روى
nindex.php?page=showalam&ids=12218أحمد بن إبراهيم الدورقي ، عن
علي بن الحسن قال : بلغ
الفضيل أن
حريزا يريد أن يأتيه ، فأقفل الباب من خارج ، فجاء فرأى الباب مقفلا ، فرجع ، فأتيته فقلت له : حريز ، قال : ما يصنع بي ، يظهر لي محاسن كلامه ، وأظهر له محاسن كلامي ، فلا يتزين لي ، ولا أتزين له ، خير له .
ثم قال
علي : ما رأيت أنصح للمسلمين ، ولا أخوف منه ، ولقد رأيته في المنام قائما على صندوق يعطي المصاحف ، والناس حوله ، فيهم :
سفيان بن عيينة ،
وهارون أمير المؤمنين ، فما رأيته يودع أحدا ، فيقدر أن يتم وداعه .
قال
فيض بن وثيق سمعت
الفضيل يقول : إن استطعت أن لا تكون محدثا ولا قارئا ، ولا متكلما ، إن كنت بليغا قالوا : ما أبلغه ! وأحسن حديثه! وأحسن صوته ! فيعجبك ذلك ، فتنتفخ ، وإن لم تكن بليغا ، ولا حسن الصوت قالوا : ليس يحسن يحدث ، وليس صوته بحسن ، أحزنك ذلك ، وشق عليك ، فتكون مرائيا ، وإذا جلست ، فتكلمت ، فلم تبال من ذمك ومن مدحك ، فتكلم .
وقال
محمد بن زنبور : قال
الفضيل : لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي من أكل الدنيا .
[ ص: 434 ]
وقيل له : ما الزهد ؟ قال : القنوع ، قيل : ما الورع ؟ قال : اجتناب المحارم . قيل : ما العبادة ؟ قال : أداء الفرائض . قيل : ما التواضع ؟ قال : أن تخضع للحق . وقال : أشد الورع في اللسان .
قلت : هكذا هو ، فقد ترى الرجل ورعا في مأكله وملبسه ومعاملته ، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه ، فإما أن يتحرى الصدق ، فلا يكمل الصدق ، وإما أن يصدق ، فينمق حديثه ليمدح على الفصاحة ، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليعظم ، وإما أن يسكت في موضع الكلام ، ليثنى عليه . ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من الجماعة .
قال
عبد الصمد بن يزيد : سمعت
الفضيل يقول : لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام ، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد .
وسمعته يقول : إنما هما عالمان : فعالم الدنيا علمه منشور ، وعالم الآخرة علمه مستور . احذروا عالم الدنيا ، لا يضركم بسكره ، العلماء كثير ، والحكماء قليل .
وعنه : لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعد البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة ، وحتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله .
قال
الحسين بن زياد المروزي : سمعت
فضيلا يقول : لو حلفت أني مراء كان أحب إلي من أن أحلف أني لست بمراء ، ولو رأيت رجلا اجتمع الناس حوله لقلت : هذا مجنون ، من الذي اجتمع الناس حوله ، لا يحب أن يجود كلامه لهم؟
فيض بن إسحاق : سمعت
فضيلا يقول : ليست الدنيا دار إقامة ، وإنما آدم أهبط إليها عقوبة ، ألا ترى كيف يزويها عنه ، ويمررها عليه بالجوع ،
[ ص: 435 ] بالعري ، بالحاجة ، كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها ، تسقيه مرة حضضا ومرة صبرا ، وإنما تريد بذلك ما هو خير له .
وعن
الفضيل : حرام على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا .
وعنه : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فاعلم أنك محروم ، كبلتك خطيئتك .
وعن
فضيل ، ورأى قوما من أصحاب الحديث يمرحون ويضحكون ، فناداهم : مهلا يا ورثة الأنبياء ، مهلا ثلاثا ، إنكم أئمة يقتدى بكم .
قال
ابن عيينة : سمعت
الفضيل بن عياض يقول : يغفر للجاهل سبعون ذنبا ما لا يغفر للعالم ذنب واحد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : حدثنا
أبو جعفر الحذاء ، سمعت
الفضيل يقول : أخذت بيد
سفيان بن عيينة في هذا الوادي ، فقلت : إن كنت تظن أنه بقي على وجه الأرض شر مني ومنك ، فبئس ما تظن .
قال
عبد الصمد مردويه : سمعت
الفضيل يقول : من أحب صاحب بدعة ، أحبط الله عمله ، وأخرج نور الإسلام من قلبه ، لا يرتفع لصاحب بدعة إلى الله عمل ، نظر المؤمن إلى المؤمن يجلو القلب ، ونظر الرجل إلى صاحب بدعة يورث العمى ، من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة .
قال
أبو العباس السراج : حدثني
أبو النضر إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا
يحيى بن يوسف الزمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض قال : لما دخل علي
هارون أمير [ ص: 436 ] المؤمنين قلت : يا حسن الوجه ، لقد كلفت أمرا عظيما ، أما إني ما رأيت أحدا أحسن وجها منك ، فإن قدرت أن لا تسود هذا الوجه بلفحة من النار فافعل . قال : عظني . قلت : بماذا أعظك ؟ هذا كتاب الله بين الدفتين ، انظر ماذا عمل بمن أطاعه ، وماذا عمل بمن عصاه ، إني رأيت الناس يغوصون على النار غوصا شديدا ، ويطلبونها طلبا حثيثا ، أما والله لو طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر لنالوها ، وقال : عد إلي ، فقال : لو لم تبعث إلي لم آتك ، وإن انتفعت بما سمعت ، عدت إليك .
قال
إبراهيم بن الأشعث : سمعت
الفضيل يقول في مرضه : ارحمني بحبي إياك فليس شيء أحب إلي منك .
وسمعته يقول وهو يشتكي :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83مسني الضر وأنت أرحم الراحمين .
وسمعته يقول : من استوحش من الوحدة ، واستأنس بالناس ، لم يسلم من الرياء ، لا حج ولا جهاد أشد من حبس اللسان ، وليس أحد أشد غما ممن سجن لسانه .
قال
الحسن بن زياد : سمعت
الفضيل كثيرا يقول : احفظ لسانك ، وأقبل على شأنك ، واعرف زمانك ، وأخف مكانك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12218أحمد بن إبراهيم الدورقي : حدثنا
الفيض بن إسحاق ، سمعت
الفضيل يقول : وددت أنه طار في الناس أني مت حتى لا أذكر . إني لأسمع صوت أصحاب الحديث ، فيأخذني البول فرقا منهم .
وقال
الدورقي : حدثنا
الحسين بن زياد ، سمعت
فضيلا يقول لأصحاب الحديث : لم تكرهوني على أمر تعلمون أني كاره له -يعني الرواية- ؟ لو كنت عبدا لكم ، فكرهتكم كان نولي أن تبيعوني ، لو أعلم أني إذا دفعت ردائي هذا
[ ص: 437 ] إليكم ذهبتم عني لفعلت .
الدورقي : وسمعت
إسحاق بن إبراهيم يقول : سمعت
الفضيل يخاطب نفسه : ما أراه أخرجك من الحل فدسك في الحرم إلا ليضعف عليك الذنب ، أما تستحي تذكر الدينار والدرهم ، وأنت حول البيت ، إنما كان يأتيه التائب والمستجير .
وعن
الفضيل قال : المؤمن يغبط ولا يحسد ، الغبطة من الإيمان ، والحسد من النفاق .
قلت : هذا يفسر لك قوله -عليه الصلاة والتسليم- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880580لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا ينفقه في الحق ، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار . فالحسد هنا معناه : الغبطة ، أن تحسد أخاك على ما آتاه الله ، لا أنك تحسده ، بمعنى أنك تود زوال ذلك عنه ، فهذا بغي وخبث .
وعن
الفضيل قال : من أخلاق الأنبياء الحلم والأناة وقيام الليل .
قال
أبو عبد الرحمن السلمي : أخبرنا
أبو بكر محمد بن جعفر ، أخبرنا
الحسن بن عبد الله العسكري ، حدثنا
ابن أخي أبي زرعة ، حدثنا
محمد بن إسحاق ابن راهويه ، حدثنا
أبو عمار ، عن
الفضل بن موسى قال : كان
الفضيل شاطرا يقطع الطريق ، فذكر الحكاية -وقد مضت .
[ ص: 438 ] وقال
إبراهيم بن الليث : حدثنا
المحدث علي بن خشرم قال : أخبرني رجل من جيران
الفضيل من
أبيورد ، قال : كان
الفضيل يقطع الطريق وحده ، فبينا هو ذات ليلة ، وقد انتهت إليه القافلة ، فقال بعضهم : اعدلوا بنا إلى هذه القرية ، فإن
الفضيل يقطع الطريق . فسمع ذلك ، فأرعد ، فقال : يا قوم جوزوا ، والله لأجتهدن أن لا أعصي الله .
وروي نحوها من وجه آخر ، لكنه في الإسناد
ابن جهضم ، وهو هالك . وبكل حال : فالشرك أعظم من قطع الطريق ، وقد تاب من الشرك خلق صاروا أفضل الأمة . فنواصي العباد بيد الله -تعالى- وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب .
قال
إبراهيم بن سعيد الجوهري : قال لي
المأمون ، قال لي
الرشيد : ما رأت عيناي مثل
nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض ، دخلت عليه فقال لي : فرغ قلبك للحزن وللخوف حتى يسكناه ، فيقطعاك عن المعاصي ، ويباعداك من النار .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر قال : ما رأيت بعد
الفضيل أعبد من
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع . قال
إبراهيم بن الأشعث : رأيت
سفيان بن عيينة يقبل يد
الفضيل مرتين ، وعن
ابن المبارك قال : إذا نظرت إلى
الفضيل ، جدد لي الحزن ، ومقت نفسي ، ثم بكى .
