nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128nindex.php?page=treesubj&link=28975_15500وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما .
عطف لبقية إفتاء الله تعالى ، وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=17961حكم اختلال المعاشرة بين الزوجين ، وقد تقدم بعضه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34واللاتي تخافون نشوزهن الآية ، في هذه السورة ، فذلك حكم فصل القضاء بينهما ، وما هنا حكم الانفصال بالصلح بينهما ، وذلك ذكر فيه
nindex.php?page=treesubj&link=17962نشوز المرأة ،
[ ص: 215 ] وهنا ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=17966نشوز البعل . والبعل زوج المرأة . وقد تقدم وجه إطلاق هذا الاسم عليه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وبعولتهن أحق بردهن في ذلك في سورة البقرة .
وصيغة " فلا جناح " من صيغ الإباحة ظاهرا ، فدل ذلك على الإذن للزوجين في صلح يقع بينهما . وقد علم أن الإباحة لا تذكر إلا حيث يظن المنع ، فالمقصود الإذن في صلح يكون بخلع : أي عوض مالي تعطيه المرأة ، أو تنازل عن بعض حقوقها .
فيكون مفاد هذه الآية أعم من مفاد قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، فسماه هناك افتداء ، وسماه هنا صلحا . وقد شاع في الاستعمال إطلاق الصلح على التراضي بين الخصمين على إسقاط بعض الحق ، وهو الأظهر هنا .
واصطلح الفقهاء من المالكية : على إطلاق الافتداء على
nindex.php?page=treesubj&link=11483اختلاع المرأة من زوجها بمال تعطيه ، وإطلاق الخلع على الاختلاع بإسقاطها عنه بقية الصداق ، أو النفقة لها ، أو لأولادها .
ويحتمل أن تكون صيغة " لا جناح " مستعملة في التحريض على الصلح . أي إصلاح أمرهما بالصلح وحسن المعاشرة ، فنفي الجناح من الاستعارة التمليحية; شبه حال من ترك الصلح واستمر على النشوز والإعراض بحال من ترك الصلح عن عمد لظنه أن في الصلح جناحا . فالمراد الصلح بمعنى
nindex.php?page=treesubj&link=19454إصلاح ذات البين ، والأشهر فيه أن يقال الإصلاح . والمقصود الأمر بأسباب الصلح ، وهي : الإغضاء عن الهفوات ، ومقابلة الغلظة باللين ، وهذا أنسب وأليق بما يرد بعده من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته .
وللنشوز والإعراض أحوال كثيرة : تقوى وتضعف ، وتختلف عواقبها ، باختلاف أحوال الأنفس ، ويجمعها قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا . وللصلح أحوال كثيرة : منها المخالعة ، فيدخل في ذلك ما ورد من الآثار الدالة على حوادث من هذا القبيل . ففي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
عائشة ، قالت في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا قالت : الرجل يكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها ، فتقول له أجعلك من شأني في حل . فنزلت هذه الآية . وروى
الترمذي ، بسند حسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة أم المؤمنين وهبت يومها
لعائشة . وفي أسباب النزول
للواحدي :
[ ص: 216 ] أن ابنة
محمد بن مسلمة كانت عند
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج فكره منها أمرا ، أي كبرا فأراد طلاقها ، فقالت له : أمسكني واقسم لي ما بدا لك . فنزلت الآية في ذلك .
وقرأ الجمهور : ( أن يصالحا ) بتشديد الصاد وفتح اللام وأصله يتصالحا ، فأدغمت التاء في الصاد . وقرأ
عاصم ، وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف : أن يصلحا بضم التحتية وتخفيف الصاد وكسر اللام أي يصلح كل واحد منهما شأنهما بما يبدو من وجوه المصالحة .
والتعريف في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128والصلح خير تعريف الجنس وليس تعريف العهد ، لأن المقصود إثبات أن ماهية الصلح خير للناس ، فهو تذييل للأمر بالصلح والترغيب فيه ، وليس المقصود أن الصلح المذكور آنفا ، وهو الخلع ، خير من النزاع بين الزوجين ، لأن هذا ، وإن صح معناه ، إلا أن فائدة الوجه الأول أوفر ، ولأن فيه التفادي عن إشكال تفضيل الصلح على النزاع في الخيرية مع أن النزاع لا خير فيه أصلا .
ومن جعل الصلح الثاني عين الأول غرته القاعدة المتداولة عند بعض النحاة ، وهي : أن لفظ النكرة إذا أعيد معرفا باللام فهو عين الأولى .
