تفريع عن حكم العفو ؛ لأن العفو يقتضي شكر الله على أن أنجاه بشرع جواز العفو ، وبأن سخر الولي للعفو ، ومن الشكر ألا يعود إلى الجناية مرة أخرى ، فإن عاد فله عذاب أليم ، وقد فسر الجمهور العذاب الأليم بعذاب الآخرة ، والمراد تشديد العذاب عليه كقوله تعالى : ومن عاد فينتقم الله منه ، ثم له من حكم العفو والدية ما للقاتل ابتداء عندهم ، وفسره بعضهم بعذاب الدنيا ؛ أعني القتل فقالوا : إن فلا بد من قتله ولا يمكن الحاكم الولي من العفو ، ونقلوا ذلك عن عاد المعفو عنه إلى القتل مرة أخرى قتادة وعكرمة والسدي ، ورواه أبو داود ، عن ، عن النبيء صلى الله عليه وسلم ، وروي عن سمرة بن جندب أنه موكول إلى اجتهاد الإمام ، والذي يستخلص من أقوالهم هنا ، سواء كان العذاب عذاب الآخرة أو عذاب الدنيا - أن تكرر الجناية يوجب التغليظ ، وهو ظاهر من مقاصد الشارع ؛ لأن الجناية قد تصير له دربة ، فعوده إلى قتل النفس يؤذن باستخفافه بالأنفس ، فيجب أن يراح منه الناس ، وإلى هذا نظر عمر بن عبد العزيز قتادة ومن معه ، غير أن هذا لا يمنع حكم العفو إن رضي به الولي ؛ لأن الحق حقه ، وما أحسن قول بتفويضه إلى الإمام لينظر هل صار هذا القاتل مزهق أنفس ، وينبغي إن عفي عنه أن تشدد عليه العقوبة أكثر من ضرب مائة وحبس عام وإن لم يقولوه ؛ لأن ذكر الله هذا الحكم بعد ذكر الرحمة دليل على أن هذا الجاني غير جدير في هاته المرة بمزيد الرحمة ، وهذا موضع نظر من الفقه دقيق ، قد كان الرجل في الجاهلية يقتل ثم يدفع الدية ثم يغدره ولي الدم فيقتله ، وقريب من هذا قصة عمر بن عبد العزيز حصين بن ضمضم التي أشار إليها زهير بقوله :
لعمري لنعم الحي جر عليهم بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم