فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ومنهم من يلمزك في الصدقات
عرف المنافقون بالشح كما قال الله - تعالى : أشحة عليكم وقال أشحة على الخير ومن شحهم أنهم يودون أن الصدقات توزع عليهم فإذا رأوها توزع [ ص: 232 ] على غيرهم طعنوا في إعطائها بمطاعن يلقونها في أحاديثهم ، ويظهرون أنهم يغارون على مستحقيها ، ويشمئزون من صرفها في غير أهلها ، وإنما يرومون بذلك أن تقصر عليهم .
روي أن أبا الجواظ ، من المنافقين ، طعن في أن أعطى النبيء - صلى الله عليه وسلم - من أموال الصدقات بعض ضعفاء الأعراب رعاء الغنم ، إعانة لهم ، وتأليفا لقلوبهم ، فقال : ما هذا بالعدل أن يضع صدقاتكم في رعاء الغنم ، وقد أمر أن يقسمها في الفقراء والمساكين ، وقد روي أنه شافه بذلك النبيء - صلى الله عليه وسلم .
وعن : أنها نزلت في أبي سعيد الخدري ذي الخويصرة التميمي الذي قال للنبيء - صلى الله عليه وسلم - : اعدل ، وكان ذلك في قسمة ذهب جاء من اليمن سنة تسع ، فلعل السبب تكرر ، وقد كان ذو الخويصرة من المنافقين من الأعراب .
و اللمز القدح والتعييب مضارعه من باب يضرب ، وبه قرأ الجمهور ، ومن باب ينصر ، وبه قرأ يعقوب وحده .
وأدخلت ( في ) على الصدقات ، وإنما اللمز في توزيعها لا في ذواتها : لأن الاستعمال يدل على المراد ، فهذا شائع من إسناد الحكم إلى الأعيان والمراد أحوالها .
ثم إن قوله : فإن أعطوا منها رضوا يحتمل : أن المراد ظاهر الضمير أن يعود على المذكور ، أي إن أعطي اللامزون ، أي أن الطاعنين يطمعون أن يأخذوا من أموال الصدقات بوجه هدية وإعانة ، فيكون ذلك من بلوغهم الغاية في الحرص والطمع ، ويحتمل أن الضمير راجع إلى ما رجع إليه ضمير ( منهم ) أي : فإن أعطي المنافقون رضي اللامزون ، وإن أعطي غيرهم سخطوا ، فالمعنى أنهم يرومون أن لا تقسم الصدقات إلا على فقرائهم ولذلك كره أبو الجواظ أن يعطى الأعراب من الصدقات .
ولم يذكر متعلق رضوا ; لأن المراد صاروا راضين ، أي عنك .
ودلت ( إذا ) الفجائية على أن سخطهم أمر يفاجئ العاقل حين يشهده لأنه يكون في غير مظنة سخط ، وشأن الأمور المفاجئة أن تكون غريبة في بابها .