وهذه القاعدة ذكرها
ابن هشام الأنصاري في مغني اللبيب في الباب السادس ، فقال : يقولون : النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى ، وإذا أعيدت معرفة ، أو أعيدت المعرفة معرفة أو نكرة كانت الثانية عين الأولى .
ثم ذكر أن في القرآن آيات ترد هذه الأحكام الأربعة كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88زدناهم عذابا فوق العذاب والشيء لا يكون فوق نفسه أن النفس بالنفس
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء .
وأن في كلام العرب ما يرد ذلك أيضا . والحق أنه لا يختلف في ذلك إذا قامت قرينة على أن الكلام لتعريف الجنس لا لتعريف العهد ، كما هنا . وقد تقدم القول في إعادة المعرفة نكرة عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة في سورة البقرة .
ويأتي عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه في سورة الأنعام .
وقوله " خير " ليس هو تفضيلا ولكنه صفة مشبهة ، وزنه " فعل " ، كقولهم : سمح وسهل ، ويجمع على خيور . أو هو مصدر مقابل الشر ، فتكون إخبارا بالمصدر . وأما
[ ص: 217 ] المراد به التفضيل فأصل وزنه أفعل ، فخفف بطرح الهمزة ثم قلب حركته وسكونه . جمعه أخيار ، أي والصلح في ذاته خير عظيم . والحمل على كونه تفضيلا يستدعي أن يكون المفضل عليه هو النشوز والإعراض . وليس فيه كبير معنى .
وقد دلت الآية على شدة الترغيب في هذا الصلح بمؤكدات ثلاثة : وهي المصدر المؤكد في قوله صلحا ، والإظهار في مقام الإضمار في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128والصلح خير ، والإخبار عنه بالمصدر أو بالصفة المشبهة فإنها تدل على فعل سجية .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وأحضرت الأنفس الشح nindex.php?page=treesubj&link=18897ملازمة الشح للنفوس البشرية حتى كأنه حاضر لديها . ولكونه من أفعال الجبلة بني فعله للمجهول على طريقة العرب في بناء كل فعل غير معلوم الفاعل للمجهول ، كقولهم : شغف بفلانة ، واضطر إلى كذا . فـ " الشح " منصوب على أنه مفعول ثان لـ " أحضرت " لأنه من باب أعطى .
وأصل الشح في كلام العرب البخل بالمال ، وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341581أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ، وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ويطلق على حرص النفس على الحقوق وقلة التسامح فيها ، ومنه المشاحة ، وعكسه السماحة في الأمرين .
فيجوز أن يكون المراد بالصلح في هذه الآية صلح المال ، وهو الفدية . فالشح هو شح المال ، وتعقيب قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128والصلح خير بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وأحضرت الأنفس على هذا الوجه بمنزلة قولهم بعد الأمر بما فيه مصلحة في موعظة أو نحوها : وما إخالك تفعل ، لقصد التحريض .
ويجوز أن يكون المراد من الشح ما جبلت عليه النفوس : من المشاحة ، وعدم التساهل ، وصعوبة الشكائم ، فيكون المراد من الصلح صلح المال وغيره ، فالمقصود من تعقيبه به تحذير الناس من أن يكونوا متلبسين بهذه المشاحة الحائلة دون المصالحة .
وتقدم الكلام على البخل عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=180ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله في سورة آل عمران . وقد اشتهر عند العرب ذم الشح بالمال ، وذم من لا سماحة فيه ، فكان هذا التعقيب تنفيرا من العوارض المانعة من السماحة والصلح ، ولذلك ذيل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا لما فيه من
[ ص: 218 ] الترغيب في الإحسان والتقوى . ثم عذر الناس في شأن النساء فقال ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أي تمام العدل .
وجاء بـ " لن " للمبالغة في النفي ، لأن أمر النساء يغالب النفس ، لأن الله جعل حسن المرأة وخلقها مؤثرا أشد التأثير ، فرب امرأة لبيبة خفيفة الروح ، وأخرى ثقيلة حمقاء ، فتفاوتهن في ذلك وخلو بعضهن منه يؤثر لا محالة تفاوتا في محبة الزوج بعض أزواجه ، ولو كان حريصا على إظهار العدل بينهن ، فلذلك قال
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129ولو حرصتم .
وأقام الله ميزان العدل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129فلا تميلوا كل الميل ، أي لا يفرط أحدكم بإظهار الميل إلى إحداهن أشد الميل حتى يسوء الأخرى بحيث تصير الأخرى كالمعلقة . فظهر أن متعلق " تميلوا " مقدر بإحداهن ، وأن ضمير " تذروها " المنصوب عائد إلى غير المتعلق المحذوف بالقرينة ، وهو إيجاز بديع .
والمعلقة : هي المرأة التي يهجرها زوجها هجرا طويلا ، فلا هي مطلقة ولا هي زوجة ، وفي
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341582حديث أم زرع زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق ، وقالت
ابنة الحمارس :
إن هي إلا حظة أو تطليق أو صلف أو بين ذاك تعليق
وقد دل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129ولن تستطيعوا إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129فلا تميلوا كل الميل على أن المحبة أمر قهري ، وأن للتعلق بالمرأة أسبابا توجبه قد لا تتوفر في بعض النساء ، فلا يكلف الزوج بما ليس في وسعه من الحب والاستحسان .
ولكن من الحب حظا هو اختياري ، وهو أن يروض الزوج نفسه على الإحسان لامرأته ، وتحمل ما لا يلائمه من خلقها أو أخلاقها ما استطاع ، وحسن المعاشرة لها ، حتى يحصل من الإلف بها والحنو عليها اختيارا بطول التكرر والتعود ، ما يقوم مقام الميل الطبيعي . فذلك من الميل إليها الموصى به في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129فلا تميلوا كل الميل ، أي إلى إحداهن أو عن إحداهن .
[ ص: 219 ] ثم وسع الله عليهما إن لم تنجح المصالحة بينهما فأذن لهما في الفراق بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130يغن الله كلا من سعته إشارة إلى أن الفراق قد يكون خيرا لهما لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28288الفراق خير من سوء المعاشرة . ومعنى إغناء الله كلا : إغناؤه عن الآخر . وفي الآية إشارة إلى أن إغناء الله كلا إنما يكون عن الفراق المسبوق بالسعي في الصلح .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وكان الله واسعا حكيما تذييل وتنهية للكلام في حكم النساء .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128nindex.php?page=treesubj&link=28975_15500وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا .
عَطْفٌ لِبَقِيَّةِ إِفْتَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=17961حُكْمُ اخْتِلَالِ الْمُعَاشَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ الْآيَةَ ، فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، فَذَلِكَ حُكْمُ فَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا ، وَمَا هَنَا حُكْمُ الِانْفِصَالِ بِالصُّلْحِ بَيْنَهُمَا ، وَذَلِكَ ذُكِرَ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=17962نُشُوزُ الْمَرْأَةِ ،
[ ص: 215 ] وَهُنَا ذُكِرَ
nindex.php?page=treesubj&link=17966نُشُوزُ الْبَعْلِ . وَالْبَعْلُ زَوْجُ الْمَرْأَةِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ إِطْلَاقِ هَذَا الِاسْمِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَصِيغَةُ " فَلَا جُنَاحَ " مِنْ صِيَغِ الْإِبَاحَةِ ظَاهِرًا ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِذْنِ لِلزَّوْجَيْنِ فِي صُلْحٍ يَقَعُ بَيْنَهُمَا . وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُذْكَرُ إِلَّا حَيْثُ يُظَنُّ الْمَنْعُ ، فَالْمَقْصُودُ الْإِذْنُ فِي صُلْحٍ يَكُونُ بِخُلْعٍ : أَيْ عِوَضٍ مَالِيٍّ تُعْطِيهِ الْمَرْأَةُ ، أَوْ تَنَازُلٍ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا .
فَيَكُونُ مَفَادُ هَذِهِ الْآيَةِ أَعَمَّ مِنْ مَفَادِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ، فَسَمَّاهُ هُنَاكَ افْتِدَاءً ، وَسَمَّاهُ هُنَا صُلْحًا . وَقَدْ شَاعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِطْلَاقُ الصُّلْحِ عَلَى التَّرَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى إِسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ هُنَا .
وَاصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : عَلَى إِطْلَاقِ الِافْتِدَاءِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=11483اخْتِلَاعِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ تُعْطِيهِ ، وَإِطْلَاقِ الْخُلْعِ عَلَى الِاخْتِلَاعِ بِإِسْقَاطِهَا عَنْهُ بَقِيَّةَ الصَّدَاقِ ، أَوِ النَّفَقَةَ لَهَا ، أَوْ لِأَوْلَادِهَا .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ " لَا جُنَاحَ " مُسْتَعْمَلَةً فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الصُّلْحِ . أَيْ إِصْلَاحِ أَمْرِهِمَا بِالصُّلْحِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ ، فَنَفْيُ الْجُنَاحِ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْلِيحِيَّةِ; شَبَّهَ حَالَ مَنْ تَرَكَ الصُّلْحَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى النُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ بِحَالِ مَنْ تَرَكَ الصُّلْحَ عَنْ عَمْدٍ لِظَنِّهِ أَنَّ فِي الصُّلْحِ جُنَاحًا . فَالْمُرَادُ الصُّلْحُ بِمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=19454إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَالْأَشْهَرُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ الْإِصْلَاحُ . وَالْمَقْصُودُ الْأَمْرُ بِأَسْبَابِ الصُّلْحِ ، وَهِيَ : الْإِغْضَاءُ عَنِ الْهَفَوَاتِ ، وَمُقَابَلَةُ الْغِلْظَةِ بِاللِّينِ ، وَهَذَا أَنْسَبُ وَأَلْيَقُ بِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ .
وَلِلنُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ : تَقْوَى وَتَضْعُفُ ، وَتَخْتَلِفُ عَوَاقِبُهَا ، بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَنْفُسِ ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا . وَلِلصُّلْحِ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا الْمُخَالَعَةُ ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنَ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى حَوَادِثَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ . فَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، عَنْ
عَائِشَةَ ، قَالَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا قَالَتْ : الرَّجُلُ يَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا ، فَتَقُولُ لَهُ أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=93سَوْدَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا
لِعَائِشَةَ . وَفِي أَسْبَابِ النُّزُولِ
لِلْوَاحِدِيِّ :
[ ص: 216 ] أَنَّ ابْنَةَ
مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَانَتْ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْرًا ، أَيْ كِبَرًا فَأَرَادَ طَلَاقَهَا ، فَقَالَتْ لَهُ : أَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ . فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( أَنْ يَصَّالَحَا ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ يَتَصَالَحَا ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ . وَقَرَأَ
عَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ : أَنْ يُصْلِحَا بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ يُصْلِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَأْنَهُمَا بِمَا يَبْدُو مِنْ وُجُوهِ الْمُصَالَحَةِ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَالصُّلْحُ خَيْرٌ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَلَيْسَ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِثْبَاتُ أَنَّ مَاهِيَّةَ الصُّلْحِ خَيْرٌ لِلنَّاسِ ، فَهُوَ تَذْيِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالصُّلْحِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّ الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ آنِفًا ، وَهُوَ الْخُلْعُ ، خَيْرٌ مِنَ النِّزَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، لِأَنَّ هَذَا ، وَإِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ ، إِلَّا أَنَّ فَائِدَةَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَوْفَرُ ، وَلِأَنَّ فِيهِ التَّفَادِيَ عَنْ إِشْكَالِ تَفْضِيلِ الصُّلْحِ عَلَى النِّزَاعِ فِي الْخَيْرِيَّةِ مَعَ أَنَّ النِّزَاعَ لَا خَيْرَ فِيهِ أَصْلًا .
وَمَنْ جَعَلَ الصُّلْحَ الثَّانِيَ عَيْنَ الْأَوَّلِ غَرَّتْهُ الْقَاعِدَةُ الْمُتَدَاوَلَةُ عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ ، وَهِيَ : أَنَّ لَفْظَ النَّكِرَةِ إِذَا أُعِيدَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ فَهُوَ عَيْنُ الْأُولَى .
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذَكَرَهَا
ابْنُ هِشَامٍ الْأَنْصَارِيُّ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ ، فَقَالَ : يَقُولُونَ : النَّكِرَةُ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى ، وَإِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً ، أَوْ أُعِيدَتِ الْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً أَوْ نَكِرَةً كَانَتِ الثَّانِيَةُ عَيْنَ الْأُولَى .
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٍ تَرُدُّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الْأَرْبَعَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ فَوْقَ نَفْسِهِ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ .
وَأَنَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يَرُدُّ ذَلِكَ أَيْضًا . وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ لَا لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ ، كَمَا هُنَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي إِعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَقَوْلُهُ " خَيْرٌ " لَيْسَ هُوَ تَفْضِيلًا وَلَكِنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ ، وَزْنُهُ " فَعْلٌ " ، كَقَوْلِهِمْ : سَمْحٌ وَسَهْلٌ ، وَيُجْمَعُ عَلَى خُيُورٍ . أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ مُقَابِلُ الشَّرِّ ، فَتَكُونُ إِخْبَارًا بِالْمَصْدَرِ . وَأَمَّا
[ ص: 217 ] الْمُرَادُ بِهِ التَّفْضِيلُ فَأَصْلُ وَزْنِهِ أَفْعَلُ ، فَخُفِّفَ بِطَرْحِ الْهَمْزَةِ ثُمَّ قَلْبِ حَرَكَتِهِ وَسُكُونِهِ . جَمْعُهُ أَخْيَارٌ ، أَيْ وَالصُّلْحُ فِي ذَاتِهِ خَيْرٌ عَظِيمٌ . وَالْحَمْلُ عَلَى كَوْنِهِ تَفْضِيلًا يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ هُوَ النُّشُوزُ وَالْإِعْرَاضُ . وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ مَعْنًى .
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى شِدَّةِ التَّرْغِيبِ فِي هَذَا الصُّلْحِ بِمُؤَكِّدَاتٍ ثَلَاثَةٍ : وَهِيَ الْمَصْدَرُ الْمُؤَكِّدُ فِي قَوْلِهِ صُلْحًا ، وَالْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ، وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْمَصْدَرِ أَوْ بِالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى فِعْلِ سَجِيَّةٍ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ nindex.php?page=treesubj&link=18897مُلَازَمَةُ الشُّحِّ لِلنُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ حَتَّى كَأَنَّهُ حَاضِرٌ لَدَيْهَا . وَلِكَوْنِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْجِبِلَّةِ بُنِيَ فِعْلُهُ لِلْمَجْهُولِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي بِنَاءِ كُلِّ فِعْلٍ غَيْرِ مَعْلُومِ الْفَاعِلِ لِلْمَجْهُولِ ، كَقَوْلِهِمْ : شُغِفَ بِفُلَانَةٍ ، وَاضْطُرَّ إِلَى كَذَا . فَـ " الشُّحَّ " مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِـ " أُحْضِرَتْ " لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ أَعْطَى .
وَأَصْلُ الشُّحِّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبُخْلُ بِالْمَالِ ، وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341581أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى ، وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَيُطْلَقُ عَلَى حِرْصِ النَّفْسِ عَلَى الْحُقُوقِ وَقِلَّةِ التَّسَامُحِ فِيهَا ، وَمِنْهُ الْمُشَاحَّةُ ، وَعَكْسُهُ السَّمَاحَةُ فِي الْأَمْرَيْنِ .
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصُّلْحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ صُلْحَ الْمَالِ ، وَهُوَ الْفِدْيَةُ . فَالشُّحُّ هُوَ شُحُّ الْمَالِ ، وَتَعْقِيبُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَالصُّلْحُ خَيْرٌ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ بَعْدَ الْأَمْرِ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ فِي مَوْعِظَةٍ أَوْ نَحْوِهَا : وَمَا إِخَالُكَ تَفْعَلُ ، لِقَصْدِ التَّحْرِيضِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الشُّحِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ : مِنَ الْمُشَاحَّةِ ، وَعَدَمِ التَّسَاهُلِ ، وَصُعُوبَةِ الشَّكَائِمِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الصُّلْحِ صُلْحَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ تَعْقِيبِهِ بِهِ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُتَلَبِّسِينَ بِهَذِهِ الْمُشَاحَّةِ الْحَائِلَةِ دُونَ الْمُصَالَحَةِ .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْبُخْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=180وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ . وَقَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَرَبِ ذَمُّ الشُّحِّ بِالْمَالِ ، وَذَمُّ مَنْ لَا سَمَاحَةَ فِيهِ ، فَكَانَ هَذَا التَّعْقِيبُ تَنْفِيرًا مِنَ الْعَوَارِضِ الْمَانِعَةِ مِنَ السَّمَاحَةِ وَالصُّلْحِ ، وَلِذَلِكَ ذُيِّلَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا لِمَا فِيهِ مِنَ
[ ص: 218 ] التَّرْغِيبِ فِي الْإِحْسَانِ وَالتَّقْوَى . ثُمَّ عَذَرَ النَّاسَ فِي شَأْنِ النِّسَاءِ فَقَالَ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ أَيْ تَمَامَ الْعَدْلِ .
وَجَاءَ بِـ " لَنْ " لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّفْيِ ، لِأَنَّ أَمْرَ النِّسَاءِ يُغَالِبُ النَّفْسَ ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ حُسْنَ الْمَرْأَةِ وَخُلُقَهَا مُؤَثِّرًا أَشَدَّ التَّأْثِيرِ ، فَرُبَّ امْرَأَةٍ لَبِيبَةٍ خَفِيفَةِ الرُّوحِ ، وَأُخْرَى ثَقِيلَةٌ حَمْقَاءُ ، فَتَفَاوُتُهُنَّ فِي ذَلِكَ وَخُلُوُّ بَعْضِهِنَّ مِنْهُ يُؤَثِّرُ لَا مَحَالَةَ تَفَاوُتًا فِي مَحَبَّةِ الزَّوْجِ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ ، وَلَوْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى إِظْهَارِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ ، فَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129وَلَوْ حَرَصْتُمْ .
وَأَقَامَ اللَّهُ مِيزَانَ الْعَدْلِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ، أَيْ لَا يُفَرِّطُ أَحَدُكُمْ بِإِظْهَارِ الْمَيْلِ إِلَى إِحْدَاهُنَّ أَشَدَّ الْمَيْلِ حَتَّى يَسُوءَ الْأُخْرَى بِحَيْثُ تَصِيرُ الْأُخْرَى كَالْمُعَلَّقَةِ . فَظَهَرَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ " تَمِيلُوا " مُقَدَّرٌ بِإِحْدَاهُنَّ ، وَأَنَّ ضَمِيرَ " تَذْرُوهَا " الْمَنْصُوبَ عَائِدٌ إِلَى غَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ الْمَحْذُوفِ بِالْقَرِينَةِ ، وَهُوَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ .
وَالْمُعَلَّقَةُ : هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَهْجُرُهَا زَوْجُهَا هَجْرًا طَوِيلًا ، فَلَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ وَلَا هِيَ زَوْجَةٌ ، وَفِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341582حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ زَوْجِيَ الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ ، وَقَالَتِ
ابْنَةُ الْحُمَارِسِ :
إِنْ هِيَ إِلَّا حِظَةٌ أَوْ تَطْلِيقُ أَوْ صَلَفٌ أَوْ بَيْنَ ذَاكَ تَعْلِيقُ
وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ أَمْرٌ قَهْرِيٌّ ، وَأَنَّ لِلتَّعَلُّقِ بِالْمَرْأَةِ أَسْبَابًا تُوجِبُهُ قَدْ لَا تَتَوَفَّرُ فِي بَعْضِ النِّسَاءِ ، فَلَا يُكَلَّفُ الزَّوْجُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ مِنَ الْحُبِّ وَالِاسْتِحْسَانِ .
وَلَكِنَّ مِنَ الْحُبِّ حَظًّا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ ، وَهُوَ أَنْ يُرَوِّضَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ عَلَى الْإِحْسَانِ لِامْرَأَتِهِ ، وَتَحَمُّلِ مَا لَا يُلَائِمُهُ مِنْ خُلُقِهَا أَوْ أَخْلَاقِهَا مَا اسْتَطَاعَ ، وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ لَهَا ، حَتَّى يُحَصِّلَ مِنَ الإِلْفِ بِهَا وَالْحُنُوِّ عَلَيْهَا اخْتِيَارًا بِطُولِ التَّكَرُّرِ وَالتَّعَوُّدِ ، مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ . فَذَلِكَ مِنَ الْمَيْلِ إِلَيْهَا الْمُوصَى بِهِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ، أَيْ إِلَى إِحْدَاهُنَّ أَوْ عَنْ إِحْدَاهُنَّ .
[ ص: 219 ] ثُمَّ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا إِنْ لَمْ تَنْجَحِ الْمُصَالَحَةُ بَيْنَهُمَا فَأَذِنَ لَهُمَا فِي الْفِرَاقِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفِرَاقَ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لَهُمَا لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28288الْفِرَاقَ خَيْرٌ مِنْ سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ . وَمَعْنَى إِغْنَاءِ اللَّهِ كُلًّا : إِغْنَاؤُهُ عَنِ الْآخَرِ . وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِغْنَاءَ اللَّهِ كُلًّا إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ الْفِرَاقِ الْمَسْبُوقِ بِالسَّعْيِ فِي الصُّلْحِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا تَذْيِيلٌ وَتَنْهِيَةٌ لِلْكَلَامِ فِي حُكْمِ النِّسَاءِ .