القول في عبس وتولى ( 1 ) أن جاءه الأعمى ( 2 ) وما يدريك لعله يزكى ( 3 ) أو يذكر فتنفعه الذكرى ( 4 ) ) . تأويل قوله تعالى : (
يعني تعالى ذكره بقوله : ( عبس ) قبض وجهه تكرها ، ( وتولى ) يقول : وأعرض ( أن جاءه الأعمى ) يقول : لأن جاءه الأعمى . وقد ذكر عن بعض القراء أنه كان يطول الألف ويمدها من ( أن جاءه ) فيقول : ( آن جاءه ) ، وكأن معنى الكلام كان عنده : أأن جاءه الأعمى ؟ عبس وتولى ، كما قرأ من قرأ : ( أن كان ذا مال وبنين ) بمد الألف من " أن " وقصرها .
وذكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الآية ، هو عوتب النبي صلى الله عليه وسلم بسببه . ابن أم مكتوم ،
ذكر الأخبار الواردة بذلك
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : ثنا أبي ، عن مما عرضه عليه هشام بن عروة عروة ، عن عائشة قالت : عبس وتولى ) في قالت : أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : أرشدني ، قالت : وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين ، قالت : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ، ويقبل على الآخر ويقول : " أترى بما أقوله بأسا ؟ فيقول : لا ففي هذا أنزلت : ( ابن أم مكتوم عبس وتولى ) . أنزلت (
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام [ ص: 218 ] وكان يتصدى لهم كثيرا ، ويعرض عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له والعباس بن عبد المطلب ، يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله بن أم مكتوم ، عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال : يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبس في وجهه وتولى ، وكره كلامه ، وأقبل على الآخرين; فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، ثم خفق برأسه ، ثم أنزل الله : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) ، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه ، وقال له : " ما حاجتك ، هل تريد من شيء؟ " وإذا ذهب من عنده قال له : " هل لك حاجة في شيء؟ " وذلك لما أنزل الله : ( أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، هشام ، عن أبيه ، قال : نزلت في ( ابن أم مكتوم عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( أن جاءه الأعمى ) قال : رجل من بني فهر ، يقال له : . ابن أم مكتوم
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) عبد الله بن زائدة ، وهو ابن أم مكتوم ، وجاءه يستقرئه ، وهو يناجي أمية بن خلف ، رجل من علية قريش ، فأعرض عنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه ما تسمعون : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) إلى قوله : ( فأنت عنه تلهى ) ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرتين على المدينة في غزوتين غزاهما يصلي بأهلها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء ، وعليه درع له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم ابن أم مكتوم أبي بن خلف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله عليه : ( عبس وتولى ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه [ ص: 219 ] قال أنس : فرأيته يوم القادسية عليه درع ، ومعه راية سوداء .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( عبس وتولى ) تصدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من مشركي قريش كثير المال ، ورجا أن يؤمن ، وجاء رجل من الأنصار أعمى يقال له : فجعل يسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكرهه نبي الله صلى الله عليه وسلم وتولى عنه ، وأقبل على الغني ، فوعظ الله نبيه ، فأكرمه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلفه على عبد الله بن أم مكتوم ، المدينة مرتين في غزوتين غزاهما .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله عز وجل : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائده يبصر ، وهو لا يبصر ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قائده يكف ، ابن أم مكتوم يدفعه ولا يبصر; قال : حتى عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاتبه الله في ذلك ، فقال : ( وابن أم مكتوم عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى ) إلى قوله : ( فأنت عنه تلهى ) قال جاء ابن زيد : كان يقال : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئا ، كتم هذا عن نفسه ، قال : وكان يتصدى لهذا الشريف في جاهليته رجاء أن يسلم ، وكان عن هذا يتلهى .
وقوله : ( وما يدريك لعله يزكى ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا محمد لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يزكى : يقول : يتطهر من ذنوبه .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( لعله يزكى ) يسلم .
وقوله : ( أو يذكر فتنفعه الذكرى ) يقول : أو يتذكر فتنفعه الذكرى : يعني : يعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ ، والقراءة على رفع : ( فتنفعه ) عطفا به على قوله : ( يذكر ) ، وقد روي عن عاصم النصب فيه والرفع ، والنصب على أن تجعله جوابا بالفاء للفعل ، كما قال الشاعر :
عل صروف الدهر أو دولاتها يدلننا اللمة من لماتها [ ص: 220 ] فتستريح النفس من زفراتها
وتنقع الغلة من غلاتها
" وتنقع " يروى بالرفع والنصب .