[ ص: 92 ] تفسير سورة الفرقان وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28996تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ( 2 ) ) .
يقول تعالى حامدا نفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القرآن العظيم ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات [ أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا ] ) [ الكهف : 1 - 3 ] وقال هاهنا : ( تبارك ) وهو تفاعل من البركة المستقرة الدائمة الثابتة (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1الذي نزل الفرقان ) نزل : فعل ، من التكرر ، والتكثر ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ) [ النساء : 136 ] ; لأن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28864والقرآن نزل منجما مفرقا مفصلا آيات بعد آيات ، وأحكاما بعد أحكام ، وسورا بعد سور ، وهذا أشد وأبلغ ، وأشد اعتناء بمن أنزل عليه كما قال في أثناء هذه السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=32وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا . ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) [ الفرقان : 32 ، 33 ] . ولهذا سماه هاهنا الفرقان; لأنه يفرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، والحلال والحرام .
وقوله : ( على عبده ) : هذه صفة مدح وثناء; لأنه أضافه إلى عبوديته ، كما وصفه بها في أشرف أحواله ، وهي ليلة الإسراء ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ] ، وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) [ الجن : 19 ] ، وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه ، فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1ليكون للعالمين نذيرا ) أي : إنما خصه بهذا الكتاب العظيم المبين المفصل المحكم الذي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] ، الذي جعله فرقانا عظيما - إنما خصه به ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء ، ويستقل على الغبراء ، كما قال - صلوات الله وسلامه عليه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=820001 " بعثت إلى الأحمر والأسود " . وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822280 " أعطيت خمسا لم [ ص: 93 ] يعطهن أحد من الأنبياء قبلي " ، فذكر منهن : أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=820798 " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة " ، وقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض [ لا إله إلا هو ] يحيي ويميت ) [ الأعراف : 158 ] أي : الذي أرسلني هو مالك السماوات والأرض ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، وهو الذي يحيي ويميت ، وهكذا قال هاهنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ) ، فنزه نفسه عن الولد ، وعن الشريك .
ثم أخبر أنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) أي : كل شيء مما سواه مخلوق مربوب ، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ، وكل شيء تحت قهره [ وتسخيره ] ، وتدبيره وتقديره .
[ ص: 92 ] تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28996تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ( 2 ) ) .
يَقُولُ تَعَالَى حَامِدًا نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى مَا نَزَّلَهُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ] ) [ الْكَهْفِ : 1 - 3 ] وَقَالَ هَاهُنَا : ( تَبَارَكَ ) وَهُوَ تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ الدَّائِمَةِ الثَّابِتَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ) نَزَّلَ : فَعَّلَ ، مِنَ التَّكَرُّرِ ، وَالتَّكَثُّرِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ) [ النِّسَاءِ : 136 ] ; لِأَنَّ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ كَانَتْ تَنْزِلُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ،
nindex.php?page=treesubj&link=28864وَالْقُرْآنُ نَزَلَ مُنَجَّمًا مُفَرَّقاً مُفَصَّلًا آيَاتٍ بَعْدَ آيَاتٍ ، وَأَحْكَامًا بَعْدَ أَحْكَامٍ ، وَسُورًا بَعْدَ سُوَرٍ ، وَهَذَا أَشَدُّ وَأَبْلَغُ ، وَأَشَدُّ اعْتِنَاءً بِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=32وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا . وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ) [ الْفَرْقَانِ : 32 ، 33 ] . وَلِهَذَا سَمَّاهُ هَاهُنَا الْفُرْقَانَ; لِأَنَّهُ يَفْرِقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ .
وَقَوْلُهُ : ( عَلَى عَبْدِهِ ) : هَذِهِ صِفَةُ مَدْحٍ وَثَنَاءٍ; لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ ، كَمَا وَصَفَهُ بِهَا فِي أَشْرَفِ أَحْوَالِهِ ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 1 ] ، وَكَمَا وَصَفَهُ بِذَلِكَ فِي مَقَامِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ) [ الْجِنِّ : 19 ] ، وَكَذَلِكَ وَصَفَهُ عِنْدَ إِنْزَالِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ وَنُزُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ ، فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) أَيْ : إِنَّمَا خَصَّهُ بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ الْمُبِينِ الْمُفَصَّلِ الْمُحْكَمِ الَّذِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حُمَيْدٍ ) [ فُصِّلَتْ : 42 ] ، الَّذِي جَعَلَهُ فُرْقَانًا عَظِيمًا - إِنَّمَا خَصَّهُ بِهِ لِيَخُصَّهُ بِالرِّسَالَةِ إِلَى مَنْ يَسْتَظِلُّ بِالْخَضْرَاءِ ، وَيَسْتَقِلُّ عَلَى الْغَبْرَاءِ ، كَمَا قَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=820001 " بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ " . وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=822280 " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ [ ص: 93 ] يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي " ، فَذَكَرَ مِنْهُنَّ : أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=820798 " كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً " ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ] يُحْيِي وَيُمِيتُ ) [ الْأَعْرَافِ : 158 ] أَيِ : الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ ، وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) ، فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ الْوَلَدِ ، وَعَنِ الشَّرِيكِ .
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) أَيْ : كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ ، وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَإِلَهُهُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ [ وَتَسْخِيرِهِ ] ، وَتَدْبِيرِهِ وَتَقْدِيرِهِ .