nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189nindex.php?page=treesubj&link=28978_28658_31744_32404_31808هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون [ ص: 210 ]
جملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، عاد بها الكلام إلى تقرير دليل التوحيد وإبطال الشرك من الذي سلف ذكره في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم " الآية ، وليست من القول المأمور به في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا لأن ذلك المقول قصد منه إبطال الملازمة بين وصف الرسالة وعلم الرسول بالغيب ، وقد تم ذلك ، فالمناسب أن يكون الغرض الآخر كلاما موجها من الله - تعالى - إلى المشركين لإقامة الحجة عليهم بفساد عقولهم في إشراكهم وإشراك آبائهم .
ومناسبة الانتقال جريان ذكر اسم الله في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=128إلا ما شاء الله وضمير الخطاب في " خلقكم " للمشركين من العرب لأنهم المقصود من هذه الحجج والتذكير ، وإن كان حكم هذا الكلام يشمل جميع البشر . وقد صدر ذلك بالتذكير بنعمة خلق النوع المبتدأ بخلق أصله وهو
آدم وزوجه
حواء تمهيدا للمقصود .
وتعليق الفعل باسم الجمع ، في مثله ، في الاستعمال يقع على وجهين : أحدهما أن يكون المراد الكل المجموعي ، أي جملة ما يصدق عليه الضمير ، أي خلق مجموع البشر من نفس واحدة فتكون النفس هي نفس
آدم الذي تولد منه جميع البشر .
وثانيهما أن يكون المراد الكل الجميعي أي خلق كل أحد منكم من نفس واحدة ، فتكون النفس هي الأب ، أي أبو كل واحد من المخاطبين على نحو قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى .
ولفظ " نفس واحدة " وحده يحتمل المعنيين ، لأن في كلا الخلقين امتنانا ، وفي كليهما اعتبارا واتعاظا .
وقد جعل كثير من المفسرين النفس الواحدة
آدم وبعض المحققين منهم جعلوا الأب لكل أحد ، وهو المأثور عن
الحسن ، وقتادة ، ومشى عليه
الفخر ، والبيضاوي [ ص: 211 ] وابن
كثير ، والأصم ، وابن المنير ، والجبائي .
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28899_28900ووصفت النفس بواحدة على أسلوب الإدماج بين العبرة والموعظة ، لأن كونها واحدة أدعى للاعتبار إذ ينسل من الواحدة أبناء كثيرون حتى ربما صارت النفس الواحدة قبيلة أو أمة ففي هذا الوصف تذكير بهذه الحالة العجيبة الدالة على عظم القدرة وسعة العلم حيث بثه من نفس واحدة رجالا كثيرا ونساء ، وقد تقدم القول في ذلك في طالعة سورة النساء .
والذي يظهر لي أن في الكلام استخداما في ضميري " تغشاها " وما بعده إلى قوله فيما آتاهما وبهذا يجمع تفسير الآية بين كلا الرأيين .
و " من " في قوله من نفس واحدة ابتدائية .
وعبر في جانب الأنثى بفعل جعل ، لأن المقصود جعل الأنثى زوجا للذكر ، لا الإخبار عن كون الله خلقها ، لأن ذلك قد علم من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة .
و من في قوله وجعل منها للتبعيض ، والمراد : من نوعها ، وقوله " منها " صفة ل " زوجها " قدمت على الموصوف للاهتمام بالامتنان بأن جعل الزوج وهو الأنثى من نوع ذكرها وهذه الحكمة مطردة في كل زوجين من الحيوان .
وقوله ليسكن إليها تعليل لما أفادته " من " التبعيضية .
والسكون مجاز في الاطمئنان والتأنس أي : جعل من نوع الرجل زوجه ليألفها ولا يجفو قربها ، ففي ذلك منة الإيناس بها ، وكثرة ممارستها لينساق إلى غشيانها ، فلو جعل الله التناسل حاصلا بغير داعي الشهوة لكانت نفس الرجل غير حريصة على الاستكثار من نسله ، ولو جعله حاصلا بحالة ألم لكانت نفس الرجل مقلة منه ، بحيث لا تنصرف إليه إلا للاضطرار بعد التأمل والتردد ، كما ينصرف إلى شرب الدواء ونحوه المعقبة منافع ، وفرع عنه بفاء التعقيب ما يحدث عن بعض سكون الزوج إلى زوجه وهو الغشيان .
وصيغت هذه الكناية بالفعل الدال على التكلف لإفادة قوة التمكن من ذلك لأن التكلف يقتضي الرغبة .
[ ص: 212 ] وذكر الضمير المرفوع في فعلي " يسكن وتغشى : باعتبار كون ماصدق المعاد ، وهو النفس الواحدة ذكرا وأنث الضمير المنصوب في
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189تغشاها ، والمرفوع في " حملت " ، و " مرت " : باعتبار كون ماصدق المعاد وهو زوجها أنثى : وهو عكس بديع في نقل ترتيب الضمائر .
ووصف الحمل ب " خفيفا " إدماج ثان ، وهو حكاية للواقع ، فإن الحمل في مبدئه لا تجد منه الحامل ألما ، وليس المراد هنا حملا خاصا ، ولكنه الخبر عن كل حمل في أوله ، لأن المراد بالزوجين جنسهما ، فهذه حكاية حالة تحصل منها عبرة أخرى ، وهي عبرة تطور الحمل كيف يبتدئ خفيفا كالعدم ، ثم يتزايد رويدا رويدا حتى يثقل ، وفي الموطأ قال
مالك : " وكذلك أي كالمريض غير المخوف والمريض المخوف " الحامل في أول حملها بشر وسرور وليس بمرض ولا خوف ، لأن الله - تبارك وتعالى - قال في كتابه فبشرناها بإسحاق وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين .
وحقيقة المرور : الاجتياز ويستعار للتغافل وعدم الاكتراث للشيء كقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه أي : نسي دعاءنا ، وأعرض عن شكرنا لأن المار بالشيء لا يقف عنده ولا يسائله ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو مروا كراما .
وقال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=105وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون .
فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فمرت به لم تتفطن له ، ولم تفكر في شأنه ، وكل هذا حكاية للواقع ، وهو إدماج .
والإثقال ثقل الحمل وكلفته ، يقال أثقلت الحامل فهي مثقل وأثقل المريض فهو مثقل ، والهمزة للصيرورة مثل أورق الشجر ، فهو مورق كما يقال أقربت الحامل فهي مقرب إذا قرب إبان وضعها .
وقد سلك في وصف تكوين النسل مسلك الإطناب : لما فيه من التذكير بتلك الأطوار ، الدالة على دقيق حكمة الله وقدرته ، وبلطفه بالإنسان .
[ ص: 213 ] وظاهر قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دعوا الله ربهما أن كل أبوين يدعوان بذلك ، فإن حمل على ظاهره قلنا لا يخلو أبوان مشركان من أن يتمنيا أن يكون لهما من الحمل مولود صالح ، سواء نطقا بذلك أم أضمراه في نفوسهما ، فإن مدة الحمل طويلة ، لا تخلو أن يحدث هذا التمني في خلالها ، وإنما يكون التمني منهم على الله ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29642_28657المشركين يعترفون لله بالربوبية ، وبأنه هو خالق المخلوقات ومكونها ، ولا حظ للآلهة إلا في التصرفات في أحوال المخلوقات ، كما دلت عليه محاجات القرآن لهم نحو قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده وقد تقدم القول في هذا عند قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثم الذين كفروا بربهم يعدلون في الأنعام .
وإن حمل دعوا على غير ظاهره فتأويله أنه مخصوص ببعض الأزواج الذين يخطر ببالهم الدعاء .
وإجراء صفة ربهما المؤذنة بالرفق والإيجاد ، للإشارة إلى استحضار الأبوين هذا الوصف عند دعائهما الله ، أي يذكر أنه باللفظ أو ما يفيد مفاده ، ولعل العرب كانوا إذا دعوا بصلاح الحمل قالوا : ربنا آتنا صالحا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189لئن آتيتنا صالحا مبينة لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دعوا الله .
و صالحا وصف جرى على موصوف محذوف ، وظاهر التذكير أن المحذوف تقديره : " ذكرا " وكان العرب يرغبون في ولادة الذكور وقال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون أي الذكور .
فالدعاء بأن يؤتيا ذكرا ، وأن يكون صالحا ، أي نافعا : لأنهم لا يعرفون الصلاح الحق ، وينذران :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين .
ومعنى فلما آتاهما صالحا لما آتى من آتاه منهم ولدا صالحا ، وضمير " جعلا " للنفس الواحدة وزوجها ، أي جعل الأبوان المشركان .
