القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( الله ) .
قال
أبو جعفر : وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28971تأويل قول الله تعالى ذكره "الله " ، فإنه على معنى ما روي لنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس - : هو الذي يألهه كل شيء ، ويعبده كل خلق .
[ ص: 123 ]
141 - وذلك أن
أبا كريب حدثنا ، قال : حدثنا
عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا
بشر بن عمارة ، قال : حدثنا
أبو روق ، عن
الضحاك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، قال : "الله " ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين .
فإن قال لنا قائل : فهل لذلك في "فعل ويفعل " أصل كان منه بناء هذا الاسم ؟
قيل : أما سماعا من
العرب فلا ولكن استدلالا .
فإن قال : وما دل على أن الألوهية هي العبادة ، وأن الإله هو المعبود ، وأن له أصلا في "فعل ويفعل " .
قيل : لا تمانع بين
العرب في الحكم لقول القائل - يصف رجلا بعبادة ، وبطلب ما عند الله جل ذكره : "تأله فلان " - بالصحة ولا خلاف . ومن ذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تألهي
يعني : من تعبدي وطلبي الله بعملي .
ولا شك أن "التأله " ، التفعل من : "أله يأله " ، وأن معنى "أله " - إذا نطق به : - عبد الله . وقد جاء منه مصدر يدل على أن
العرب قد نطقت منه ب "فعل يفعل " بغير زيادة .
142 - وذلك ما حدثنا به
سفيان بن وكيع ، قال حدثنا أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17194نافع بن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
ابن عباس : أنه قرأ " ويذرك وآلهتك " سورة الأعراف : 127 قال : عبادتك ، ويقال : إنه كان يعبد ولا يعبد .
[ ص: 124 ]
143 - حدثنا
سفيان ، قال : حدثنا
ابن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
محمد بن عمرو بن الحسن ، عن
ابن عباس : ( ويذرك وآلهتك ) ، قال : إنما كان فرعون يعبد ولا يعبد
وكذلك كان
عبد الله يقرؤها
ومجاهد .
144 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين بن داود ، قال : أخبرني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد : قوله " ويذرك وآلهتك " قال : وعبادتك ولا شك أن الإلاهة - على ما فسره
ابن عباس ومجاهد - مصدر من قول القائل : أله الله فلان إلاهة ، كما يقال : عبد الله فلان عبادة ، وعبر الرؤيا عبارة . فقد بين قول
ابن عباس ومجاهد هذا : أن "أله " عبد ، وأن "الإلاهة " مصدره .
فإن قال : فإن كان جائزا أن يقال لمن عبد الله : ألهه - على تأويل قول
ابن عباس ومجاهد - فكيف الواجب في ذلك أن يقال ، إذا أراد المخبر الخبر عن استيجاب الله ذلك على عبده ؟
[ ص: 125 ]
قيل : أما الرواية فلا رواية فيه عندنا ، ولكن الواجب - على قياس ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي : -
145 - حدثنا به
إسماعيل بن الفضل ، حدثنا
إبراهيم بن العلاء ، قال : حدثنا
إسماعيل بن عياش ، عن
إسماعيل بن يحيى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ، عمن حدثه عن
ابن مسعود -
nindex.php?page=showalam&ids=17074ومسعر بن كدام ، عن
عطية العوفي ، عن
أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن عيسى أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم اكتب "الله " فقال له عيسى : "أتدري ما الله ؟ الله إله الآلهة " .
- أن يقال ، الله جل جلاله أله العبد ، والعبد ألهه . وأن يكون قول القائل "الله " - من كلام
العرب أصله "الإله " .
فإن قال : وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ، مع اختلاف لفظيهما ؟
قيل : كما جاز أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا هو الله ربي ) [ سورة الكهف : 38 ] أصله : لكن أنا ، هو الله ربي ، كما قال الشاعر :
وترمينني بالطرف ، أي أنت مذنب وتقلينني ، لكن إياك لا أقلي
يريد : لكن أنا إياك لا أقلي ، فحذف الهمزة من "أنا " فالتقت نون "أنا " "ونون "لكن " وهي ساكنة ، فأدغمت في نون "أنا " فصارتا نونا مشددة . فكذلك "الله " أصله "الإله " ، أسقطت الهمزة التي هي فاء الاسم ، فالتقت اللام التي هي عين الاسم ، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة وهي ساكنة ، فأدغمت في
[ ص: 126 ] الأخرى التي هي عين الاسم ، فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة ، كما وصفنا من قول الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا هو الله ربي ) .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( اللَّهِ ) .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28971تَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ "اللَّهِ " ، فَإِنَّهُ عَلَى مَعْنَى مَا رُوِيَ لَنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - : هُوَ الَّذِي يَأْلَهُهُ كُلُّ شَيْءٍ ، وَيَعْبُدُهُ كُلُّ خَلْقٍ .
[ ص: 123 ]
141 - وَذَلِكَ أَنَّ
أَبَا كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : "اللَّهِ " ذُو الْأُلُوهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ .
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : فَهَلْ لِذَلِكَ فِي "فَعَلَ وَيَفْعَلُ " أَصْلٌ كَانَ مِنْهُ بِنَاءُ هَذَا الِاسْمِ ؟
قِيلَ : أَمَّا سَمَاعًا مِنْ
الْعَرَبِ فَلَا وَلَكِنِ اسْتِدْلَالًا .
فَإِنْ قَالَ : وَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ هِيَ الْعِبَادَةُ ، وَأَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَعْبُودُ ، وَأَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي "فَعَلَ وَيَفْعَلُ " .
قِيلَ : لَا تَمَانُعَ بَيْنَ
الْعَرَبِ فِي الْحُكْمِ لِقَوْلِ الْقَائِلِ - يَصِفُ رَجُلًا بِعِبَادَةٍ ، وَبِطَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : "تَأَلَّهَ فَلَانٌ " - بِالصِّحَّةِ وَلَا خِلَافَ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15876رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ :
لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي
يَعْنِي : مِنْ تَعَبُّدِي وَطَلَبِي اللَّهَ بِعَمَلِي .
وَلَا شَكَّ أَنَّ "التَّأَلُّهَ " ، التَّفَعُّلَ مِنْ : "أَلَهَ يَأْلَهُ " ، وَأَنَّ مَعْنَى "أَلَهَ " - إِذَا نُطِقَ بِهِ : - عَبَدَ اللَّهَ . وَقَدْ جَاءَ مِنْهُ مَصْدَرٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْعَرَبَ قَدْ نَطَقَتْ مِنْهُ بِ "فَعَلَ يَفْعَلُ " بِغَيْرِ زِيَادَةٍ .
142 - وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ
سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17194نَافِعِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16666عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ قَرَأَ " وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ " سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 127 قَالَ : عِبَادَتَكَ ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ كَانَ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ .
[ ص: 124 ]
143 - حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16666عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) ، قَالَ : إِنَّمَا كَانَ فِرْعَوْنُ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ
وَكَذَلِكَ كَانَ
عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَؤُهَا
وَمُجَاهِدٌ .
144 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : قَوْلُهُ " وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ " قَالَ : وَعِبَادَتَكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِلَاهَةَ - عَلَى مَا فَسَّرَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ - مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : أَلَهَ اللَّهَ فُلَانٌ إِلَاهَةً ، كَمَا يُقَالُ : عَبَدَ اللَّهَ فُلَانٌ عِبَادَةً ، وَعَبَرَ الرُّؤْيَا عِبَارَةً . فَقَدْ بَيَّنَ قَوْلُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ هَذَا : أَنَّ "أَلَهَ " عَبَدَ ، وَأَنَّ "الْإِلَاهَةَ " مَصْدَرُهُ .
فَإِنْ قَالَ : فَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يُقَالَ لِمَنْ عَبَدَ اللَّهَ : أَلَهَهُ - عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ - فَكَيْفَ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ ، إِذَا أَرَادَ الْمُخْبِرُ الْخَبَرَ عَنِ اسْتِيجَابِ اللَّهِ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِهِ ؟
[ ص: 125 ]
قِيلَ : أَمَّا الرِّوَايَةُ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عِنْدَنَا ، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ - عَلَى قِيَاسِ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي : -
145 - حَدَّثَنَا بِهِ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ -
nindex.php?page=showalam&ids=17074وَمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ
عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنَّ عِيسَى أَسْلَمَتْهُ أُمُّهُ إِلَى الْكُتَّابِ لِيُعَلِّمَهُ فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ اكْتُبْ "اللَّهَ " فَقَالَ لَهُ عِيسَى : "أَتَدْرِي مَا اللَّهُ ؟ اللَّهُ إِلَهُ الْآلِهَةِ " .
- أَنْ يُقَالَ ، اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ أَلَهَ الْعَبْدَ ، وَالْعَبْدُ أَلَهَهُ . وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ "اللَّهِ " - مِنْ كَلَامِ
الْعَرَبِ أَصْلُهُ "الْإِلَهُ " .
فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، مَعَ اخْتِلَافِ لَفْظَيْهِمَا ؟
قِيلَ : كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) [ سُورَةُ الْكَهْفِ : 38 ] أَصْلُهُ : لَكِنَّ أَنَا ، هُوَ اللَّهُ رَبِّي ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
وَتَرْمِينَنِي بِالطَّرْفِ ، أَيْ أَنْتَ مُذْنِبٌ وَتَقْلِينَنِي ، لَكِنَّ إِيَّاكِ لَا أَقْلِي
يُرِيدُ : لَكِنَّ أَنَا إِيَّاكِ لَا أَقْلِي ، فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ مِنْ "أَنَا " فَالْتَقَتْ نُونُ "أَنَا " "وَنُونُ "لَكِنْ " وَهِيَ سَاكِنَةٌ ، فَأُدْغِمَتْ فِي نُونِ "أَنَا " فَصَارَتَا نُونًا مُشَدَّدَةً . فَكَذَلِكَ "اللَّهُ " أَصْلُهُ "الْإِلَهُ " ، أُسْقِطَتِ الْهَمْزَةُ الَّتِي هِيَ فَاءُ الِاسْمِ ، فَالْتَقَتِ اللَّامُ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الِاسْمِ ، وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ الَّتِي دَخَلَتْ مَعَ الْأَلِفِ الزَّائِدَةِ وَهِيَ سَاكِنَةٌ ، فَأُدْغِمَتْ فِي
[ ص: 126 ] الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ عَيْنُ الِاسْمِ ، فَصَارَتَا فِي اللَّفْظِ لَامًا وَاحِدَةً مُشَدَّدَةً ، كَمَا وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) .