[ ص: 314 ] nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29010تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين فاتحة أنيقة في التنويه بالقرآن جعلت مقدمة لهذه السورة لأن القرآن جامع لما حوته وغيره من أصول الدين .
فـ " تنزيل " مصدر مراد به معناه المصدري لا معنى المفعول ، كيف وقد أضيف إلى الكتاب وأصل الإضافة أن لا تكون بيانية .
وتنزيل : مصدر " نزل " المضاعف وهو مشعر بأنه أنزله منجما . واختيار هذه الصيغة هنا للرد على الطاعنين لأنهم من جملة ما تعللوا به قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=32لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة وقد تقدم الفرق بين المضاعف والمهموز في مثله في المقدمة الأولى .
والتعريف في الكتاب للعهد ، وهو القرآن المعهود بينهم عند كل تذكير وكل مجادلة . وأجرى على اسم الجلالة الوصف بـ " العزيز الحكيم " للإيماء إلى أن ما ينزل منه يأتي على ما يناسب الصفتين ، فيكون عزيزا ؛ قال تعالى " وإنه لكتاب عزيز " أي : القرآن عزيز غالب بالحجة لمن كذب به ، وغالب بالفضل لما سواه من الكتب من حيث إن الغلبة تستلزم التفضل والتفوق ، وغالب لبلغاء العرب إذ أعجزهم عن معارضة سورة منه ، ويكون حكيما مثل صفة منزله .
والحكيم : إما بمعنى الحاكم ، فالقرآن أيضا حاكم على معارضيه بالحجة ، وحاكم على غيره من الكتب السماوية بما فيه من التفصيل والبيان قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه .
وإما بمعنى : المحكم المتقن ، فالقرآن مشتمل على البيان الذي لا يحتمل الخطأ ، وإما بمعنى الموصوف بالحكمة ، فالقرآن مشتمل على الحكمة كاتصاف منزله بها .
وهذه معان مرادة من الآية فيما نرى ، على أن في هذين الوصفين إيماء إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=28899_28914القرآن معجز ببلاغة لفظه وإعجازه العلمي ، إذ اشتمل على علوم لم يكن للناس علم بها كما بيناه في المقدمة العاشرة .
وفي وصف الحكيم إيماء إلى أنه أنزله بالحكمة ؛ وهي : الشريعة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269يؤتي الحكمة من يشاء .
[ ص: 315 ] وفي هذا إرشاد إلى
nindex.php?page=treesubj&link=32238وجوب التدبر في معاني هذا الكتاب ليتوصل بذلك التدبر إلى العلم بأنه حق من عند الله ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .
ومعنى " العزيز الحكيم " في صفات الله تقدم في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم في سورة البقرة .
وافتتاح جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق بحرف ( إن ) مراعى فيه ما استعمل فيه الخبر من الامتنان . فيحمل ( حرف ) إن على الاهتمام بالخبر . وما أريد به من التعريض بالذين أنكروا أن يكون منزلا من الله فيحمل حرف ( إن ) على التأكيد استعمالا للمشترك في معنييه . ولما في هذه الآية من زيادة الإعلان بصدق النبيء ، المنزل عليه الكتاب ، جدير بالتأكيد لأن دليل صدقه ليس في ذاته بل هو قائم بالإعجاز الذي في القرآن وبغيره من المعجزات ، فكان مقتضى التأكيد موجودا بخلاف مقتضى الحال في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله .
فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب تتنزل منزلة البيان لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله .
وإعادة لفظ " الكتاب " للتنويه بشأنه جريا على خلاف مقتضى الظاهر بالإظهار في مقام الإضمار .
وتعدية " أنزلنا " بحرف الانتهاء تقدم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنزل إليك في أول البقرة .
والباء في " بالحق " للملابسة ، وهي ظرف مستقر حالا من الكتاب ، أي : أنزلنا إليك القرآن ملابسا للحق في جميع معانيه
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وفرع على المعنى الصريح من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق أن أمر بأن يعبد الله مخلصا له العبادة . وفي هذا التفريع تعريض بما يناسب المعنى التعريضي في المفرع عليه وهو أن المعرض بهم أن يعبدوا الله مخلصين له الدين عليهم أن يدبروا في المعنى المعرض به .
[ ص: 316 ] وهذا إيماء إلى أن إنزال الكتاب عليه نعمة كبرى تقتضي أن يقابلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالشكر بإفراده بالعبادة ، وإيماء إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=32409_28675إشراك المشركين بالله غيره في العبادة كفر لنعمه التي أنعم بها ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19606الشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله ، وفي العبادة تحقيق هذا المعنى قال
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .
فالمقصود من الأمر بالعبادة التوطئة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19696تقييد العبادة بحالة الإخلاص من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2مخلصا له الدين فالمأمور به عبادة خاصة ، ولذلك لم يكن الأمر بالعبادة مستعملا في معنى الأمر بالدوام عليها .
ولذلك أيضا لم يؤت في هذا التركيب بصيغة قصر ، خلاف قوله " بل الله فاعبد " لأن المقصود هنا زيادة التصريح بالإخلاص والرسول - صلى الله عليه وسلم - منزه عن أن يعبد غير الله . وقد توهم
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب من عدم تقديم المعمول هنا أن تقديم المفعول في قوله تعالى "
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بل الله فاعبد " في آخر هذه السورة لا يفيد القصر وهي زلة عالم .
والإخلاص : الإمحاض وعدم الشوب بمغاير ، وهو يشمل الإفراد . وسميت السورة التي فيها توحيد الله سورة الإخلاص ، أي : إفراد الله بالإلهية . وأوثر الإخلاص هنا لإفادة التوحيد وأخص منه وهو أن تكون عبادة النبيء - صلى الله عليه وسلم - ربه غير مشوبة بحظ دنيوي كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=57قل ما أسألكم عليه من أجر .
والدين : المعاملة . والمراد به هنا معاملة المخلوق ربه وهي عبادته . فالمعنى : مخلصا له العبادة غير خالط بعبادته عبادة غيره .
وانتصب " مخلصا " على الحال من الضمير المستتر في " أعبد " .
ولما أفاد قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2مخلصا له الدين معنى إفراده بالعبادة لم يكن هنا مقتض لتقديم مفعول " أعبد الله " على عامله ؛ لأن الاختصاص قد استفيد من الحال في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2مخلصا له الدين وبذلك يبطل استناد الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب لهذه الآية في توجيه رأيه بأنكار إفادة تقديم المفعول على فعله التخصيص ، وتضعيفه لاستدلال أيمة المعاني بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بل الله فاعبد آخر السورة بأنه تقديم لمجرد
[ ص: 317 ] الاهتمام لورود
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فاعبد الله قال في إيضاح المفصل في شرح قول صاحب المفصل في الديباجة " الله أحمد على أن جعلني من علماء العربية " الله أحمد على طريقة
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد تقديما للأهم ، وما قيل : إنه للحصر لا دليل عليه والتمسك فيه بنحو
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بل الله فاعبد ضعيف لورود
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فاعبد الله اهـ . ونقل عنه أنه كتب في حاشيته على الإيضاح هنالك قوله " لا دليل فيه على الحصر فإن المعبودية من صفاته تعالى الخاصة به ، فالاختصاص مستفاد من الحال لا من التقديم " اهـ .
وهو ضغث على إبالة فإنه لم يقتصر على منع دليل شهد به الذوق السليم عند أيمة الاستعمال وعلى سند منعه بتوهمه أن التقديم الذي لوحظ في مقام يجب أن يلاحظ في كل مقام ، كأن الكلام قد جعل قوالبا يؤتى بها في كل مقام ، وذلك ينبو عنه اختلاف المقامات البلاغية ، حتى جعل الاختصاص بالعبادة مستفادا من القرينة لا من التقديم ، كأن القرينة لو سلم وجودها تمنع من التعويل على دلالة النطق .
[ ص: 314 ] nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29010تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ فَاتِحَةٌ أَنِيقَةٌ فِي التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ جُعِلَتْ مُقَدِّمَةً لِهَذِهِ السُّورَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَامِعٌ لِمَا حَوَتْهُ وَغَيْرَهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ .
فَـ " تَنْزِيلُ " مَصْدَرٌ مُرَادٌ بِهِ مَعْنَاهُ الْمَصْدَرِيُّ لَا مَعْنَى الْمَفْعُولِ ، كَيْفَ وَقَدْ أُضِيفَ إِلَى الْكِتَابِ وَأَصْلُ الْإِضَافَةِ أَنْ لَا تَكُونَ بَيَانِيَّةً .
وَتَنْزِيلُ : مَصْدَرُ " نَزَّلَ " الْمُضَاعَفِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ مُنَجَّمًا . وَاخْتِيَارُ هَذِهِ الصِّيغَةِ هُنَا لِلرَّدِّ عَلَى الطَّاعِنِينَ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَعَلَّلُوا بِهِ قَوْلُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=32لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُضَاعَفِ وَالْمَهْمُوزِ فِي مِثْلِهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْكِتَابِ لِلْعَهْدِ ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمَعْهُودُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ كُلِّ تَذْكِيرٍ وَكُلِّ مُجَادَلَةٍ . وَأَجْرَى عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ الْوَصْفَ بِـ " الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ " لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ مَا يُنَزَّلُ مِنْهُ يَأْتِي عَلَى مَا يُنَاسِبُ الصِّفَتَيْنِ ، فَيَكُونُ عَزِيزًا ؛ قَالَ تَعَالَى " وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ " أَيِ : الْقُرْآنُ عَزِيزٌ غَالِبٌ بِالْحُجَّةِ لِمَنْ كَذَّبَ بِهِ ، وَغَالِبٌ بِالْفَضْلِ لِمَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْغَلَبَةَ تَسْتَلْزِمُ التَّفَضُّلَ وَالتَّفَوُّقَ ، وَغَالِبٌ لِبُلَغَاءِ الْعَرَبِ إِذْ أَعْجَزَهُمْ عَنْ مُعَارَضَةِ سُورَةٍ مِنْهُ ، وَيَكُونُ حَكِيمًا مِثْلَ صِفَةِ مُنْزِلِهِ .
