[ ص: 243 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206nindex.php?page=treesubj&link=28978_28734_29747إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون
تتنزل منزلة العلة للأمر بالذكر ، ولذلك صدرت ب إن التي هي لمجرد الاهتمام بالخبر ، لا لرد تردد أو إنكار ، لأن المخاطب منزه عن أن يتردد في خبر الله - تعالى - ، فحرف التوكيد في مثل هذا المقام يغني غناء فاء التفريع ، ويفيد التعليل كما تقدم غير مرة ، والمعنى : الحث على
nindex.php?page=treesubj&link=24428تكرر ذكر الله في مختلف الأحوال ، لأن المسلمين مأمورون بالاقتداء بأهل الكمال من الملأ الأعلى ، وفيها تعريض بالمشركين المستكبرين عن عبادة الله بأنهم منحطون عن تلك الدرجات .
والمراد ب
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206الذين عند ربك الملائكة ، ووجه جعل حال الملائكة علة لأمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالذكر : أن مرتبة الرسالة تلحق صاحبها من البشر برتبة الملائكة ، فهذا التعليل بمنزلة أن يقال : اذكر ربك لأن الذكر هو شأن قبيلك ، كقول
ابن دارة سالم بن مسافع .
فإن تتقوا شرا فمثلكم اتقى وإن تفعلوا خيرا فمثلكم فعل
فليس في هذا التعليل ما يقتضي أن يكون الملائكة أفضل من الرسل ، كما يتوهمه المعتزلة لأن التشبه بالملائكة من حيث كان الملائكة أسبق في هذا المعنى لكونه حاصلا منهم بالجبلة فهم مثل فيه ، ولا شبهة في أن الفريق الذين لم يكونوا مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة ، إذا تخلقوا بمثل خلق الملائكة ، كان سموهم إلى تلك المرتبة أعجب ، واستحقاقهم الشكر والفضل له أجدر .
ووجه العدول عن لفظ الملائكة إلى الموصولية : ما تؤذن به الصلة من رفعة منزلتهم ، فيتذرع بذلك إلى إيجاد المنافسة في التخلق بأحوالهم .
و " عند " مستعمل مجازا في رفعة المقدار ، والحظوة الإلهية .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206لا يستكبرون عن عبادته ليس المقصود به التنويه بشأن الملائكة لأن التنويه بهم يكون بأفضل من ذلك ، وإنما أريد به التعريض بالمشركين وأنهم على النقيض من أحوال الملائكة المقربين ، فخليق بهم أن يكونوا بعداء عن منازل
[ ص: 244 ] الرفعة ، والمقصود هو قوله ويسبحونه أي ينزهونه بالقول والاعتقاد عن صفات النقص ، وهذه الصلة هي المقصودة من التعليل للأمر بالذكر .
واختيار صيغة المضارع لدلالتها على التجديد والاستمرار ، أو كما هو المقصود ، وتقديم المعمول من قوله وله يسجدون للدلالة على الاختصاص أي ولا يسجدون لغيره ، وهذا أيضا تعريض بالمشركين الذين يسجدون لغيره ، والمضارع يفيد الاستمرار أيضا .
وهنا موضع سجود من سجود القرآن ، وهو أولها في ترتيب الصحف ، وهو من المتفق على السجود فيه بين علماء الأمة ، ومقتضى السجدة هنا أن الآية جاءت للحض على
nindex.php?page=treesubj&link=24416التخلق بأخلاق الملائكة في الذكر ، فلما أخبرت عن حالة من أحوالهم في تعظيم الله وهو السجود لله ، أراد الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يبادر بالتشبه بهم تحقيقا للمقصد الذي سيق هذا الخبر لأجله .
وأيضا جرى قبل ذلك ذكر اقتراح المشركين أن يأتيهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - بآية كما يقترحون فقال الله له
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=203قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي وبأن يأمرهم بالاستماع للقرآن وذكر أن الملائكة يسجدون لله شرع الله عند هذه الآية سجودا ليظهر إيمان المؤمنين بالقرآن
nindex.php?page=treesubj&link=30549وجحود الكافرين به حين سجد المؤمنون ويمسك المشركون الذين يحضرون مجالس نزول القرآن . وقد دل استقراء مواقع سجود القرآن أنها لا تعدو أن تكون إغاظة للمشركين أو اقتداء بالأنبياء أو المرسلين كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في سجدة "
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب " أن الله - تعالى - قال
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90فبهداهم اقتده ،
فداود ممن أمر
محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن يقتدي به .
[ ص: 243 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206nindex.php?page=treesubj&link=28978_28734_29747إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ
تَتَنَزَّلُ مُنْزِلَةَ الْعِلَّةِ لِلْأَمْرِ بِالذِّكْرِ ، وَلِذَلِكَ صُدِّرَتْ بِ إِنَّ الَّتِي هِيَ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ ، لَا لِرَدِّ تَرَدُّدٍ أَوْ إِنْكَارٍ ، لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي خَبَرِ اللَّهِ - تَعَالَى - ، فَحَرْفُ التَّوْكِيدِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ يُغْنِي غَنَاءَ فَاءِ التَّفْرِيعِ ، وَيُفِيدُ التَّعْلِيلَ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَالْمَعْنَى : الْحَثُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=24428تَكَرُّرِ ذِكْرِ اللَّهِ فِي مُخْتَلَفِ الْأَحْوَالِ ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَأْمُورُونَ بِالِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْكَمَالِ مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى ، وَفِيهَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ بِأَنَّهُمْ مُنْحَطُّونَ عَنْ تِلْكَ الدَّرَجَاتِ .
وَالْمُرَادُ بِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ الْمَلَائِكَةُ ، وَوَجْهُ جَعْلِ حَالِ الْمَلَائِكَةِ عِلَّةً لِأَمْرِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذِّكْرِ : أَنَّ مَرْتَبَةَ الرِّسَالَةِ تُلْحِقُ صَاحِبَهَا مِنَ الْبَشَرِ بِرُتْبَةِ الْمَلَائِكَةِ ، فَهَذَا التَّعْلِيلُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ : اذْكُرْ رَبَّكَ لِأَنَّ الذِّكْرَ هُوَ شَأْنُ قَبِيلِكَ ، كَقَوْلِ
ابْنِ دَارَةَ سَالِمِ بْنِ مُسَافِعٍ .
فَإِنْ تَتَّقُوا شَرًّا فَمِثْلُكُمُ اتَّقَى وَإِنْ تَفْعَلُوا خَيْرًا فَمِثْلُكُمُ فَعَلْ
فَلَيْسَ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلَ مِنَ الرُّسُلِ ، كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الْمُعْتَزِلَةُ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ بِالْمَلَائِكَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ الْمَلَائِكَةُ أَسْبَقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ حَاصِلًا مِنْهُمْ بِالْجِبِلَّةِ فَهُمْ مُثُلٌ فِيهِ ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْفَرِيقَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مَجْبُولِينَ عَلَى مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ ، إِذَا تَخَلَّقُوا بِمِثْلِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ ، كَانَ سُمُوُّهُمْ إِلَى تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ أَعْجَبَ ، وَاسْتِحْقَاقُهُمُ الشُّكْرَ وَالْفَضْلَ لَهُ أَجْدَرَ .
وَوَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الْمَوْصُولِيَّةِ : مَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ رِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِمْ ، فَيَتَذَرَّعُ بِذَلِكَ إِلَى إِيجَادِ الْمُنَافِسَةِ فِي التَّخَلُّقِ بِأَحْوَالِهِمْ .
وَ " عِنْدَ " مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي رِفْعَةِ الْمِقْدَارِ ، وَالْحُظْوَةِ الْإِلَهِيَّةِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ التَّنْوِيهَ بِهِمْ يَكُونُ بِأَفْضَلِ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُمْ عَلَى النَّقِيضِ مِنْ أَحْوَالِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، فَخَلِيقٌ بِهِمْ أَنْ يَكُونُوا بُعَدَاءَ عَنْ مَنَازِلِ
[ ص: 244 ] الرِّفْعَةِ ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ قَوْلُهُ وَيُسَبِّحُونَهُ أَيْ يُنَزِّهُونَهُ بِالْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ ، وَهَذِهِ الصِّلَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنَ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِالذِّكْرِ .
وَاخْتِيَارُ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى التَّجْدِيدِ وَالِاسْتِمْرَارِ ، أَوْ كَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ يَسْجُدُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ وَلَا يَسْجُدُونَ لِغَيْرِهِ ، وَهَذَا أَيْضًا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِغَيْرِهِ ، وَالْمُضَارِعُ يُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ أَيْضًا .
وَهُنَا مَوْضِعُ سُجُودٍ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ أَوَّلُهَا فِي تَرْتِيبِ الصُّحُفِ ، وَهُوَ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَى السُّجُودِ فِيهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ ، وَمُقْتَضَى السَّجْدَةِ هُنَا أَنَّ الْآيَةَ جَاءَتْ لِلْحَضِّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=24416التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الْمَلَائِكَةِ فِي الذِّكْرِ ، فَلَمَّا أَخْبَرَتْ عَنْ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فِي تَعْظِيمِ اللَّهِ وَهُوَ السُّجُودُ لِلَّهِ ، أَرَادَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُبَادِرَ بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ تَحْقِيقًا لِلْمَقْصِدِ الَّذِي سِيقَ هَذَا الْخَبَرُ لِأَجْلِهِ .
وَأَيْضًا جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرُ اقْتِرَاحِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِآيَةٍ كَمَا يَقْتَرِحُونَ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=203قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي وَبِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَسْجُدُونَ لِلَّهِ شَرَعَ اللَّهُ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ سُجُودًا لِيَظْهَرَ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ
nindex.php?page=treesubj&link=30549وَجُحُودُ الْكَافِرِينَ بِهِ حِينَ سَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ وَيُمْسِكُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ مَجَالِسَ نُزُولِ الْقُرْآنِ . وَقَدْ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ مَوَاقِعِ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَنَّهَا لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ إِغَاظَةً لِلْمُشْرِكِينَ أَوِ اقْتِدَاءً بِالْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْمُرْسَلِينَ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي سَجْدَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ " أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ،
فَدَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ .