nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29007_28904تنزيل العزيز الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون راجع إلى القرآن الحكيم إذ هو المنزل من عند الله ، فبعد أن استوفى القسم جوابه رجع الكلام إلى بعض المقصود من القسم وهو تشريف المقسم به فوسم بأنه تنزيل العزيز الرحيم .
وقد قرأه الجمهور بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف للعلم به ، وهذا من مواقع
[ ص: 347 ] حذف المسند إليه الذي سماه
السكاكي الحذف الجاري على متابعة الاستعمال في أمثاله . وذلك أنهم إذا أجروا حديثا على شيء ثم أخبروا عنه التزموا حذف ضميره الذي هو مسند إليه إشارة إلى التنويه به كأنه لا يخفى كقول
إبراهيم الصولي ، أو
nindex.php?page=showalam&ids=16415عبد الله بن الزبير الأسدي أو
محمد بن سعيد الكاتب ، وهي من أبيات الحماسة في باب الأضياف :
سأشكر عمرا إن تراخت منـيتـي أيادي لم تمنن وإن هـي جـلـت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه
ولا مظهر الشكوى إذ النعل زلـت
تقديره : هو فتى .
وقرأه
ابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص عن
عاصم وخلف بنصب " تنزيل " على تقدير : أعني . والمعنى : أعني من قسمي قرآنا نزلته ، وتلك العناية زيادة في التنويه بشأنه وهي تعادل حذف المسند إليه الذي في قراءة الرفع .
والتنزيل : مصدر بمعنى المفعول أخبر عنه بالمصدر للمبالغة في تحقيق كونه منزلا .
وأضيف التنزيل إلى الله بعنوان صفتي العزيز الرحيم لأن ما اشتمل عليه القرآن لا يعدو أن يكون من
nindex.php?page=treesubj&link=29679_29676_29675_29680آثار عزة الله تعالى ، وهو ما فيه من حمل الناس على الحق وسلوك طريق الهدى دون مصانعة ولا ضعف مع ما فيه من
nindex.php?page=treesubj&link=30521_30532الإنذار والوعيد على العصيان والكفران .
وأن يكون من آثار رحمته وهو ما في القرآن من نصب الأدلة وتقريب البعيد وكشف الحقائق للناظرين ، مع ما فيه من البشارة للذين يكونون عند
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30490مرضاة الله تعالى ، وذلك هو ما ورد بيانه بعد إجمالا من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ، ثم تفصيلا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=7لقد حق القول على أكثرهم وبقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=11إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم .
فاللام في لتنذر متعلقة بـ " تنزيل " وهي لام التعليل تعليلا لإنزال القرآن .
واقتصر على الإنذار لأن أول ما ابتدئ به القوم من التبليغ إنذارهم جميعا بما
[ ص: 348 ] تضمنته أول سورة نزلت من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6كلا إن الإنسان ليطغى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أن رآه استغنى الآية . وما تضمنته سورة المدثر لأن القوم جميعا كانوا على حالة لا ترضي الله تعالى فكان حالهم يقتضي الإنذار ليسرعوا إلى الإقلاع عما هم فيه مرتبكون .
والقوم الموصوفون بأنهم لم تنذر آباؤهم : إما العرب العدنانيون فإنهم مضت قرون لم يأتهم فيها نذير ، ومضى آباؤهم لم يسمعوا نذيرا ، وإنما يبتدأ عد آبائهم من جدهم الأعلى في عمود نسبهم الذين تميزوا به جذما وهو
عدنان ، لأنه جذم العرب المستعربة ، أو أريد
أهل مكة . وإنما باشر النبيء - صلى الله عليه وسلم - في ابتداء بعثته دعوة
أهل مكة وما حولها فكانوا هم الذين أراد الله أن يتلقوا الدين وأن تتأصل منهم جامعة الإسلام ثم كانوا هم حملة الشريعة وأعوان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ دعوته وتأييده . فانضم إليهم
أهل يثرب وهم قحطانيون فكانوا أنصارا ثم تتابع إيمان قبائل العرب .
وفرع عليه قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6فهم غافلون " أي فتسبب على عدم إنذار آبائهم أنهم متصفون بالغفلة وصفا ثابتا ، أي فهم غافلون عما تأتي به الرسل والشرائع فهم في جهالة وغواية إذ تراكمت الضلالات فيهم عاما فعاما وجيلا فجيلا .
فهذه الحالة تشمل جميع من دعاهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - سواء من آمن بعد ومن لم يؤمن .
nindex.php?page=treesubj&link=19747_19235والغفلة : صريحها الذهول عن شيء وعدم تذكره ، وهي هنا كناية عن الإهمال والإعراض عما يحق التنبيه إليه كقول
النابغة :
يقول أناس يجهلون خليقتي لعل زيادا لا أبا لك غافـل
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29007_28904تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِذْ هُوَ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَبَعْدَ أَنِ اسْتَوْفَى الْقَسَمُ جَوَابَهُ رَجَعَ الْكَلَامُ إِلَى بَعْضِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْقَسَمِ وَهُوَ تَشْرِيفُ الْمُقْسَمِ بِهِ فَوُسِمَ بِأَنَّهُ تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ .
وَقَدْ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ لِلْعِلْمِ بِهِ ، وَهَذَا مِنْ مَوَاقِعِ
[ ص: 347 ] حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الَّذِي سَمَّاهُ
السَّكَّاكِيُّ الْحَذْفُ الْجَارِي عَلَى مُتَابَعَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي أَمْثَالِهِ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا أَجْرَوْا حَدِيثًا عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ أَخْبَرُوا عَنْهُ الْتَزَمُوا حَذْفَ ضَمِيرِهِ الَّذِي هُوَ مُسْنَدٌ إِلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى التَّنْوِيهِ بِهِ كَأَنَّهُ لَا يَخْفَى كَقَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ الصُّولِيِّ ، أَوْ
nindex.php?page=showalam&ids=16415عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيِّ أَوْ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْكَاتِبِ ، وَهِيَ مِنْ أَبْيَاتِ الْحَمَاسَةِ فِي بَابِ الْأَضْيَافِ :
سَأَشْكُرُ عَمْرًا إِنْ تَرَاخَتْ مَنِـيَّتِـي أَيَادِيَ لَمْ تَمْنُنْ وَإِنْ هِـيَ جَـلَّـتِ فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الْغِنَى عَنْ صَدِيقِهِ
وَلَا مُظْهِرِ الشَّكْوَى إِذِ النَّعْلُ زَلَّـتِ
تَقْدِيرُهُ : هُوَ فَتًى .
وَقَرَأَهُ
ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ وَخَلَفٌ بِنَصْبِ " تَنْزِيلَ " عَلَى تَقْدِيرِ : أَعْنِي . وَالْمَعْنَى : أَعْنِي مِنْ قَسَمِي قُرْآنًا نَزَّلْتُهُ ، وَتِلْكَ الْعِنَايَةُ زِيَادَةٌ فِي التَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِ وَهِيَ تُعَادِلُ حَذْفَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الَّذِي فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ .
وَالتَّنْزِيلُ : مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أُخْبِرَ عَنْهُ بِالْمَصَدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَحْقِيقِ كَوْنِهِ مُنَزَّلًا .
وَأُضِيفَ التَّنْزِيلُ إِلَى اللَّهِ بِعُنْوَانِ صِفَتَيِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِأَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29679_29676_29675_29680آثَارِ عِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّاسِ عَلَى الْحَقِّ وَسُلُوكِ طَرِيقِ الْهُدَى دُونَ مُصَانَعَةٍ وَلَا ضَعْفٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=30521_30532الْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ عَلَى الْعِصْيَانِ وَالْكُفْرَانِ .
وَأَنْ يَكُونَ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ وَهُوَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَصْبِ الْأَدِلَّةِ وَتَقْرِيبِ الْبَعِيدِ وَكَشْفِ الْحَقَائِقِ لِلنَّاظِرِينَ ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْبِشَارَةِ لِلَّذِينِ يَكُونُونَ عِنْدَ
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30490مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ هُوَ مَا وَرَدَ بَيَانُهُ بَعْدُ إِجْمَالًا مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ، ثُمَّ تَفْصِيلًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=7لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ وَبِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=11إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ .
فَاللَّامُ فِي لِتُنْذِرَ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ " تَنْزِيلُ " وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ تَعْلِيلًا لِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ .
وَاقْتَصَرَ عَلَى الْإِنْذَارِ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا ابْتُدِئَ بِهِ الْقَوْمُ مِنَ التَّبْلِيغِ إِنْذَارُهُمْ جَمِيعًا بِمَا
[ ص: 348 ] تَضَمَّنَتْهُ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى الْآيَةَ . وَمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ لِأَنَّ الْقَوْمَ جَمِيعًا كَانُوا عَلَى حَالَةٍ لَا تُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى فَكَانَ حَالُهُمْ يَقْتَضِي الْإِنْذَارَ لِيُسْرِعُوا إِلَى الْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مُرْتَبِكُونَ .
وَالْقَوْمُ الْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ تُنْذَرْ آبَاؤُهُمْ : إِمَّا الْعَرَبُ الْعَدْنَانِيُّونَ فَإِنَّهُمْ مَضَتْ قُرُونٌ لَمْ يَأْتِهِمْ فِيهَا نَذِيرٌ ، وَمَضَى آبَاؤُهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا نَذِيرًا ، وَإِنَّمَا يُبْتَدَأُ عَدُّ آبَائِهِمْ مِنْ جَدِّهِمُ الْأَعْلَى فِي عَمُودِ نَسَبِهِمُ الَّذِينَ تَمَيَّزُوا بِهِ جِذْمًا وَهُوَ
عَدْنَانُ ، لِأَنَّهُ جِذْمُ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْرِبَةِ ، أَوْ أُرِيدَ
أَهْلُ مَكَّةَ . وَإِنَّمَا بَاشَرَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْتِدَاءِ بِعْثَتِهِ دَعْوَةَ
أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا فَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَلَقَّوُا الدِّينَ وَأَنْ تَتَأَصَّلَ مِنْهُمْ جَامِعَةُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ كَانُوا هُمْ حَمَلَةَ الشَّرِيعَةِ وَأَعْوَانَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَبْلِيغِ دَعْوَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ . فَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ
أَهْلُ يَثْرِبَ وَهُمْ قَحْطَانِيُّونَ فَكَانُوا أَنْصَارًا ثُمَّ تَتَابَعَ إِيمَانُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ .
وَفَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=6فَهُمْ غَافِلُونَ " أَيْ فَتَسَبَّبَ عَلَى عَدَمِ إِنْذَارِ آبَائِهِمْ أَنَّهُمْ مُتَّصِفُونَ بِالْغَفْلَةِ وَصْفًّا ثَابِتًا ، أَيْ فَهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا تَأْتِي بِهِ الرُّسُلُ وَالشَّرَائِعُ فَهُمْ فِي جَهَالَةٍ وَغَوَايَةٍ إِذْ تَرَاكَمَتِ الضَّلَالَاتُ فِيهِمْ عَامًا فَعَامًا وَجِيلًا فَجِيلًا .
فَهَذِهِ الْحَالَةُ تَشْمَلُ جَمِيعَ مَنْ دَعَاهُمُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ مَنْ آمَنَ بَعْدُ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ .
nindex.php?page=treesubj&link=19747_19235وَالْغَفْلَةُ : صَرِيحُهُا الذُّهُولُ عَنْ شَيْءٍ وَعَدَمُ تَذَكُّرِهِ ، وَهِيَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْإِهْمَالِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا يَحِقُّ التَّنْبِيهُ إِلَيْهِ كَقَوْلِ
النَّابِغَةِ :
يَقُولُ أُنَاسٌ يَجْهَلُونَ خَلِيقَتِي لَعَلَّ زِيَادًا لَا أَبَا لَكَ غَافِـلُ