[ ص: 155 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "يا أهل الكتاب" اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نزلت هذه الآية . وذلك أنهم أو : بعضهم فيما ذكر لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به وبما جاءهم به من عند الله ، قالوا : ما بعث الله من نبي بعد موسى ، ولا أنزل بعد التوراة كتابا!
11616 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن يونس بن بكير ، محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة ، وعقبة بن وهب لليهود : يا معشر اليهود ، اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله! لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، وتصفونه لنا بصفته! فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهودا ما قلنا هذا لكم ، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده! فأنزل الله عز وجل في [ ذلك من ] قولهما "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير" . [ ص: 156 ]
ويعني بقوله جل ثناؤه : "فقد جاءكم رسولنا" ، قد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم رسولنا "يبين لكم" ، يقول : يعرفكم الحق ، ويوضح لكم أعلام الهدى ، ويرشدكم إلى دين الله المرتضى ، كما : -
11617 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء بالفرقان الذي فرق الله به بين الحق والباطل ، فيه بيان الله ونوره وهداه ، وعصمة لمن أخذ به .
"على فترة من الرسل" ، يقول : على انقطاع من الرسل و"الفترة" في هذا الموضع الانقطاع يقول : قد جاءكم رسولنا يبين لكم الحق والهدى ، على انقطاع من الرسل .
و"الفترة" "الفعلة" من قول القائل : "فتر هذا الأمر يفتر فتورا" ، وذلك إذا هدأ وسكن . وكذلك "الفترة" في هذا الموضع معناها : السكون ، يراد به سكون مجيء الرسل ، وذلك انقطاعها .
ثم اختلف أهل التأويل في قدر مدة تلك الفترة ، فاختلف في الرواية في ذلك عن قتادة . فروى معمر عنه ما : -
11618 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "على فترة من الرسل" قال : كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة . [ ص: 157 ]
وروى عنه ما : - سعيد بن أبي عروبة
11619 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما ، ذكر لنا أنها كانت ستمائة سنة ، أو ما شاء من ذلك ، والله أعلم .
11620 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن أصحابه قوله : " قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " ، قال : كان بين عيسى ومحمد صلى لله عليهما خمسمائة سنة وأربعون سنة قال معمر ، قال قتادة : خمسمائة سنة وستون سنة .
وقال آخرون بما : -
11621 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "على فترة من الرسل" ، قال : كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما أربعمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة .
ويعني بقوله : "أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير" أن لا تقولوا ، وكي لا تقولوا ، كما قال جل ثناؤه : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) [ سورة النساء : 176 ] ، بمعنى : أن لا تضلوا ، وكي لا تضلوا .
فمعنى الكلام : قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ، كي لا تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير . يعلمهم عز ذكره أنه قد قطع عذرهم برسوله صلى الله عليه وسلم ، وأبلغ إليهم في الحجة . [ ص: 158 ]
ويعني ب"البشير" المبشر من أطاع الله وآمن به وبرسوله ، وعمل بما أتاه من عند الله بعظيم ثوابه في آخرته وب"النذير" ، المنذر من عصاه وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل بغير ما أتاه من عند الله من أمره ونهيه بما لا قبل له به من أليم عقابه في معاده ، وشديد عذابه في قيامته .