قال
يحيى بن أيوب : دخلت مع
زافر بن سليمان على
الفضيل بن عياض ، فإذا معه شيخ ، فدخل
زافر وأقعدني على الباب . قال
زافر : فجعل
الفضيل ينظر إلي ثم قال : هؤلاء المحدثون يعجبهم قرب الإسناد ، ألا أخبرك بإسناد لا شك فيه : رسول الله ، عن
جبريل ، عن الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد فأنا وأنت يا
أبا سليمان من الناس ، ثم
[ ص: 439 ] غشي عليه وعلى الشيخ ، وجعل
زافر ينظر إليهما ، ثم خرج
الفضيل ، وقمنا والشيخ مغشي عليه .
قال
سهل بن راهويه : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=16008لابن عيينة : ألا ترى إلى
الفضيل لا تكاد تجف له دمعة . قال : إذا قرح القلب ، نديت العينان .
قال
الأصمعي : نظر
الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل ، فقال : يا هذا ، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك .
قال
أحمد بن أبي الحواري : حدثنا
أبو عبد الله الأنطاكي قال : اجتمع
الفضيل nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، فتذاكرا ، فرق
سفيان وبكى ، ثم قال : أرجو أن يكون هذا المجلس علينا رحمة وبركة . فقال له
الفضيل : لكني يا
أبا عبد الله ، أخاف أن لا يكون أضر علينا منه . ألست تخلصت إلى أحسن حديثك ، وتخلصت أنا إلى أحسن حديثي ، فتزينت لي وتزينت لك ؟ فبكى
سفيان وقال : أحييتني أحياك الله .
وقال
الفيض : قال لي
الفضيل : لو قيل لك : يا مرائي ، غضبت ، وشق عليك ، وعسى ما قيل لك حق ، تزينت للدنيا وتصنعت ، وقصرت ثيابك ، وحسنت سمتك ، وكففت أذاك حتى يقال : أبو فلان عابد ، ما أحسن سمته ! فيكرمونك ، وينظرونك ، ويقصدونك ويهدون إليك ، مثل الدرهم الستوق لا يعرفه كل أحد فإذا قشر قشر عن نحاس .
إبراهيم بن الأشعث : سمعت
الفضيل يقول : بلغني أن العلماء فيما مضى
[ ص: 440 ] كانوا إذا تعلموا عملوا ، وإذا عملوا شغلوا ، وإذا شغلوا فقدوا ، وإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا .
وعنه قال : كفى بالله محبا وبالقرآن مؤنسا ، وبالموت واعظا ، وبخشية الله علما ، وبالاغترار جهلا .
وعنه : خصلتان تقسيان القلب : كثرة الكلام ، وكثرة الأكل .
وعنه : كيف ترى حال من كثرت ذنوبه ، وضعف علمه ، وفني عمره ، ولم يتزود لمعاده .
وعنه : يا مسكين ، أنت مسيء وترى أنك محسن ، وأنت جاهل وترى أنك عالم ، وتبخل وترى أنك كريم ، وأحمق وترى أنك عاقل ، أجلك قصير ، وأملك طويل .
قلت : إي -والله- صدق ، وأنت ظالم وترى أنك مظلوم ، وآكل للحرام وترى أنك متورع ، وفاسق وتعتقد أنك عدل ، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله .
عباس الدوري : حدثنا
محمد بن عبد الله الأنباري ، قال : سمعت
فضيلا يقول : لما قدم
nindex.php?page=showalam&ids=14370هارون الرشيد إلى
مكة قعد في الحجر هو وولده ، وقوم من
[ ص: 441 ] الهاشميين ، وأحضروا المشايخ ، فبعثوا إلي فأردت أن لا أذهب ، فاستشرت جاري ، فقال : اذهب لعله يريد أن تعظه ، فدخلت المسجد ، فلما صرت إلى الحجر ، قلت لأدناهم : أيكم أمير المؤمنين ؟ فأشار إليه ، فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فرد علي وقال : اقعد ، ثم قال : إنما دعوناك لتحدثنا بشيء ، وتعظنا ، فأقبلت عليه ، فقلت : يا حسن الوجه ، حساب الخلق كلهم عليك ، فجعل يبكي ويشهق ، فرددت عليه ، وهو يبكي ، حتى جاء الخادم فحملوني وأخرجوني ، وقال : اذهب بسلام .
وقال
محرز بن عون : كنت عند
الفضيل ، فأتى
هارون ومعه
يحيى بن خالد ، وولده
جعفر ، فقال له
يحيى : يا
أبا علي ، هذا أمير المؤمنين يسلم عليك . قال : أيكم هو ؟ قالوا : هذا ، فقال : يا حسن الوجه ، لقد طوقت أمرا عظيما ، وكررها ، ثم قال : حدثني
عبيد المكتب ، عن
مجاهد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166وتقطعت بهم الأسباب قال : الأوصال التي كانت في الدنيا . وأومأ بيده إليهم .
قال
عبد الله بن خبيق : قال
الفضيل : تباعد من القراء ، فإنهم إن أحبوك مدحوك بما ليس فيك ، وإن غضبوا شهدوا عليك ، وقبل منهم .
[ ص: 442 ] قال
قطبة بن العلاء : سمعت
الفضيل يقول : آفة القراء العجب .
وللفضيل -رحمه الله- مواعظ ، وقدم في التقوى راسخ ، وله ترجمة في كتاب " الحلية " وفي تاريخ
nindex.php?page=showalam&ids=13359أبي القاسم ابن عساكر . وكان يعيش من صلة
ابن المبارك ونحوه من أهل الخير ، ويمتنع من جوائز الملوك .
قال بعضهم : كنا جلوسا عند
الفضيل بن عياض ، فقلنا له : كم سنك؟ فقال :
بلغت الثمانين أو جزتها فماذا أؤمل أو أنتظر علتني السنون فأبلينني
فدق العظام وكل البصر
قلت : هو من أقران
سفيان بن عيينة في المولد ولكنه مات قبله بسنوات وكان ابنه :
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12218أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ : بَلَغَ
الْفُضَيْلَ أَنَّ
حَرِيزًا يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَهُ ، فَأَقْفَلَ الْبَابَ مِنْ خَارِجٍ ، فَجَاءَ فَرَأَى الْبَابَ مُقْفَلًا ، فَرَجَعَ ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ : حَرِيزٌ ، قَالَ : مَا يَصْنَعُ بِي ، يُظْهِرُ لِي مَحَاسِنَ كَلَامِهِ ، وَأُظْهِرُ لَهُ مَحَاسِنَ كَلَامِي ، فَلَا يَتَزَيَّنُ لِي ، وَلَا أَتَزَيَّنُ لَهُ ، خَيْرٌ لَهُ .
ثُمَّ قَالَ
عَلِيٌّ : مَا رَأَيْتُ أَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَا أَخْوَفَ مِنْهُ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ قَائِمًا عَلَى صُنْدُوقٍ يُعْطِي الْمَصَاحِفَ ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ ، فِيهِمْ :
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ،
وَهَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَمَا رَأَيْتُهُ يُوَدِّعُ أَحَدًا ، فَيَقْدِرُ أَنْ يَتِمَّ وَدَاعَهُ .
قَالَ
فَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ : إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَكُونَ مُحَدِّثًا وَلَا قَارِئًا ، وَلَا مُتَكَلِّمًا ، إِنْ كُنْتَ بَلِيغًا قَالُوا : مَا أَبْلَغَهُ ! وَأَحْسَنَ حَدِيثَهُ! وَأَحْسَنَ صَوْتَهُ ! فَيُعْجِبُكَ ذَلِكَ ، فَتَنْتَفِخُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَلِيغًا ، وَلَا حَسَنَ الصَّوْتِ قَالُوا : لَيْسَ يُحْسِنُ يُحَدِّثُ ، وَلَيْسَ صَوْتُهُ بِحَسَنٍ ، أَحْزَنَكَ ذَلِكَ ، وَشَقَّ عَلَيْكَ ، فَتَكُونُ مُرَائِيًا ، وَإِذَا جَلَسْتَ ، فَتَكَلَّمْتَ ، فَلَمْ تُبَالِ مَنْ ذَمَّكَ وَمَنْ مَدَحَكَ ، فَتَكَلَّمْ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ : قَالَ
الْفُضَيْلُ : لَا يَسْلَمُ لَكَ قَلْبُكَ حَتَّى لَا تُبَالِيَ مَنْ أَكَلَ الدُّنْيَا .
[ ص: 434 ]
وَقِيلَ لَهُ : مَا الزُّهْدُ ؟ قَالَ : الْقُنُوعُ ، قِيلَ : مَا الْوَرَعُ ؟ قَالَ : اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ . قِيلَ : مَا الْعِبَادَةُ ؟ قَالَ : أَدَاءُ الْفَرَائِضِ . قِيلَ : مَا التَّوَاضُعُ ؟ قَالَ : أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ . وَقَالَ : أَشَدُّ الْوَرَعِ فِي اللِّسَانِ .
قُلْتُ : هَكَذَا هُوَ ، فَقَدْ تَرَى الرَّجُلَ وَرِعًا فِي مَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمُعَامَلَتِهِ ، وَإِذَا تَحَدَّثَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ مِنْ حَدِيثِهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ ، فَلَا يُكْمِلُ الصِّدْقَ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْدُقَ ، فَيُنَمِّقُ حَدِيثَهُ لِيُمْدَحَ عَلَى الْفَصَاحَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يُظْهِرَ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ لِيُعَظَّمَ ، وَإِمَّا أَنْ يَسْكُتَ فِي مَوْضِعِ الْكَلَامِ ، لِيُثْنَى عَلَيْهِ . وَدَوَاءُ ذَلِكَ كُلُّهُ الِانْقِطَاعُ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنَ الْجَمَاعَةِ .
قَالَ
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلَّا فِي إِمَامٍ ، فَصَلَاحُ الْإِمَامِ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ .
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّمَا هُمَا عَالِمَانِ : فَعَالِمُ الدُّنْيَا عِلْمُهُ مَنْشُورٌ ، وَعَالِمُ الْآخِرَةِ عِلْمُهُ مَسْتُورٌ . احْذَرُوا عَالِمَ الدُّنْيَا ، لَا يَضُرَّكُمْ بِسُكْرِهِ ، الْعُلَمَاءُ كَثِيرٌ ، وَالْحُكَمَاءُ قَلِيلٌ .
وَعَنْهُ : لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعُدَّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً ، وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً ، وَحَتَّى لَا يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ .
قَالَ
الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ الْمَرْوَزِيُّ : سَمِعْتُ
فُضَيْلًا يَقُولُ : لَوْ حَلَفْتُ أَنِّي مُرَاءٍ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ أَنِّي لَسْتُ بِمُرَاءٍ ، وَلَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ لَقُلْتُ : هَذَا مَجْنُونٌ ، مَنَ الَّذِي اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ ، لَا يُحِبُّ أَنْ يُجَوِّدَ كَلَامَهُ لَهُمْ؟
فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ : سَمِعْتُ
فُضَيْلًا يَقُولُ : لَيْسَتِ الدُّنْيَا دَارَ إِقَامَةٍ ، وَإِنَّمَا آدَمُ أُهْبِطَ إِلَيْهَا عُقُوبَةً ، أَلَا تَرَى كَيْفَ يَزْوِيهَا عَنْهُ ، وَيُمَرِّرُهَا عَلَيْهِ بِالْجُوعِ ،
[ ص: 435 ] بِالْعُرْيِ ، بِالْحَاجَةِ ، كَمَا تَصْنَعُ الْوَالِدَةُ الشَّفِيقَةُ بِوَلَدِهَا ، تَسْقِيهِ مَرَّةً حُضَضًا وَمَرَّةً صَبْرًا ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ بِذَلِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ .
وَعَنِ
الْفُضَيْلِ : حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تُصِيبَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدُوا فِي الدُّنْيَا .
وَعَنْهُ : إِذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ ، وَصِيَامِ النَّهَارِ ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَحْرُومٌ ، كَبَّلَتْكَ خَطِيئَتُكَ .
وَعَنْ
فُضَيْلٍ ، وَرَأَى قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَمْرَحُونَ وَيَضْحَكُونَ ، فَنَادَاهُمْ : مَهْلًا يَا وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ ، مَهْلًا ثَلَاثًا ، إِنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ .
قَالَ
ابْنُ عُيَيْنَةَ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ : يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْبًا مَا لَا يُغْفَرُ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ الْحَذَّاءُ ، سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ : أَخَذْتُ بِيَدِ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْوَادِي ، فَقُلْتُ : إِنْ كُنْتَ تَظُنُّ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرٌّ مِنِّي وَمِنْكَ ، فَبِئْسَ مَا تَظُنُّ .
قَالَ
عَبْدُ الصَّمَدِ مَرْدَوَيْهِ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ : مَنْ أَحَبَّ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ، أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ ، وَأَخْرَجَ نُورَ الْإِسْلَامِ مِنْ قَلْبِهِ ، لَا يَرْتَفِعُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ إِلَى اللَّهِ عَمَلٌ ، نَظَرُ الْمُؤْمِنِ إِلَى الْمُؤْمِنِ يَجْلُو الْقَلْبَ ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ يُورِثُ الْعَمَى ، مَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الْحِكْمَةَ .
قَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ : حَدَّثَنِي
أَبُو النَّضْرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزَّمِّيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14919فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ : لَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ
هَارُونُ أَمِيرُ [ ص: 436 ] الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ : يَا حَسَنَ الْوَجْهِ ، لَقَدْ كُلِّفْتَ أَمْرًا عَظِيمًا ، أَمَا إِنِّي مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْكَ ، فَإِنْ قَدِرْتَ أَنْ لَا تُسَوِّدَ هَذَا الْوَجْهَ بِلَفْحَةٍ مِنَ النَّارِ فَافْعَلْ . قَالَ : عِظْنِي . قُلْتُ : بِمَاذَا أَعِظُكَ ؟ هَذَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ، انْظُرْ مَاذَا عَمِلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ ، وَمَاذَا عَمِلَ بِمَنْ عَصَاهُ ، إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَغُوصُونَ عَلَى النَّارِ غَوْصًا شَدِيدًا ، وَيَطْلُبُونَهَا طَلَبًا حَثِيثًا ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ طَلَبُوا الْجَنَّةَ بِمِثْلِهَا أَوْ أَيْسَرَ لَنَالُوهَا ، وَقَالَ : عُدْ إِلَيَّ ، فَقَالَ : لَوْ لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ لَمْ آتِكَ ، وَإِنِ انْتَفَعْتَ بِمَا سَمِعْتَ ، عُدْتُ إِلَيْكَ .
قَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ : ارْحَمْنِي بِحُبِّي إِيَّاكَ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ .
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ وَهُوَ يَشْتَكِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ الْوَحْدَةِ ، وَاسْتَأْنَسَ بِالنَّاسِ ، لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الرِّيَاءِ ، لَا حَجَّ وَلَا جِهَادَ أَشَدُّ مِنْ حَبْسِ اللِّسَانِ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ غَمًّا مِمَّنْ سُجِنَ لِسَانُهُ .
قَالَ
الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ كَثِيرًا يَقُولُ : احْفَظْ لِسَانَكَ ، وَأَقْبِلْ عَلَى شَأْنِكَ ، وَاعْرِفْ زَمَانَكَ ، وَأَخْفِ مَكَانَكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12218أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ : حَدَّثَنَا
الْفَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ ، سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ : وَدِدْتُ أَنَّهُ طَارَ فِي النَّاسِ أَنِّي مُتُّ حَتَّى لَا أُذْكَرَ . إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، فَيَأْخُذُنِي الْبَوْلُ فَرَقًا مِنْهُمْ .
وَقَالَ
الدَّوْرَقِيُّ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ ، سَمِعْتُ
فُضَيْلًا يَقُولُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ : لِمَ تُكْرِهُونِي عَلَى أَمْرٍ تَعْلَمُونَ أَنِّي كَارِهٌ لَهُ -يَعْنِي الرِّوَايَةَ- ؟ لَوْ كُنْتُ عَبْدًا لَكُمْ ، فَكَرِهْتُكُمْ كَانَ نَوْلِي أَنْ تَبِيعُونِي ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا دَفَعْتُ رِدَائِي هَذَا
[ ص: 437 ] إِلَيْكُمْ ذَهَبْتُمْ عَنِّي لَفَعَلْتُ .
الدَّوْرَقِيُّ : وَسَمِعْتُ
إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ : مَا أَرَاهُ أَخْرَجَكَ مِنَ الْحِلِّ فَدَسَّكَ فِي الْحَرَمِ إِلَّا لِيُضْعِفَ عَلَيْكَ الذَّنْبَ ، أَمَا تَسْتَحِي تَذْكُرُ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ ، وَأَنْتَ حَوْلَ الْبَيْتِ ، إِنَّمَا كَانَ يَأْتِيهِ التَّائِبُ وَالْمُسْتَجِيرُ .
وَعَنِ
الْفُضَيْلِ قَالَ : الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَلَا يَحْسُدُ ، الْغِبْطَةُ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَالْحَسَدُ مِنَ النِّفَاقِ .
قُلْتُ : هَذَا يُفَسِّرُ لَكَ قَوْلَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ- :
nindex.php?page=hadith&LINKID=880580لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا يُنْفِقُهُ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ . فَالْحَسَدُ هُنَا مَعْنَاهُ : الْغِبْطَةُ ، أَنْ تَحْسُدَ أَخَاكَ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ ، لَا أَنَّكَ تَحْسُدُهُ ، بِمَعْنَى أَنَّكَ تَوَدُّ زَوَالَ ذَلِكَ عَنْهُ ، فَهَذَا بَغْيٌ وَخُبْثٌ .
وَعَنِ
الْفُضَيْلِ قَالَ : مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ وَقِيَامُ اللَّيْلِ .
قَالَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ : أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَسْكَرِيُّ ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَمَّارٍ ، عَنِ
الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى قَالَ : كَانَ
الْفُضَيْلُ شَاطِرًا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ ، فَذَكَرَ الْحِكَايَةَ -وَقَدْ مَضَتْ .
[ ص: 438 ] وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ اللَّيْثِ : حَدَّثَنَا
الْمُحَدِّثُ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِ
الْفُضَيْلِ مِنْ
أَبِيوَرْدَ ، قَالَ : كَانَ
الْفُضَيْلُ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَحْدَهُ ، فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، وَقَدِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الْقَافِلَةُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ : اعْدِلُوا بِنَا إِلَى هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، فَإِنَّ
الْفُضَيْلَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ . فَسَمِعَ ذَلِكَ ، فَأُرْعِدَ ، فَقَالَ : يَا قَوْمُ جُوزُوا ، وَاللَّهِ لَأَجْتَهِدَنَّ أَنْ لَا أَعْصِيَ اللَّهَ .
وَرُوِيَ نَحْوُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، لَكِنَّهُ فِي الْإِسْنَادِ
ابْنَ جَهْضَمٍ ، وَهُوَ هَالِكٌ . وَبِكُلِّ حَالٍ : فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَقَدْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ خَلْقٌ صَارُوا أَفْضَلَ الْأُمَّةِ . فَنَوَاصِي الْعِبَادِ بِيَدِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=27يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ .
قَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ : قَالَ لِي
الْمَأْمُونُ ، قَالَ لِي
الرَّشِيدُ : مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي : فَرِّغْ قَلْبَكَ لِلْحُزْنِ وَلِلْخَوْفِ حَتَّى يَسْكُنَاهُ ، فَيَقْطَعَاكَ عَنِ الْمَعَاصِي ، وَيُبَاعِدَاكَ مِنَ النَّارِ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابْنِ أَبِي عُمَرَ قَالَ : مَا رَأَيْتُ بَعْدَ
الْفُضَيْلِ أَعْبَدَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٍ . قَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ : رَأَيْتُ
سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يُقَبِّلُ يَدَ
الْفُضَيْلِ مَرَّتَيْنِ ، وَعَنِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ : إِذَا نَظَرْتُ إِلَى
الْفُضَيْلِ ، جَدَّدَ لِي الْحُزْنَ ، وَمَقَتُّ نَفْسِي ، ثُمَّ بَكَى .
قَالَ
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ : دَخَلْتُ مَعَ
زَافِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَلَى
الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، فَإِذَا مَعَهُ شَيْخٌ ، فَدَخَلَ
زَافِرٌ وَأَقْعَدَنِي عَلَى الْبَابِ . قَالَ
زَافِرٌ : فَجَعَلَ
الْفُضَيْلُ يَنْظُرُ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثُونَ يُعْجِبُهُمْ قُرْبُ الْإِسْنَادِ ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِسْنَادٍ لَا شَكَّ فِيهِ : رَسُولُ اللَّهِ ، عَنْ
جِبْرِيلَ ، عَنِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ فَأَنَا وَأَنْتَ يَا
أَبَا سُلَيْمَانَ مِنَ النَّاسِ ، ثُمَّ
[ ص: 439 ] غُشِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ ، وَجَعَلَ
زَافِرٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا ، ثُمَّ خَرَجَ
الْفُضَيْلُ ، وَقُمْنَا وَالشَّيْخُ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ .
قَالَ
سَهْلُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16008لِابْنِ عُيَيْنَةَ : أَلَا تَرَى إِلَى
الْفُضَيْلِ لَا تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ دَمْعَةٌ . قَالَ : إِذَا قَرِحَ الْقَلْبُ ، نَدِيَتِ الْعَيْنَانِ .
قَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : نَظَرَ
الْفُضَيْلُ إِلَى رَجُلٍ يَشْكُو إِلَى رَجُلٍ ، فَقَالَ : يَا هَذَا ، تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُكَ إِلَى مَنْ لَا يَرْحَمُكَ .
قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْطَاكِيُّ قَالَ : اجْتَمَعَ
الْفُضَيْلُ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ، فَتَذَاكَرَا ، فَرَقَّ
سُفْيَانُ وَبَكَى ، ثُمَّ قَالَ : أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَجْلِسُ عَلَيْنَا رَحْمَةً وَبَرَكَةً . فَقَالَ لَهُ
الْفُضَيْلُ : لَكِنِّي يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، أَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ أَضَرَّ عَلَيْنَا مِنْهُ . أَلَسْتَ تَخَلَّصْتَ إِلَى أَحْسَنِ حَدِيثِكَ ، وَتَخَلَّصْتُ أَنَا إِلَى أَحْسَنِ حَدِيثِي ، فَتَزَيَّنْتَ لِي وَتَزَيَّنْتُ لَكَ ؟ فَبَكَى
سُفْيَانُ وَقَالَ : أَحْيَيْتَنِي أَحْيَاكَ اللَّهُ .
وَقَالَ
الْفَيْضُ : قَالَ لِي
الْفُضَيْلُ : لَوْ قِيلَ لَكَ : يَا مُرَائِي ، غَضِبْتَ ، وَشَقَّ عَلَيْكَ ، وَعَسَى مَا قِيلَ لَكَ حَقٌّ ، تَزَيَّنْتَ لِلدُّنْيَا وَتَصَنَّعْتَ ، وَقَصَّرْتَ ثِيَابَكَ ، وَحَسَّنْتَ سَمْتَكَ ، وَكَفَفْتَ أَذَاكَ حَتَّى يُقَالَ : أَبُو فُلَانٍ عَابِدٌ ، مَا أَحْسَنَ سَمْتَهُ ! فَيُكْرِمُونَكَ ، وَيَنْظُرُونَكَ ، وَيَقْصِدُونَكَ وَيَهْدُونَ إِلَيْكَ ، مِثْلَ الدِّرْهَمِ السُّتُّوقِ لَا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَإِذَا قُشِرَ قُشِرَ عَنْ نُحَاسٍ .
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ : بَلَغَنِي أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِيمَا مَضَى
[ ص: 440 ] كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَمِلُوا ، وَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا ، وَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا ، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا ، فَإِذَا طُلِبُوا هَرَبُوا .
وَعَنْهُ قَالَ : كَفَى بِاللَّهِ مُحَبًّا وَبِالْقُرْآنِ مُؤْنِسًا ، وَبِالْمَوْتِ وَاعِظًا ، وَبِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا ، وَبِالِاغْتِرَارِ جَهْلًا .
وَعَنْهُ : خَصْلَتَانِ تُقَسِّيَانِ الْقَلْبَ : كَثْرَةُ الْكَلَامِ ، وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ .
وَعَنْهُ : كَيْفَ تَرَى حَالَ مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ ، وَضَعُفَ عِلْمُهُ ، وَفَنِيَ عُمْرُهُ ، وَلَمْ يَتَزَوَّدْ لِمَعَادِهِ .
وَعَنْهُ : يَا مِسْكِينُ ، أَنْتَ مُسِيءٌ وَتَرَى أَنَّكَ مُحْسِنٌ ، وَأَنْتَ جَاهِلٌ وَتَرَى أَنَّكَ عَالِمٌ ، وَتَبْخَلُ وَتَرَى أَنَّكَ كَرِيمٌ ، وَأَحْمَقُ وَتَرَى أَنَّكَ عَاقِلٌ ، أَجَلُكَ قَصِيرٌ ، وَأَمَلُكَ طَوِيلٌ .
قُلْتُ : إِي -وَاللَّهِ- صَدَقَ ، وَأَنْتَ ظَالِمٌ وَتَرَى أَنَّكَ مَظْلُومٌ ، وَآكِلٌ لِلْحَرَامِ وَتَرَى أَنَّكَ مُتَوَرِّعٌ ، وَفَاسِقٌ وَتَعْتَقِدُ أَنَّكَ عَدْلٌ ، وَطَالِبُ الْعِلْمِ لِلدُّنْيَا وَتَرَى أَنَّكَ تَطْلُبُهُ لِلَّهِ .
عَبَّاسُ الدُّورِيُّ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْبَارِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ
فُضَيْلًا يَقُولُ : لَمَّا قَدِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=14370هَارُونُ الرَّشِيدُ إِلَى
مَكَّةَ قَعَدَ فِي الْحِجْرِ هُوَ وَوَلَدُهُ ، وَقَوْمٌ مِنَ
[ ص: 441 ] الْهَاشِمِيِّينَ ، وَأَحْضَرُوا الْمَشَايِخَ ، فَبَعَثُوا إِلَيَّ فَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَذْهَبُ ، فَاسْتَشَرْتُ جَارِي ، فَقَالَ : اذْهَبْ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ تَعِظَهُ ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الْحِجْرِ ، قُلْتُ لِأَدْنَاهُمْ : أَيُّكُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَرَدَّ عَلَيَّ وَقَالَ : اقْعُدْ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا دَعَوْنَاكَ لِتُحَدِّثَنَا بِشَيْءٍ ، وَتَعِظَنَا ، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا حَسَنَ الْوَجْهِ ، حِسَابُ الْخَلْقِ كُلُّهُمْ عَلَيْكَ ، فَجَعْلَ يَبْكِي وَيَشْهَقُ ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ يَبْكِي ، حَتَّى جَاءَ الْخَادِمُ فَحَمَلُونِي وَأَخْرَجُونِي ، وَقَالَ : اذْهَبْ بِسَلَامٍ .
وَقَالَ
مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ : كُنْتُ عِنْدَ
الْفُضَيْلِ ، فَأَتَى
هَارُونُ وَمَعَهُ
يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ ، وَوَلَدُهُ
جَعْفَرٌ ، فَقَالَ لَهُ
يَحْيَى : يَا
أَبَا عَلِيٍّ ، هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ . قَالَ : أَيُّكُمْ هُوَ ؟ قَالُوا : هَذَا ، فَقَالَ : يَا حَسَنَ الْوَجْهِ ، لَقَدْ طُوِّقْتَ أَمْرًا عَظِيمًا ، وَكَرَّرَهَا ، ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنِي
عُبَيْدٌ الْمُكْتِبُ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ قَالَ : الْأَوْصَالُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا . وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِمْ .
قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُبَيْقٍ : قَالَ
الْفُضَيْلُ : تَبَاعَدْ مِنَ الْقُرَّاءِ ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَحَبُّوكَ مَدَحُوكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ ، وَإِنْ غَضِبُوا شَهِدُوا عَلَيْكَ ، وَقُبِلَ مِنْهُمْ .
[ ص: 442 ] قَالَ
قُطْبَةُ بْنُ الْعَلَاءِ : سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ يَقُولُ : آفَةُ الْقُرَّاءِ الْعُجْبُ .
وَلِلْفُضَيْلِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مَوَاعِظُ ، وَقَدَمٌ فِي التَّقْوَى رَاسِخٌ ، وَلَهُ تَرْجَمَةٌ فِي كِتَابِ " الْحِلْيَةِ " وَفِي تَارِيخِ
nindex.php?page=showalam&ids=13359أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ . وَكَانَ يَعِيشُ مِنْ صِلَةِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ ، وَيَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ الْمُلُوكِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ
الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، فَقُلْنَا لَهُ : كَمْ سِنُّكَ؟ فَقَالَ :
بَلَغْتُ الثَّمَانِينَ أَوْ جُزْتُهَا فَمَاذَا أُؤْمِّلُ أَوْ أَنْتَظِرْ عَلَتْنِي السُّنُونَ فَأَبْلَيْنَنِي
فَدَقَّ الْعِظَامُ وَكَلَّ الْبَصَرْ
قُلْتُ : هُوَ مِنْ أَقْرَانِ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْمَوْلِدِ وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ بِسَنَوَاتٍ وَكَانَ ابْنُهُ :