قال الذهبي: (في سنة ثلاث وأربعين: شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير؛ فصنف ابن جريج بمكة، ومالك «الموطأ» بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وغيرهما وحماد بن سلمة بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، وصنف «المغازي»، وصنف ابن إسحاق الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف أبو حنيفة هشيم، والليث، وابن لهيعة، ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب، وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس، وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة).
وفي سنة خمس وأربعين كان محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فظفر بهما خروج الأخوين فقتلهما وجماعة كثيرة من آل البيت، فإنا لله وإنا إليه راجعون. المنصور
[ ص: 425 ] وكان أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين وكانوا قبل شيئا واحدا، وآذى المنصور خلقا من العلماء ممن خرج معهما، أو أمر بالخروج؛ قتلا وضربا وغير ذلك، منهم: المنصور أبو حنيفة، وعبد الحميد بن جعفر، وابن عجلان.
وممن أفتى بجواز الخروج مع محمد على المنصور: وقيل له: إن في أعناقنا بيعة مالك بن أنس، فقال: (إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين). للمنصور؟!
وفي سنة ست وأربعين كانت قبرس. غزوة
وفي سنة سبع وأربعين: عمه المنصور عيسى بن موسى من ولاية العهد، وكان خلع عهد إليه من بعد السفاح وكان المنصور، عيسى هو الذي حارب له الأخوين وظفر بهما، فكافأه بأن خلعه مكرها، وعهد إلى ولده المهدي.
وفي سنة ثمان وأربعين: توطدت الممالك كلها وعظمت هيبته في النفوس، ودانت له الأمصار، ولم يبق خارجا عنه سوى للمنصور، جزيرة الأندلس فقط؛ فإنها غلب عليها عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني، لكنه لم يتلقب بأمير المؤمنين بل بالأمير فقط، وكذلك بنوه.
وفي سنة تسع وأربعين: فرغ من بناء بغداد.
وفي سنة خمسين: خرجت الجيوش الخراسانية عن الطاعة مع الأمير [ ص: 426 ] أسنادسيس، واستولى على أكثر خراسان، وعظم الخطب، واستفحل الشر، واشتد على الأمر، وبلغ ضريبة الجيش الخراساني ثلاثمائة ألف مقاتل ما بين فارس وراجل، فعمل معهم المنصور أجثم المروزي مصافا، فقتل أجثم واستبيح عسكره، فتجهز لحربهم حازم بن خزيمة في جيش عرمرم يسد الفضاء، فالتقى الجمعان، وصبر الفريقان، وكانت موقعة مشهورة يقال: قتل [منهم] فيها سبعون ألفا، وانهزم أسنادسيس، فالتجأ إلى جبل، وأمر الأمير حازم في العام الآتي بالأسرى، فضربت أعناقهم، وكانوا أربعة عشر ألفا، ثم حاصروا أسنادسيس مدة، ثم سلم نفسه، فقيدوه وأطلقوا أجناده، وكان عددهم ثلاثين ألفا. انتهى.
وفي سنة إحدى وخمسين: بنى الرصافة وشيدها.
وفي سنة ثلاث وخمسين: ألزم رعيته بلبس القلانس الطوال، فكانوا يعملونها بالقصب والورق ويلبسونها السواد، فقال المنصور أبو دلامة:
وكنا نرجي من إمام زيادة فزاد الإمام المصطفى في القلانس تراها على هام الرجال كأنها
دنان يهود جللت بالبرانس
وفي سنة ثمان وخمسين: أمر نائب المنصور مكة بحبس سفيان الثوري، وعباد بن كثير، فحبسا. وتخوف الناس أن يقتلهما إذا ورد الحج، فلم يوصله الله المنصور مكة سالما، بل قدم مريضا، ومات، وكفاهما الله شره، وكانت وفاته بالبطن في ذي الحجة، ودفن بين الحجون وبئر ميمون.
[ ص: 427 ] وقال سلم الخاسر:
قفل الحجيج وخلفوا ابن محمد رهنا بمكة في الضريح الملحد
شهدوا المناسك كلها وإمامهم تحت الصفائح محرما لم يشهد