القول في إن للمتقين مفازا ( 31 ) تأويل قوله تعالى : ( حدائق وأعنابا ( 32 ) وكواعب أترابا ( 33 ) وكأسا دهاقا ( 34 ) لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ( 35 ) ) .
يقول : إن للمتقين منجى من النار إلى الجنة ، ومخلصا منها لهم إليها ، وظفرا بما طلبوا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد [ ص: 170 ] ( إن للمتقين مفازا ) قال : فازوا بأن نجوا من النار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن للمتقين مفازا ) إي والله مفازا من النار إلى الجنة ، ومن عذاب الله إلى رحمته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إن للمتقين مفازا ) قال : مفازا من النار إلى الجنة .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن للمتقين مفازا ) يقول : منتزها .
وقوله : ( حدائق ) والحدائق : ترجمة وبيان عن المفاز ، وجاز أن يترجم عنه ، لأن المفاز مصدر من قول القائل : فاز فلان بهذا الشيء ، إذا طلبه فظفر به ، فكأنه قيل : إن للمتقين ظفرا بما طلبوا من حدائق وأعناب ، والحدائق : جمع حديقة ، وهي البساتين من النخل والأعناب والأشجار المحوط عليها الحيطان المحدقة بها ، لإحداق الحيطان بها تسمى الحديقة حديقة ، فإن لم تكن الحيطان بها محدقة ، لم يقل لها حديقة ، وإحداقها بها : اشتمالها عليها .
وقوله : ( وأعنابا ) يعني : وكروم أعناب ، واستغنى بذكر الأعناب عن ذكر الكروم .
وقوله : ( وكواعب أترابا ) يقول : ونواهد في سن واحدة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكواعب ) يقول : ونواهد . وقوله : ( أترابا ) يقول : مستويات .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكواعب أترابا ) يعني : النساء المستويات .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( وكواعب أترابا ) قال : نواهد أترابا ، يقول : لسن واحدة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ثم وصف ما في الجنة [ ص: 171 ] قال : ( حدائق وأعنابا ) ( وكواعب أترابا ) يعني بذلك النساء أترابا لسن واحدة .
حدثني عباس بن محمد ، قال : ثنا حجاج ، عن قال : الكواعب : النواهد . ابن جريج ،
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وكواعب أترابا ) قال : الكواعب : التي قد نهدت وكعب ثديها ، وقال : أترابا : مستويات ، فلانة تربة فلانة ، قال : الأتراب : اللدات .
حدثنا نصر بن علي ، قال : ثنا يحيى بن سليمان ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( وكواعب أترابا ) لدات .
وقوله : ( وكأسا دهاقا ) يقول : وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء ، وأصله من الدهق : وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدة وعنف ، وكذلك الكأس الدهاق : متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مروان ، قال : ثنا أبو يزيد يحيى بن ميسرة ، عن مسلم بن نسطاس ، قال : قال ابن عباس لغلامه : اسقني دهاقا ، قال : فجاء بها الغلام ملأى ، فقال ابن عباس : هذا الدهاق .
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا موسى بن عمير ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : ملأى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، أخبرني عن سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، قال : سمعت عمرو بن دينار ، ابن عباس يسأل عن ( كأسا دهاقا ) قال : دراكا ، قال يونس : قال ابن وهب : الذي يتبع بعضه بعضا .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكأسا دهاقا ) يقول : ممتلئا .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا قال : ثنا ابن علية ، حميد الطويل ، عن ثابت البناني ، عن أبي رافع ، عن في قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : دمادم . [ ص: 172 ] أبي هريرة ،
قال ثنا قال : ثنا ابن علية ، أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : ملأى .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن يونس ، عن الحسن ( وكأسا دهاقا ) قال : الملأى .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( وكأسا دهاقا ) قال : ملأى .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، ابن أبي عدي ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا عن ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، قتادة ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : مترعة ملأى .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وكأسا دهاقا ) قال : الدهاق : الملأى المترعة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : الدهاق : الممتلئة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( كأسا دهاقا ) قال : الدهاق المملوءة .
وقال آخرون : الدهاق : الصافية .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن يحيى الأزدي وعباس بن محمد ، قالا ثنا حجاج ، عن قال : ثنا ابن جريج ، عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : صافية .
وقال آخرون : بل هي المتتابعة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال سعيد بن جبير في قوله : ( وكأسا دهاقا ) دهاقا : المتتابعة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، [ ص: 173 ] قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : المتتابع .
حدثنا عمرو بن عبدالحميد ، قال : ثنا جرير ، عن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : الملأى المتتابعة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( وكأسا دهاقا ) قال : المتتابعة .
وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) يقول تعالى ذكره : لا يسمعون في الجنة لغوا ، يعني باطلا من القول ، ولا كذابا ، يقول : ولا مكاذبة ، أي لا يكذب بعضهم بعضا ، وقرأت القراء في الأمصار بتشديد الذال على ما بينت في قوله : ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) سوى الكسائي فإنه خففها لما وصفت قبل ، والتشديد أحب إلي من التخفيف ، وبالتشديد القراءة ، ولا أرى قراءة ذلك بالتخفيف لإجماع الحجة من القراء على خلافه ، ومن التخفيف قول الأعشى :
فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( لغوا ولا كذابا ) قال : باطلا وإثما .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) قال : وهي كذلك ليس فيها لغو ولا كذاب .