و " الشرك " مصدر شركه في كذا ، أي جعلا لله شركة ، والشركة تقتضي شريكا أي جعلا لله شريكا فيما آتاهما الله ، والخبر مراد منه مع الإخبار التعجيب من سفه آرائهم ، إذ لا يجعل رشيد الرأي شريكا لأحد في ملكه وصنعه بدون حق ، فلذلك عرف المشروك فيه بالموصولية فقيل " فيما آتاهما " دون الإضمار بأن يقال :
[ ص: 214 ] جعلا له شركا فيه : لما تؤذن به الصلة من فساد ذلك الجعل ، وظلم جاعله ، وعدم استحقاق المجعول شريكا لما جعل له ، وكفران نعمة ذلك الجاعل ، إذ شكر لمن لم يعطه ، وكفر من أعطاه ، وإخلاف الوعد المؤكد .
وجعل الموصول " ما " دون " من " باعتبار أنه عطية ، أو لأن حالة الطفولة أشبه بغير العاقل .
وهذا الشرك لا يخلو عنه أحد من الكفار في العرب ، وبخاصة
أهل مكة ، فإن بعض المشركين يجعل ابنه سادنا لبيوت الأصنام ، وبعضهم يحجر ابنه إلى صنم ليحفظه ويرعاه ، وخاصة في وقت الصبا ، وكل قبيلة تنتسب إلى صنمها الذي تعبده ، وبعضهم يسمي ابنه : عبد كذا ، مضافا إلى اسم صنم كما سموا
عبد العزى ، وعبد شمس ، وعبد مناة ، وعبد ياليل ، وعبد ضخم ، وكذلك
امرؤ القيس ، وزيد مناءة ، لأن الإضافة على معنى التمليك والتعبيد ، وقد قال
أبو سفيان ، يوم
أحد : " اعل هبل " وقالت امرأة
الطفيل لزوجها
nindex.php?page=showalam&ids=1781الطفيل بن عمرو الدوسي حين أسلم وأمرها بأن تسلم " لا نخشى على الصبية من ( ذي الشرى ) شيئا " ذو الشرى صنم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فتعالى الله عما يشركون أي : تنزه الله عن إشراكهم كله : ما ذكر منه آنفا من إشراك الوالدين مع الله فيما آتاهما ، وما لم يذكر من أصناف إشراكهم .
وموقع فاء التفريع في قوله فتعالى الله موقع بديع ، لأن التنزيه عما أحدثوه من الشرك يترتب على ما قبله من انفراده بالخلق العجيب ، والمنن العظيمة ، فهو متعال عن إشراكهم لا يليق به ذلك ، وليس له شريك بحق ، وهو إنشاء تنزيه غير مقصود به مخاطب .
وضمير الجمع في قوله يشركون عائد إلى المشركين الموجودين لأن الجملة كالنتيجة لما سبقها من دليل خلق الله إياهم .
وقد روى
الترمذي وأحمد حديثا عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب ، في تسويل الشيطان
لحواء أن تسمي ولدها
عبد الحارث ، والحارث اسم إبليس ، قال
الترمذي :
[ ص: 215 ] حديث حسن غريب ، ووسمه
ابن العربي في أحكام القرآن ، بالضعف ، وتبعه تلميذه
القرطبي وبين
ابن كثير ما في سنده من العلل على أن المفسرين ألصقوه بالآية وجعلوه تفسيرا لها ، وليس فيه على ضعفه أنه فسر به الآية ولكن
الترمذي جعله في باب تفسير سورة الأعراف من سننه .
وقال بعض المفسرين : الخطاب في
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189خلقكم من نفس واحدة لقريش خاصة ، والنفس الواحدة هو
قصي بن كلاب تزوج امرأة من
خزاعة فلما آتاهما الله أولادا أربعة ذكورا سمى ثلاثة منهم
عبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد الدار ، وسمى الرابع "
عبدا " بدون إضافة وهو الذي يدعى
بعبد قصي .
وقرأ
نافع ، وعاصم في رواية
أبي بكر عنه ،
وأبو جعفر : " شركا " بكسر الشين وسكون الراء أي اشتراكا مع الله ، والمفعول الثاني لفعل " جعلا " محذوف للعلم به ، أي جعلا له الأصنام شركا ، وقرأ بقية العشرة " شركاء " بضم الشين جمع شريك ، والقراءتان متحدتان معنى .
وفي جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فتعالى الله عما يشركون محسن من البديع وهو مجيء الكلام متزنا على ميزان الشعر ، من غير أن يكون قصيدة ، فإن هذه الجملة تدخل في ميزان الرمل .
وفيها الالتفات من الخطاب الذي سبق في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة وليس عائدا إلى ما قبله ، لأن ما قبله كان بصيغة المثنى خمس مرات من قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دعوا الله ربهما " إلى قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فيما آتاهما " .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189nindex.php?page=treesubj&link=28978_28658_31744_32404_31808هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [ ص: 210 ]
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا ، عَادَ بِهَا الْكَلَامُ إِلَى تَقْرِيرِ دَلِيلِ التَّوْحِيدِ وَإِبْطَالِ الشِّرْكِ مِنَ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ " الْآيَةَ ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَقُولَ قُصِدَ مِنْهُ إِبْطَالُ الْمُلَازِمَةِ بَيْنَ وَصْفِ الرِّسَالَةِ وَعِلْمِ الرَّسُولِ بِالْغَيْبِ ، وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ الْآخَرُ كَلَامًا مُوَجَّهًا مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِفَسَادِ عُقُولِهِمْ فِي إِشْرَاكِهِمْ وَإِشْرَاكِ آبَائِهِمْ .
وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ جَرَيَانُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=128إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي " خَلَقَكُمْ " لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْحُجَجِ وَالتَّذْكِيرِ ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ هَذَا الْكَلَامِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْبَشَرِ . وَقَدْ صَدَّرَ ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ خَلْقِ النَّوْعِ الْمُبْتَدَأِ بِخَلْقِ أَصْلِهِ وَهُوَ
آدَمُ وَزَوْجُهُ
حَوَّاءُ تَمْهِيدًا لِلْمَقْصُودِ .
وَتَعْلِيقُ الْفِعْلِ بِاسْمِ الْجَمْعِ ، فِي مِثْلِهِ ، فِي الِاسْتِعْمَالِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْكُلَّ الْمَجْمُوعِيَّ ، أَيْ جُمْلَةُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ ، أَيْ خَلَقَ مَجْمُوعَ الْبَشَرِ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَتَكُونُ النَّفْسُ هِيَ نَفْسُ
آدَمَ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْهُ جَمِيعُ الْبَشَرِ .
وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْكُلَّ الْجَمِيعِيَّ أَيْ خَلَقَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، فَتَكُونُ النَّفْسُ هِيَ الْأَبُ ، أَيْ أَبُو كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى .
وَلَفْظُ " نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " وَحْدَهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ ، لِأَنَّ فِي كِلَا الْخَلْقَيْنِ امْتِنَانًا ، وَفِي كِلَيْهِمَا اعْتِبَارًا وَاتِّعَاظًا .
وَقَدْ جَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ
آدَمَ وَبَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ جَعَلُوا الْأَبَ لِكُلِّ أَحَدٍ ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنِ
الْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ ، وَمَشَى عَلَيْهِ
الْفَخْرُ ، وَالْبَيْضَاوِيُّ [ ص: 211 ] وَابْنُ
كَثِيرٍ ، وَالْأَصَمُّ ، وَابْنُ الْمُنِيرِ ، وَالْجُبَّائِيُّ .
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28899_28900وَوُصِفَتِ النَّفْسُ بِوَاحِدَةٍ عَلَى أُسْلُوبِ الْإِدْمَاجِ بَيْنَ الْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ ، لِأَنَّ كَوْنَهَا وَاحِدَةً أَدْعَى لِلِاعْتِبَارِ إِذْ يَنْسَلُّ مِنَ الْوَاحِدَةِ أَبْنَاءٌ كَثِيرُونَ حَتَّى رُبَّمَا صَارَتِ النَّفْسُ الْوَاحِدَةُ قَبِيلَةً أَوْ أُمَّةً فَفِي هَذَا الْوَصْفِ تَذْكِيرٌ بِهَذِهِ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عِظَمِ الْقُدْرَةِ وَسِعَةِ الْعِلْمِ حَيْثُ بَثَّهُ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي طَالِعَةِ سُورَةِ النِّسَاءِ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي الْكَلَامِ اسْتِخْدَامًا فِي ضَمِيرَيِ " تَغَشَّاهَا " وَمَا بَعْدَهُ إِلَى قَوْلِهِ فِيمَا آتَاهُمَا وَبِهَذَا يَجْمَعُ تَفْسِيرُ الْآيَةِ بَيْنَ كِلَا الرَّأْيَيْنِ .
وَ " مِنْ " فِي قَوْلِهِ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ابْتِدَائِيَّةٌ .
وَعَبَّرَ فِي جَانِبِ الْأُنْثَى بِفِعْلِ جَعَلَ ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ جَعْلُ الْأُنْثَى زَوْجًا لِلذَّكَرِ ، لَا الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ اللَّهِ خَلَقَهَا ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ .
وَ مِنْ فِي قَوْلِهِ وَجَعَلَ مِنْهَا لِلتَّبْعِيضِ ، وَالْمُرَادُ : مِنْ نَوْعِهَا ، وَقَوْلُهُ " مِنْهَا " صِفَةٌ لِ " زَوْجِهَا " قُدِّمَتْ عَلَى الْمَوْصُوفِ لِلِاهْتِمَامِ بِالِامْتِنَانِ بِأَنْ جَعَلَ الزَّوْجَ وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ نَوْعِ ذَكَرِهَا وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ مُطَّرِدَةٌ فِي كُلِّ زَوْجَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ .
وَقَوْلُهُ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا تَعْلِيلٌ لِمَا أَفَادَتْهُ " مِنْ " التَّبْعِيضِيَّةِ .
وَالسُّكُونُ مَجَازٌ فِي الِاطْمِئْنَانِ وَالتَّأَنُّسِ أَيْ : جَعَلَ مِنْ نَوْعِ الرَّجُلِ زَوْجَهُ لِيَأْلَفَهَا وَلَا يَجْفُوَ قُرْبَهَا ، فَفِي ذَلِكَ مِنَّةُ الْإِينَاسِ بِهَا ، وَكَثْرَةُ مُمَارَسَتِهَا لِيَنْسَاقَ إِلَى غِشْيَانِهَا ، فَلَوْ جَعَلَ اللَّهُ التَّنَاسُلَ حَاصِلًا بِغَيْرٍ دَاعِي الشَّهْوَةِ لَكَانَتْ نَفْسُ الرَّجُلِ غَيْرَ حَرِيصَةٍ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْ نَسْلِهِ ، وَلَوْ جَعَلَهُ حَاصِلًا بِحَالَةِ أَلَمٍ لَكَانَتْ نَفْسُ الرَّجُلِ مُقِلَّةً مِنْهُ ، بِحَيْثُ لَا تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ إِلَّا لِلِاضْطِرَارِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ وَالتَّرَدُّدِ ، كَمَا يَنْصَرِفُ إِلَى شُرْبِ الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ الْمُعَقِّبَةِ مَنَافِعَ ، وَفَرَّعَ عَنْهُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ مَا يَحْدُثُ عَنْ بَعْضِ سُكُونِ الزَّوْجِ إِلَى زَوْجِهِ وَهُوَ الْغِشْيَانُ .
وَصِيغَتْ هَذِهِ الْكِنَايَةُ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى التَّكَلُّفِ لِإِفَادَةِ قُوَّةِ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّكَلُّفَ يَقْتَضِي الرَّغْبَةَ .
[ ص: 212 ] وَذُكِّرَ الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي فِعْلَيْ " يَسْكُنُ وَتَغَشَّى : بِاعْتِبَارِ كَوْنِ مَاصَدَقَ الْمَعَادِ ، وَهُوَ النَّفْسُ الْوَاحِدَةُ ذَكَرًا وَأُنِّثَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189تَغَشَّاهَا ، وَالْمَرْفُوعُ فِي " حَمَلَتْ " ، وَ " مَرَّتْ " : بِاعْتِبَارِ كَوْنٍ مَاصَدَقَ الْمَعَادَ وَهُوَ زَوْجُهَا أُنْثَى : وَهُوَ عَكْسٌ بَدِيعٌ فِي نَقْلِ تَرْتِيبِ الضَّمَائِرِ .
وَوَصْفُ الْحِمْلِ بِ " خَفِيفًا " إِدْمَاجٌ ثَانٍ ، وَهُوَ حِكَايَةٌ لِلْوَاقِعِ ، فَإِنَّ الْحَمْلَ فِي مَبْدَئِهِ لَا تَجِدُ مِنْهُ الْحَامِلُ أَلَمًا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَمْلًا خَاصًّا ، وَلَكِنَّهُ الْخَبَرُ عَنْ كُلِّ حَمْلٍ فِي أَوَّلِهِ ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوْجَيْنِ جِنْسُهُمَا ، فَهَذِهِ حِكَايَةُ حَالَةٍ تَحْصُلُ مِنْهَا عِبْرَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ عِبْرَةُ تَطَوُّرِ الْحَمْلِ كَيْفَ يَبْتَدِئُ خَفِيفًا كَالْعَدَمِ ، ثُمَّ يَتَزَايَدُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى يَثْقُلَ ، وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ
مَالِكٌ : " وَكَذَلِكَ أَيْ كَالْمَرِيضِ غَيْرِ الْمُخَوَّفِ وَالْمَرِيضِ الْمُخَوَّفِ " الْحَامِلُ فِي أَوَّلِ حَمْلِهَا بِشْرٌ وَسُرُورٌ وَلَيْسَ بِمَرَضٍ وَلَا خَوْفٍ ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَالَ فِي كِتَابِهِ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ .
وَحَقِيقَةُ الْمُرُورِ : الِاجْتِيَازُ وَيُسْتَعَارُ لِلتَّغَافُلِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ لِلشَّيْءِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ أَيْ : نَسِيَ دُعَاءَنَا ، وَأَعْرَضَ عَنَ شُكْرِنَا لِأَنَّ الْمَارَّ بِالشَّيْءِ لَا يَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا يُسَائِلُهُ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا .
وَقَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=105وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ .
فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَمَرَّتْ بِهِ لَمْ تَتَفَطَّنْ لَهُ ، وَلَمْ تُفَكِّرْ فِي شَأْنِهِ ، وَكُلُّ هَذَا حِكَايَةٌ لِلْوَاقِعِ ، وَهُوَ إِدْمَاجٌ .
وَالْإِثْقَالُ ثِقَلُ الْحِمْلِ وَكُلْفَتُهُ ، يُقَالُ أَثْقَلَتِ الْحَامِلُ فَهِيَ مُثْقَلٌ وَأَثْقَلَ الْمَرِيضُ فَهُوَ مُثْقَلٌ ، وَالْهَمْزَةُ لِلصَّيْرُورَةِ مِثْلُ أَوْرَقَ الشَّجَرُ ، فَهُوَ مُورِقٌ كَمَا يُقَالُ أَقْرَبَتِ الْحَامِلُ فَهِيَ مُقَرَّبٌ إِذَا قَرُبَ إِبَّانُ وَضْعِهَا .
وَقَدْ سَلَكَ فِي وَصْفِ تَكْوِينِ النَّسْلِ مَسْلَكَ الْإِطْنَابِ : لِمَا فِيهِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِتِلْكَ الْأَطْوَارِ ، الدَّالَّةِ عَلَى دَقِيقِ حِكْمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَبِلُطْفِهِ بِالْإِنْسَانِ .
[ ص: 213 ] وَظَاهِرُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا أَنَّ كُلَّ أَبَوَيْنِ يَدْعُوَانِ بِذَلِكَ ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ قُلْنَا لَا يَخْلُو أَبْوَانِ مُشْرِكَانِ مِنْ أَنْ يَتَمَنَّيَا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مِنَ الْحَمْلِ مَوْلُودٌ صَالِحٌ ، سَوَاءٌ نَطَقَا بِذَلِكَ أَمْ أَضْمَرَاهُ فِي نُفُوسِهِمَا ، فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ طَوِيلَةٌ ، لَا تَخْلُو أَنْ يَحْدُثَ هَذَا التَّمَنِّي فِي خِلَالِهَا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّمَنِّي مِنْهُمْ عَلَى اللَّهِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29642_28657الْمُشْرِكِينَ يَعْتَرِفُونَ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَبِأَنَّهُ هُوَ خَالِقُ الْمَخْلُوقَاتِ وَمُكَوِّنُهَا ، وَلَا حَظَّ لِلْآلِهَةِ إِلَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مُحَاجَّاتُ الْقُرْآنِ لَهُمْ نَحْوُ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=34قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فِي الْأَنْعَامِ .
وَإِنْ حُمِلَ دَعَوَا عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْأَزْوَاجِ الَّذِينَ يَخْطُرُ بِبَالِهِمُ الدُّعَاءُ .
وَإِجْرَاءُ صِفَةِ رَبَّهُمَا الْمُؤْذِنَةِ بِالرِّفْقِ وَالْإِيجَادِ ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى اسْتِحْضَارِ الْأَبَوَيْنِ هَذَا الْوَصْفَ عِنْدَ دُعَائِهِمَا اللَّهَ ، أَيْ يَذْكُرُ أَنَّهُ بِاللَّفْظِ أَوْ مَا يُفِيدُ مَفَادَهُ ، وَلَعَلَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا دَعَوْا بِصَلَاحِ الْحَمْلِ قَالُوا : رَبَّنَا آتِنَا صَالِحًا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دَعَوَا اللَّهَ .
وَ صَالِحًا وَصْفٌ جَرَى عَلَى مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ ، وَظَاهِرُ التَّذْكِيرِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ تَقْدِيرُهُ : " ذَكَرًا " وَكَانَ الْعَرَبُ يَرْغَبُونَ فِي وِلَادَةِ الذُّكُورِ وَقَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ أَيِ الذُّكُورُ .
فَالدُّعَاءُ بِأَنْ يُؤْتَيَا ذَكَرًا ، وَأَنْ يَكُونَ صَالِحًا ، أَيْ نَافِعًا : لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الصَّلَاحَ الْحَقَّ ، وَيُنْذِرَانِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ .
وَمَعْنَى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا لَمَّا آتَى مَنْ آتَاهُ مِنْهُمْ وَلَدًا صَالِحًا ، وَضَمِيرُ " جَعَلَا " لِلنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَزَوْجِهَا ، أَيْ جَعَلَ الْأَبَوَانِ الْمُشْرِكَانِ .
وَ " الشِّرْكُ " مُصْدَرُ شَرَكَهُ فِي كَذَا ، أَيْ جَعَلَا لِلَّهِ شَرِكَةً ، وَالشَّرِكَةُ تَقْتَضِي شَرِيكًا أَيْ جَعَلَا لِلَّهِ شَرِيكًا فِيمَا آتَاهُمَا اللَّهُ ، وَالْخَبَرُ مُرَادٌ مِنْهُ مَعَ الْإِخْبَارِ التَّعْجِيبُ مِنْ سَفَهِ آرَائِهِمْ ، إِذْ لَا يَجْعَلُ رَشِيدُ الرَّأْيِ شَرِيكًا لِأَحَدٍ فِي مِلْكِهِ وَصُنْعِهِ بِدُونِ حَقٍّ ، فَلِذَلِكَ عُرِفَ الْمَشْرُوكُ فِيهِ بِالْمَوْصُولِيَّةِ فَقِيلَ " فِيمَا آتَاهُمَا " دُونَ الْإِضْمَارِ بِأَنْ يُقَالَ :
[ ص: 214 ] جَعَلَا لَهُ شِرْكًا فِيهِ : لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ فَسَادِ ذَلِكَ الْجَعْلِ ، وَظُلْمِ جَاعِلِهِ ، وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَجْعُولِ شَرِيكًا لِمَا جُعِلَ لَهُ ، وَكُفْرَانِ نِعْمَةِ ذَلِكَ الْجَاعِلِ ، إِذْ شَكَرَ لِمَنْ لَمْ يُعْطِهِ ، وَكَفَرَ مَنْ أَعْطَاهُ ، وَإِخْلَافِ الْوَعْدِ الْمُؤَكَّدِ .
وَجَعَلَ الْمَوْصُولَ " مَا " دُونَ " مَنْ " بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَطِيَّةٌ ، أَوْ لِأَنَّ حَالَةَ الطُّفُولَةِ أَشْبَهُ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ .
وَهَذَا الشِّرْكُ لَا يَخْلُو عَنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِي الْعَرَبِ ، وَبِخَاصَّةٍ
أَهْلُ مَكَّةَ ، فَإِنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ يَجْعَلُ ابْنَهُ سَادِنًا لِبُيُوتِ الْأَصْنَامِ ، وَبَعْضُهُمْ يَحْجُرُ ابْنُهُ إِلَى صَنَمٍ لِيَحْفَظَهُ وَيَرْعَاهُ ، وَخَاصَّةً فِي وَقْتِ الصِّبَا ، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ تَنْتَسِبُ إِلَى صَنَمِهَا الَّذِي تَعْبُدُهُ ، وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّي ابْنَهُ : عَبْدَ كَذَا ، مُضَافًا إِلَى اسْمِ صَنَمٍ كَمَا سَمَّوْا
عَبْدَ الْعُزَّى ، وَعَبْدَ شَمْسٍ ، وَعَبْدَ مَنَاةَ ، وَعَبْدَ يَالِيلَ ، وَعَبْدَ ضَخْمٍ ، وَكَذَلِكَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ ، وَزَيْدُ مَنَاءَةَ ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّعْبِيدِ ، وَقَدْ قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ ، يَوْمَ
أُحُدٍ : " اعْلُ هُبَلُ " وَقَالَتِ امْرَأَةُ
الطُّفَيْلِ لِزَوْجِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=1781الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ حِينَ أَسْلَمَ وَأَمَرَهَا بِأَنْ تُسْلِمَ " لَا نَخْشَى عَلَى الصِّبْيَةِ مِنْ ( ذِي الشَّرَى ) شَيْئًا " ذُو الشَّرَى صَنَمٌ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ : تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ كُلِّهِ : مَا ذُكِرَ مِنْهُ آنِفًا مِنْ إِشْرَاكِ الْوَالِدَيْنِ مَعَ اللَّهِ فِيمَا آتَاهُمَا ، وَمَا لَمْ يَذْكُرْ مِنْ أَصْنَافِ إِشْرَاكِهِمْ .
