عطف على جملة للذين أحسنوا الحسنى . وعبر في جانب المسيئين بفعل كسبوا السيئات دون فعل أساءوا الذي عبر به في جانب الذين أحسنوا للإشارة إلى أن إساءتهم من فعلهم وسعيهم فما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون .
[ ص: 148 ] والموصول مراد به خصوص المشركين لقوله بعده أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . فإن الخلود في النار لا يقع إلا للكافرين ، كما دلت عليه الأدلة المتظافرة خلافا للمعتزلة والخوارج .
وجملة جزاء سيئة بمثلها خبر عن ( الذين كسبوا السيئات ) . وتنكير سيئة للعموم ، أي جزاء كل سيئة بمثلها ، وهو وإن كان في سياق الإثبات فالعموم مستفاد من المقام وهو مقام عموم المبتدأ ، كقول الحريري :
يا أهل ذا المغنى وقيتم ضرا
أي كل ضر . وذلك العموم مغن عن الرابط بين الجملة الخبرية والمبتدأ ، أو يقدر مجرور ، أي جزاء سيئة منهم ، كما قدر في قوله - تعالى : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أي فعليه .
واقتصر على الذلة لهم دون زيادة ويرهقهم قتر ; لأنه سيجيء ما هو أشد منه وهو قوله : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما
وجملة ما لهم من الله من عاصم خبر ثان ، أو حال من ( الذين كسبوا السيئات ) ، أو معترضة . وهو تهديد وتأييس .
والعاصم : المانع والحافظ . ومعنى من الله من انتقامه وجزائه . وهذا من تعليق الفعل باسم الذات ، والمراد بعض أحوال الذات مما يدل عليه السياق مثل حرمت عليكم الميتة
وجملة كأنما أغشيت وجوههم إلخ بيان لجملة ترهقهم ذلة بيان تمثيل ، أو حال من الضمير في قوله : وترهقهم
و أغشيت معدى غشي إذا أحاط وغطا ، فصار بالهمزة معدى إلى مفعولين من باب كسا . وتقدم في قوله - تعالى : يغشي الليل النهار في الأعراف ، وقوله : إذ يغشيكم النعاس في الأنفال .
[ ص: 149 ] والقطع - بفتح الطاء - في قراءة الجمهور : جمع قطعة ، وهي الجزء من الشيء ، سمي قطعة لأنه يقتطع من كل غالبا ، فهي فعلة بمعنى مفعولة نقلت إلى الاسمية . وقرأه ابن كثير والكسائي ويعقوب قطعا بسكون الطاء . وهو اسم للجزء من زمن الليل المظلم ، قال - تعالى : فأسر بأهلك بقطع من الليل
وقوله : مظلما حال من الليل . ووصف الليل وهو زمن الظلمة بكونه مظلما لإفادة تمكن الوصف منه كقولهم : ليل أليل ، وظل ظليل ، وشعر شاعر ، فالمراد من الليل الشديد الإظلام باحتجاب نجومه وتمكن ظلمته . شبهت قترة وجوههم بظلام الليل .
وجملة أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون هي كجملة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون