الآية السادسة قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله [ ص: 47 ] ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } فيها اثنتان وخمسون مسألة :
المسألة الأولى : ذكر العلماء أن هذه الآية من أعظم آيات القرآن مسائل وأكثرها أحكاما في العبادات ، وبحق ذلك ، فإنها شطر الإيمان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { } ، في صحيح الخبر عنه . ولقد قال بعض العلماء : إن فيها ألف مسألة ، واجتمع أصحابنا : الوضوء شطر الإيمان بمدينة السلام فتتبعوها فبلغوها ثمانمائة مسألة ، ولم يقدروا أن يبلغوها الألف ، وهذا التتبع إنما يليق بمن يريد تعريف طرق استخراج العلوم من خبايا الزوايا ، والذي يليق الآن في هذه العجالة مما نحن فيه الانتداب إلى انتزاع الجلي وأن نتعرض لما يسنح خاصة من ظاهر مسائلها .
المسألة الثانية : : لا خلاف بين العلماء أن الآية مدنية كما تقدم ذكره في سورة النساء ، وأنها نزلت في قصة في سبب نزولها ، كما أنه لا خلاف أن الوضوء كان مفعولا قبل نزولها غير متلو ; ولذلك قال علماؤنا : إن الوضوء كان عائشة بمكة سنة ، معناه كان مفعولا بالسنة ، فأما حكمه فلم يكن قط إلا فرضا .
وقد روى وغيره { ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض الله سبحانه عليه الصلاة ليلة الإسراء ونزل جبريل ظهر ذلك اليوم ليصلي به فغمز الأرض بعقبه ، فأنبعت ماء ، وتوضأ معلما له ، وتوضأ هو معه ، وصلى ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم } . وهذا صحيح وإن كان لم يروه أهل الصحيح ، ولكنهم تركوه لأنهم لم يحتاجوا إليه ، وقد كان الصحابة [ ص: 48 ] السيد والعلماء يتغافلون عن الحديث الذي لا يحتاجون إليه ، وإن ذهب . ويكرهون أن يبتدئوا بذكره حتى يحتاج إليه بخلاف القرآن حسبما تقدم بيانه .