وَالْحَكِيمُ : إِمَّا بِمَعْنَى الْحَاكِمِ ، فَالْقُرْآنُ أَيْضًا حَاكِمٌ عَلَى مُعَارِضِيهِ بِالْحُجَّةِ ، وَحَاكِمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بِمَا فِيهِ مِنَ التَّفْصِيلِ وَالْبَيَانِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .
وَإِمَّا بِمَعْنَى : الْمُحْكَمِ الْمُتْقَنِ ، فَالْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْبَيَانِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ ، وَإِمَّا بِمَعْنَى الْمَوْصُوفِ بِالْحِكْمَةِ ، فَالْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحِكْمَةِ كَاتِّصَافِ مُنَزِّلِهِ بِهَا .
وَهَذِهِ مَعَانٍ مُرَادَةٌ مِنَ الْآيَةِ فِيمَا نَرَى ، عَلَى أَنَّ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28899_28914الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ بِبَلَاغَةِ لَفْظِهِ وَإِعْجَازِهِ الْعِلْمِيِّ ، إِذِ اشْتَمَلَ عَلَى عُلُومٍ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ عِلْمٌ بِهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ .
وَفِي وَصْفِ الْحَكِيمِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِالْحِكْمَةِ ؛ وَهِيَ : الشَّرِيعَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ .
[ ص: 315 ] وَفِي هَذَا إِرْشَادٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32238وُجُوبِ التَّدَبُّرِ فِي مَعَانِي هَذَا الْكِتَابِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ التَّدَبُّرِ إِلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ .
وَمَعْنَى " الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ " فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=209فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَافْتِتَاحُ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ بِحَرْفِ ( إِنَّ ) مُرَاعًى فِيهِ مَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَبَرُ مِنَ الِامْتِنَانِ . فَيُحْمَلُ ( حَرْفُ ) إِنَّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ . وَمَا أُرِيدَ بِهِ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مُنَزَّلًا مِنَ اللَّهِ فَيُحْمَلُ حَرْفُ ( إِنَّ ) عَلَى التَّأْكِيدِ اسْتِعْمَالًا لِلْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ . وَلِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِعْلَانِ بِصِدْقِ النَّبِيءِ ، الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، جَدِيرٌ بِالتَّأْكِيدِ لِأَنَّ دَلِيلَ صِدْقِهِ لَيْسَ فِي ذَاتِهِ بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِالْإِعْجَازِ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ ، فَكَانَ مُقْتَضَى التَّأْكِيدِ مَوْجُودًا بِخِلَافِ مُقْتَضَى الْحَالِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ .
فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ .
وَإِعَادَةُ لَفْظِ " الْكِتَابِ " لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِ جَرْيًا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِالْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ .
وَتَعْدِيَةُ " أَنْزَلْنَا " بِحَرْفِ الِانْتِهَاءِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ .
وَالْبَاءُ فِي " بِالْحَقِّ " لِلْمُلَابَسَةِ ، وَهِيَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ حَالًا مِنَ الْكِتَابِ ، أَيْ : أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْقُرْآنَ مُلَابِسًا لِلْحَقِّ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ .
وَفُرِّعَ عَلَى الْمَعْنَى الصَّرِيحِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ أَنْ أُمِرَ بِأَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الْعِبَادَةَ . وَفِي هَذَا التَّفْرِيعِ تَعْرِيضٌ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَعْنَى التَّعْرِيضِيِّ فِي الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الْمُعَرَّضَ بِهِمْ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَّبَّرُوا فِي الْمَعْنَى الْمُعَرَّضِ بِهِ .
[ ص: 316 ] وَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِنْزَالَ الْكِتَابِ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ كُبْرَى تَقْتَضِي أَنْ يُقَابِلَهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّكْرِ بِإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32409_28675إِشْرَاكَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ كُفْرٌ لِنِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19606الشُّكْرَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ فِيمَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ ، وَفِي الْعِبَادَةِ تَحْقِيقُ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .
فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ التَّوْطِئَةُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19696تَقْيِيدِ الْعِبَادَةِ بِحَالَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ فَالْمَأْمُورُ بِهِ عِبَادَةٌ خَاصَّةٌ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْأَمْرِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهَا .
وَلِذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يُؤْتَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ بِصِيغَةِ قَصْرٍ ، خِلَافَ قَوْلِهِ " بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ " لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا زِيَادَةُ التَّصْرِيحِ بِالْإِخْلَاصِ وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ . وَقَدْ تَوَهَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ عَدَمِ تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ هُنَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ " فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ لَا يُفِيدُ الْقَصْرَ وَهِيَ زَلَّةُ عَالِمٍ .
وَالْإِخْلَاصُ : الْإِمْحَاضُ وَعَدَمُ الشَّوْبِ بِمُغَايِرٍ ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْإِفْرَادَ . وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ الَّتِي فِيهَا تَوْحِيدُ اللَّهِ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ ، أَيْ : إِفْرَادِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ . وَأُوثِرَ الْإِخْلَاصُ هُنَا لِإِفَادَةِ التَّوْحِيدِ وَأَخَصِّ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عِبَادَةُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ غَيْرَ مَشُوبَةٍ بِحَظٍّ دُنْيَوِيٍّ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=57قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ .
وَالدِّينُ : الْمُعَامَلَةُ . وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُعَامَلَةُ الْمَخْلُوقِ رَبَّهُ وَهِيَ عِبَادَتُهُ . فَالْمَعْنَى : مُخْلِصًا لَهُ الْعِبَادَةَ غَيْرَ خَالِطٍ بِعِبَادَتِهِ عِبَادَةَ غَيْرِهِ .
وَانْتُصِبَ " مُخْلَصًا " عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي " أَعْبُدُ " .
وَلَمَّا أَفَادَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ مَعْنَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ لَمْ يَكُنْ هُنَا مُقْتَضٍ لِتَقْدِيمِ مَفْعُولِ " أَعْبُدُ اللَّهَ " عَلَى عَامِلِهِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ قَدِ اسْتُفِيدَ مِنَ الْحَالِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ اسْتِنَادُ الشَّيْخِ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ لِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَوْجِيهِ رَأْيِهِ بِأَنْكَارِ إِفَادَةِ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى فِعْلِهِ التَّخْصِيصَ ، وَتَضْعِيفِهِ لِاسْتِدْلَالِ أَيِمَّةِ الْمَعَانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ آخِرَ السُّورَةِ بِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِمُجَرَّدِ
[ ص: 317 ] الِاهْتِمَامِ لِوُرُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فَاعْبُدِ اللَّهَ قَالَ فِي إِيضَاحِ الْمُفَصَّلِ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُفَصَّلِ فِي الدِّيبَاجَةِ " اللَّهَ أَحْمَدُ عَلَى أَنْ جَعَلَنِي مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ " اللَّهَ أَحْمَدُ عَلَى طَرِيقَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ تَقْدِيمًا لِلْأَهَمِّ ، وَمَا قِيلَ : إِنَّهُ لِلْحَصْرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالتَّمَسُّكِ فِيهِ بِنَحْوِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ضَعِيفٌ لِوُرُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فَاعْبُدِ اللَّهَ اهـ . وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْإِيضَاحِ هُنَالِكَ قَوْلَهُ " لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْحَصْرِ فَإِنَّ الْمَعْبُودِيَّةَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى الْخَاصَّةِ بِهِ ، فَالِاخْتِصَاصُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْحَالِ لَا مِنَ التَّقْدِيمِ " اهـ .
وَهُوَ ضِغْثٌ عَلَى إِبَّالَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَنْعِ دَلِيلٍ شَهِدَ بِهِ الذَّوْقُ السَّلِيمُ عِنْدَ أَيِمَّةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَى سَنَدِ مَنْعِهِ بِتَوَهُّمِهِ أَنَّ التَّقْدِيمَ الَّذِي لُوحِظَ فِي مَقَامٍ يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي كُلِّ مَقَامٍ ، كَأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ جُعِلَ قَوَالِبًا يُؤْتَى بِهَا فِي كُلِّ مَقَامٍ ، وَذَلِكَ يَنْبُو عَنْهُ اخْتِلَافُ الْمَقَامَاتِ الْبَلَاغِيَّةِ ، حَتَّى جُعِلَ الِاخْتِصَاصُ بِالْعِبَادَةِ مُسْتَفَادًا مِنَ الْقَرِينَةِ لَا مِنَ التَّقْدِيمِ ، كَأَنَّ الْقَرِينَةَ لَوْ سُلِّمَ وَجُودُهَا تَمْنَعُ مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى دَلَالَةِ النُّطْقِ .