ذكر ترتيب هذا الكتاب
وأبتدئ بعون الله وتوفيقه وأذكر الدليل على وجود الصانع سبحانه وتعالى ، ثم أردف ذلك بذكر أول المخلوقات ، ثم ما يلي ذلك من الموجودات على ترتيب الوجود في الحادثات إلا أن يخفى زمان حادث فيذكر في الجملة .
ثم أتبع ذلك بذكر آدم عليه السلام وأحواله وما جرى له ، ثم أذكر عظائم الحوادث التي كانت في زمانه ومن كان في مدة ولايته من أهل الخير ، ورءوس أهل الشر . ثم أذكر من خلفه من أولاده ، وما حدث في زمان ذلك الخالف من الأحداث ، ومن كان في وقته من أهل الخير والشر ، ثم من يخلف ذلك كذلك إلى زمان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم - ، فيندرج في ذلك ذكر الأنبياء والملوك والعلماء والزهاد والحكماء والفراعنة والنماردة ومن له خبر يصلح إيراده من العوام ، وما يحسن ذكره من الأمور والحوادث في كل زمن .
فإذا آل الأمر إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ، أبتدأ بذكر مولده ونسبه ، وذكر عيون ما جرى في سنة مولده من الحوادث ، ثم ما جرى في سنته الثانية من مولده كذلك إلى زمان نبوته ، ثم بذكر ما جرى في كل سنة من سني النبوة إلى سنة هجرته إلى المدينة .
فإذا انتهينا إلى مفتتح سني الهجرة ، وهي التي عليها التاريخ إلى اليوم ذكرنا ما كان في [كل ] سنة من الحوادث المستحسنة والمهمة وما لا بأس بذكره ، ونضرب عن ما لا طائل في الإطالة به تحته مما يضيع الزمان بكتابته ، إما لعدم صحته أو لفقد فائدته .
فإن خلفا من المؤرخين ملئوا كتبهم بما يرغب عن ذكره ، تارة من المبتدءات البعيدة الصحة ، المستهجن ذكرها عند ذوي العقول كما قد ذكر في مبتدأ وغيره من الأخبار التي تجري مجرى الخرافات ، وتارة يذكر حوادث لا معنى لها ولا فائدة ، وتارة يذكر أحوال ملوك يذكر عنهم شرب الخمر ، وفعل الفواحش ، وتصحيح ذلك عنهم عزيز ، فإن صح كان ذلك إشاعة الفواحش ، وإن لم يصح كان [ ص: 117 ] وهب بن منبه
في مرتبة القذف ، وهو في العاجل يهون على أبناء الجنس ما هم فيه من الزلل على أن الأخبار لا تسلم من بعض هذا .
ومن أعظم خطأ السلاطين والأمراء نظرهم في سياسات متقدميهم وعملهم بمقتضاها من غير نظر ، فيما ورد به الشرع ، ومن خطئهم تسمية أفعالهم الخارجة عن الشرع سياسة بأن الشرع هو السياسة لا عمل السلطان برأيه وهواه ، ووجه خطئهم في ذلك أن مضمون قولهم يقتضي أن الشرع لم يرد بما يكفي في السياسة فاحتجنا إلى تتمة من رأينا ، فهم يقتلون من لا يجوز قتله ، ويفعلون ما لا يحل فعله ، ويسمون ذلك سياسة .