قال أبو جعفر : يعني تبارك وتعالى بذلك : والله له تصريف ما في السماوات والأرض وما بينهما يعني : وما بين السماء والأرض يهلك من يشاء من ذلك ويبقي ما يشاء منه ، ويوجد ما أراد ويعدم ما أحب ، لا يمنعه من شيء أراد من ذلك مانع ، ولا يدفعه عنه دافع ، ينفذ فيهم حكمه ، ويمضي فيهم قضاءه لا المسيح الذي إن أراد إهلاكه ربه وإهلاك أمه لم يملك دفع ما أراد به ربه من ذلك .
يقول جل وعز : كيف يكون إلها يعبد من كان عاجزا عن دفع ما أراد به غيره من السوء ، وغير قادر على صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله المعبود الذي له ملك كل شيء ، وبيده تصريف كل من في السماء والأرض وما بينهما .
فقال جل ثناؤه : "وما بينهما" ، وقد ذكر"السماوات" بلفظ الجمع ، ولم يقل : "وما بينهن" ، لأن المعنى : وما بين هذين النوعين من الأشياء ، كما قال الراعي :
[ ص: 149 ]
طرقا ، فتلك هماهمي ، أقريهما قلصا لواقح كالقسي وحولا
فقال : "طرقا" مخبرا عن شيئين ، ثم قال : "فتلك هماهمي" ، فرجع إلى معنى الكلام .
وقوله : "يخلق ما يشاء" ، يقول جل ثناؤه : وينشئ ما يشاء ويوجده ، ويخرجه من حال العدم إلى حال الوجود ، ولن يقدر على ذلك غير الله الواحد القهار . وإنما يعني بذلك أن له تدبير السماوات والأرض وما بينهما وتصريفه ، وإفناءه وإعدامه ، وإيجاد ما يشاء مما هو غير موجود ولا منشإ . يقول : فليس ذلك لأحد سواي ، فكيف زعمتم ، أيها الكذبة ، أن المسيح إله ، وهو لا يطيق شيئا من ذلك ، بل لا يقدر على دفع الضرر عن نفسه ولا عن أمه ، ولا اجتلاب نفع إليها إلا بإذني؟