المسألة التاسعة : قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا } إسرافا : يعني مجاوزة من أموالكم التي تنبغي لكم إلى ما لا يحل لكم من أموالهم . والإسراف : مجاوزة الحد المباح إلى المحظور . وبدارا : يعني مبادرة أن يكبروا ، واستباقا لمعرفتهم لمصالحهم ، واستئثارا عليهم بأموالهم .
المسألة العاشرة : قال علماؤنا : لما لم يكن لهم عمل في أموالهم وقبضت عنها أيديهم لم يكن لهم فيها قول ، ولا نفذ لهم فيها عقد ولا عهد ، فلا يجوز فيها بيعهم ولا نذرهم ; لأن العلة التي لأجلها قبضت أيديهم عنها الصيانة لها عن تبذيرهم والحفظ لها إلى وقت معرفتهم وتبصرهم ; فلو جاز لهم فيها بيع أو هبة أو عهد لبطلت فائدة المنع لهم عنها ، وسقط مقصود حفظها عليهم .
[ ص: 422 ]
فأما ما كان في أيديهم من زوجة أو أم ولد تمكنوا منهما فكلامهم نافذ فيهما ، وينفذ طلاق الزوجة وعتق أم الولد عليهم ; لأنهم تمكنوا من ذلك فعلا فينفذ القول فيهما شرعا . وهذه نكتة بديعة في الحجة لإنفاذ الطلاق والعتق .
المسألة الحادية عشرة : إذا كان الاختبار إلى بلوغ النكاح في الحرة ، وقلنا : إنه في ذات الأب ستة أو سبعة ، وفي اليتيمة ستة فما عملنا في أثناء الستة أو السبعة محمول على الرد وما كان من العمل بعده محمول على الجواز .
وقال بعض علمائنا : ما عملت في الستة والسبعة محمول على الرد ، إلا أن يتبين فيه السداد ، وما عملت بعد ذلك محمول على الإمضاء حتى يتبين فيه السفه . ولقد وقعت هذه المسألة في زماننا في
nindex.php?page=treesubj&link=23808_14950_24248محجورة أرادت نحلة ابنتها بمال لا تنكح إلا به ، فقال بعضهم : لا يجوز فعل المحجور ، وقلنا نحن : يجوز ; لأن إيناس الرشد إنما يكون بمثل هذا ; ومن نظر لولده واهتبل به فهو في غاية السداد والرشد له ولنفسه ، فوفق الله متولي الحكم يومئذ وأمضى النحلة على ما أفتيناه .
المسألة الثانية عشرة : قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6ومن كان غنيا فليستعفف } اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال :
الأول : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=24249لا يأكل من مال اليتيم شيئا بحال ، وهذه الرخصة في قوله سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فليأكل بالمعروف } منسوخة بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، واحتج به .
الثاني : أن المراد به اليتيم ، وإذا كان فقيرا أنفق عليه وإليه بقدر فقره من مال اليتيم ، وإن كان غنيا أنفق عليه بقدر غناه ، ولم يكن للولي فيه شيء .
الثالث : أن المراد به الولي إن كان غنيا عف ، وإن كان فقيرا أكل بالمعروف .
[ ص: 423 ]
الرابع : أن المعروف شربه اللبن وركوبه الظهر غير مضر بنسل ولا ناهك في حلب . قال
ابن العربي : أما من قال : إنه منسوخ فهو بعيد ، لا أرضاه ; لأن الله تعالى يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فليأكل بالمعروف } وهو الجائز الحسن ; وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } فكيف ينسخ الظلم المعروف ؟ بل هو تأكيد له في التجويز ; لأنه خارج عنه مغاير له ; وإذا كان المباح غير المحظور لم يصح دعوى نسخ فيه ; وهذا أبين من الإطناب . وأما من قال : إن المراد به اليتيم فلا يصح لوجهين : أحدهما أن الخطاب لا يصلح أن يكون له ; لأنه غير مكلف ولا مأمور بشيء من ذلك .
الثاني : أنه إن كان غنيا أو فقيرا إنما يأكل بالمعروف ; فسقط هذا . وأما من قال : إن
nindex.php?page=treesubj&link=24249الولي إن كان غنيا عف وإن كان فقيرا أكل فهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ; روي عنه أنه قال : إنما أنا في بيت المال كولي اليتيم إن استغنيت تركت ، وإن احتجت أكلت ; وبه أقول . وأما استثناء اللبن ، ومثله التمر ، فهو على قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; لقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : اشرب غير مضر بنسل ولا ناهك للحلب ; ولأن شرب اللبن من الضرع ; وأكل التمر من الجذوع أمر متعارف بين الخلق متسامح فيه .
nindex.php?page=treesubj&link=24249فإن أكل هل يقضي ؟ اختلف الناس فيه ; فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه قال : إن أكلت قضيت .
واختلف في ذلك قول
عكرمة ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة السلماني nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ، وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . فأما من نفى القضاء فاحتج بأن الأكل له ، كما أن النظر عليه ; فجرى مجرى الأجرة .
وأما من يرى القضاء فاحتج بقوله سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6ومن كان غنيا فليستعفف }
[ ص: 424 ] فمنع منه ، فإن فعل قضى . ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، أي بقدر الحاجة ، ويقضي كما يقضي المضطر إلى المال في المخمصة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة السلماني ، في قول الله سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } ذلك دليل على
nindex.php?page=treesubj&link=24249وجوب القضاء على من أكل . المعنى : فإذا رددتم ما أكلتم فأشهدوا إذا غرمتم ، وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله .
والصحيح أنه لا يقتضي ; لأن النظر له ; فيتعين به الأكل بالمعروف ، والمعروف هو حق النظر ; وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة :
nindex.php?page=treesubj&link=24249_24247يقارض في مال اليتيم ويأكل حظه من الربح ، فكذلك يأخذ من صميم المال بمقدار النظر ; هذا إذا كان فقيرا ; أما إذا كان غنيا فلا يأخذ شيئا ; لأن الله سبحانه أمره بالعفة والكف عنه . فإن قيل : فقول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : " أنا كولي اليتيم إن استغنيت تركت " أليس يجوز للغني الأكل من بيت المال ؟ كذلك يجوز للوصي إن كان غنيا الأكل من مال اليتيم ؟ قلنا عنه جوابان : أحدهما : أن قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : " أنا كولي اليتيم إن استغنيت " دليل على أن الخليفة ليس كالوصي ، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بورعه جعل نفسه كالوصي .
الثاني : أن الذي يأكله الخلفاء والولاة والفقهاء ليس بأجرة ، وإنما هو حق جعله الله لهم لنازلهم ومنتابهم ; وإلا فالذي يفعلونه فرض عليهم ، فكيف تجب الأجرة لهم ; وهو فرض عليهم ، والفرضية تنفي الأجرة ، لا سيما إذا كان عملا غير معين كعمل الخلفاء والقضاة والمفتين والسعاة والمعلمين ، والله أعلم .
المسألة الثالثة عشرة : من هو المخاطب بهذا كله ؟ : قال علماؤنا : كان الأيتام في ذلك الزمان على قسمين : [ الأول ] : يتيم معهود به ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد : هو ابن أخي عهد إلي فيه .
[ ص: 425 ]
الثاني : مكفول بقرابة أو جوار . وعند المالكية أن
nindex.php?page=treesubj&link=23557_14651_14642الكافل له ناظر كما لو وصى إليه الأب ، إلا أن الكافل ناظر في حفظ الموجود ، والمعهود إليه قائم مقام الأب في التصرف المطلق ;
nindex.php?page=treesubj&link=24244_24977فإن كان اليتيم عريا عن كافل ووصي فالمخاطب ولي الأولياء ، وهو السلطان ; فهو ولي من لا ولي له ، وهو ولي على الأولياء ، فصار تقدير الآية : يا من إليه يتيم بكفالة أو عهد أو ولاية عامة ، افعل كذا .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا } إسْرَافًا : يَعْنِي مُجَاوَزَةً مِنْ أَمْوَالِكُمْ الَّتِي تَنْبَغِي لَكُمْ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ . وَالْإِسْرَافُ : مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ الْمُبَاحِ إلَى الْمَحْظُورِ . وَبِدَارًا : يَعْنِي مُبَادَرَةً أَنْ يَكْبَرُوا ، وَاسْتِبَاقًا لِمَعْرِفَتِهِمْ لِمَصَالِحِهِمْ ، وَاسْتِئْثَارًا عَلَيْهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَلٌ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقُبِضَتْ عَنْهَا أَيْدِيهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا قَوْلٌ ، وَلَا نَفَذَ لَهُمْ فِيهَا عَقْدٌ وَلَا عَهْدٌ ، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُهُمْ وَلَا نَذْرُهُمْ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا قُبِضَتْ أَيْدِيهِمْ عَنْهَا الصِّيَانَةُ لَهَا عَنْ تَبْذِيرِهِمْ وَالْحِفْظُ لَهَا إلَى وَقْتِ مَعْرِفَتِهِمْ وَتَبَصُّرِهِمْ ; فَلَوْ جَازَ لَهُمْ فِيهَا بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ عَهْدٌ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْمَنْعِ لَهُمْ عَنْهَا ، وَسَقَطَ مَقْصُودُ حِفْظِهَا عَلَيْهِمْ .
