَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008500مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ " - مَعَ ضَعْفِهِ - حُجَّةٌ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ وَكَلَ الْأَمْرَ إِلَى إِرَادَتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا يَقِلُّ مَجْمُوعُهَا عَنْ دَرَجَةِ الِاحْتِجَاجِ ، عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ ، هُوَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ ، وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ قَالُوا : إِنَّ الشَّرْعَ وَاللُّغَةَ وَالْعَقْلَ كُلَّهَا دَالٌّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْفَوْرَ . أَمَّا الشَّرْعُ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمُبَادَرَةِ فَوْرًا لِامْتِثَالِ أَوَامِرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [ 3 \ 133 ] ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الْآيَةَ [ 57 \ 21 ] ، وَبَيَّنَّا دَلَالَةَ تِلْكَ الْآيَاتِ وَأَمْثَالِهَا عَلَى اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْفَوْرَ ، وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ .
وَأَمَّا اللُّغَةُ : فَإِنَّ أَهْلَ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ ، مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : اسْقِنِي مَاءً ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَأَدَّبَهُ ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ : صِيغَةُ افْعَلْ فِي قَوْلِكَ : اسْقِنِي مَاءً ، تَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي ، وَكُنْتُ سَأَمْتَثِلُ بَعْدَ زَمَنٍ مُتَرَاخٍ عَنِ الْأَمْرِ ، بَلْ يَقُولُونَ : إِنَّ الصِّيغَةَ أَلْزَمَتْكَ فَوْرًا ، وَلَكِنَّكَ عَصَيْتَ أَمْرَ سَيِّدِكَ بِالتَّوَانِي وَالتَّرَاخِي .
[ ص: 339 ] وَأَمَّا الْعَقْلُ : فَإِنَّا لَوْ قُلْنَا : إِنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّرَاخِي لَهُ غَايَةٌ مُعَيَّنَةٌ يَنْتَهِي عِنْدَهَا ، وَإِمَّا لَا ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ الْحَجَّ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ زَمَنٌ يَتَحَتَّمُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَزْمِنَةِ ، بَلِ الْعُمُرُ كُلُّهُ تَسْتَوِي أَجْزَاؤُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ إِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ تَعْيِينُ غَايَةٍ لَهُ لَمْ يُعَيِّنْهَا الشَّرْعُ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ : أَنَّ تَرَاخِيَهُ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِهِ ; لِأَنَّ مَا جَازَ تَرْكُهُ جَوَازًا لَمْ تُعَيَّنْ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا ، فَإِنَّ تَرْكَهُ جَائِزٌ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِهِ ، وَالْمَفْرُوضُ وُجُوبُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : غَايَتُهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاؤُهُ إِلَيْهِ .
فَالْجَوَابُ : أَنَّ الْبَقَاءَ إِلَى زَمَنٍ مُتَأَخِّرٍ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً ، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ يَظُنُّ أَنَّهُ يَبْقَى سِنِينَ فَيَخْتَرِمُهُ الْمَوْتُ فَجْأَةً ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [ 7 \ 185 ] وَلَا يَنْتَهِي إِلَى حَالَةٍ يَتَيَقَّنُ الْمَوْتَ فِيهَا إِلَّا عِنْدَ عَجْزِهِ عَنِ الْعِبَادَاتِ ، وَلَا سِيَّمَا الْعِبَادَاتُ الشَّاقَّةُ كَالْحَجِّ . وَالْإِنْسَانُ طَوِيلُ الْأَمَلِ ، يَهْرَمُ ، وَيَشِبُّ أَمَلُهُ ، وَتَحْدِيدُ وَجُوبِهَ بِسِتِّينَ سَنَةً تَحْدِيدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ .
فَهَذِهِ جُمْلَةُ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ ، وَمَنَعُوا أَدِلَّةَ الْمُخَالِفِينَ ، قَالُوا إِنَّ قَوْلَكُمْ : إِنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ بِدَلِيلِ قِصَّةِ
ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّ قُدُومَهُ سَنَةَ خَمْسٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوبَ الْحَجِّ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ الْآيَةَ [ 2 \ 196 ] نَزَلَتْ عَامَ سِتٍّ فِي عُمْرَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ ، فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مَفْرُوضٌ عَامَ سِتٍّ ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهُ بَعْدَ فَرْضِهِ إِلَى عَامِ عَشْرٍ ، كُلُّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ ، بَلِ الْحَجُّ إِنَّمَا فُرِضَ عَامَ تِسْعٍ ، قَالُوا : وَالصَّحِيحُ أَنَّ قُدُومَ
ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّعْدِيِّ كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ .
وَقَالَ
ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ فِي تَرْجَمَةِ
ضِمَامٍ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ : وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدَيُّ أَنَّ قُدُومَهُ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ ، وَفِيهِ نَظَرٌ . وَذَكَرَ
ابْنُ هِشَامٍ عَنْ
أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ قُدُومَهُ كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ ، وَهَذَا عِنْدِي أَرْجَحُ . اهـ مِنْهُ ، وَانْظُرْ تَرْجِيحَ
ابْنِ حَجَرٍ لِكَوْنِ قُدُومِهِ عَامَ تِسْعٍ .
وَذَكَرَ
ابْنُ كَثِيرٍ قُدُومَ
ضِمَامٍ الْمَذْكُورِ فِي حَوَادِثِ سَنَةِ تِسْعٍ ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ قُدُومَهُ كَانَ قَبْلَ عَامِ خَمْسٍ ، هَذَا وَجْهُ رَدِّهِمْ لِلِاحْتِجَاجِ بِقِصَّةِ
ضِمَامٍ ، وَأَمَّا وَجْهُ رَدِّهِمْ لِلِاحْتِجَاجِ بِآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [ 2 \ 196 ] فَهُوَ أَنَّهَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا إِلَّا
[ ص: 340 ] وُجُوبُ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ ، فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْوُجُوبِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ ، وَوُجُوبُ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ لَا يَسْتَلْزِمُ ابْتِدَاءَ الْوُجُوبِ .
قَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ مَا نَصُّهُ : وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [ 2 \ 196 ] فَإِنَّهَا وَإِنْ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ فَلَيْسَ فِيهَا فَرْضِيَّةُ الْحَجِّ ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ وَإِتْمَامِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الِابْتِدَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ تَأَخُّرُ نُزُولِ فَرْضِهِ إِلَى التَّاسِعَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ ؟
قِيلَ : لِأَنَّ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَ عَامَ الْوُفُودِ ، وَفِيهِ : قَدِمَ
وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ، وَالْجِزْيَةُ إِنَّمَا نَزَلَتْ عَامَ
تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ ، وَفِيهَا نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَنَاظَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْمُبَاهَلَةِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ ، وَجَدُوا فِي نُفُوسِهِمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ التِّجَارَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [ 9 \ 28 ] فَأَعَاضَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْجِزْيَةَ ، وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْمُنَادَاةُ بِهَا إِنَّمَا كَانَ عَامَ تِسْعٍ ، وَبَعَثَ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ فِي
مَكَّةَ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ ، وَأَرْدَفَهُ
بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَدْ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . انْتَهَى مِنْ زَادِ الْمَعَادِ .
فَتَحَصَّلَ أَنَّ آيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [ 2 \ 196 ] ، لَمْ تَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ ابْتِدَاءً ، وَإِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ إِتْمَامِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ ، وَلَوْ كَانَ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ الْوُجُوبِ لَمَا حَصَلَ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ ، وَالْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا مَعْرُوفٌ ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِيضَاحُهُ .
بَلِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ : هُوَ وُجُوبُ إِتْمَامِهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ ، وَأَنَّ قِصَّةَ
ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، كَانَتْ عَامَ تِسْعٍ كَمَا رَجَّحَهُ
ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ ، فَظَهَرَ سُقُوطُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا وَبِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَأَنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا فُرِضَ عَامَ تِسْعٍ كَمَا أَوْضَحَهُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا ; لِأَنَّ آيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [ 3 \ 97 ] هِيَ الْآيَةُ الَّتِي فُرِضَ بِهَا الْحَجُّ .
وَهِيَ مِنْ صَدْرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَقَدْ نَزَلَ عَامَ الْوُفُودِ ، وَفِيهِ قَدِمَ
وَفْدُ نَجْرَانَ ، وَصَالَحَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ، وَالْجِزْيَةُ إِنَّمَا نَزَلَتْ عَامَ
[ ص: 341 ] تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا ، وَعَلَى كَوْنِ الْحَجِّ إِنَّمَا فُرِضَ عَامَ تِسْعٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي تَأْخِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ عَامَ فَتْحِ
مَكَّةَ ; لِأَنَّهُ انْصَرَفَ مِنْ
مَكَّةَ وَالْحَجُّ قَرِيبٌ ، وَلَمْ يَحُجَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ .
فَإِنْ قِيلَ : سَلَّمْنَا تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا أَنَّ سَبَبَ تَأْخِيرِهِ الْحَجَّ عَامَ فَتْحِ
مَكَّةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، أَنَّ الْحَجَّ لَمْ يَكُنْ مَفْرُوضًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَقَدِ اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ عَامَ تِسْعٍ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ عَامَ تِسْعٍ ، بَلْ أَخَّرَ حَجَّهُ إِلَى عَامِ عَشْرٍ ، وَهَذَا يَكْفِينَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى التَّرَاخِي ؛ إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ بَعْدَ فَرْضِهِ إِلَى عَامِ عَشْرٍ .
فَالْجَوَابُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ : أَنَّ عَامَ تِسْعٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِيهِ النَّبِيُّ ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنْعَهُمْ مِنْ قُرْبَانِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ الَّذِي هُوَ عَامُ تِسْعٍ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=28يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [ 9 \ 28 ] ، وَ ( عَامِهِمْ هَذَا ) هُوَ عَامُ تِسْعٍ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُهُمْ عَامَ تِسْعٍ ، وَلِذَا أَرْسَلَ
عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ
أَبِي بَكْرٍ يُنَادِي بِـ " بَرَاءَةٌ " وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلَا عُرْيَانٌ ، فَلَوْ بَادَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَجِّ عَامَ تِسْعٍ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى رُؤْيَتِهِ الْمُشْرِكِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ ، وَلَا سِيَّمَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ فِيهَا مَنَاسِكَ حَجِّهِمْ ، فَأَوَّلُ وَقْتٍ أَمْكَنَهُ فِيهِ الْحَجُّ صَافِيًا مِنَ الْمَوَانِعِ وَالْعَوَائِقِ بَعْدَ وُجُوبِهِ : عَامُ عَشْرٍ ، وَقَدْ بَادَرَ بِالْحَجِّ فِيهِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ : كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ لَمْ يَسُوقُوا الْهَدْيَ ، أَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ فِي عُمْرَةٍ ، دَلِيلٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَجِّ ; لِأَنَّهُمْ بَعْدَ مَا أَحْرَمُوا فِيهِ فَسَخُوهُ فِي عُمْرَةٍ ، وَحَلُّوا مِنْهُ - بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَأْخِيرُ الْحَجِّ لِعَزْمِهِمْ عَلَى أَنْ يَحُجُّوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ بِعَيْنِهَا ، وَتَأْخِيرُ الْحَجِّ إِنَّمَا هُوَ بِتَأْخِيرِهِ مِنْ سَنَةٍ إِلَى أُخْرَى ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِوَاقِعٍ هُنَا ، فَلَا تَأْخِيرَ لِلْحَجِّ فِي الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّهُمْ حَجُّوا فِي عَيْنِ الْوَقْتِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ مَنْ لَمْ يَفْسَخْ حَجَّهُ فِي عُمْرَةٍ ، فَلَا تَأْخِيرَ كَمَا تَرَى ، وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ مِنْ سَنَةٍ إِلَى أُخْرَى ، أَوْ سِنِينَ ، ثُمَّ فَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ حَرُمَ التَّأْخِيرَ لَكَانَ قَضَاءً - بِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْعِبَادَةِ الْمُوَقَّتَةِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَرَجَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الْمُعِينُ لَهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ ، وَالْحَجُّ لَمْ يُوَقَّتْ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ ، وَالْعُمُرُ كُلُّهُ وَقْتٌ لَهُ ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمُبَادَرَةِ خَوْفًا مَنْ طُرُوِّ الْعَوَائِقِ ، أَوْ نُزُولِ الْمَوْتِ قَبْلَ
[ ص: 342 ] الْأَدَاءِ ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ .
وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3276تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ ثُمَّ أَخَّرَهُ ثُمَّ فَعَلَهُ ، لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فِيمَا بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَأْخِيرِهِ . وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ حَرَامًا لَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَجُوزُ - بِأَنَّهُ مَا كُلُّ مَنِ ارْتَكَبَ مَا لَا يَجُوزُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ، بَلْ لَا تُرَدُّ إِلَّا بِمَا يُؤَدِّي إِلَى الْفِسْقِ ، وَهُنَا قَدْ يَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ بِتَفْسِيقِهِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ حَرَامًا ، وَشُبْهَةُ الْأَدِلَّةِ الَّتِي أَقَامُوهَا عَلَى ذَلِكَ ، هَذَا هُوَ حَاصِلُ أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي وَأَلْيَقُهُمَا بِعَظْمَةِ خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ أَوَامِرِهِ جَلَّ وَعَلَا - كَالْحَجِّ - عَلَى الْفَوْرِ لَا عَلَى التَّرَاخِي ، لِمَا قَدَّمْنَا مِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمُبَادَرَةِ ، وَلِلْخَوْفِ مِنْ مُبَاغَتَةِ الْمَوْتِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الْآيَةَ [ 3 \ 133 ] وَمَا قَدَّمْنَا مَعَهَا مِنَ الْآيَاتِ ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=185أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [ 7 \ 185 ] وَلِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الشَّرْعَ وَاللُّغَةَ وَالْعَقْلَ كُلُّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوَامِرَ اللَّهِ تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْجُهَ الْجَوَابِ عَنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إِلَّا سَنَةَ عَشْرٍ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ إِلَى أَنَّ مَذْهَبَ
مَالِكٍ أَنَّ وُجُوبَ الْأَمْرِ عَلَى الْفَوْرِ بِقَوْلِهِ :
وَكَوْنُهُ لِلْفَوْرِ أَصْلُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ لَدَى الْقَيْدِ بِتَأْخِيرِ أَبِي