سورة الأنعام
ليس لهذه السورة إلا هذا الاسم من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . روى بسنده إلى الطبراني عبد الله بن عمر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وورد عن نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة وشيعها سبعون ألفا من الملائكة لهم زجل بالتسبيح والتحميد ، عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله - تسميتها في كلامهم سورة الأنعام . وكذلك ثبتت تسميتها في المصاحف وكتب التفسير والسنة . وأسماء بنت يزيد بن السكن
وسميت سورة الأنعام لما تكرر فيها من ذكر لفظ الأنعام ست مرات من قوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا إلى قوله : إذ وصاكم الله بهذا .
وهي مكية بالاتفاق فعن : أنها نزلت ابن عباس بمكة ليلا جملة واحدة ، كما رواه عنه عطاء ، وعكرمة ، والعوفي ، وهو الموافق لحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم آنفا . وروي أن قوله تعالى : ابن عمر ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الآية ، نزل في مدة حياة أبي طالب ، أي قبل سنة عشر من البعثة ، فإذا صح كان ضابطا لسنة نزول هذه السورة . وروى الكلبي عن : أن ست آيات منها نزلت ابن عباس بالمدينة ، ثلاثا من قوله : وما قدروا الله حق قدره إلى منتهى ثلاث آيات ، وثلاثا من قوله : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى قوله : ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون . وعن أبي جحيفة أن آية ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة مدنية .
وقيل نزلت آية ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي الآية بالمدينة ، بناء على ما ذكر من سبب نزولها الآتي . وقيل : نزلت آية الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه الآية ، وآية فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به الآية ، كلتاهما بالمدينة بناء على ما ذكر من أسباب نزولهما كما سيأتي . وقال ابن العربي في أحكام القرآن عند قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية أنها في قول الأكثر [ ص: 122 ] نزلت يوم نزول قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم الآية ، أي سنة عشر ، فتكون هذه الآيات مستثناة من مكية السورة ألحقت بها . وقال ابن عطية في تفسير قوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره الآية من هذه السورة . إن النقاش حكى أن سورة الأنعام كلها مدنية . ولكن قال ابن الحصار : لا يصح نقل في شيء نزل من الأنعام في المدينة . وهذا هو الأظهر وهو الذي رواه أبو عبيد ، والبيهقي ، وابن مردويه ، ، عن والطبراني ; ابن عباس وأبو الشيخ عن . أبي بن كعب
وعن أنها نزلت ابن عباس بمكة جملة واحدة ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب فكتبوها من ليلتهم .
وروى ، سفيان الثوري وشريك : نزلت سورة الأنعام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملة وهو في مسير وأنا آخذة بزمام ناقته إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة أسماء بنت يزيد الأنصارية . ولم يعينوا هذا المسير ولا زمنه غير أن عن أسماء هذه لا يعرف لها مجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هجرته ولا هي معدودة فيمن بايع في العقبة الثانية حتى يقال : إنها لقيته قبل الهجرة ، وإنما المعدودة أسماء بنت عمرو بن عدي . فحال هذا الحديث غير بين . ولعله التبس فيه قراءة السورة في ذلك السفر بأنها نزلت حينئذ .
قالوا : ولم تنزل من السور الطوال سورة جملة واحدة غيرها . وقد وقع مثل ذلك في رواية شريك عن كما علمته آنفا ، فلعل حكمة إنزالها جملة واحدة قطع تعلل المشركين في قولهم : أسماء بنت يزيد لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة . توهما منهم أن تنجيم نزوله يناكد كونه كتابا ، فأنزل الله سورة الأنعام . وهي في مقدار كتاب من كتبهم التي يعرفونها كالإنجيل والزبور ، ليعلموا أن الله قادر على ذلك ، إلا أن حكمة تنجيم النزول أولى بالمراعاة . وأيضا ليحصل الإعجاز بمختلف أساليب الكلام من قصر وطول وتوسط ، فإن طول الكلام قد يقتضيه المقام ، كما قال قيس بن خارجة يفخر بما عنده من الفضائل : وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب إلخ .
وقال أبو دؤاد بن جرير الإيادي يمدح خطباء إياد :
[ ص: 123 ]
يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء
واعلم أن نزول هذه السورة جملة واحدة على الصحيح لا يناكد ما يذكر لبعض آياتها من أسباب نزولها ، لأن أسباب نزول تلك الآيات إن كان لحوادث قبل الهجرة فقد تتجمع أسباب كثيرة في مدة قصيرة قبل نزول هذه السورة ، فيكون نزول تلك الآيات مسببا على تلك الحوادث ، وإن كان بعد الهجرة جاز أن تكون تلك الآيات مدنية ألحقت بسورة الأنعام لمناسبات . على أن أسباب النزول لا يلزم أن تكون مقارنة لنزول آيات أحكامها فقد يقع السبب ويتأخر تشريع حكمه .وعلى القول الأصح أنها مكية فقد عدت هذه السورة الخامسة والخمسين في عد نزول السور . نزلت بعد سورة الحجر وقبل سورة الصافات .
وعدد آياتها مائة وسبع وستون في العدد المدني والمكي ، ومائة وخمس وستون في العدد الكوفي ، ومائة وأربع وستون في الشامي والبصري .