[ ص: 422 ]
فَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ تَمَكَّنُوا مِنْهُمَا فَكَلَامُهُمْ نَافِذٌ فِيهِمَا ، وَيَنْفُذُ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَعِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ فِعْلًا فَيَنْفُذُ الْقَوْلُ فِيهِمَا شَرْعًا . وَهَذِهِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ فِي الْحُجَّةِ لِإِنْفَاذِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ .
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : إذَا كَانَ الِاخْتِبَارُ إلَى بُلُوغِ النِّكَاحِ فِي الْحُرَّةِ ، وَقُلْنَا : إنَّهُ فِي ذَاتِ الْأَبِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ، وَفِي الْيَتِيمَةِ سِتَّةٌ فَمَا عَمِلْنَا فِي أَثْنَاءِ السِّتَّةِ أَوْ السَّبْعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّدِّ وَمَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ بَعْدَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ .
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : مَا عَمِلْتَ فِي السِّتَّةِ وَالسَّبْعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّدِّ ، إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّدَادُ ، وَمَا عَمِلْتَ بَعْدَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِمْضَاءِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّفَهُ . وَلَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي زَمَانِنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=23808_14950_24248مَحْجُورَةٍ أَرَادَتْ نِحْلَةَ ابْنَتَهَا بِمَالٍ لَا تُنْكَحُ إلَّا بِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَجُوزُ فِعْلُ الْمَحْجُورِ ، وَقُلْنَا نَحْنُ : يَجُوزُ ; لِأَنَّ إينَاسَ الرُّشْدِ إنَّمَا يَكُونُ بِمِثْلِ هَذَا ; وَمَنْ نَظَرَ لِوَلَدِهِ وَاهْتَبَلَ بِهِ فَهُوَ فِي غَايَةِ السَّدَادِ وَالرُّشْدِ لَهُ وَلِنَفْسِهِ ، فَوَفَّقَ اللَّهُ مُتَوَلِّي الْحُكْمِ يَوْمَئِذٍ وَأَمْضَى النِّحْلَةَ عَلَى مَا أَفْتَيْنَاهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=24249لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا بِحَالٍ ، وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَاحْتَجَّ بِهِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَتِيمُ ، وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ بِقَدْرِ فَقْرِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ غِنَاهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ فِيهِ شَيْءٌ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَفَّ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ .
[ ص: 423 ]
الرَّابِعُ : أَنَّ الْمَعْرُوفَ شُرْبُهُ اللَّبَنَ وَرُكُوبُهُ الظَّهْرَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ وَلَا نَاهِكٍ فِي حَلْبٍ . قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : أَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ مَنْسُوخٌ فَهُوَ بَعِيدٌ ، لَا أَرْضَاهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } وَهُوَ الْجَائِزُ الْحَسَنُ ; وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } فَكَيْف يَنْسَخُ الظُّلْمُ الْمَعْرُوفَ ؟ بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ لَهُ فِي التَّجْوِيزِ ; لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ مُغَايِرٌ لَهُ ; وَإِذَا كَانَ الْمُبَاحُ غَيْرَ الْمَحْظُورِ لَمْ يَصِحَّ دَعْوَى نَسْخٍ فِيهِ ; وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ الْإِطْنَابِ . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَتِيمُ فَلَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِطَابَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَلَا مَأْمُورٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
الثَّانِي : أَنَّهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا إنَّمَا يَأْكُلُ بِالْمَعْرُوفِ ; فَسَقَطَ هَذَا . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24249الْوَلِيَّ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَفَّ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ فَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ ; رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا أَنَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت تَرَكْت ، وَإِنْ احْتَجْت أَكَلْت ; وَبِهِ أَقُولُ . وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ اللَّبَنِ ، وَمِثْلُهُ التَّمْرُ ، فَهُوَ عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ; لِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : اشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ وَلَا نَاهِكٍ لِلْحَلْبِ ; وَلِأَنَّ شُرْبَ اللَّبَنِ مِنْ الضَّرْعِ ; وَأَكْلَ التَّمْرِ مِنْ الْجُذُوعِ أَمْرٌ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ الْخَلْقِ مُتَسَامَحٌ فِيهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=24249فَإِنْ أَكَلَ هَلْ يَقْضِي ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ; فَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : إنْ أَكَلْت قَضَيْت .
وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ
عِكْرِمَةَ ; وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16536عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=11873وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . فَأَمَّا مَنْ نَفَى الْقَضَاءَ فَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْأَكْلَ لَهُ ، كَمَا أَنَّ النَّظَرَ عَلَيْهِ ; فَجَرَى مَجْرَى الْأُجْرَةَ .
وَأَمَّا مَنْ يَرَى الْقَضَاءَ فَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ }
[ ص: 424 ] فَمَنَعَ مِنْهُ ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى . وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ، أَيْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَيَقْضِي كَمَا يَقْضِي الْمُضْطَرُّ إلَى الْمَالِ فِي الْمَخْمَصَةِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16536عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=24249وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ . الْمَعْنَى : فَإِذَا رَدَدْتُمْ مَا أَكَلْتُمْ فَأَشْهِدُوا إذَا غَرِمْتُمْ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي ; لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ ; فَيَتَعَيَّنُ بِهِ الْأَكْلُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ حَقُّ النَّظَرِ ; وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ :
nindex.php?page=treesubj&link=24249_24247يُقَارِضُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَيَأْكُلُ حَظَّهُ مِنْ الرِّبْحِ ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ صَمِيمِ الْمَالِ بِمِقْدَارِ النَّظَرِ ; هَذَا إذَا كَانَ فَقِيرًا ; أَمَّا إذَا كَانَ غَنِيًّا فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا ; لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ بِالْعِفَّةِ وَالْكَفِّ عَنْهُ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ : " أَنَا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت تَرَكْت " أَلَيْسَ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؟ كَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إنْ كَانَ غَنِيًّا الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ؟ قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ : " أَنَا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ كَالْوَصِيِّ ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بِوَرَعِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ كَالْوَصِيِّ .
الثَّانِي : أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْخُلَفَاءُ وَالْوُلَاةُ وَالْفُقَهَاءُ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ لِنَازِلِهِمْ وَمُنْتَابِهِمْ ; وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَفْعَلُونَهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ ، فَكَيْف تَجِبُ الْأُجْرَةُ لَهُمْ ; وَهُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ ، وَالْفَرْضِيَّةُ تَنْفِي الْأُجْرَةَ ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ عَمَلًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالسُّعَاةِ وَالْمُعَلِّمِينَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : مَنْ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا كُلِّهِ ؟ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : كَانَ الْأَيْتَامُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ : [ الْأَوَّلُ ] : يَتِيمٌ مَعْهُودٌ بِهِ ، كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدٍ : هُوَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ .
[ ص: 425 ]
الثَّانِي : مَكْفُولٌ بِقَرَابَةٍ أَوْ جِوَارٍ . وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23557_14651_14642الْكَافِلَ لَهُ نَاظِرٌ كَمَا لَوْ وَصَّى إلَيْهِ الْأَبُ ، إلَّا أَنَّ الْكَافِلَ نَاظِرٌ فِي حِفْظِ الْمَوْجُودِ ، وَالْمَعْهُودُ إلَيْهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ ;
nindex.php?page=treesubj&link=24244_24977فَإِنْ كَانَ الْيَتِيمُ عَرِيًّا عَنْ كَافِلٍ وَوَصِيٍّ فَالْمُخَاطَبُ وَلِيُّ الْأَوْلِيَاءِ ، وَهُوَ السُّلْطَانُ ; فَهُوَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ، وَهُوَ وَلِيٌّ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ ، فَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ : يَا مَنْ إلَيْهِ يَتِيمٌ بِكَفَالَةٍ أَوْ عَهْدٍ أَوْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ ، افْعَلْ كَذَا .