الآية الثانية عشرة قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض [ ص: 91 ] ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم } . فيها اثنتا عشرة مسألة :
المسألة الأولى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } ظاهرها محال ; فإن الله سبحانه لا يحارب ولا يغالب ولا يشاق ولا يحاد ; لوجهين :
أحدهما : ما هو عليه من صفات الجلال ، وعموم القدرة والإرادة على الكمال ، وما وجب له من التنزه عن الأضداد والأنداد .
الثاني : أن ذلك يقتضي أن يكون كل واحد من المتحاربين في جهة وفريق عن الآخر . والجهة على الله تعالى محال ، وقد قال جماعة من المفسرين لما وجب من حمل الآية على المجاز : معناه يحاربون أولياء الله ; وعبر بنفسه العزيزة سبحانه عن أوليائه إكبارا لإذايتهم ، كما عبر بنفسه عن الفقراء في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } لطفا بهم ورحمة لهم ، وكشفا للغطاء عنه بقوله في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21524عبدي مرضت فلم تعدني ، وجعت فلم تطعمني ، وعطشت فلم تسقني ، فيقول : وكيف ذلك وأنت رب العالمين ؟ فيقول : مرض عبدي فلان ، ولو عدته لوجدتني عنده } . وذلك كله على الباري سبحانه محال ، ولكنه كنى بذلك عنه تشريفا له ، كذلك في مسألتنا مثله . وقد قال المفسرون : إن
nindex.php?page=treesubj&link=9794الحرابة هي الكفر ، وهي معنى صحيح ; لأن الكفر يبعث على الحرب ; وهذا مبين في مسائل الخلاف .
الْآيَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ [ ص: 91 ] ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ظَاهِرُهَا مُحَالٌ ; فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يُحَارَبُ وَلَا يُغَالَبُ وَلَا يُشَاقُّ وَلَا يُحَادُّ ; لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ ، وَعُمُومِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ عَلَى الْكَمَالِ ، وَمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ التَّنَزُّهِ عَنْ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ .
الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَحَارِبِينَ فِي جِهَةٍ وَفَرِيقٍ عَنْ الْآخَرِ . وَالْجِهَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ ، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ لِمَا وَجَبَ مِنْ حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمَجَازِ : مَعْنَاهُ يُحَارِبُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ ; وَعَبَّرَ بِنَفْسِهِ الْعَزِيزَةِ سُبْحَانَهُ عَنْ أَوْلِيَائِهِ إكْبَارًا لِإِذَايَتِهِمْ ، كَمَا عَبَّرَ بِنَفْسِهِ عَنْ الْفُقَرَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } لُطْفًا بِهِمْ وَرَحْمَةً لَهُمْ ، وَكَشْفًا لِلْغِطَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21524عَبْدِي مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي ، وَجُعْت فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، وَعَطِشْت فَلَمْ تَسْقِنِي ، فَيَقُولُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ : مَرِضَ عَبْدِي فُلَانٌ ، وَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ } . وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ مُحَالٌ ، وَلَكِنَّهُ كَنَّى بِذَلِكَ عَنْهُ تَشْرِيفًا لَهُ ، كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ . وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=9794الْحِرَابَةَ هِيَ الْكُفْرُ ، وَهِيَ مَعْنًى صَحِيحٌ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ يَبْعَثُ عَلَى الْحَرْبِ ; وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .