nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28990_31979_32016واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا
جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16واذكر في الكتاب مريم عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذكر رحمة ربك عطف القصة على القصة فلا يراعى حسن اتحاد الجملتين في الخبرية والإنشائية ، على أن ذلك الاتحاد ليس بملتزم . على أنك علمت أن الأحسن أن يكون قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذكر رحمة ربك عبده زكرياء ) مصدرا وقع بدلا من فعله .
[ ص: 79 ] والمراد بالذكر : التلاوة ، أي اتل خبر مريم الذي نقصه عليك .
وفي افتتاح القصة بهذا زيادة اهتمام بها وتشويق للسامع أن يتعرفها ويتدبرها .
والكتاب : القرآن ، لأن هذه القصة من جملة القرآن . وقد اختصت هذه السورة بزيادة كلمة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16في الكتاب بعد كلمة واذكر . وفائدة ذلك التنبيه إلى أن ذكر من أمر بذكرهم كائن بآيات القرآن وليس مجرد ذكر فضله في كلام آخر من قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - كقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341986لو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي . ولم يأت مثل هذه الجملة في سورة أخرى لأنه قد حصل علم المراد في هذه السورة فعلم أنه المراد في بقية الآيات التي جاء فيها لفظ اذكر . ولعل سورة مريم هي أول سورة أتى فيها لفظ واذكر في قصص الأنبياء فإنها
nindex.php?page=treesubj&link=32282السورة الرابعة والأربعون في عدد نزول السور .
و ( إذ ) ظرف متعلق بـ ( اذكر ) باعتبار تضمنه معنى القصة والخبر ، وليس متعلقا به في ظاهر معناه لعدم صحة المعنى . ويجوز أن يكون ( إذ ) مجرد اسم زمان غير ظرف ويجعل بدلا من مريم ، أي اذكر زمن انتباذها مكانا شرقيا . وقد تقدم مثله في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذكر رحمة ربك عبده زكرياء إذ نادى ربه ) . والانتباذ : الانفراد والاعتزال ، لأن النبذ : الإبعاد والطرح ، فالانتباذ في الأصل افتعال مطاوع نبذه ، ثم أطلق على الفعل الحاصل بدون سبق فاعل له .
وانتصب مكانا على أنه مفعول انتبذت لتضمنه معنى حلت . ويجوز نصبه على الظرفية لما فيه من الإبهام . والمعنى : ابتعدت عن أهلها في مكان شرقي .
[ ص: 80 ] ونكر المكان إبهاما له لعدم تعلق الغرض بتعيين نوعه إذ لا يفيد كمالا في المقصود من القصة . وأما التصدي لوصفه بأنه شرقي فللتنبيه على أصل
nindex.php?page=treesubj&link=29434اتخاذ النصارى الشرق قبلة لصلواتهم إذ كان حمل مريم بعيسى في مكان من جهة مشرق الشمس . كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذت
النصارى الشرق قبلة لقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16مكانا شرقيا أي أن ذلك الاستقبال ليس بأمر من الله تعالى . فذكر كون المكان شرقيا نكتة بديعة من تاريخ الشرائع مع ما فيه من مؤاخاة الفواصل .
واتخاذ الحجاب : جعل شيء يحجب عن الناس . قيل : إنها احتجبت لتغتسل وقيل لتمتشط .
والروح : الملك ، لأن تعليق الإرسال به وإضافته إلى ضمير الجلالة دلا على أنه من الملائكة وقد تمثل لها بشرا .
والتمثل : تكلف المماثلة ، أي أن ذلك الشكل ليس شكل الملك بالأصالة .
