(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما ( 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ( 9 ) )
nindex.php?page=treesubj&link=29004_19492_19490 ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين عن صدقهم ) يقول : أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين عن صدقهم ، يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة . والحكمة في سؤالهم ، مع علمه أنهم صادقون ، تبكيت من أرسلوا إليهم .
وقيل : ليسأل الصادقين عن عملهم لله - عز وجل - . وقيل : ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8وأعد للكافرين عذابا أليما ) قوله - عز وجل - : )
nindex.php?page=treesubj&link=29004_19609_32490_32294 ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ) وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام
الخندق (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9إذ جاءتكم جنود ) يعني
nindex.php?page=treesubj&link=29326الأحزاب ، وهم
قريش ،
وغطفان ،
ويهود قريظة ،
والنضير (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9فأرسلنا عليهم ريحا ) وهي الصبا ، قال
عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل ، وكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا
[ ص: 322 ]
أخبرنا
عبد الواحد المليحي ، أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا
محمد بن يوسف ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، أخبرنا
آدم ، أخبرنا
شعبة ، عن
الحكم ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=814733نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28736وجنودا لم تروها ) وهم الملائكة ، ولم تقاتل الملائكة يومئذ ، فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحا باردة فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بني فلان هلم إلي ، فإذا اجتمعوا عنده قال : النجاء النجاء ، لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9وكان الله بما تعملون بصيرا ) قال
محمد بن إسحاق : حدثني
يزيد بن رومان مولى
آل الزبير ، عن
عروة بن الزبير ومن لا أتهم ، عن
عبد الله بن كعب بن مالك ، وعن
الزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16276وعاصم بن عمر بن قتادة ، عن
عبد الله بن أبي بكرة بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، وعن غيرهم من علمائنا ، دخل حديث بعضهم في بعض : أن نفرا من اليهود ، منهم
سلام بن أبي الحقيق ،
وحيي بن أخطب ،
وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ،
وهودة بن قيس وأبي عمار الوائلي ، في نفر من
بني النضير ونفر من
بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خرجوا حتى قدموا على
قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر
يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن
ومحمد ، فديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منهم ، قال : فهم الذين أنزل الله فيهم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " ، إلى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=55وكفى بجهنم سعيرا " ( النساء 51 - 55 ) .
فلما قالوا ذلك
لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ، فأجمعوا لذلك ، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا
غطفان من
قيس غيلان ، فدعوهم إلى ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ، وأن
قريشا قد بايعوهم على ذلك ، فأجابوهم .
فخرجت
قريش ، وقائدها
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب ، وخرجت
غطفان ، وقائدها
عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في
فزارة ،
والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في
بني مرة ،
ومسعود بن [ ص: 323 ] رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من
أشجع
فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما اجتمعوا له من الأمر
nindex.php?page=treesubj&link=30819ضرب الخندق على المدينة .
وكان الذي أشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق سلمان الفارسي ، وكان nindex.php?page=treesubj&link=31643_30830أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ حر ، فقال : يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا عليها ، فعمل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حتى أحكموه .
أخبرنا
أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13968أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا
عبد الله بن حامد الأصبهاني ، أخبرنا
محمد بن جعفر الطبري ، حدثنا
حماد بن الحسن ، حدثنا
محمد بن خالد بن عثمة ، حدثنا
كثير بن عبد الله ، عن
عمرو بن عوف ، حدثني أبي عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=815345خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، قال : فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا ، فقال المهاجرون : سلمان منا ، وقال الأنصار : سلمان منا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " سلمان منا أهل البيت " .
قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المازني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب أخرج الله nindex.php?page=treesubj&link=30820في بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره خبر هذه الصخرة ، فإما أن يعدل عنها فإن المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه ، قال : فرقي سلمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ضارب عليه قبة تركية ، فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك ، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك ، فهبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع سلمان الخندق والتسعة على شق الخندق ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها - يعني المدينة - حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح وكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح وكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكسرها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح ، وكبر المسلمون ، فأخذ بيد سلمان ورقي ، فقال [ ص: 324 ] سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القوم فقال : " أرأيتم ما يقول سلمان " ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : " ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا " ، فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق ، وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون : ألا تعجبون من محمد يعدكم ويمنيكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا ؟ قال فنزل القرآن : ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=12وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) وأنزل الله هذه القصة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم مالك الملك " الآية ( آل عمران - 26 ) .
أخبرنا
عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا
محمد بن يوسف ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، أخبرنا
عبد الله بن محمد ، أخبرنا
معاوية بن عمرو ، أخبرنا
أبو إسحاق ، عن
حميد قال : سمعت أنسا يقول : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا
المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك عنهم ، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=815347اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة " ، فقالوا مجيبين له :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا
محمد بن يوسف ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، أخبرنا
مسلم بن إبراهيم ، أخبرنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، عن
البراء قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقل التراب يوم
الخندق حتى أغمر بطنه - أو اغبر - وهو يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=815348والله لولا ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته : أبينا أبينا .
[ ص: 325 ]
رجعنا إلى حديث
ابن إسحاق ، قال : فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخندق أقبلت
قريش حتى نزلت
بمجتمع الأسيال من
رومة من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ، ومن تابعهم من
بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت
غطفان ومن تابعهم من
أهل نجد ، حتى نزلوا
بذنب نقمى إلى جانب
أحد ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، حتى جعلوا ظهورهم إلى
سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره
والخندق بينه وبين القوم . وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام .
وخرج عدو الله
حيي بن أخطب من
بني النضير حتى أتى
كعب بن أسد القرظي ، صاحب عقد
بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومه وعاهده على ذلك ، فلما سمع
كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه حصنه ، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له ، فناداه حيي : يا
كعب افتح لي ، فقال : ويحك يا
حيي إنك امرؤ مشؤوم وإني قد عاهدت
محمدا ، فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا . قال : ويحك افتح لي أكلمك ، قال : ما أنا بفاعل ، قال : والله إن أغلقت دوني إلا على جشيشتك أن آكل معك منها ، فأحفظ الرجل ، ففتح له ، فقال : ويحك
يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك
بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم
بمجتمع الأسيال من
رومة ،
وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم
بذنب نقمى إلى جانب
أحد ، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا
محمدا ومن معه . قال له
كعب بن أسد : جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه برعد وبرق ، وليس فيه شيء ، فدعني
ومحمدا وما أنا عليه ، فإني لم أر من
محمد إلا صدقا ووفاء ، فلم يزل
حيي بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له ، على أن أعطاه من الله عهدا وميثاقا . لئن رجعت
قريش وغطفان ولم يصيبوا
محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض
كعب بن أسد عهده وتبرأ مما كان عليه فيما كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر وإلى المسلمين ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ، أحد
بني عبد الأشهل ، وهو يومئذ سيد
الأوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=228وسعد بن عبادة أحد
بني ساعدة ، وهو يومئذ سيد
الخزرج ، ومعهما
عبد الله بن رواحة أخو
بني الحارث بن الخزرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=188وخوات بن جبير ، أخو
بني عمرو بن عوف ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا ، أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فإن كان
[ ص: 326 ] حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به جهرا للناس ، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم منهم ، ونالوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : لا عقد بيننا وبين
محمد ولا عهد ، فشاتمهم
سعد بن عبادة وشاتموه ، وكان رجلا فيه حدة ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ، ثم أقبل
سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلموا عليه وقالوا : عضل والقارة ، لغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أصحاب الرجيع :
nindex.php?page=showalam&ids=290خبيب بن عدي وأصحابه; فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين .
وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ، ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال
معتب بن قشير ، أخو
بني عمرو بن عوف : كان
محمد يعدنا أن نأكل كنوز
كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ، وحتى قال
أوس بن قيظي ، أحد
بني حارثة بن قيظي : يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو وذلك على ملأ من رجال قومه ، فائذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من
المدينة .
فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى .
فلما اشتد البلاء على الناس
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502478بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عيينة بن حفص ، وإلى الحارث بن عمر ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فجرى بينه وبينهم الصلح ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ، فذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=307لسعد بن معاذ ، nindex.php?page=showalam&ids=228وسعد بن عبادة ، واستشارهما فيه ، فقالا يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه ، أم شيء تصنعه لنا ؟ قال : لا بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا ، فحين أكرمنا الله بالإسلام ، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا! مالنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنت وذاك . فتناول
سعد الصحيفة ، فمحا ما فيها من الكتابة ، ثم قال : ليجهدوا علينا .
[ ص: 327 ]
فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، وعدوهم محاصروهم ، ولم يكن بينهم قتال ، إلا أن فوارس من
قريش ، منهم
عمرو بن عبد ود ، أخو
بني عامر بن لؤي ،
nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل ،
وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ،
ونوفل بن عبد الله ،
وضرار بن الخطاب ،
ومرداس أخو
بني محارب بن فهر ، قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم ومروا على
بني كنانة فقالوا : تهيئوا للحرب يا
بني كنانة ، فستعلمون اليوم من الفرسان ، ثم أقبلوا نحو
الخندق حتى وقفوا على
الخندق فلما رأوه قالوا : والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها .
ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم ، وكان
عمرو بن عبد ود وقاتل يوم
بدر حتى أثبتته الجراحة ، فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه ، فلما وقف هو وخيله ، قال له علي : يا
عمرو إنك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من
قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذت منه إحداهما ، قال : أجل ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام ، قال : لا حاجة لي بذلك ، قال : فإني أدعوك إلى البراز قال : ولم ياابن أخي ، فوالله ما أحب أن أقتلك ، قال
علي : ولكني والله أحب أن أقتلك ، فحمي
عمرو عند ذلك ، فاقتحم عن فرسه ، فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على
علي ، فتناولا وتجاولا فقتله
علي ، فخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة ، وقتل مع
عمرو رجلان :
منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار ، أصابه سهم ، فمات منه
بمكة ،
ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، وكان اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة ، فقال : يا معشر العرب قتله أحسن من هذه ، فنزل إليه
علي فقتله ، فغلب المسلمون على جسده ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعهم جسده ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا حاجة لنا في جسده وثمنه ، فشأنكم به ، فخلى بينهم وبينه .
قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين : كنا يوم
الخندق في حصن
بني حارثة ، وكان من أحرز حصون المدينة ، وكانت
أم سعد بن معاذ معنا في الحصن ، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فمر
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ وعليه درع مقلصة ، قد خرجت منها ذراعه كلها ، وفي يده حربة وهو يقول :
لبث قليلا يدرك الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا حان الأجل
فقالت له أمه : الحق يا بني فقد والله أجزت ، قالت
عائشة فقلت لها : يا أم سعد والله لوددت أن
[ ص: 328 ] درع
سعد كانت أسبغ مما هي ، قالت : وخفت عليه حيث أصاب السهم منه ، قالت : فرمي
سعد يومئذ بسهم ، وقطع منه الأكحل ، رماه
خباب بن قيس بن العرقة ، أحد
بني عامر بن لؤي ، فلما أصابه قال : خذها وأنا
ابن العرقة ، فقال
سعد : عرق الله وجهك في النار ، ثم قال سعد : اللهم أن كنت أبقيت من حرب
قريش شيئا فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه ، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من
بني قريظة وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية .
وقال
محمد بن إسحاق عن
يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه
عباد قال : كانت
صفية بنت عبد المطلب في فارع ، حصن
حسان بن ثابت ، قالت : وكان حسان معنا فيه ، مع النساء والصبيان ، قالت صفية : فمر بنا رجل من
اليهود فجعل يطوف بالحصن ، وقد حاربت
بنو قريظة ، فقطعت ما بيننا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في نحور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم ، إذ أتانا آت . قالت : فقلت : يا
حسان ، إن هذا اليهودي كما ترى ، يطوف بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عوراتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فانزل إليه فاقتله ، فقال : يغفر الله لك يابنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا ، قالت : فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا اعتجرت ، ثم أخذت عمودا ، ثم نزلت من الحصن إليه ، فضربته بالعمود حتى قتلته ، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن ، فقلت : يا
حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ، قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب .
قالوا : أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم .
ثم إن
نعيم بن مسعود بن عامر من
غطفان أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة ، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى
بني قريظة ، وكان لهم نديما في الجاهلية ، فقال لهم : يا
بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم ، فقال لهم : إن
قريشا وغطفان جاءوا لحرب
محمد وقد ظاهرتموهم عليه ، وإن
قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم ، البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم
[ ص: 329 ] لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره ، وإن
قريشا وغطفان ، أموالهم وأولادهم ونساؤهم بعيدة ، إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم ، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم
محمدا ، حتى تناجزوه . قالوا : لقد أشرت برأي ونصح .
ثم خرج حتى أتى
قريشا فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12026لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال
قريش : يا معشر
قريش قد عرفتم ودي إياكم وفراقي
محمدا ، وقد بلغني أمر رأيت أن حقا علي أن أبلغكم نصحا لكم ، فاكتموا علي ، قالوا : نفعل ، قال : تعلمون أن معشر
يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين
محمد ، وقد أرسلوا إليه : أن قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبيلتين ، من
قريش وغطفان ، رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم ؟ فأرسل إليهم : أن نعم . فإن بعثت إليكم
يهود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا .
ثم خرج حتى أتى
غطفان فقال : يا معشر
غطفان ، أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ، ولا أراكم تتهموني ، قالوا : صدقت ، قال : فاكتموا علي ، قالوا : نفعل ، ثم قال لهم مثل ما قال
لقريش وحذرهم ما حذرهم ، فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس ، وكان مما صنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أرسل
أبو سفيان ورءوس غطفان إلى
بني قريظة nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل في نفر من
قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز
محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه ، فقال
بنو قريظة لهم : إن اليوم السبت ، وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم ، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز
محمدا ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة لنا بذلك من
محمد ، فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت
بنو قريظة ، قالت
قريش وغطفان : تعلمن والله أن الذي حدثكم
نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى
بني قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ، فقالت
بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا : إن الذي ذكر لكم
نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن وجدوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم ، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم ، فأرسلوا إلى
قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا ، فأبوا عليهم ، وخذل الله بينهم وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم .
[ ص: 330 ]
فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما اختلف من أمرهم دعا
حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا .
روى
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، وروى غيره عن
إبراهيم التميمي ، عن أبيه قالا قال فتى من
أهل الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=21لحذيفة بن اليمان : يا
أبا عبد الله رأيتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبتموه ، قال نعم ياابن أخي ، قال : كيف كنتم تصنعون ؟ قال : والله لقد كنا نجهد ، فقال الفتى : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه ، وفعلنا وفعلنا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502480فقال حذيفة : ياابن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنة ؟ فما قام منا رجل ، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هويا من الليل ، ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم ، وما قام منا رجل ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هويا من الليل ، ثم التفت إلينا فقال : من رجل يقوم فينظر ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة ، فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد ، فلما لم يقم أحد دعاني ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا حذيفة ، فلم يكن لي بد من القيام إليه حين دعاني ، فقلت : لبيك يا رسول الله وقمت حتى آتيه ، وإن جنبي ليضطربان ، فمسح رأسي ووجهي ، ثم قال : ائت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع إلي ، ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته فأخذت سهمي ، وشددت علي سلاحي ، ثم انطلقت أمشي نحوهم كأنما أمشي في حمام ، فذهبت فدخلت في القوم ، وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا لله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، وأبو سفيان قاعد يصطلي ، فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي فأردت أن أرميه ، ولو رميته لأصبته ، فذكرت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي ، فرددت سهمي في كنانتي . فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، قام فقال : يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو ، فأخذت بيد جليسي فقلت من أنت ، فقال : سبحان الله أما تعرفني أنا فلان بن فلان ، فإذا هو رجل من هوازن .
فقال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا منهم الذي نكره ، ولقينا من هذه الريح ما ترون ، فارتحلوا فإني مرتحل ، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ، ثم ضربه فوثب به على ثلاث ، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم .
قال : فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي ، فلما سلم أخبرته الخبر ، فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل ، قال : فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفاء . [ ص: 331 ] فأدناني النبي - صلى الله عليه وسلم - منه ، وأنامني عند رجليه ، وألقى علي طرف ثوبه ، وألزق صدري ببطن قدميه فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال : قم يا نومان .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ( 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ( 9 ) )
nindex.php?page=treesubj&link=29004_19492_19490 ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) يَقُولُ : أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ لِكَيْ نَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ، يَعْنِي النَّبِيِّينَ عَنْ تَبْلِيغِهِمِ الرِّسَالَةَ . وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِهِمْ ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ صَادِقُونَ ، تَبْكِيتُ مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ .
وَقِيلَ : لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ عَمَلِهِمْ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَقِيلَ : لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ بِأَفْوَاهِهِمْ عَنْ صِدْقِهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ) قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : )
nindex.php?page=treesubj&link=29004_19609_32490_32294 ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) وَذَلِكَ حِينَ حُوصِرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَّامَ
الْخَنْدَقِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ ) يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=29326الْأَحْزَابَ ، وَهُمْ
قُرَيْشٌ ،
وَغَطَفَانُ ،
وَيَهُودُ قُرَيْظَةَ ،
وَالنَّضِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا ) وَهِيَ الصَّبَا ، قَالَ
عِكْرِمَةُ : قَالَتِ الْجَنُوبُ لِلشَّمَالِ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ انْطَلِقِي نَنْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتِ الشَّمَالُ إِنَّ الْحَرَّةَ لَا تَسْرِي بِاللَّيْلِ ، وَكَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الصَّبَا
[ ص: 322 ]
أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا
آدَمُ ، أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ ، عَنِ
الْحَكَمِ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=814733نُصِرْتُ بِالصَّبَا ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ " .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=28736وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَلَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رِيحًا بَارِدَةً فَقَلَعَتِ الْأَوْتَادَ ، وَقَطَعَتْ أَطْنَابَ الْفَسَاطِيطِ ، وَأَطْفَأَتِ النِّيرَانَ ، وَأَكْفَأَتِ الْقُدُورَ ، وَجَالَتِ الْخَيْلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ، وَكَثُرَ تَكْبِيرُ الْمَلَائِكَةِ فِي جَوَانِبَ عَسْكَرِهِمْ حَتَّى كَانَ سَيِّدُ كُلِّ حَيٍّ يَقُولُ : يَا بَنِي فُلَانٍ هَلُمَّ إِلَيَّ ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَالَ : النَّجَاءَ النَّجَاءَ ، لِمَا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الرُّعْبِ فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مَوْلَى
آلِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَعَنْ
الزُّهْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16276وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ : أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ ، مِنْهُمْ
سَلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ ،
وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ،
وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ،
وَهَوْدَةُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبِي عَمَّارٍ الْوَائِلِيُّ ، فِي نَفَرٍ مِنْ
بَنِي النَّضِيرِ وَنَفَرٍ مِنْ
بَنِي وَائِلٍ ، وَهُمُ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى
قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَالُوا : إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ : يَا مَعْشَرَ
يَهُودَ إِنَّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ
وَمُحَمَّدٌ ، فَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ ؟ قَالُوا : بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُمْ ، قَالَ : فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ " ، إِلَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=55وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا " ( النِّسَاءِ 51 - 55 ) .
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ
لِقُرَيْشٍ سَرَّهُمْ مَا قَالُوا وَنَشِطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَجْمَعُوا لِذَلِكَ ، ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنَ الْيَهُودِ حَتَّى جَاءُوا
غَطَفَانَ مِنْ
قَيْسِ غَيْلَانَ ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ
قُرَيْشًا قَدْ بَايَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَجَابُوهُمْ .
فَخَرَجَتْ
قُرَيْشٌ ، وَقَائِدُهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَخَرَجَتْ
غَطَفَانُ ، وَقَائِدُهَا
عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فِي
فَزَارَةَ ،
وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيُّ فِي
بَنِي مُرَّةَ ،
وَمَسْعُودُ بْنُ [ ص: 323 ] رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفٍ فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ
أَشْجَعَ
فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِمَا اجْتَمَعُوا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=30819ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ .
وَكَانَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَنْدَقِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، وَكَانَ nindex.php?page=treesubj&link=31643_30830أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ سَلْمَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ حُرُّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِفَارِسَ إِذَا حُوصِرْنَا خَنْدَقْنَا عَلَيْهَا ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى أَحْكَمُوهُ .
أَخْبَرَنَا
أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13968أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ ، حَدَّثَنَا
كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=815345خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَنْدَقَ عَامَ الْأَحْزَابِ ثُمَّ قَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ، قَالَ : فَاحْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ : سَلْمَانُ مِنَّا ، وَقَالَ الْأَنْصَارُ : سَلْمَانُ مِنَّا ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ " .
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ : كُنْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمَازِنِيُّ وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَحَفَرْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا تَحْتَ ذِي نَابٍ أَخْرَجَ اللَّهُ nindex.php?page=treesubj&link=30820فِي بَطْنِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةَ مَرْوَةٍ كَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا ، فَقُلْنَا : يَا سَلْمَانُ ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ، فَإِمَّا أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا فَإِنَّ الْمَعْدِلَ قَرِيبٌ ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فِيهِ بِأَمْرِهِ فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّهُ ، قَالَ : فَرَقِيَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَتْ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ مَرْوَةٌ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا حَتَّى مَا يَحِيكُ فِيهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ ، فَمُرْنَا فِيهَا بِأَمْرِكَ ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَلْمَانَ الْخَنْدَقَ وَالتِّسْعَةُ عَلَى شَقِّ الْخَنْدَقِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً صَدَّعَهَا وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكْبِيرَ فَتْحٍ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّانِيَةَ وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكْبِيرَ فَتْحٍ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَسَرَهَا ، وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكْبِيرَ فَتْحٍ ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ، فَأَخَذَ بِيَدِ سَلْمَانَ وَرَقِيَ ، فَقَالَ [ ص: 324 ] سَلْمَانُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ : " أَرَأَيْتُمْ مَا يَقُولُ سَلْمَانُ " ؟ قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الْأُولَى فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ الْحَيْرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا ، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ الْحَيْرَةِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا ، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّالِثَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا ، فَأَبْشِرُوا " ، فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ مُوْعِدَ صِدْقٍ ، وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرِ ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ يَعِدُكُمْ وَيُمَنِّيكُمُ الْبَاطِلَ وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يُبْصِرُ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيْرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى ، وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ وَأَنْتُمْ إِنَّمَا تَحْفُرُونَ الْخَنْدَقَ مِنَ الْفَرَقِ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبَرَّزُوا ؟ قَالَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=12وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ " الْآيَةَ ( آلِ عِمْرَانَ - 26 ) .
أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أَخْبَرَنَا
مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ، أَخْبَرَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ
حُمَيْدٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا
الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ ، قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=815347اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ " ، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ :
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِيْنَا أَبَدًا
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ
الْبَرَاءِ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ - أَوِ اغْبَرَّ - وَهُوَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=815348وَاللَّهِ لَوْلَا مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ : أَبَيْنَا أَبَيْنَا .
[ ص: 325 ]
رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ
ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ
قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ
بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ
رُوْمَةَ مِنَ الْجُرُفِ وَالْغَابَةِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ
بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَأَقْبَلَتْ
غَطَفَانُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ
أَهْلِ نَجْدٍ ، حَتَّى نَزَلُوا
بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ
أُحُدٍ ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ ، حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى
سَلْعٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرُهُ
وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ . وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِي فَرُفِعُوا فِي الْآطَامِ .
وَخَرَجَ عَدُوُّ اللَّهِ
حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ مِنْ
بَنِي النَّضِيرِ حَتَّى أَتَى
كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ ، صَاحِبَ عَقْدِ
بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمِهِ وَعَاهَدَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا سَمِعَ
كَعْبٌ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ حِصْنَهُ ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ ، فَنَادَاهُ حُيَيُّ : يَا
كَعْبُ افْتَحْ لِي ، فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا
حُيَيُّ إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْؤُومٌ وَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ
مُحَمَّدًا ، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا . قَالَ : وَيْحَكَ افْتَحْ لِي أُكَلِّمْكَ ، قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ ، قَالَ : وَاللَّهِ إِنْ أَغْلَقْتَ دُونِي إِلَّا عَلَى جَشِيشَتِكَ أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا ، فَأَحْفَظَ الرَّجُلَ ، فَفَتْحَ لَهُ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ
يَا كَعْبُ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ وَبِبَحْرٍ طَامٍّ ، جِئْتُكَ
بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ
بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ
رُومَةَ ،
وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ
بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ
أُحُدٍ ، قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتَّى يَسْتَأْصِلُوا
مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ . قَالَ لَهُ
كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : جِئْتَنِي وَاللَّهِ بَذُلِّ الدَّهْرِ وَبِجَهَامٍ قَدْ هُرَاقَ مَاؤُهُ بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ، فَدَعْنِي
وَمُحَمَّدًا وَمَا أَنَا عَلَيْهِ ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مِنْ
مُحَمَّدٍ إِلَّا صِدْقًا وَوَفَاءً ، فَلَمْ يَزَلْ
حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ بِكَعْبٍ يَفْتِلُهُ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى سَمَحَ لَهُ ، عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ مِنَ اللَّهِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا . لَئِنْ رَجَعَتْ
قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَلَمْ يُصِيبُوا
مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ ، فَنَقَضَ
كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ وَتَبَرَّأَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَبَرُ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، أَحَدَ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ
الْأَوْسِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=228وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَحَدَ
بَنِي سَاعِدَةَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ
الْخَزْرَجِ ، وَمَعَهُمَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَخُو
بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=188وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، أَخُو
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا ، أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ
[ ص: 326 ] حَقًّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ ، وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهُرُوا بِهِ جَهْرًا لِلنَّاسِ ، فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوَهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ مِنْهُمْ ، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا : لَا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
مُحَمَّدٍ وَلَا عَهْدَ ، فَشَاتَمَهُمْ
سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَشَاتَمُوهُ ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّةٌ ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتَهُمْ فَإِنَّ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ
سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا : عَضَلٌ وَالْقَارَةُ ، لِغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَصْحَابِ الرَّجِيعِ :
nindex.php?page=showalam&ids=290خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ; فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
اللَّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ .
وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ ، وَأَتَاهُمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى قَالَ
مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، أَخُو
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : كَانَ
مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ
كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَأَحَدُنَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ ، مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ، وَحَتَّى قَالَ
أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ ، أَحَدُ
بَنِي حَارِثَةَ بْنِ قَيْظِيٍّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَذَلِكَ عَلَى مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ ، فَائْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى دِيَارِنَا فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ مِنَ
الْمَدِينَةِ .
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَرْبٌ إِلَّا الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ وَالْحَصَى .
فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى النَّاسِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502478بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حَفْصٍ ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الصُّلْحُ ، حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=showalam&ids=307لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=228وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ ، فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشِيءٌ أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنَ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ أَمْرٌ تُحِبُّهُ فَتَصْنَعُهُ ، أَمْ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ : لَا بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ ، فَقَالَ لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى شِرْكٍ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً وَاحِدَةً إِلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا ، فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَعَزَّنَا بِكَ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! مَالَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ ، وَاللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَتَنَاوَلَ
سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ ، فَمَحَا مَا فِيهَا مِنَ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ قَالَ : لِيُجْهِدُوا عَلَيْنَا .
[ ص: 327 ]
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ ، وَعَدُوُّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ ، إِلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ
قُرَيْشٍ ، مِنْهُمْ
عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ ، أَخُو
بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=28وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ،
وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيَّانِ ،
وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ،
وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ ،
وَمِرْدَاسٌ أَخُو
بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ، قَدْ تَلَبَّسُوا لِلْقِتَالِ وَخَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ وَمَرُّوا عَلَى
بَنِي كِنَانَةَ فَقَالُوا : تَهَيَّئُوا لِلْحَرْبِ يَا
بَنِي كِنَانَةَ ، فَسَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنِ الْفُرْسَانُ ، ثُمَّ أَقْبَلُوا نَحْوَ
الْخَنْدَقِ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى
الْخَنْدَقِ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا : وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لِمَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا .
ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا مِنَ الْخَنْدَقِ ضَيِّقًا فَضَرَبُوا خُيُولَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ ، فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ ، وَخَرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذُوا عَلَيْهِمُ الثَّغْرَةَ الَّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ ، وَأَقْبَلَتِ الْفُرْسَانُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ ، وَكَانَ
عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَقَاتَلَ يَوْمَ
بَدْرٍ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ، فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلَمًا لِيُرَى مَكَانُهُ ، فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ ، قَالَ لَهُ عَلِيُّ : يَا
عَمْرُو إِنَّكَ كُنْتَ تُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لَا يَدْعُوكَ رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا أَخَذْتَ مِنْهُ إِحْدَاهُمَا ، قَالَ : أَجَلْ ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ ، قَالَ : لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ ، قَالَ : فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ قَالَ : وَلِمَ يَاابْنَ أَخِي ، فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ ، قَالَ
عَلِيٌّ : وَلَكِنِّي وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ ، فَحَمِيَ
عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ ، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَعَقَرَهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى
عَلِيٍّ ، فَتَنَاوَلَا وَتَجَاوَلَا فَقَتَلَهُ
عَلِيٌّ ، فَخَرَجَتْ خَيْلُهُ مُنْهَزِمَةً حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنَ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً ، وَقُتِلَ مَعَ
عَمْرٍو رَجُلَانِ :
مُنَبِّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، أَصَابَهُ سَهْمٌ ، فَمَاتَ مِنْهُ
بِمَكَّةَ ،
وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ فَتَوَرَّطَ فِيهِ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ قَتْلُهُ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ
عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ ، فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَثَمَنِهِ ، فَشَأْنُكُمْ بِهِ ، فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ .
قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : كُنَّا يَوْمَ
الْخَنْدَقِ فِي حِصْنِ
بَنِي حَارِثَةَ ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَتْ
أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَنَا فِي الْحِصْنِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ ، فَمَرَّ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلُّهَا ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ وَهُوَ يَقُولُ :
لَبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ
فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ : الْحَقْ يَا بُنَيَّ فَقَدْ وَاللَّهِ أَجَزْتَ ، قَالَتْ
عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا : يَا أَمَّ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ
[ ص: 328 ] دِرْعَ
سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ ، قَالَتْ : وَخِفْتُ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السَّهْمُ مِنْهُ ، قَالَتْ : فَرُمِيَ
سَعْدٌ يَوْمَئِذَ بِسَهْمٍ ، وَقُطِعَ مِنْهُ الْأَكْحَلُ ، رَمَاهُ
خَبَّابُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ ، أَحَدُ
بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ : خُذْهَا وَأَنَا
ابْنُ الْعَرِقَةِ ، فَقَالَ
سَعْدٌ : عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ ، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ : اللَّهُمَّ أَنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ
قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا ، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَكَ وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ
بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ
عَبَّادٍ قَالَ : كَانَتْ
صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي فَارِعِ ، حِصْنِ
حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَتْ : وَكَانَ حَسَّانُ مَعَنَا فِيهِ ، مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ، قَالَتْ صَفِيَّةُ : فَمَرَّ بِنَا رَجُلٌ مِنَ
الْيَهُودِ فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالْحِصْنِ ، وَقَدْ حَارَبَتْ
بَنُو قُرَيْظَةَ ، فَقَطَعَتْ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنَّا ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا إِلَيْنَا عَنْهُمْ ، إِذْ أَتَانَا آتٍ . قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا
حَسَّانُ ، إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ كَمَا تَرَى ، يَطُوفُ بِالْحِصْنِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَاتِنَا مَنْ وَرَاءِنَا مِنْ يَهُودَ ، وَقَدْ شُغِلَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ، فَقَالَ : يَغْفِرُ اللَّهُ لَكِ يَابْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا ، قَالَتْ : فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا اعْتَجَرْتُ ، ثُمَّ أَخَذْتُ عَمُودًا ، ثُمَّ نَزَلْتُ مِنَ الْحِصْنِ إِلَيْهِ ، فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتَّى قَتَلْتُهُ ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهُ رَجَعْتُ إِلَى الْحِصْنِ ، فَقُلْتُ : يَا
حَسَّانُ انْزِلْ إِلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلْبِهِ إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ ، قَالَ : مَا لِي بِسَلْبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .
قَالُوا : أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ لِتَظَاهُرِ عَدُوِّهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ .
ثُمَّ إِنَّ
نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ
غَطَفَانَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَذِّلْ عَنَّا إِنِ اسْتَطَعْتَ ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ ، فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى
بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا
بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ وَخَاصَّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، قَالُوا : صَدَقْتَ لَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ
قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ جَاءُوا لِحَرْبِ
مُحَمَّدٍ وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ
قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَهَيْئَتِكُمْ ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ بِهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ وَنِسَاؤُكُمُ
[ ص: 329 ] لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَتَحَوَّلُوا مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَإِنَّ
قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ ، أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بَعِيدَةٌ ، إِنْ رَأَوْا نُهْزَةً وَغَنِيمَةً أَصَابُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ ، وَالرَّجُلُ بِبَلَدِكُمْ لَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ إِنْ خَلَا بِكُمْ ، فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَكُمْ
مُحَمَّدًا ، حَتَّى تُنَاجِزُوهُ . قَالُوا : لَقَدْ أَشَرْتَ بِرَأْيٍ وَنُصْحٍ .
ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى
قُرَيْشًا فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12026لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ
قُرَيْشٍ : يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ وَفِرَاقِي
مُحَمَّدًا ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ رَأَيْتُ أَنَّ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أُبْلِغَكُمْ نُصْحًا لَكُمْ ، فَاكْتُمُوا عَلَيَّ ، قَالُوا : نَفْعَلُ ، قَالَ : تَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْشَرَ
يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
مُحَمَّدٍ ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ : أَنْ قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا ، فَهَلْ يُرْضِيكَ عَنَّا أَنْ نَأْخُذَ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ ، مِنْ
قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيَكَهُمْ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمَّ نَكُونَ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ : أَنْ نَعَمْ . فَإِنْ بَعَثَتْ إِلَيْكُمْ
يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا .
ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى
غَطَفَانَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ
غَطَفَانَ ، أَنْتُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَلَا أَرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي ، قَالُوا : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَاكْتُمُوا عَلَيَّ ، قَالُوا : نَفْعَلُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ
لِقُرَيْشٍ وَحَذَّرَهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ ، وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَرْسَلَ
أَبُو سُفْيَانَ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إِلَى
بَنِي قُرَيْظَةَ nindex.php?page=showalam&ids=28عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ
قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، فَقَالُوا لَهُمْ : إِنَّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ ، فَاغْدُوَا لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ
مُحَمَّدًا وَنَفْرُغَ مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ، فَقَالَ
بَنُو قُرَيْظَةَ لَهُمْ : إِنَّ الْيَوْمَ السَّبْتَ ، وَهُوَ يَوْمٌ لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا ، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ ، وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِالَّذِينِ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ ، يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتَّى نُنَاجِزَ
مُحَمَّدًا ، فَإِنَّا نَخْشَى إِنْ ضَرَسَتْكُمُ الْحَرْبُ وَاشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَنْ تَسِيرُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا ، وَالرَّجُلَ فِي بَلَدِنَا ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْ
مُحَمَّدٍ ، فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِالَّذِي قَالَتْ
بَنُو قُرَيْظَةَ ، قَالَتْ
قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ : تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَكُمْ
نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقُّ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى
بَنِي قُرَيْظَةَ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَدْفَعُ إِلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا ، فَقَالَتْ
بَنُو قُرَيْظَةَ حِينَ انْتَهَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِهَذَا : إِنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ
نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقُّ ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا ، فَإِنْ وَجَدُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ ، وَخَلُّوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي بِلَادِكُمْ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى
قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ ، وَخَذَّلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ ، فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ وَتَطْرَحُ آنِيَتَهُمْ .
[ ص: 330 ]
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ دَعَا
حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا .
رَوَى
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17347يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَا قَالَ فَتًى مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ nindex.php?page=showalam&ids=21لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ : يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبْتُمُوهُ ، قَالَ نَعَمْ يَاابْنَ أَخِي ، قَالَ : كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نُجْهَدُ ، فَقَالَ الْفَتَى : وَاللَّهُ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا وَلَخَدَمْنَاهُ ، وَفَعَلْنَا وَفَعَلْنَا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502480فَقَالَ حُذَيْفَةُ : يَاابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ : مَنْ يَقُومُ فَيَذْهَبُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَيَأْتِينَا بِخَبَرِهِمْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ؟ فَمَا قَامَ مِنَّا رَجُلٌ ، ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مِثْلَهُ فَسَكَتَ الْقَوْمُ ، وَمَا قَامَ مِنَّا رَجُلٌ ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ : مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ ، فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ ، فَلَمَّا لَمَّ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌ مِنَ الْقِيَامِ إِلَيْهِ حِينَ دَعَانِي ، فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقُمْتُ حَتَّى آتِيَهُ ، وَإِنَّ جَنْبَيَّ لَيَضْطَرِبَانِ ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَوَجْهِي ، ثُمَّ قَالَ : ائْتِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ حَتَّى تَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِمْ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ فَأَخَذْتُ سَهْمِي ، وَشَدَدْتُ عَلَيَّ سِلَاحِي ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَمْشِي نَحْوَهُمْ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ ، فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ ، وَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لِلَّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً ، وَأَبُو سُفْيَانَ قَاعِدٌ يَصْطَلِي ، فَأَخَذْتُ سَهْمًا فَوَضَعْتُهُ فِي كَبِدِ قَوْسِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ ، فَرَدَدْتُ سَهْمِي فِي كِنَانَتِي . فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَا تَفْعَلُ الرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ بِهِمْ ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً ، قَامَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ جَلِيسِهِ فَلْيَنْظُرْ مَنْ هُوَ ، فَأَخَذْتُ بِيَدِ جَلِيسِي فَقُلْتُ مَنْ أَنْتَ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ .
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَبَلَغَنَا مِنْهُمُ الَّذِي نَكْرَهُ ، وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ ، ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ ، فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ .
قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنِّي أَمْشِي فِي حَمَّامٍ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ، فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ ، قَالَ : فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ وَفَرَغْتُ قَرَرْتُ وَذَهَبَ عَنِّي الدِّفَاءُ . [ ص: 331 ] فَأَدْنَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ ، وَأَنَامَنِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، وَأَلْقَى عَلَيَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ ، وَأَلْزَقَ صَدْرِي بِبَطْنِ قَدَمَيْهِ فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ : قُمْ يَا نَوْمَانُ .