يقول عز ذكره : وما نرسل رسلنا إلا ليبشروا أهل الإيمان والتصديق بالله بجزيل ثوابه في الآخرة ، ولينذروا أهل الكفر به والتكذيب ، عظيم عقابه ، وأليم عذابه ، فينتهوا عن الشرك بالله ، وينزجروا عن الكفر به ومعاصيه ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ) يقول : ويخاصم الذين كذبوا بالله ورسوله بالباطل ، ذلك كقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا عن حديث فتية ذهبوا في أول الدهر لم يدر ما شأنهم ، وعن الرجل الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وعن الروح ، وما أشبه ذلك مما كانوا يخاصمونه به ، يبتغون إسقاطه ، تعنيتا له صلى الله عليه وسلم ، فقال الله لهم : إنا لسنا نبعث إليكم رسلنا للجدال والخصومات ، وإنما نبعثهم مبشرين أهل الإيمان بالجنة ، ومنذرين أهل الكفر بالنار ، وأنتم تجادلونهم بالباطل طلبا منكم بذلك أن تبطلوا الحق الذي جاءكم به رسولي ، وعنى بقوله : ( ليدحضوا به الحق ) ليبطلوا به الحق ويزيلوه ويذهبوا به . يقال منه : دحض الشيء : إذا زال وذهب ، ويقال : هذا مكان دحض : أي مزل مزلق لا يثبت فيه خف ولا حافر ولا قدم ، ومنه قول الشاعر :
رديت ونجى اليشكري حذاره وحاد كما حاد البعير عن الدحض
[ ص: 51 ]ويروى : ونحى ، وأدحضته أنا : إذا أذهبته وأبطلته .
وقوله : ( واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ) يقول : واتخذوا الكافرون بالله حججه التي احتج بها عليهم ، وكتابه الذي أنزله إليهم ، والنذر التي أنذرهم بها سخريا يسخرون بها ، يقولون : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) .