و ( بشرا ) حال من ضمير ( تمثل ) ، وهو حال على معنى التشبيه البليغ . والبشر : الإنسان . قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إني خالق بشرا من طين أي خالق
آدم - عليه السلام - . والسوي : المسوى ، أي التام الخلق . وإنما تمثل لها كذلك للتناسب بين كمال الحقيقة وكمال الصورة ، وللإشارة إلى كمال عصمتها إذ قالت
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ، إذ لم يكن في صورته ما يكره لأمثالها ، لأنها حسبت أنه بشر اختبأ لها ليراودها
[ ص: 81 ] عن نفسها ، فبادرته بالتعوذ منه قبل أن يكلمها مبادرة بالإنكار على ما توهمته من قصده الذي هو المتبادر من أمثاله في مثل تلك الحالة . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=33087إني أعوذ بالرحمن منك خبرية ، ولذلك أكدت بحرف التأكيد . والمعنى : أنها أخبرته بأنها جعلت الله معاذا لها منه ، أي جعلت جانب الله ملجأ لها مما هم به . وهذه موعظة له . وذكرها صفة الرحمن دون غيرها من صفات الله لأنها أرادت أن يرحمها الله بدفع من حسبته داعرا عليها . وقولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إن كنت تقيا تذكير له بالموعظة بأن عليه أن يتقي ربه . ومجيء هذا التذكير بصيغة الشرط المؤذن بالشك في تقواه قصد لتهييج خشيته . وكذلك اجتلاب فعل الكون الدال على كون التقوى مستقرة فيه . وهذا أبلغ وعظ وتذكير وحث على العمل بتقواه . والقصر في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19إنما أنا رسول ربك قصر إضافي ، أي لست بشرا ، ردا على قولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إن كنت تقيا المقتضي اعتقادها أنه بشر .
وقرأ الجمهور لأهب بهمزة المتكلم بعد لام العلة . ومعنى إسناد الهبة إلى نفسه مجاز عقلي لأنه سبب هذه الهبة . وقرأه أبو عمرو ، وورش عن نافع ( ليهب ) بياء الغائب ، أي ليهب ربك لك ، مع أنها مكتوبة في المصحف بألف . وعندي أن قراءة هؤلاء بالياء بعد اللام إنما هي نطق الهمزة المخففة بعد كسر اللام بصورة نطق الياء . ومحاورتها الملك محاولة قصدت بها صرفه عما جاء لأجله ، لأنها علمت أنه مرسل من الله فأرادت مراجعة ربها في أمر لم تطقه
[ ص: 82 ] كما راجعه
إبراهيم - عليه السلام - في
قوم لوط . وكما راجعه
محمد - صلى الله عليه وسلم - في فرض خمسين صلاة . ومعنى المحاورة أن ذلك يجر لها ضرا عظيما إذ هي مخطوبة لرجل ولم يبن بها فكيف يتلقى الناس منها الإتيان بولد من غير أب معروف . وقولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم أك بغيا تبرئة لنفسها من البغاء بما يقتضيه فعل الكون من تمكن الوصف الذي هو خبر الكون ، والمقصود منه تأكيد النفي . فمفاد قولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم أك بغيا غير مفاد قولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم يمسسني بشر ، وهو مما زادت به هذه القصة على ما في قصتها في سورة آل عمران ، لأن قصتها في سورة آل عمران نزلت بعد هذه فصح الاجتزاء في القصة بقولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم يمسسني بشر . وقولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم يمسسني بشر أي لم يبن بي زوج ، لأنها
nindex.php?page=treesubj&link=31979كانت مخطوبة ومراكنة ليوسف النجار ولكنه لم يبن بها فإذا حملت بولد اتهمها خطيبها وأهلها بالزنى .
وأما قولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم أك بغيا فهو نفي لأن تكون بغيا من قبل تلك الساعة ، فلا ترضى بأن ترمى بالبغاء بعد ذلك . فالكلام كناية عن التنزه عن الوصم بالبغاء بقاعدة الاستصحاب . والمعنى : ما كنت بغيا فيما مضى أفأعد بغيا فيما يستقبل .
وللمفسرين في هذا المقام حيرة ذكرها
الفخر والطيبي ، وفيما ذكرنا مخرج من مأزقها . وليس كلام
مريم مسوقا مساق الاستبعاد مثل قول
زكرياء nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=8أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا لاختلاف الحالين لأن حال
زكرياء حال راغب في حصول الولد ، وحال
مريم حال متشائم منه متبرئ من حصوله .
والبغي : اسم للمرأة الزانية ، ولذلك لم تتصل به هاء التأنيث ، ووزنه فعيل أو فعول بمعنى فاعل فيكون أصله بغوي . لأنه من
[ ص: 83 ] البغي فلما اجتمع الواو والياء وسكن السابق منهما قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء الأصلية وعوض عن ضمة الغين كسرة لمناسبة الياء فصار بغي .
وجواب الملك معناه : أن الأمر كما قلت ، نظير قوله في قصة
زكرياء nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21كذلك قال ربك هو علي هين ، وهو عدول عن إبطال مرادها من المراجعة إلى بيان
nindex.php?page=treesubj&link=28783_33679هون هذا الخلق في جانب القدرة على طريقة الأسلوب الحكيم .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هو علي هين توجيه بأن ما اشتكته من توقع ضد قولها وطعنهم في عرضها ليس بأمر عظيم في جانب ما أراد الله من هدى الناس لرسالة
عيسى - عليه السلام - بأن الله تعالى لا يصرفه عن إنفاذ مراده ما عسى أن يعرض من ضر في ذلك لبعض عبيده ، لأن مراعاة المصالح العامة تقدم على مراعاة المصالح الخاصة .
فضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هو علي هين عائد إلى ما تضمنه حوارها من لحاق الضر بها كما فسرنا به قولها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا . فبين جواب الملك إياها وبين جواب الله
زكرياء اختلاف في المعنى .
والكلام في الموضوعين على لسان الملك من عند الله ، ولكنه أسند في قصة
زكرياء إلى الله لأن كلام الملك كان تبليغ وحي عن الله جوابا من الله عن مناجاة
زكرياء ، وأسند في هذه القصة إلى الملك لأنه جواب عن خطابها إياه . وقوله ولنجعله عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فأرسلنا إليها روحنا باعتبار ما في ذلك من قول الروح لها
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لأهب لك غلاما زكيا ، أي لأن هبة الغلام الزكي كرامة من الله لها ، وجعله آية للناس ورحمة كرامة للغلام ، فوقع التفات من طريقة الغيبة إلى طريقة التكلم .
[ ص: 84 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وكان أمرا مقضيا يجوز أن تكون في قول الملك ، ويجوز أن تكون مستأنفة . وضمير كان عائد إلى الوهب المأخوذ من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لأهب لك غلاما . وهذا قطع للمراجعة وإنباء بأن التخليق قد حصل في رحمها .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16nindex.php?page=treesubj&link=28990_31979_32016وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18قَالَتْ إِنِّيَ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكَ لِأَهَبَ لَكَ غُلَامًا زَكِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا
جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ فَلَا يُرَاعَى حُسْنُ اتِّحَادِ الْجُمْلَتَيْنِ فِي الْخَبَرِيَّةِ وَالْإِنْشَائِيَّةِ ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاتِّحَادَ لَيْسَ بِمُلْتَزِمٍ . عَلَى أَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّاءَ ) مَصْدَرًا وَقَعَ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ .
[ ص: 79 ] وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ : التِّلَاوَةُ ، أَيِ اتْلُ خَبَرَ مَرْيَمَ الَّذِي نَقُصُّهُ عَلَيْكَ .
وَفِي افْتِتَاحِ الْقِصَّةِ بِهَذَا زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ بِهَا وَتَشْوِيقٍ لِلسَّامِعِ أَنْ يَتَعَرَّفَهَا وَيَتَدَبَّرَهَا .
وَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ . وَقَدِ اخْتَصَّتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِزِيَادَةِ كَلِمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16فِي الْكِتَابِ بَعْدَ كَلِمَةِ وَاذْكُرْ . وَفَائِدَةُ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ ذِكْرَ مَنْ أَمَرَ بِذِكْرِهِمْ كَائِنٌ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ مُجَرَّدَ ذِكْرِ فَضْلِهِ فِي كَلَامٍ آخَرَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341986لَوْ لَبِثْتُ مَا لَبِثَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ . وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي سُورَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ عِلْمُ الْمُرَادِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي بَقِيَّةِ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا لَفْظُ اذْكُرْ . وَلَعَلَّ سُورَةَ مَرْيَمَ هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أَتَى فِيهَا لَفْظُ وَاذْكُرْ فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=32282السُّورَةُ الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي عَدَدِ نُزُولِ السُّوَرِ .
وَ ( إِذْ ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( اذْكُرْ ) بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْقِصَّةِ وَالْخَبَرِ ، وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِهِ فِي ظَاهِرِ مَعْنَاهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَعْنَى . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( إِذْ ) مُجَرَّدَ اسْمِ زَمَانٍ غَيْرَ ظَرْفٍ وَيُجْعَلَ بَدَلًا مِنْ مَرْيَمَ ، أَيِ اذْكُرْ زَمَنَ انْتِبَاذِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=2ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّاءَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) . وَالِانْتِبَاذُ : الِانْفِرَادُ وَالِاعْتِزَالُ ، لِأَنَّ النَّبْذَ : الْإِبْعَادُ وَالطَّرْحُ ، فَالِانْتِبَاذُ فِي الْأَصْلِ افْتِعَالٌ مُطَاوِعُ نَبَذَهُ ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْفِعْلِ الْحَاصِلِ بِدُونِ سَبْقِ فَاعِلٍ لَهُ .
وَانْتَصَبَ مَكَانًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ انْتَبَذَتْ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى حَلَّتْ . وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِبْهَامِ . وَالْمَعْنَى : ابْتَعَدَتْ عَنْ أَهْلِهَا فِي مَكَانٍ شَرْقِيٍّ .
[ ص: 80 ] وَنُكِّرَ الْمَكَانُ إِبْهَامًا لَهُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِتَعْيِينِ نَوْعِهِ إِذْ لَا يُفِيدُ كَمَالًا فِي الْمَقْصُودِ مِنَ الْقِصَّةِ . وَأَمَّا التَّصَدِّي لِوَصْفِهِ بِأَنَّهُ شَرْقِيٌّ فَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَصْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29434اتِّخَاذِ النَّصَارَى الشَّرْقَ قِبْلَةً لِصَلَوَاتِهِمْ إِذْ كَانَ حَمْلُ مَرْيَمَ بِعِيسَى فِي مَكَانٍ مِنْ جِهَةِ مَشْرِقِ الشَّمْسِ . كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنِّي لَأَعْلَمُ خَلْقِ اللَّهِ لِأَيِّ شَيْءٍ اتَّخَذَتِ
النَّصَارَى الشَّرْقَ قِبْلَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=16مَكَانًا شَرْقِيًّا أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِقْبَالَ لَيْسَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى . فَذِكْرُ كَوْنِ الْمَكَانِ شَرْقِيًّا نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ مِنْ تَارِيخِ الشَّرَائِعِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُؤَاخَاةِ الْفَوَاصِلِ .
وَاتِّخَاذُ الْحِجَابِ : جَعْلُ شَيْءٍ يُحْجَبُ عَنِ النَّاسِ . قِيلَ : إِنَّهَا احْتَجَبَتْ لِتَغْتَسِلَ وَقِيلَ لِتَمْتَشِطَ .
وَالرُّوحُ : الْمَلَكُ ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْإِرْسَالِ بِهِ وَإِضَافَتَهُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ دَلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَدْ تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا .
وَالتَّمَثُّلُ : تَكَلُّفُ الْمُمَاثَلَةِ ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الشَّكْلَ لَيْسَ شَكْلَ الْمَلَكَ بِالْأَصَالَةِ .
وَ ( بَشَرًا ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ ( تَمَثَّلَ ) ، وَهُوَ حَالٌ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ . وَالْبَشَرُ : الْإِنْسَانُ . قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ أَيْ خَالِقٌ
آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - . وَالسَّوِيُّ : الْمُسَوَّى ، أَيِ التَّامُّ الْخَلْقِ . وَإِنَّمَا تَمَثَّلَ لَهَا كَذَلِكَ لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَ كَمَالِ الْحَقِيقَةِ وَكَمَالِ الصُّورَةِ ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى كَمَالِ عِصْمَتِهَا إِذْ قَالَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي صُورَتِهِ مَا يُكْرَهُ لِأَمْثَالِهَا ، لِأَنَّهَا حَسِبَتْ أَنَّهُ بَشَرٌ اخْتَبَأَ لَهَا لِيُرَاوِدَهَا
[ ص: 81 ] عَنْ نَفْسِهَا ، فَبَادَرَتْهُ بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهَا مُبَادَرَةً بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَا تَوَهَّمَتْهُ مِنْ قَصْدِهِ الَّذِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ . وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=33087إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ خَبَرِيَّةٌ ، وَلِذَلِكَ أُكِّدَتْ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ . وَالْمَعْنَى : أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا جَعَلَتِ اللَّهَ مَعَاذًا لَهَا مِنْهُ ، أَيْ جَعَلَتْ جَانِبَ اللَّهِ مَلْجَأً لَهَا مِمَّا هَمَّ بِهِ . وَهَذِهِ مَوْعِظَةٌ لَهُ . وَذِكْرُهَا صِفَةَ الرَّحْمَنِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ لِأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَرْحَمَهَا اللَّهُ بِدَفْعِ مَنْ حَسِبَتْهُ دَاعِرًا عَلَيْهَا . وَقَوْلُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا تَذْكِيرٌ لَهُ بِالْمَوْعِظَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ رَبَّهُ . وَمَجِيءُ هَذَا التَّذْكِيرِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الْمُؤْذِنِ بِالشَّكِّ فِي تَقْوَاهُ قَصْدٌ لِتَهْيِيجِ خَشْيَتِهِ . وَكَذَلِكَ اجْتِلَابُ فِعْلِ الْكَوْنِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِ التَّقْوَى مُسْتَقِرَّةً فِيهِ . وَهَذَا أَبْلَغُ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ وَحَثٍّ عَلَى الْعَمَلِ بِتَقْوَاهُ . وَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ ، أَيْ لَسْتُ بَشَرًا ، رَدًّا عَلَى قَوْلِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=18إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا الْمُقْتَضِي اعْتِقَادَهَا أَنَّهُ بَشَرٌ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لِأَهَبَ بِهَمْزَةِ الْمُتَكَلِّمِ بَعْدَ لَامِ الْعِلَّةِ . وَمَعْنَى إِسْنَادِ الْهِبَةِ إِلَى نَفْسِهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهُ سَبَبُ هَذِهِ الْهِبَةِ . وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو ، وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ ( لِيَهَبَ ) بِيَاءِ الْغَائِبِ ، أَيْ لِيَهَبَ رَبُّكِ لَكِ ، مَعَ أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي الْمُصْحَفِ بِأَلِفٍ . وَعِنْدِي أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ بِالْيَاءِ بَعْدَ اللَّامِ إِنَّمَا هِيَ نُطْقُ الْهَمْزَةِ الْمُخَفَّفَةِ بَعْدَ كَسْرِ اللَّامِ بِصُورَةِ نُطْقِ الْيَاءِ . وَمُحَاوَرَتُهَا الْمَلَكَ مُحَاوَلَةٌ قَصَدَتْ بِهَا صَرْفَهُ عَمَّا جَاءَ لِأَجْلِهِ ، لِأَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ فَأَرَادَتْ مُرَاجَعَةَ رَبِّهَا فِي أَمْرٍ لَمْ تُطِقْهُ
[ ص: 82 ] كَمَا رَاجَعَهُ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي
قَوْمِ لُوطٍ . وَكَمَا رَاجَعَهُ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً . وَمَعْنَى الْمُحَاوَرَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ لَهَا ضُرًّا عَظِيمًا إِذْ هِيَ مَخْطُوبَةٌ لِرَجُلٍ وَلَمْ يَبْنِ بِهَا فَكَيْفَ يَتَلَقَّى النَّاسُ مِنْهَا الْإِتْيَانَ بِوَلَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ مَعْرُوفٍ . وَقَوْلُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا تَبْرِئَةٌ لِنَفْسِهَا مِنَ الْبِغَاءِ بِمَا يَقْتَضِيهِ فِعْلُ الْكَوْنِ مِنْ تَمَكُّنِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ الْكَوْنِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَأْكِيدُ النَّفْيِ . فَمُفَادُ قَوْلِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا غَيْرُ مُفَادِ قَوْلِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ، وَهُوَ مِمَّا زَادَتْ بِهِ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى مَا فِي قِصَّتِهَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، لِأَنَّ قِصَّتَهَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ فَصَحَّ الِاجْتِزَاءُ فِي الْقِصَّةِ بِقَوْلِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ . وَقَوْلُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ أَيْ لَمْ يَبْنِ بِي زَوْجٌ ، لِأَنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=31979كَانَتْ مَخْطُوبَةً وَمُرَاكِنَةً لِيُوسُفَ النَّجَّارِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَإِذَا حَمَلَتْ بِوَلَدٍ اتَّهَمَهَا خَطِيبُهَا وَأَهْلُهَا بِالزِّنَى .
وَأَمَّا قَوْلُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا فَهُوَ نَفْيٌ لِأَنْ تَكُونَ بَغِيًّا مِنْ قَبْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ ، فَلَا تَرْضَى بِأَنْ تُرْمَى بِالْبِغَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ . فَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّنَزُّهِ عَنِ الْوَصْمِ بِالْبِغَاءِ بِقَاعِدَةِ الِاسْتِصْحَابِ . وَالْمَعْنَى : مَا كُنْتُ بَغِيًّا فِيمَا مَضَى أَفَأَعِدُ بَغِيًّا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ .
وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْرَةٌ ذَكَرَهَا
الْفَخْرُ وَالطِّيبِيُّ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَخْرَجٌ مِنْ مَأْزِقِهَا . وَلَيْسَ كَلَامُ
مَرْيَمَ مَسُوقًا مَسَاقَ الِاسْتِبْعَادِ مِثْلَ قَوْلِ
زَكَرِيَّاءَ nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=8أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ لِأَنَّ حَالَ
زَكَرِيَّاءَ حَالُ رَاغِبٍ فِي حُصُولِ الْوَلَدِ ، وَحَالُ
مَرْيَمَ حَالُ مُتَشَائِمٍ مِنْهُ مُتَبَرِّئٍ مِنْ حُصُولِهِ .
وَالْبَغِيُّ : اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَتَّصِلْ بِهِ هَاءُ التَّأْنِيثِ ، وَوَزْنُهُ فَعِيلٌ أَوْ فَعَوْلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَيَكُونُ أَصْلُهُ بَغُوي . لِأَنَّهُ مِنَ
[ ص: 83 ] الْبَغْيِ فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَكَنَ السَّابِقُ مِنْهُمَا قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ الْأَصْلِيَّةِ وَعُوِّضَ عَنْ ضَمَّةِ الْغَيْنِ كَسْرَةً لِمُنَاسَبَةِ الْيَاءِ فَصَارَ بَغِيٌّ .
وَجَوَابُ الْمَلَكِ مَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قُلْتُ ، نَظِيرَ قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ
زَكَرِيَّاءَ nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ، وَهُوَ عُدُولٌ عَنْ إِبْطَالِ مُرَادِهَا مِنَ الْمُرَاجَعَةِ إِلَى بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_33679هَوْنِ هَذَا الْخَلْقِ فِي جَانِبِ الْقُدْرَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ تَوْجِيهٌ بِأَنَّ مَا اشْتَكَتْهُ مِنْ تَوَقُّعِ ضِدِّ قَوْلِهَا وَطَعْنِهِمْ فِي عِرْضِهَا لَيْسَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فِي جَانِبِ مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ هُدَى النَّاسِ لِرِسَالَةِ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْرِفُهُ عَنْ إِنْفَاذِ مُرَادِهِ مَا عَسَى أَنْ يَعْرِضَ مِنْ ضُرٍّ فِي ذَلِكَ لِبَعْضِ عَبِيدِهِ ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ تُقَدَّمُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ .
فَضَمِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ عَائِدٌ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ حِوَارُهَا مِنْ لِحَاقِ الضُّرِّ بِهَا كَمَا فَسَّرْنَا بِهِ قَوْلَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=20وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا . فَبَيْنَ جَوَابِ الْمَلَكِ إِيَّاهَا وَبَيْنَ جَوَابِ اللَّهِ
زَكَرِيَّاءَ اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْنَى .
وَالْكَلَامُ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَلَكِنَّهُ أُسْنِدَ فِي قِصَّةِ
زَكَرِيَّاءَ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَلَكِ كَانَ تَبْلِيغَ وَحْيٍ عَنِ اللَّهِ جَوَابًا مِنَ اللَّهِ عَنْ مُنَاجَاةِ
زَكَرِيَّاءَ ، وَأُسْنِدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى الْمَلَكِ لِأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ خِطَابِهَا إِيَّاهُ . وَقَوْلُهُ وَلِنَجْعَلَهُ عَطْفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=17فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا بِاعْتِبَارِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرُّوحِ لَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ، أَيْ لِأَنَّ هِبَةَ الْغُلَامِ الزَّكِيِّ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهَا ، وَجَعْلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً كَرَامَةٌ لِلْغُلَامِ ، فَوَقَعَ الْتِفَاتٌ مِنْ طَرِيقَةِ الْغَيْبَةِ إِلَى طَرِيقَةِ التَّكَلُّمِ .
[ ص: 84 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي قَوْلِ الْمَلَكِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً . وَضَمِيرُ كَانَ عَائِدٌ إِلَى الْوَهْبِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=19لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا . وَهَذَا قَطْعٌ لِلْمُرَاجَعَةِ وَإِنْبَاءٌ بِأَنَّ التَّخْلِيقَ قَدْ حَصَلَ فِي رَحِمِهَا .