قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى اللام متعلقة بالمعنى الذي دل عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ولله ما في السماوات وما في الأرض كأنه قال : هو مالك ذلك يهدي من يشاء ويضل من يشاء ليجزي المحسن
[ ص: 98 ] بإحسانه والمسيء بإساءته . وقيل : لله ما في السماوات وما في الأرض معترض في الكلام ; والمعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ليجزي . وقيل : هي لام العاقبة ، أي : ولله ما في السماوات وما في الأرض ; أي وعاقبة أمر الخلق أن يكون فيهم مسيء ومحسن ; فللمسيء السوأى وهي جهنم ، وللمحسن الحسنى وهي الجنة .
nindex.php?page=treesubj&link=29024قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش هذا نعت للمحسنين ; أي هم لا يرتكبون كبائر الإثم وهو الشرك ; لأنه أكبر الآثام . وقرأ
الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( كبير ) على التوحيد وفسره
ابن عباس بالشرك . والفواحش الزنى : وقال
مقاتل : كبائر الإثم كل ذنب ختم بالنار والفواحش كل ذنب فيه الحد . وقد مضى في ( النساء ) القول في هذا . ثم استثنى استثناء منقطعا وهي
المسألة الثانية : فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إلا اللمم وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه . وقد اختلف في معناها ; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : اللمم كل ما دون الزنى . وذكر
مقاتل بن سليمان : أن هذه الآية نزلت في
رجل كان يسمى نبهان التمار ; كان له حانوت يبيع فيه تمرا ، فجاءته امرأة تشتري منه تمرا فقال لها : إن داخل الدكان ما هو خير من هذا ، فلما دخلت راودها فأبت وانصرفت فندم نبهان ; فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع ; فقال : لعل زوجها غاز فنزلت هذه الآية ، وقد مضى في آخر " هود " وكذا قال
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري [ ص: 99 ] وحذيفة ومسروق : إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة . وروى
مسروق عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : زنى العينين النظر ، وزنى اليدين البطش ، وزنى الرجلين المشي ، وإنما يصدق ذلك أو يكذبه الفرج ; فإن تقدم كان زنى وإن تأخر كان لمما . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=866264عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه . والمعنى : أن الفاحشة العظيمة والزنى التام الموجب للحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة هو في الفرج وغيره له حظ من الإثم . والله أعلم .
وفي رواية
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866265كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه . خرجه
مسلم . وقد ذكر
الثعلبي حديث
طاوس عن
ابن عباس فذكر فيه الأذن واليد والرجل ، وزاد فيه بعد العينين واللسان :
وزنى الشفتين القبلة . فهذا قول . وقال
ابن عباس أيضا : هو الرجل يلم بذنب ثم يتوب . قال : ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :
إن يغفر الله يغفر جما وأي عبد لك لا ألما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار عن
عطاء عن
ابن عباس . قال
النحاس : هذا أصح ما قيل فيه وأجلها إسنادا . وروى
شعبة عن
منصور عن
مجاهد عن
ابن عباس في قول الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إلا اللمم قال : هو أن يلم العبد بالذنب ثم لا يعاوده ; قال الشاعر [ أمية بن أبي الصلت ] : إن تغفر اللهم تغفر جما
وأي عبد لك لا ألما وكذا قال
مجاهد والحسن : هو الذي يأتي الذنب ثم لا يعاوده ، ونحوه عن
الزهري ، قال : اللمم أن يزني ثم يتوب فلا يعود ، وأن يسرق أو يشرب الخمر ثم يتوب فلا يعود . ودليل هذا التأويل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم الآية .
[ ص: 100 ] ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم فضمن لهم المغفرة ; كما قال عقيب اللمم :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إن ربك واسع المغفرة فعلى هذا التأويل يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إلا اللمم استثناء متصلا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص : اللمم ما دون الشرك . وقيل : اللمم الذنب بين الحدين وهو ما لم يأت عليه حد في الدنيا ، ولا توعد عليه بعذاب في الآخرة تكفره الصلوات الخمس ؛ قاله
ابن زيد وعكرمة والضحاك وقتادة . ورواه
العوفي nindex.php?page=showalam&ids=14152والحكم بن عتيبة عن
ابن عباس . وقال
الكلبي : اللمم على وجهين : كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة ; فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس ما لم يبلغ الكبائر والفواحش ، والوجه الآخر : هو الذنب العظيم يلم به الإنسان المرة بعد المرة فيتوب منه . وعن
ابن عباس أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت : هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم به . وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : إنما كنتم بالأمس تعملون معنا فنزلت ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وابنه ; وهو كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف . وقيل : اللمم هو أن يأتي بذنب لم يكن له بعادة ; قاله
نفطويه . قال : والعرب تقول ما يأتينا إلا لماما ; أي في الحين بعد الحين . قال : ولا يكون أن يلم ولا يفعل ، لأن العرب لا تقول : ألم بنا إلا إذا فعل الإنسان لا إذا هم ولم يفعله . وفي الصحاح : وألم الرجل من اللمم وهو صغائر الذنوب ، ويقال : هو مقاربة المعصية من غير مواقعة . وأنشد غير
الجوهري :
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
وقل إن تملينا فما ملك القلب
أي : اقرب .
وقال
عطاء بن أبي رباح : اللمم عادة النفس الحين بعد الحين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : هو ما ألم على القلب ; أي خطر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية : كل ما هممت به من خير أو شر فهو لمم . ودليل هذا التأويل قوله عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866268إن للشيطان لمة وللملك لمة الحديث . وقد مضى في " البقرة " عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268الشيطان يعدكم الفقر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416أبو إسحاق الزجاج : أصل اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان المرة بعد المرة ولا يتعمق فيه ولا يقيم عليه ; يقال : ألممت به إذا زرته وانصرفت عنه ، ويقال : ما فعلته إلا لمما وإلماما ; أي : الحين بعد الحين . وإنما زيارتك إلمام ، ومنه إلمام الخيال ; قال
الأعشى :
ألم خيال من قتيلة بعدما وهى حبلها من حبلنا فتصرما
[ ص: 101 ] وقيل : إلا بمعنى الواو . وأنكر هذا
الفراء وقال : المعنى إلا المتقارب من صغار الذنوب . وقيل : اللمم النظرة التي تكون فجأة .
قلت : هذا فيه بعد إذ هو معفو عنه ابتداء غير مؤاخذ به ; لأنه يقع من غير قصد واختيار ، وقد مضى في " النور " بيانه . واللمم أيضا طرف من الجنون ، ورجل ملموم أي به لمم . ويقال أيضا : أصابت فلانا لمة من الجن وهي المس والشيء القليل ; قال الشاعر :
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن إلا كلمة حالم بخيال
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إن ربك واسع المغفرة لمن تاب من ذنبه واستغفر ; قاله
ابن عباس . وقال
أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل وكان من أفاضل أصحاب
ابن مسعود : رأيت في المنام كأني دخلت الجنة فإذا قباب مضروبة ، فقلت : لمن هذه ؟ فقالوا :
لذي الكلاع وحوشب ، وكانا ممن قتل بعضهم بعضا ، فقلت : وكيف ذلك ؟ فقالوا : إنهما لقيا الله فوجداه واسع المغفرة . فقال
أبو خالد : بلغني أن
ذا الكلاع أعتق اثني عشر ألف بنت .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم من أنفسكم
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إذ أنشأكم من الأرض يعني أباكم
آدم من الطين وخرج اللفظ على الجمع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي أبو عبد الله : وليس هو كذلك عندنا ، بل وقع الإنشاء على التربة التي رفعت من الأرض ، وكنا جميعا في تلك التربة وفي تلك الطينة ، ثم خرجت من الطينة المياه إلى الأصلاب مع ذرو النفوس على اختلاف هيئتها ، ثم استخرجها من صلبها على اختلاف الهيئات ; منهم كالدر يتلألأ ، وبعضهم أنور من بعض ، وبعضهم أسود كالحممة ، وبعضهم أشد سوادا من بعض ; فكان الإنشاء واقعا علينا وعليه .
حدثنا
عيسى بن حماد العسقلاني قال : حدثنا
بشر بن بكر ، قال : حدثنا
الأوزاعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عرض علي الأولون والآخرون بين يدي حجرتي هذه الليلة فقال قائل : يا رسول الله ، ومن مضى من الخلق ؟ قال : نعم ، عرض علي آدم فمن دونه فهل كان خلق أحد قالوا : ومن في أصلاب الرجال وبطون الأمهات ؟ قال : نعم ، مثلوا في الطين فعرفتهم كما علم آدم الأسماء كلها .
[ ص: 102 ] قلت : - وقد تقدم في أول ( الأنعام ) - أن كل إنسان يخلق من طين البقعة التي يدفن فيها .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32وإذ أنتم أجنة جمع جنين وهو الولد ما دام في البطن ، سمي جنينا لاجتنانه واستتاره . قال
عمرو بن كلثوم :
هجان اللون لم تقرأ جنينا
وقال
مكحول : كنا أجنة في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط وكنا فيمن بقي ، ثم صرنا رضعا فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي ، ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك ، وكنا فيمن بقي ثم صرنا شبابا فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي ، ثم صرنا شيوخا - لا أبا لك ! - فما بعد هذا ننتظر ؟ ! .
وروى
ابن لهيعة عن
الحارث بن يزيد عن
ثابت بن الحارث الأنصاري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866270كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبي صغير : هو صديق ; فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض إلى آخرها . ونحوه عن
عائشة : كان اليهود ، بمثله .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فلا تزكوا أنفسكم أي لا تمدحوها ولا تثنوا عليها ، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هو أعلم بمن اتقى أي أخلص العمل واتقى عقوبة الله ; عن
الحسن وغيره . قال
الحسن : قد علم الله سبحانه كل نفس ما هي عاملة ، وما هي صانعة ، وإلى ما هي صائرة . وقد مضى في ( النساء ) الكلام في معنى هذه الآية عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=49ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم فتأمله هناك . وقال
ابن عباس : ما من أحد من هذه الأمة أزكيه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله تعالى أعلم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ كَأَنَّهُ قَالَ : هُوَ مَالِكُ ذَلِكَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ لِيَجْزِيَ الْمُحْسِنَ
[ ص: 98 ] بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ . وَقِيلَ : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مُعْتَرِضٌ فِي الْكَلَامِ ; وَالْمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى لِيَجْزِيَ . وَقِيلَ : هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ ، أَيْ : وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ; أَيْ وَعَاقِبَةُ أَمْرِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُسِيءٌ وَمُحْسِنٌ ; فَلِلْمُسِيءِ السُّوأَى وَهِيَ جَهَنَّمُ ، وَلِلْمُحْسِنِ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ .
nindex.php?page=treesubj&link=29024قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ هَذَا نَعْتٌ لِلْمُحْسِنِينَ ; أَيْ هُمْ لَا يَرْتَكِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَهُوَ الشِّرْكُ ; لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْآثَامِ . وَقَرَأَ
الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ( كَبِيرَ ) عَلَى التَّوْحِيدِ وَفَسَّرَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ بِالشِّرْكِ . وَالْفَوَاحِشُ الزِّنَى : وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : كَبَائِرُ الْإِثْمِ كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِالنَّارِ وَالْفَوَاحِشُ كُلُّ ذَنْبٍ فِيهِ الْحَدُّ . وَقَدْ مَضَى فِي ( النِّسَاءِ ) الْقَوْلُ فِي هَذَا . ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا وَهِيَ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِلَّا اللَّمَمَ وَهِيَ الصَّغَائِرُ الَّتِي لَا يَسْلَمُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا ; فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ : اللَّمَمُ كُلُّ مَا دُونَ الزِّنَى . وَذَكَرَ
مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى نَبْهَانَ التَّمَّارَ ; كَانَ لَهُ حَانُوتٌ يَبِيعُ فِيهِ تَمْرًا ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَشْتَرِي مِنْهُ تَمْرًا فَقَالَ لَهَا : إِنَّ دَاخِلَ الدُّكَّانِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ، فَلَمَّا دَخَلَتْ رَاوَدَهَا فَأَبَتْ وَانْصَرَفَتْ فَنَدِمَ نَبْهَانُ ; فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا مِنْ شَيْءٍ يَصْنَعُهُ الرَّجُلُ إِلَّا وَقَدْ فَعَلْتُهُ إِلَّا الْجِمَاعَ ; فَقَالَ : لَعَلَّ زَوْجَهَا غَازٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ " هُودٍ " وَكَذَا قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ [ ص: 99 ] وَحُذَيْفَةُ وَمَسْرُوقٌ : إِنَّ اللَّمَمَ مَا دُونَ الْوَطْءِ مِنَ الْقُبْلَةِ وَالْغَمْزَةِ وَالنَّظْرَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ . وَرَوَى
مَسْرُوقٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : زِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَى الْيَدَيْنِ الْبَطْشُ ، وَزِنَى الرِّجْلَيْنِ الْمَشْيُ ، وَإِنَّمَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ ; فَإِنْ تَقَدَّمَ كَانَ زِنًى وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ لَمَمًا . وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=866264عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْفَاحِشَةَ الْعَظِيمَةَ وَالزِّنَى التَّامَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ فِي الْفَرْجِ وَغَيْرُهُ لَهُ حَظٌّ مِنَ الْإِثْمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي رِوَايَةِ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866265كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ . خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ . وَقَدْ ذَكَرَ
الثَّعْلَبِيُّ حَدِيثَ
طَاوُسٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ فِيهِ الْأُذُنَ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ ، وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ الْعَيْنَيْنِ وَاللِّسَانِ :
وَزِنَى الشَّفَتَيْنِ الْقُبْلَةُ . فَهَذَا قَوْلٌ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا : هُوَ الرَّجُلُ يُلِمُّ بِذَنْبٍ ثُمَّ يَتُوبُ . قَالَ : أَلَمْ تَسْمَعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ :
إِنْ يَغْفِرِ اللَّهُ يَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16666عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ
عَطَاءٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ
النَّحَّاسُ : هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَجَلُّهَا إِسْنَادًا . وَرَوَى
شُعْبَةُ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِلَّا اللَّمَمَ قَالَ : هُوَ أَنْ يُلِمَّ الْعَبْدُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ ; قَالَ الشَّاعِرُ [ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ ] : إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا
وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا وَكَذَا قَالَ
مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ : هُوَ الَّذِي يَأْتِي الذَّنْبَ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ ، وَنَحْوُهُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : اللَّمَمُ أَنْ يَزْنِيَ ثُمَّ يَتُوبَ فَلَا يَعُودُ ، وَأَنْ يَسْرِقَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ ثُمَّ يَتُوبَ فَلَا يَعُودُ . وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=135وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ الْآيَةَ .
[ ص: 100 ] ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=136أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ فَضَمِنَ لَهُمُ الْمَغْفِرَةَ ; كَمَا قَالَ عَقِيبَ اللَّمَمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِلَّا اللَّمَمَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : اللَّمَمُ مَا دُونَ الشِّرْكِ . وَقِيلَ : اللَّمَمُ الذَّنْبُ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَهُوَ مَا لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِعَذَابٍ فِي الْآخِرَةِ تُكَفِّرُهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ؛ قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ . وَرَوَاهُ
الْعَوْفِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14152وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : اللَّمَمُ عَلَى وَجْهَيْنِ : كُلُّ ذَنْبٍ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا وَلَا عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ ; فَذَلِكَ الَّذِي تُكَفِّرُهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : هُوَ الذَّنْبُ الْعَظِيمُ يُلِمُّ بِهِ الْإِنْسَانُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَيَتُوبُ مِنْهُ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : هُوَ مَا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ : إِنَّمَا كُنْتُمْ بِالْأَمْسِ تَعْمَلُونَ مَعَنَا فَنَزَلَتْ ، وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ . وَقِيلَ : اللَّمَمُ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَنْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِعَادَةٍ ; قَالَهُ
نِفْطَوَيْهِ . قَالَ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ مَا يَأْتِينَا إِلَّا لِمَامًا ; أَيْ فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ . قَالَ : وَلَا يَكُونُ أَنْ يُلِمَّ وَلَا يَفْعَلَ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ : أَلَمَّ بِنَا إِلَّا إِذَا فَعَلَ الْإِنْسَانُ لَا إِذَا هَمَّ وَلَمْ يَفْعَلْهُ . وَفِي الصِّحَاحِ : وَأَلَمَّ الرَّجُلُ مِنَ اللَّمَمِ وَهُوَ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ ، وَيُقَالُ : هُوَ مُقَارَبَةُ الْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ مُوَاقَعَةٍ . وَأَنْشَدَ غَيْرُ
الْجَوْهَرِيُّ :
بِزَيْنَبَ أَلْمِمْ قَبْلَ أَنْ يَرْحَلَ الرَّكْبُ
وَقُلْ إِنْ تَمَلِّينَا فَمَا مَلَّكِ الْقَلْبُ
أَيِ : اقْرَبْ .
وَقَالَ
عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : اللَّمَمُ عَادَةُ النَّفْسِ الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : هُوَ مَا أَلَمَّ عَلَى الْقَلْبِ ; أَيْ خَطَرَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12691مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ : كُلُّ مَا هَمَمْتَ بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ لَمَمٌ . وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866268إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً الْحَدِيثَ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَةِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ : أَصْلُ اللَّمَمِ وَالْإِلْمَامِ مَا يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَلَا يَتَعَمَّقُ فِيهِ وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهِ ; يُقَالُ : أَلْمَمْتُ بِهِ إِذَا زُرْتُهُ وَانْصَرَفْتُ عَنْهُ ، وَيُقَالُ : مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا لَمَمًا وَإِلْمَامًا ; أَيِ : الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ . وَإِنَّمَا زِيَارَتُكَ إِلْمَامٌ ، وَمِنْهُ إِلْمَامُ الْخَيَالِ ; قَالَ
الْأَعْشَى :
أَلَمَّ خَيَالٌ مِنْ قُتَيْلَةَ بَعْدَمَا وَهَى حَبْلُهَا مِنْ حَبْلِنَا فَتَصَرَّمَا
[ ص: 101 ] وَقِيلَ : إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ . وَأَنْكَرَ هَذَا
الْفَرَّاءُ وَقَالَ : الْمَعْنَى إِلَّا الْمُتَقَارِبَ مِنْ صِغَارِ الذُّنُوبِ . وَقِيلَ : اللَّمَمُ النَّظْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فَجْأَةً .
قُلْتُ : هَذَا فِيهِ بُعْدٌ إِذْ هُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ ; لِأَنَّهُ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ ، وَقَدْ مَضَى فِي " النُّورِ " بَيَانُهُ . وَاللَّمَمُ أَيْضًا طَرَفٌ مِنَ الْجُنُونِ ، وَرَجُلٌ مَلْمُومٌ أَيْ بِهِ لَمَمٌ . وَيُقَالُ أَيْضًا : أَصَابَتْ فُلَانًا لَمَّةٌ مِنَ الْجِنِّ وَهِيَ الْمَسُّ وَالشَّيْءُ الْقَلِيلُ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
فَإِذَا وَذَلِكَ يَا كُبَيْشَةَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا كَلَمَّةِ حَالِمٍ بِخَيَالِ
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ وَاسْتَغْفَرَ ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَالَ
أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ
ابْنِ مَسْعُودٍ : رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا قِبَابٌ مَضْرُوبَةٌ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذِهِ ؟ فَقَالُوا :
لِذِي الْكَلَاعِ وَحَوْشَبٍ ، وَكَانَا مِمَّنْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَقُلْتُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ فَقَالُوا : إِنَّهُمَا لَقِيَا اللَّهَ فَوَجَدَاهُ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ . فَقَالَ
أَبُو خَالِدٍ : بَلَغَنِي أَنَّ
ذَا الْكَلَاعِ أَعْتَقَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ بِنْتٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يَعْنِي أَبَاكُمْ
آدَمَ مِنَ الطِّينِ وَخَرَجَ اللَّفْظُ عَلَى الْجَمْعِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا ، بَلْ وَقَعَ الْإِنْشَاءُ عَلَى التُّرْبَةِ الَّتِي رُفِعَتْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَكُنَّا جَمِيعًا فِي تِلْكَ التُّرْبَةِ وَفِي تِلْكَ الطِّينَةِ ، ثُمَّ خَرَجَتْ مِنَ الطِّينَةِ الْمِيَاهُ إِلَى الْأَصْلَابِ مَعَ ذَرْوِ النُّفُوسِ عَلَى اخْتِلَافِ هَيْئَتِهَا ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ صُلْبِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْهَيْئَاتِ ; مِنْهُمْ كَالدُّرِّ يَتَلَأْلَأُ ، وَبَعْضُهُمْ أَنْوَرُ مِنْ بَعْضٍ ، وَبَعْضُهُمْ أَسْوَدُ كَالْحُمَمَةِ ، وَبَعْضُهُمْ أَشَدُّ سَوَادًا مِنْ بَعْضٍ ; فَكَانَ الْإِنْشَاءُ وَاقِعًا عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ .
حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
عُرِضَ عَلَيَّ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بَيْنَ يَدَيْ حُجْرَتِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنْ مَضَى مِنَ الْخَلْقِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، عُرِضَ عَلَيَّ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ فَهَلْ كَانَ خُلِقَ أَحَدٌ قَالُوا : وَمَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَبُطُونِ الْأُمَّهَاتِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، مُثِّلُوا فِي الطِّينِ فَعَرَفْتُهُمْ كَمَا عُلِّمَ آدَمُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا .
[ ص: 102 ] قُلْتُ : - وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ ( الْأَنْعَامِ ) - أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يُخْلَقُ مِنْ طِينِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُدْفَنُ فِيهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ جَمْعُ جَنِينٍ وَهُوَ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ ، سُمِّيَ جَنِينًا لِاجْتِنَانِهِ وَاسْتِتَارِهِ . قَالَ
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ :
هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا
وَقَالَ
مَكْحُولٌ : كُنَّا أَجِنَّةً فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا فَسَقَطَ مِنَّا مَنْ سَقَطَ وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ ، ثُمَّ صِرْنَا رُضَّعًا فَهَلَكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ ، ثُمَّ صِرْنَا يَفَعَةً فَهَلَكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ ، وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ ثُمَّ صِرْنَا شَبَابًا فَهَلَكَ مِنَّا مَنْ هَلَكَ وَكُنَّا فِيمَنْ بَقِيَ ، ثُمَّ صِرْنَا شُيُوخًا - لَا أَبَا لَكَ ! - فَمَا بَعْدَ هَذَا نَنْتَظِرُ ؟ ! .
وَرَوَى
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866270كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا هَلَكَ لَهُمْ صَبِيٌّ صَغِيرٌ : هُوَ صِدِّيقٌ ; فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كَذَبَتْ يَهُودُ مَا مِنْ نَسَمَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِلَّا أَنَّهُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ : nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى آخِرِهَا . وَنَحْوُهُ عَنْ
عَائِشَةَ : كَانَ الْيَهُودُ ، بِمِثْلِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ أَيْ لَا تَمْدَحُوهَا وَلَا تُثْنُوا عَلَيْهَا ، فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى أَيْ أَخْلَصَ الْعَمَلَ وَاتَّقَى عُقُوبَةَ اللَّهِ ; عَنِ
الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ . قَالَ
الْحَسَنُ : قَدْ عَلَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا هِيَ عَامِلَةٌ ، وَمَا هِيَ صَانِعَةٌ ، وَإِلَى مَا هِيَ صَائِرَةٌ . وَقَدْ مَضَى فِي ( النِّسَاءِ ) الْكَلَامُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=49أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أُزَكِّيهِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .