[ ص: 341 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم nindex.php?page=treesubj&link=28976قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم السلام والسلامة بمعنى واحد . ومعنى ( سلام عليكم ) سلمكم الله في دينكم وأنفسكم ; نزلت في الذين نهى الله نبيه عليه الصلاة والسلام عن طردهم ، فكان إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام فعلى هذا كان السلام من جهة النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : إنه كان من جهة الله تعالى ، أي : أبلغهم منا السلام ; وعلى الوجهين ففيه دليل على فضلهم ومكانتهم عند الله تعالى . وفي صحيح
مسلم عن
عائذ بن عمرو nindex.php?page=hadith&LINKID=830743أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال ونفر فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها ; قال : فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟ ! فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم أبو بكر فقال : يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا ; يغفر الله لك يا أخي ; فهذا دليل على رفعة منازلهم وحرمتهم كما بيناه في معنى الآية . ويستفاد من هذا
nindex.php?page=treesubj&link=30516_18056احترام الصالحين واجتناب ما يغضبهم أو يؤذيهم ; فإن في ذلك غضب الله ، أي : حلول عقابه بمن آذى أحدا من أوليائه . وقال
ابن عباس : نزلت الآية في
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم . وقال
الفضيل بن عياض : جاء قوم من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم ; فنزلت الآية . وروي عن
أنس بن مالك مثله سواء .
nindex.php?page=treesubj&link=28977قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كتب ربكم على نفسه الرحمة أي : أوجب ذلك بخبره الصدق ، ووعده الحق ، فخوطب العباد على ما يعرفونه من أنه من كتب شيئا فقد أوجبه على نفسه . وقيل : كتب ذلك في اللوح المحفوظ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54أنه من عمل منكم سوءا بجهالة أي : خطيئة من غير قصد ; قال
مجاهد : لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته ركب الأمر ، فكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل ; وقد مضى هذا المعنى في " النساء " .
وقيل : من آثر العاجل على الآخرة فهو الجاهل . فأنه غفور رحيم قرأ بفتح " أن " من
[ ص: 342 ] " فأنه "
ابن عامر وعاصم ، وكذلك " أنه من عمل " ووافقهما
نافع في " أنه من عمل " . وقرأ الباقون بالكسر فيهما ; فمن كسر فعلى الاستئناف ، والجملة مفسرة للرحمة ; و ( إن ) إذا دخلت على الجمل كسرت وحكم ما بعد الفاء الابتداء والاستئناف فكسرت لذلك . ومن فتحهما فالأولى في موضع نصب على البدل من الرحمة ، بدل الشيء من الشيء وهو هو ، فأعمل فيها كتب ، كأنه قال : كتب ربكم على نفسه أنه من عمل ; وأما فأنه غفور بالفتح ففيه وجهان ; أحدهما : أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر ، كأنه قال : فله أنه غفور رحيم ; لأن ما بعد الفاء مبتدأ ، أي : فله غفران الله . الوجه الثاني : أن يضمر مبتدأ تكون ( أن ) وما عملت فيه خبره ; تقديره : فأمره غفران الله له ، وهذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، ولم يجز الأول ، وأجازه
أبو حاتم . وقيل : إن كتب عمل فيها ; أي : كتب ربكم أنه غفور رحيم . وروي عن
علي بن صالح وابن هرمز كسر الأولى على الاستئناف ، وفتح الثانية على أن تكون مبتدأة أو خبر مبتدأ أو معمولة لكتب على ما تقدم . ومن فتح الأولى - وهو
نافع - جعلها بدلا من الرحمة ، واستأنف الثانية لأنها بعد الفاء ، وهي قراءة بينة .
[ ص: 341 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=treesubj&link=28976قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَالسَّلَامَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَمَعْنَى ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ) سَلَّمَكُمُ اللَّهُ فِي دِينِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ; نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ طَرْدِهِمْ ، فَكَانَ إِذَا رَآهُمْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ فَعَلَى هَذَا كَانَ السَّلَامُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَيْ : أَبْلِغْهُمْ مِنَّا السَّلَامُ ; وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِمْ وَمَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو nindex.php?page=hadith&LINKID=830743أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ وَنَفَرٍ فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا ; قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ ؟ ! فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : يَا إِخْوَتَاهُ أَغْضَبْتُكُمْ ؟ قَالُوا : لَا ; يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي ; فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى رِفْعَةِ مَنَازِلِهِمْ وَحُرْمَتِهِمْ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ . وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=30516_18056احْتِرَامُ الصَّالِحِينَ وَاجْتِنَابُ مَا يُغْضِبُهُمْ أَوْ يُؤْذِيهِمْ ; فَإِنَّ فِي ذَلِكَ غَضَبَ اللَّهِ ، أَيْ : حُلُولَ عِقَابِهِ بِمَنْ آذَى أَحَدًا مِنْ أَوْلِيَائِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . وَقَالَ
الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ : جَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا مِنَ الذُّنُوبِ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ ; فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . وَرُوِيَ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِثْلُهُ سَوَاءٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=28977قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَيْ : أَوْجَبَ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ الصِّدْقِ ، وَوَعْدِهِ الْحَقِّ ، فَخُوطِبَ الْعِبَادُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَنَّهُ مَنْ كَتَبَ شَيْئًا فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ . وَقِيلَ : كَتَبَ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ أَيْ : خَطِيئَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ; قَالَ
مُجَاهِدٌ : لَا يَعْلَمُ حَلَالًا مِنْ حَرَامٍ وَمِنْ جَهَالَتِهِ رَكِبَ الْأَمْرَ ، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ خَطِيئَةً فَهُوَ بِهَا جَاهِلٌ ; وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " النِّسَاءِ " .
وَقِيلَ : مَنْ آثَرَ الْعَاجِلَ عَلَى الْآخِرَةِ فَهُوَ الْجَاهِلُ . فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَرَأَ بِفَتْحِ " أَنَّ " مِنْ
[ ص: 342 ] " فَأَنَّهُ "
ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ ، وَكَذَلِكَ " أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ " وَوَافَقَهُمَا
نَافِعٌ فِي " أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ " . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا ; فَمَنْ كَسَرَ فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، وَالْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلرَّحْمَةِ ; وَ ( إِنْ ) إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمَلِ كُسِرَتْ وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ الِابْتِدَاءُ وَالِاسْتِئْنَافُ فَكُسِرَتْ لِذَلِكَ . وَمَنْ فَتَحَهُمَا فَالْأَوْلَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، بَدَلِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ وَهُوَ هُوَ ، فَأَعْمَلَ فِيهَا كَتَبَ ، كَأَنَّهُ قَالَ : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ ; وَأَمَّا فَأَنَّهُ غَفُورٌ بِالْفَتْحِ فَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مُضْمَرٌ ، كَأَنَّهُ قَالَ : فَلَهُ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ مُبْتَدَأٌ ، أَيْ : فَلَهُ غُفْرَانُ اللَّهِ . الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُضْمَرَ مُبْتَدَأُ تَكُونُ ( أَنَّ ) وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ خَبَرُهُ ; تَقْدِيرُهُ : فَأَمْرُهُ غُفْرَانُ اللَّهِ لَهُ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَلَمْ يُجِزِ الْأَوَّلَ ، وَأَجَازَهُ
أَبُو حَاتِمٍ . وَقِيلَ : إِنَّ كَتَبَ عَمِلَ فِيهَا ; أَيْ : كَتَبَ رَبُّكُمْ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ هُرْمُزٍ كَسْرُ الْأُولَى عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، وَفَتْحُ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً أَوْ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ أَوْ مَعْمُولَةً لِكَتَبَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَمَنْ فَتَحَ الْأُولَى - وَهُوَ
نَافِعٌ - جَعَلَهَا بَدَلًا مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَاسْتَأْنَفَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَاءِ ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ بَيِّنَةٌ .