[ ص: 500 ] القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28974_29435_32025ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ( 69 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " ودت " تمنت " طائفة " يعني جماعة " من أهل الكتاب " وهم أهل التوراة من
اليهود ، وأهل الإنجيل من
النصارى " لو يضلونكم " يقولون : لو يصدونكم أيها المؤمنون ، عن الإسلام ، ويردونكم عنه إلى ما هم عليه من الكفر ، فيهلكونكم بذلك .
و " الإضلال " في هذا الموضع ، الإهلاك ، من قول الله - عز وجل - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ) [ سورة السجدة : 10 ] ، يعني : إذا هلكنا ، ومنه قول الأخطل في هجاء
جرير :
كنت القذى في موج أكدر مزبد قذف الأتي به فضل ضلالا
يعنى : هلك هلاكا ، وقول
نابغة بني ذبيان :
فآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل
يعني مهلكوه .
[ ص: 501 ]
" وما يضلون إلا أنفسهم " وما يهلكون - بما يفعلون من محاولتهم صدكم عن دينكم - أحدا غير أنفسهم ، يعني ب " أنفسهم " : أتباعهم وأشياعهم على ملتهم وأديانهم ، وإنما أهلكوا أنفسهم وأتباعهم بما حاولوا من ذلك لاستيجابهم من الله بفعلهم ذلك سخطه ، واستحقاقهم به غضبه ولعنته ، لكفرهم بالله ، ونقضهم الميثاق الذي أخذ الله عليهم في كتابهم ، في اتباع
محمد - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه ، والإقرار بنبوته .
ثم أخبر جل ثناءه عنهم أنهم يفعلون ما يفعلون ، من محاولة صد المؤمنين عن الهدى إلى الضلالة والردى ، على جهل منهم بما الله بهم محل من عقوبته ،
[ ص: 502 ] ومدخر لهم من أليم عذابه ، فقال تعالى ذكره : " وما يشعرون " أنهم لا يضلون إلا أنفسهم ، بمحاولتهم إضلالكم أيها المؤمنون .
ومعنى قوله : " وما يشعرون " وما يدرون ولا يعلمون . وقد بينا تأويل ذلك بشواهده في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته .
[ ص: 500 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28974_29435_32025وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( 69 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - : " وَدَّتْ " تَمَنَّتْ " طَائِفَةٌ " يَعْنِي جَمَاعَةً " مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنَ
الْيَهُودِ ، وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ مِنَ
النَّصَارَى " لَوْ يُضِلُّونَكُمْ " يَقُولُونَ : لَوْ يَصُدُّونَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَيَرُدُّونَكُمْ عَنْهُ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ ، فَيُهْلِكُونَكُمْ بِذَلِكَ .
وَ " الْإِضْلَالُ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، الْإِهْلَاكُ ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) [ سُورَةُ السَّجْدَةِ : 10 ] ، يَعْنِي : إِذَا هَلَكْنَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ فِي هِجَاءِ
جَرِيرٍ :
كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجٍ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ قَذَفَ الْأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالَا
يُعْنَى : هَلَكَ هَلَاكًا ، وَقَوْلُ
نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ :
فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ وَغُودِرَ بِالْجَوْلَانِ حَزْمٌ ونَائِلُ
يَعْنِي مُهْلِكُوهُ .
[ ص: 501 ]
" وَمَا يَضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ " وَمَا يُهْلِكُونَ - بِمَا يَفْعَلُونَ مِنْ مُحَاوَلَتِهِمْ صَدِّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ - أَحَدًا غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ ، يَعْنِي بِ " أَنْفُسِهِمْ " : أَتْبَاعَهُمْ وَأَشْيَاعَهُمْ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ ، وَإِنَّمَا أَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ بِمَا حَاوَلُوا مِنْ ذَلِكَ لِاسْتِيجَابِهِمْ مِنَ اللَّهِ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ سُخْطَهُ ، وَاسْتِحْقَاقِهِمْ بِهِ غَضَبَهُ وَلَعْنَتَهُ ، لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ، وَنَقْضِهِمُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِمْ ، فِي اتِّبَاعِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصْدِيقِهِ ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِهِ .
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاءُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ ، مِنْ مُحَاوَلَةِ صَدِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى ، عَلَى جَهْلٍ مِنْهُمْ بِمَا اللَّهُ بِهِمُ مُحِلٌّ مِنْ عُقُوبَتِهِ ،
[ ص: 502 ] وَمُدَّخِرٌ لَهُمْ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : " وَمَا يَشْعُرُونَ " أَنَّهُمْ لَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ، بِمُحَاوَلَتِهِمْ إِضْلَالَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " وَمَا يَشْعُرُونَ " وَمَا يَدْرُونَ وَلَا يَعْلَمُونَ . وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ .