القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه : ( والتين والزيتون ( 1 ) وطور سينين ( 2 ) وهذا البلد الأمين ( 3 ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( 4 ) ثم رددناه أسفل سافلين ( 5 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ( 6 ) ) .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( والتين والزيتون ) فقال بعضهم : عني بالتين : التين الذي يؤكل ، والزيتون : الزيتون الذي يعصر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قول الله : ( والتين والزيتون ) قال : تينكم هذا الذي يؤكل ، وزيتونكم هذا الذي يعصر .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت الحكم يحدث ، عن عكرمة ، قال : التين : هو التين ، والزيتون : الذي تأكلون .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح ، الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ( والتين والزيتون ) قال : تينكم وزيتونكم .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، قال : سئل عكرمة عن قوله : ( والتين والزيتون ) قال : التين : تينكم هذا ، والزيتون : زيتونكم هذا .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( والتين والزيتون ) قال : التين الذي يؤكل ، والزيتون : الذي يعصر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، [ ص: 502 ] عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جميعا عن وكيع ، سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( والتين والزيتون ) قال : الفاكهة التي تأكل الناس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن عن سلام بن سليم ، خصيف ، عن مجاهد ( والتين والزيتون ) قال : هو تينكم وزيتونكم .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( والتين والزيتون ) قال : التين الذي يؤكل ، والزيتون الذي يعصر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي ( والتين والزيتون ) هو الذي ترون .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن ، في قوله : ( والتين والزيتون ) : التين تينكم ، والزيتون زيتونكم هذا .
وقال آخرون : التين : مسجد دمشق ، والزيتون : بيت المقدس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا عوف ، عن يزيد أبي عبد الله ، عن كعب أنه قال في قول الله : ( والتين والزيتون ) قال : التين : مسجد دمشق ، والزيتون : بيت المقدس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( والتين ) قال : الجبل الذي عليه دمشق ( والزيتون ) : الذي عليه بيت المقدس .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والتين والزيتون ) ذكر لنا أن التين الجبل الذي عليه دمشق ، والزيتون : الذي عليه بيت المقدس .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله : ( والتين والزيتون ) قال : التين : مسجد دمشق ، والزيتون ، مسجد إيلياء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، أبي بكر ، عن عكرمة ( والتين والزيتون ) [ ص: 503 ] قال : هما جبلان .
وقال آخرون : التين : مسجد نوح ، والزيتون : مسجد بيت المقدس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والتين والزيتون ) يعني مسجد نوح الذي بني على الجودي ، والزيتون : بيت المقدس ; قال : ويقال : التين والزيتون وطور سينين : ثلاثة مساجد بالشام .
والصواب من القول في ذلك عندنا : قول من قال : التين : هو التين الذي يؤكل ، والزيتون : هو الزيتون الذي يعصر منه الزيت ؛ لأن ذلك هو المعروف عند العرب ، ولا يعرف جبل يسمى تينا ، ولا جبل يقال له زيتون ، إلا أن يقول قائل : أقسم ربنا جل ثناؤه بالتين والزيتون . والمراد من الكلام : القسم بمنابت التين ، ومنابت الزيتون ، فيكون ذلك مذهبا ، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك دلالة في ظاهر التنزيل ، ولا من قول من لا يجوز خلافه ؛ لأن دمشق بها منابت التين ، وبيت المقدس منابت الزيتون .
وطور سينين ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هو جبل وقوله : ( موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ومسجده .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا قال : ثني أبي ، عن معاذ بن هشام ، قتادة ، عن قزعة ، قال : قلت : إني أريد أن آتي لابن عمر بيت المقدس ( وطور سينين ) فقال : لا تأت طور سينين ، ما تريدون أن تدعوا أثر نبي إلا وطئتموه . قال قتادة ( وطور سينين ) : مسجد موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله :
( طور سينين ) قال : جبل موسى .
قال : ثنا عوف ، عن يزيد أبي عبد الله ، عن كعب ، في قوله : ( وطور سينين ) قال : جبل موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وطور سينين ) قال : هو الطور . [ ص: 504 ]
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وطور سينين ) قال : مسجد الطور .
