قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28992_28247_28248خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون .
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر بعض العلماء في الآية قولا ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول . فإذا علمت ذلك فاعلم أن في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : من عجل فيه للعلماء قولان معروفان ، وفي نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة أحدهما . أما القول الذي دلت القرينة المذكورة على عدم صحته فهو قول من قال : العجل : الطين ، وهي لغة
حميرية كما قال شاعرهم :
البيع في الصخرة الصماء منبته والنخل ينبت بين الماء والعجل
يعني : بين الماء والطين . وعلى هذا القول فمعنى الآية : خلق الإنسان من طين ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=61أأسجد لمن خلقت طينا [ 17 \ 61 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7وبدأ خلق الإنسان من طين [ 32 \ 7 ] والقرينة المذكورة الدالة على أن المراد بالعجل في الآية ليس الطين قوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37فلا تستعجلون وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=38ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين [ ص: 150 ] [ 21 \ 38 ] فهذا يدل على أن المراد بالعجل هو العجلة التي هي خلاف التأني ، والتثبت . والعرب تقول : خلق من كذا . يعنون بذلك المبالغة في الإنصاف . كقولهم : خلق فلان من كرم ، وخلقت فلانة من الجمال . ومن هذا المعنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54الله الذي خلقكم من ضعف [ 30 \ 54 ] على الأظهر . ويوضح هذا المعنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=11ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا [ 17 \ 11 ] أي : ومن عجلته دعاؤه على نفسه أو ولده بالشر . قال بعض العلماء : كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى العلم والإقرار ، ويقولون : متى هذا الوعد . فنزل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل للزجر عن ذلك . كأنه يقول لهم : ليس ببدع منكم أن تستعجلوا ، فإنكم مجبولون على ذلك ، وهو طبعكم وسجيتكم . ثم وعدهم بأنه سيريهم آياته ، ونهاهم أن يستعجلوا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37سأريكم آياتي فلا تستعجلون [ 21 \ 37 ] كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [ 41 \ 53 ] وقال بعض أهل العلم : المراد بالإنسان في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل آدم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
والسدي : لما دخل الروح في عيني
آدم نظر في ثمار الجنة ، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام ، فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه ؛ عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل . وعن
مجاهد ،
والكلبي ، وغيرهما : خلق
آدم يوم الجمعة في آخر النهار ، فلما أحيا الله رأسه استعجل وطلب تتميم نفخ الروح فيه قبل غروب الشمس .
والظاهر أن هذه الأقوال ونحوها من الإسرائيليات . وأظهر الأقوال أن معنى الآية أن جنس الإنسان من طبعه العجل وعدم التأني كما بينا ، والعلم عند الله تعالى .
وقال
ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة : والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم ، واستعجلت ذلك فقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، يؤجل ثم يعجل ، وينظر ثم لا يؤخر . ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37سأريكم آياتي أي : نقمي وحكمي ، واقتداري على من عصاني فلا تستعجلون . انتهى منه .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28992_28247_28248خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُورِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ .
قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَذْكُرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ قَوْلًا وَيَكُونَ فِي نَفْسِ الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْقَوْلِ . فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : مِنْ عَجَلٍ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ ، وَفِي نَفْسِ الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ أَحَدِهِمَا . أَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي دَلَّتِ الْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : الْعَجَلُ : الطِّينُ ، وَهِيَ لُغَةٌ
حِمْيَرِيَّةٌ كَمَا قَالَ شَاعِرُهُمْ :
الْبَيْعُ فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ مَنْبَتُهُ وَالنَّخْلُ يَنْبُتُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْعَجَلِ
يَعْنِي : بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَمَعْنَى الْآيَةِ : خُلِقَ الْإِنْسَانَ مِنْ طِينٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=61أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [ 17 \ 61 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ [ 32 \ 7 ] وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَجَلِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ الطِّينَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=38وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ ص: 150 ] [ 21 \ 38 ] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَجَلِ هُوَ الْعَجَلَةُ الَّتِي هِيَ خِلَافُ التَّأَنِّي ، وَالتَّثَبُّتِ . وَالْعَرَبُ تَقُولُ : خُلِقَ مِنْ كَذَا . يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْمُبَالِغَةَ فِي الْإِنْصَافِ . كَقَوْلِهِمْ : خُلِقَ فَلَانٌ مِنْ كَرَمٍ ، وَخُلِقَتْ فُلَانَةُ مِنَ الْجَمَالِ . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ [ 30 \ 54 ] عَلَى الْأَظْهَرِ . وَيُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=11وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا [ 17 \ 11 ] أَيْ : وَمِنْ عَجَلَتِهِ دُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ بِالشَّرِّ . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ عَذَابَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ الْمُلْجِئَةَ إِلَى الْعِلْمِ وَالْإِقْرَارِ ، وَيَقُولُونَ : مَتَى هَذَا الْوَعْدُ . فَنَزَلَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ لِلزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ . كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ : لَيْسَ بِبِدْعٍ مِنْكُمْ أَنْ تَسْتَعْجِلُوا ، فَإِنَّكُمْ مَجْبُولُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ طَبْعُكُمْ وَسَجِيَّتُكُمْ . ثُمَّ وَعَدَهُمْ بِأَنَّهُ سَيُرِيهِمْ آيَاتِهِ ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَسْتَعْجِلُوا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ [ 21 \ 37 ] كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [ 41 \ 53 ] وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ آدَمُ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
وَالسُّدِّيِّ : لَمَّا دَخَلَ الرُّوحُ فِي عَيْنَيْ
آدَمَ نَظَرَ فِي ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، فَلَمَّا دَخَلَ جَوْفَهُ اشْتَهَى الطَّعَامَ ، فَوَثَبَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ رِجْلَيْهِ ؛ عَجْلَانَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ . وَعَنْ
مُجَاهِدٍ ،
وَالْكَلْبِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا : خُلِقَ
آدَمُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فِي آخِرِ النَّهَارِ ، فَلَمَّا أَحْيَا اللَّهُ رَأْسَهُ اسْتَعْجَلَ وَطَلَبَ تَتْمِيمَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَنَحْوَهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ . وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ جِنْسَ الْإِنْسَانِ مِنْ طَبْعِهِ الْعَجَلُ وَعَدَمُ التَّأَنِّي كَمَا بَيَّنَّا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : وَالْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ عَجَلَةِ الْإِنْسَانِ هَاهُنَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَ فِي النُّفُوسِ سُرْعَةُ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ ، وَاسْتَعْجَلَتْ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ، يُؤَجِّلُ ثُمَّ يُعَجِّلُ ، وَيُنْظِرُ ثُمَّ لَا يُؤَخِّرُ . وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37سَأُرِيكُمْ آيَاتِي أَيْ : نَقْمِي وَحُكْمِي ، وَاقْتِدَارِي عَلَى مَنْ عَصَانِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ . انْتَهَى مِنْهُ .