القول في ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) تأويل قوله تعالى : (
قال أبو جعفر : والذي رغب الله في وصله وذم على قطعه في هذه الآية : الرحم . وقد بين ذلك في كتابه ، فقال تعالى : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) [ سورة محمد : 22 ] . وإنما عنى بالرحم ، أهل الرحم الذين جمعتهم وإياه رحم والدة واحدة . وقطع ذلك : ظلمه في ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها ، وأوجب من برها . ووصلها : أداء الواجب لها إليها من حقوق الله التي أوجب لها ، والتعطف عليها بما يحق التعطف به عليها .
" وأن " التي مع " يوصل " في محل خفض ، بمعنى ردها على موضع الهاء التي في " به " : فكان معنى الكلام : ويقطعون الذي أمر الله بأن يوصل . والهاء التي في " به " هي كناية عن ذكر " أن يوصل " وبما قلنا في تأويل قوله : " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " وأنه الرحم ، كان قتادة يقول : [ ص: 416 ]
574 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة .
وقد تأول بعضهم ذلك : أن الله ذمهم بقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به وأرحامهم . واستشهد على ذلك بعموم ظاهر الآية ، وأن لا دلالة على أنه معني بها بعض ما أمر الله وصله دون بعض .
قال أبو جعفر : وهذا مذهب من تأويل الآية غير بعيد من الصواب ، ولكن الله جل ثناؤه قد ذكر المنافقين في غير آية من كتابه ، فوصفهم بقطع الأرحام . فهذه نظيرة تلك ، غير أنها - وإن كانت كذلك - فهي دالة على ذم الله كل قاطع قطع ما أمر الله بوصله ، رحما كانت أو غيرها .