وقال آخرون : الطور : هو كل جبل ينبت . وقوله ( سينين ) : حسن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمران بن موسى القزاز ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا عمارة ، عن عكرمة ، في قوله : ( وطور سينين ) قال : هو الحسن ، وهي لغة الحبشة ، يقولون للشيء الحسن : سينا سينا .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله ( وطور سينين ) قال : طور : جبل ، وسينين : حسن بالحبشية .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الصباح بن محارب ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : صليت خلف رضي الله عنه المغرب ، فقرأ في أول ركعة ( عمر بن الخطاب والتين والزيتون وطور سينين ) قال : هو جبل .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدث ، عن عكرمة ( وطور سينين ) قال : سواء على نبات السهل والجبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وطور سينين ) قال : الجبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وطور سينين ) : جبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وطور سينين ) الجبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، النضر ، عن عكرمة ، قال : الطور : الجبل ، والسينين : الحسن ، كما ينبت في السهل ، كذلك ينبت في الجبل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي ، أما ( طور سينين ) فهو الجبل ذو الشجر . [ ص: 505 ]
وقال آخرون : هو الجبل ، وقالوا : سينين : مبارك حسن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وطور ) : الجبل و ( سينين ) قال : المبارك .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وطور سينين ) قال : جبل مبارك بالشام .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وطور سينين ) قال : جبل بالشام ، مبارك حسن .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : طور سينين : جبل معروف ؛ لأن الطور هو الجبل ذو النبات ، فإضافته إلى سينين تعريف له ، ولو كان نعتا للطور ، كما قال من قال معناه حسن أو مبارك ، لكان الطور منونا ، وذلك أن الشيء لا يضاف إلى نعته ، لغير علة تدعو إلى ذلك .
وهذا البلد الأمين ) يقول : وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله ، أو يغزوهم . وقيل : الأمين ، ومعناه : الآمن ، كما قال الشاعر : وقوله : (
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني حلفت يمينا لا أخون أميني
يريد : آمني ، وهذا كما قال جل ثناؤه : ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) .
وإنما عني بقوله : ( وهذا البلد الأمين ) : مكة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وهذا البلد الأمين ) قال : مكة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا عوف ، عن يزيد أبي عبد الله ، [ ص: 506 ] عن كعب ، في قول الله ( وهذا البلد الأمين ) قال : البلد الحرام .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله ( وهذا البلد الأمين ) قال : البلد الحرام .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ; وحدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ; وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وهذا البلد الأمين ) قال : مكة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن عن سلام بن سليم ، خصيف ، عن مجاهد : ( وهذا البلد الأمين ) : مكة .
حدثنى يعقوب ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدث عن عكرمة ( وهذا البلد الأمين ) : قال : البلد الحرام .
قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله ( وهذا البلد الأمين ) قال : مكة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وهذا البلد الأمين ) يعني : مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وهذا البلد الأمين ) قال : المسجد الحرام .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( وهذا البلد الأمين ) : مكة .
وقوله : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) وهذا جواب القسم ، يقول تعالى ذكره : والتين والزيتون ، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : وقع القسم هاهنا ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) [ ص: 507 ] فقال بعضهم : معناه : في أعدل خلق ، وأحسن صورة . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ( في أحسن تقويم ) قال : في أعدل خلق .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قال : في أحسن صورة .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( في أحسن تقويم ) قال : خلق .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قال : في أحسن صورة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ( في أحسن تقويم ) يقول : في أحسن صورة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( في أحسن تقويم ) : في أحسن صورة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قال : أحسن خلق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( في أحسن تقويم ) قال : في أحسن خلق .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( في أحسن تقويم ) يقول : في أحسن صورة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، هو والكلبي ( في أحسن تقويم ) قالا : في أحسن صورة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لقد خلقنا الإنسان ، فبلغنا به استواء شبابه وجلده وقوته ، وهو أحسن ما يكون ، وأعدل ما يكون وأقومه . [ ص: 508 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدث ، عن عكرمة ، في قوله : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قال : الشاب القوي الجلد .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قال : شبابه أول ما نشأ .
وقال آخرون : قيل ذلك ؛ لأنه ليس شيء من الحيوان إلا وهو منكب على وجهه غير الإنسان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى ، ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) قال : . خلق كل شيء منكبا على وجهه إلا الإنسان
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن معنى ذلك : لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها ; لأن قوله : ( أحسن تقويم ) إنما هو نعت لمحذوف ، وهو في تقويم أحسن تقويم ، فكأنه قيل : لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم .
ثم رددناه أسفل سافلين ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ثم رددناه إلى أرذل العمر . وقوله : (
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : إلى أرذل العمر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عن حكام بن سلم ، عمرو ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : إلى أرذل العمر .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ثم رددناه أسفل سافلين ) يقول : يرد إلى أرذل العمر ، كبر حتى ذهب عقله ، وهم نفر ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سفهت عقولهم ، فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم . [ ص: 509 ]
حدثني يعقوب ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : ردوا إلى أرذل العمر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل وعبد الرحمن ، قالا : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : إلى أرذل العمر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : رددناه إلى الهرم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الهرم .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدث ، عن عكرمة ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : الشيخ الهرم ، لم يضره كبره إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : في شر صورة في صورة خنزير .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : النار .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إلى النار .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : في النار .
قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : إلى النار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : قال الحسن : جهنم مأواه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : [ ص: 510 ] قال الحسن ، في قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : في النار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : إلى النار .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال : معناه : ثم رددناه إلى أرذل العمر ، إلى عمر الخرفى ؛ الذين ذهبت عقولهم من الهرم والكبر ، فهو في أسفل من سفل في إدبار العمر وذهاب العقل .
وإنما قلنا : هذا القول أولى بالصواب في ذلك ; لأن الله تعالى ذكره ، أخبر عن خلقه ابن آدم ، وتصريفه في الأحوال ، احتجاجا بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت ، ألا ترى أنه يقول : ( فما يكذبك بعد بالدين ) يعني : بعد هذه الحجج .
ومحال أن يحتج على قوم كانوا منكرين معنى من المعاني بما كانوا له منكرين . وإنما الحجة على كل قوم بما لا يقدرون على دفعه ، مما يعاينونه ويحسونه ، أو يقرون به ، وإن لم يكونوا له محسين .
وإذ كان ذلك كذلك ، وكان القوم للنار - التي كان الله يتوعدهم بها في الآخرة - منكرين ، وكانوا لأهل الهرم والخرف من بعد الشباب والجلد شاهدين ، علم أنه إنما احتج عليهم بما كانوا له معاينين ، من تصريفه خلقه ، ونقله إياهم من حال التقويم الحسن والشباب والجلد إلى الهرم والضعف وفناء العمر ، وحدوث الخرف .
وقوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) اختلف أهل التأويل في معنى هذا الاستثناء ، فقال بعضهم : هو استثناء صحيح من قوله ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قالوا : وإنما جاز استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وهم جمع من الهاء في قوله ( ثم رددناه ) وهي كناية الإنسان ، والإنسان في لفظ واحد ؛ لأن الإنسان وإن كان في لفظ واحد ، فإنه في معنى الجمع ؛ لأنه بمعنى الجنس ، كما قيل : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) قالوا : وكذلك جاز أن يقال : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) فيضاف أفعل إلى جماعة ، وقالوا : ولو كان مقصودا به قصد واحد بعينه ، لم يجز ذلك ، كما لا يقال : هذا أفضل قائمين ، ولكن يقال : هذا أفضل قائم
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن سعيد بن سابق ، عن عاصم الأحول ، [ ص: 511 ] عن عكرمة ، قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر ، ثم قرأ : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال : لا يكون حتى لا يعلم من بعد علم شيئا ، فعلى هذا التأويل قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) لخاص من الناس غير داخل فيهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ؛ لأنه مستثنى منهم .
وقال آخرون : بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد يدخلون في الذين ردوا إلى أسفل سافلين ؛ لأن أرذل العمر قد يرد إليه المؤمن والكافر . قالوا : وإنما استثنى قوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) من معنى مضمر في قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قالوا : ومعناه : ثم رددناه أسفل سافلين ، فذهبت عقولهم وخرفوا ، وانقطعت أعمالهم ، فلم تثبت لهم بعد ذلك حسنة ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإن الذي كانوا يعملونه من الخير ، في حال صحة عقولهم ، وسلامة أبدانهم ، جار لهم بعد هرمهم وخرفهم .
وقد يحتمل أن يكون قوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) استثناء منقطعا ؛ لأنه يحسن أن يقال : ثم رددناه أسفل سافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، لهم أجر غير ممنون ، بعد أن يرد أسفل سافلين .
ذكر من قال معنى هذا القول :
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، ابن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) قال : فأيما رجل كان يعمل عملا صالحا وهو قوي شاب ، فعجز عنه ، جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) يقول : إذا كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها ، ثم كبر حتى ذهب عقله ، كتب له مثل عمله الصالح الذي كان يعمل في شبيبته ، ولم يؤاخذ بشيء مما عمل في كبره ، وذهاب عقله من أجل أنه مؤمن ، وكان يطيع الله في شبيبته .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) قال : إلى أرذل العمر ، فإذا بلغ المؤمن إلى أرذل العمر ، كتب له كأحسن ما كان يعمل في شبابه وصحته ، فهو قوله : [ ص: 512 ] ( فلهم أجر غير ممنون ) .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإنه يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل في الصحة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عن حماد بن أبي سليمان ، إبراهيم ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال : إذا بلغ من الكبر ما يعجز عن العمل ، كتب له ما كان يعمل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإنه يكتب لهم حسناتهم ويتجاوز لهم عن سيئاتهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن أبي رزين عن ابن عباس ( ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال : هم الذين أدركهم الكبر ، لا يؤاخذون بعمل عملوه في كبرهم ، وهم هرمى لا يعقلون .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) قال : يوفيه الله أجره أو عمله ، ولا يؤاخذه إذا رد إلى أرذل العمر .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت الحكم يحدث ، عن عكرمة ( ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال : الشيخ الهرم لم يضره كبره إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال : من أدركه الهرم ، وكان يعمل صالحا ، كان له مثل أجره إذا كان يعمل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم رددناه أسفل سافلين في جهنم ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير ممنون ، فعلى هذا التأويل : إلا الذين آمنوا [ ص: 513 ] وعملوا الصالحات مستثنون من الهاء في قوله : ( ثم رددناه ) ، وجاز استثناؤهم منها إذ كانت كناية للإنسان ، وهو بمعنى الجمع ، كما قال : ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا ) : إلا من آمن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) : في النار ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال الحسن : هي كقوله : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة ، قول من قال : معناه : ثم رددناه إلى أرذل العمر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال صحتهم وشبابهم ، فلهم أجر غير ممنون بعد هرمهم ، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم ، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة لما وصفنا من الدلالة على صحة القول بأن تأويل قوله : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) إلى أرذل العمر .
اختلفوا في تأويل قوله : ( غير ممنون ) فقال بعضهم : معناه : لهم أجر غير منقوص .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فلهم أجر غير ممنون ) يقول : غير منقوص .
وقال آخرون : بل معناه : غير محسوب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( فلهم أجر غير ممنون ) : غير محسوب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . [ ص: 514 ]
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فلهم أجر غير ممنون ) قال : غير محسوب .
قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ( فلهم أجر غير ممنون ) قال : غير محسوب .
وقد قيل : إن معنى ذلك : فلهم أجر غير مقطوع .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : فلهم أجر غير منقوص ، كما كان له أيام صحته وشبابه ، وهو عندي من قولهم : جبل منين : إذا كان ضعيفا ; ومنه قول الشاعر :
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف
يعني : أنه ليس فيه نقص ، ولا خطأ .