فلما في هذه الجمل المعطوفة من التأكيد لمضمون الجملة المعطوف عليها أخرت عنها ، ولما فيها من الزيادة في وصفهم بالأحرصية المتجاوزة الحد عطف عليه ولم يفصل لأنه لو كان لمجرد التأكيد لفصل كما يفصل التأكيد عن المؤكد .
وقوله " ولتجدنهم " من الوجدان القلبي المتعدي إلى مفعولين . والمراد من الناس في الظاهر جميع الناس أي جميع البشر ، فهم أحرصهم على الحياة فإن الحرص على الحياة غريزة في الناس إلا أن الناس فيه متفاوتون قوة وكيفية وأسبابا قال أبو الطيب :
أرى كلنا يهوى الحياة بسعيه حريصا عليها مستهاما بها صبا فحب الجبان النفس
أورده التقى وحب الشجاع النفس أورده الحربا
وقوله " ومن الذين أشركوا " عطف على الناس لأن المضاف إليه أفعل التفضيل تقدر معه من التفضيلية لا محالة ، فإذا عطف عليه جاز إظهارها ويتعين الإظهار إذا كان المفضل من غير نوع المفضل عليه لأن الإضافة حينئذ تمتنع كما هنا ، فإن اليهود من الناس وليسوا من الذين أشركوا .
وعند أن إضافته على تقدير اللام فيكون قوله " ومن الذين أشركوا " - على قوله - عطفا بالحمل على المعنى أو بتقدير معطوف محذوف تقديره " أحرص " . هو متعلق من الذين أشركوا وإليه مال في الكشاف . سيبويه
[ ص: 618 ] وقوله " يود أحدهم " بيان لأحرصيتهم على الحياة وتحقيق لعموم النوعية في الحياة المنكرة لدفع توهم أن الحرص لا يبلغ بهم مبلغ الطمع في الحياة البالغة لمدة ألف سنة فإنها مع تعذرها لو تمت لهم كانت حياة خسف وأرذل عيش ، يظن بهم أن لا يبلغ حبهم الحياة إلى تمنيها ، وقد قال الحريري :
والموت خير للفتى من عيشه عيش البهيمة
وقوله " لو يعمر ألف سنة " بيان ل " يود " أي يود ودا بيانه لو يعمر ألف سنة ، أنه حرف شرط للماضي أو للمستقبل فكان أصل موقعه مع فعل يود ونحوه أنه جملة مبينة لجملة يود على طريقة الإيجاز ، والتقدير في مثل هذا : يود أحدهم لو يعمر ألف سنة لما سئم أو لما كره فلما كان مضمون شرط لو ومضمون مفعول يود واحدا استغنوا بفعل الشرط عن مفعول الفعل فحذفوا المفعول ونزل حرف الشرط مع فعله منزلة المفعول فلذلك صار الحرف مع جملة الشرط في قوة المفعول فاكتسب الاسمية في المعنى فصار فعل الشرط مؤولا بالمصدر المأخوذ منه ولذلك صار حرف " لو " بمنزلة أن المصدرية نظرا لكون الفعل الذي بعدها صار مؤولا بمصدر فصارت جملة الشرط مستعملة في معنى المصدر استعمالا غلب على لو الواقعة بعد فعل يود ، وقد يلحق به ما كان في معناه من الأفعال الدالة على المحبة والرغبة . وأصل " لو "
هذا تحقيق استعمال لو في مثل هذا الجاري على قول المحققين من النحاة ولغلبة هذا الاستعمال وشيوع هذا الحذف ذهب بعض النحاة إلى أن لو تستعمل حرفا مصدريا وأثبتوا لها من مواقع ذلك موقعها بعد يود ونحوه وهو قول الفراء وأبي علي الفارسي والتبريزي والعكبري وابن مالك فيقولون لا حذف ويجعلون لو حرفا لمجرد السبك بمنزلة أن المصدرية والفعل مسبوكا بمصدر ، والتقدير يود أحدهم التعمير وهذا القول أضعف تحقيقا وأسهل تقديرا .
وقوله " وما هو بمزحزحه " يجوز أن يكون الضمير لأحدهم ويجوز أن يكون ضميرا مبهما يفسره المصدر بعده على حد قول زهير :
[ ص: 619 ]
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
والله بصير بما يعملون البصير هنا بمعنى العليم كما في قول وقوله علقمة الفحل :
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى فمهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينتقم
علمتك ترعاني بعين بصيرة وتبعث حراسا علي وناظرا