وَمَوْقِعُ فَاءِ التَّفْرِيعِ فِي قَوْلِهِ فَتَعَالَى اللَّهُ مَوْقِعٌ بَدِيعٌ ، لِأَنَّ التَّنْزِيهَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنَ الشِّرْكِ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا قَبْلُهُ مِنَ انْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ الْعَجِيبِ ، وَالْمِنَنِ الْعَظِيمَةِ ، فَهُوَ مُتَعَالٍ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ بِحَقٍّ ، وَهُوَ إِنْشَاءُ تَنْزِيهٍ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ مُخَاطَبٌ .
وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ يُشْرِكُونَ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْمَوْجُودِينَ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ كَالنَّتِيجَةِ لِمَا سَبَقَهَا مِنْ دَلِيلِ خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ .
وَقَدْ رَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ حَدِيثًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=24سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، فِي تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ
لِحَوَّاءَ أَنْ تُسَمِّيَ وَلَدَهَا
عَبَدَ الْحَارِثِ ، وَالْحَارِثُ اسْمُ إِبْلِيسَ ، قَالَ
التِّرْمِذِيُّ :
[ ص: 215 ] حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَوَسَمَهُ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، بِالضَّعْفِ ، وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ
الْقُرْطُبِيُّ وَبَيَّنَ
ابْنُ كَثِيرٍ مَا فِي سَنَدِهِ مِنَ الْعِلَلِ عَلَى أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ أَلْصَقُوهُ بِالْآيَةِ وَجَعَلُوهُ تَفْسِيرًا لَهَا ، وَلَيْسَ فِيهِ عَلَى ضَعْفِهِ أَنَّهُ فُسِّرَ بِهِ الْآيَةُ وَلَكِنَّ
التِّرْمِذِيَّ جَعَلَهُ فِي بَابِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ مِنْ سُنَنِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : الْخِطَابُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً ، وَالنَّفْسُ الْوَاحِدَةُ هُوَ
قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ
خُزَاعَةَ فَلَمَّا آتَاهُمَا اللَّهُ أَوْلَادًا أَرْبَعَةً ذُكُورًا سَمَّى ثَلَاثَةً مِنْهُمْ
عَبْدَ مَنَافٍ ، وَعَبْدَ الْعُزَّى ، وَعَبْدَ الدَّارِ ، وَسَمَّى الرَّابِعَ "
عَبْدًا " بِدُونِ إِضَافَةٍ وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى
بِعَبْدِ قُصَيٍّ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ ، وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ
أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ : " شِرْكًا " بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيِ اشْتِرَاكًا مَعَ اللَّهِ ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لَفِعْلِ " جَعَلَا " مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ ، أَيْ جَعَلَا لَهُ الْأَصْنَامَ شِرْكًا ، وَقَرَأَ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ " شُرَكَاءَ " بِضَمِّ الشِّينِ جَمْعُ شَرِيكٍ ، وَالْقِرَاءَتَانِ مُتَّحِدَتَانِ مَعْنًى .
وَفِي جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ مُحَسِّنٌ مِنَ الْبَدِيعِ وَهُوَ مَجِيءُ الْكَلَامِ مُتَّزِنًا عَلَى مِيزَانِ الشِّعْرِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَصِيدَةً ، فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَدْخُلُ فِي مِيزَانِ الرَّمَلِ .
وَفِيهَا الِالْتِفَاتُ مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي سَبَقَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ عَائِدًا إِلَى مَا قَبْلُهُ ، لِأَنَّ مَا قَبْلُهُ كَانَ بِصِيغَةِ الْمُثَنَّى خَمْسَ مَرَّاتٍ مِنْ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا " إِلَى قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فِيمَا آتَاهُمَا " .