[ ص: 466 ] ( وأن إلى ربك المنتهى ( 42 ) وأنه هو أضحك وأبكى ( 43 ) وأنه هو أمات وأحيا ( 44 ) وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ( 45 ) من نطفة إذا تمنى ( 46 ) وأن عليه النشأة الأخرى ( 47 ) وأنه هو أغنى وأقنى ( 48 ) وأنه هو رب الشعرى ( 49 ) وأنه أهلك عادا الأولى ( 50 ) وثمود فما أبقى ( 51 ) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ( 52 ) والمؤتفكة أهوى ( 53 ) فغشاها ما غشى ( 54 ) فبأي آلاء ربك تتمارى ( 55 ) )
يقول تعالى [ مخبرا ] ( وأن إلى ربك المنتهى ) أي : المعاد يوم القيامة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ، حدثنا سويد بن سعيد ، عن مسلم بن خالد عبد الرحمن بن سابط ، عن عمرو بن ميمون الأودي قال : قام فينا معاذ بن جبل فقال : يا بني أود ، إني رسول الله إليكم ، تعلمون أن المعاد إلى الله ، إلى الجنة أو إلى النار .
وذكر البغوي من رواية ، عن أبي جعفر الرازي الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( وأن إلى ربك المنتهى ) ، قال : لا فكرة في الرب .
قال البغوي : وهذا مثل ما روي عن مرفوعا : " أبي هريرة تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق ، فإنه لا تحيط به الفكرة " .
كذا أورده ، وليس بمحفوظ بهذا اللفظ ، وإنما الذي في الصحيح : " . يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته "
وفي الحديث الآخر الذي في السنن : " ، فإن الله خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة ثلاثمائة سنة " تفكروا في مخلوقات الله ، ولا تفكروا في ذات الله أو كما قال .
وأنه هو أضحك وأبكى ) أي : خلق في عباده الضحك ، والبكاء وسببهما وهما مختلفان . وقوله : (
( وأنه هو أمات وأحيا ) ، كقوله : ( الذي خلق الموت والحياة ) [ الملك : 2 ] ، ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ) [ ص: 467 ] ، كقوله : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) [ القيامة : 36 - 40 ] . .
وأن عليه النشأة الأخرى ) أي : كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة ، وهي النشأة الآخرة يوم القيامة . ( وقوله : ( وأنه هو أغنى وأقنى ) أي : ملك عباده المال ، وجعله لهم قنية مقيما عندهم ، لا يحتاجون إلى بيعه ، فهذا تمام النعمة عليهم . وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين ، منهم أبو صالح ، ، وغيرهما . وعن وابن جرير مجاهد : ( أغنى ) : مول ، ( وأقنى ) : أخدم . وكذا قال قتادة .
وقال ابن عباس ومجاهد أيضا : ( أغنى ) : أعطى ، ( وأقنى ) : رضى .
وقيل : معناه : أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه ، قاله الحضرمي بن لاحق .
وقيل : ( أغنى ) من شاء من خلقه و ) وأقنى ) : أفقر من شاء منهم ، قاله ابن زيد . حكاهما ابن جرير وهما بعيدان من حيث اللفظ .
وقوله : ( وأنه هو رب الشعرى ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن زيد ، وغيرهم : هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له : " مرزم الجوزاء " كانت طائفة من العرب يعبدونه .
( وأنه أهلك عادا الأولى ) وهم : قوم هود . ويقال لهم : عاد بن إرم بن سام بن نوح ، كما قال تعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) [ الفجر : 6 - 8 ] ، فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله وعلى رسوله ، فأهلكهم الله ( بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) [ الحاقة : 6 ، 7 ] .
وقوله : ( وثمود فما أبقى ) ، أي : دمرهم فلم يبق منهم أحدا ، ( وقوم نوح من قبل ) أي : من قبل هؤلاء ، ( إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ) أي : أشد تمردا من الذين من بعدهم ، ( والمؤتفكة أهوى ) يعني مدائن لوط ، قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها ، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود ; ولهذا قال : ( فغشاها ما غشى ) يعني : من الحجارة التي أرسلها عليهم ( وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ) [ الشعراء : 173 ] .
قال قتادة : كان في مدائن لوط أربعة آلاف ألف إنسان ، فانضرم عليهم الوادي شيئا من نار ونفط وقطران كفم الأتون . رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن ، عن محمد بن وهب بن عطية ، عن الوليد بن مسلم خليد ، عنه به . وهو غريب جدا .
[ ص: 468 ] ( فبأي آلاء ربك تتمارى ) أي : ففي أي نعم الله عليك أيها الإنسان تمتري ؟ قاله قتادة .
وقال : ( ابن جريج فبأي آلاء ربك تتمارى ) يا محمد . والأول أولى ، وهو اختيار ابن جرير .