ثم دخلت
فمن الحوادث فيها :
[غضب على المتوكل محمد ابن عبد الملك الزيات ] سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
غضب على المتوكل محمد بن عبد الملك الزيات وحبسه إياه ، وسنذكر قصته عند وفاته إن شاء الله .
دمشق رجفة شديدة ] [رجفت
وفي ربيع الآخر : رجفت دمشق رجفة شديدة لارتفاع الضحى ، وانتقضت منها البيوت ، وتزايلت الحجارة العظيمة ، وسقطت عدة منازل وطاقات في الأسواق على من فيها ، فقتلت خلقا كثيرا من الرجال والنساء والصبيان ، وسقط بعض شرافات المسجد الجامع ، وتصدعت طاقات القبة التي في وسط الجامع مما يلي المحراب ، وانقطع ربع منارة الجامع ، فهرب الناس بالنساء والصبيان ، وهرب أهل الأسواق إلى مصلى العيد يبكون ويتضرعون ويصلون ويستغفرون إلى وقت المغرب ، ثم سكن ذلك ، فرجعوا ، فأخذوا في إخراج الموتى من تحت الهدم . [ ص: 190 ] وذكر بعض من كان في دير مران أنه كان يرى [مدينة ] دمشق وهي ترتفع وتستقل مرارا ، وأصاب أهل قرية من عمل الغوطة من الرجفة أنها انكفأت عليهم ، فلم ينج منهم إلا رجل واحد على فرسه ، فأتى أهل دمشق فأخبرهم .
وأصاب أهل البلقاء مثل ما أصاب أهل دمشق ، من هدم المنازل في ذلك اليوم ، وذلك الوقت ، وتزايلت الحجارة من سور مدينتها ، وسقط حائط لها عرضه ذراعا في ستة عشر ذراعا ، وخرج أهلها بنسائهم وصبيانهم ، فلم يزالوا في دعاء وضجيج حتى كف الله عنهم برحمته .
بأنطاكية ] [عظمت الزلازل
وعظمت الزلازل بأنطاكية ، ومات [من أهلها خلق كثير ، وكذلك الموصل ، ويقال : إنه مات ] من أهلها عشرون ألفا .
[مطر أهل الموصل مطرا شديدا ]
وفي رجب : مطر أهل الموصل مطرا شديدا ، وسقط برد مختم كالسكر وبعضه كبيض الحمام ، فسد مجاري الماء ، ثم سال واد من ناحية البرية ذكروا أنه [ ص: 191 ] لم يسل قط ، فما زالوا كذلك في ضجة حتى أتى ربع الليل ، وحمل الماء قوما فغرقتهم ووقعت الدور على بعضهم فقتلتهم ، وكان ما سقط وتهدم أكثر من ألفي دار .
وقطع الماء رحى كانت مبنية من رصاص ، فجرى [الماء ] فيها ، ولولا ذلك لغرق أهل الموصل أجمعين .
وفقد في بستان أكثر من مائتي نخلة بأصولها فلم يبن لها أثر ، وكانت معها زلزلة شديدة وصواعق دفن أكثر من عشرة آلاف والذين غرقوا أكثر .
على المتوكل عمر بن الفرج ] [غضب
وفي هذه السنة : غضب على المتوكل عمر بن الفرج وذلك في رمضان ، فوجد في منزله خمسة عشر ألف درهم ، وقبض جواريه وفرشه ، وقيد بثلاثين رطلا من الحديد ، وأحضر مولاه نصر ، فحمل ثلاثين ألف دينار ، وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار ، وأصيب له في الأهواز أربعون ألف دينار ، ولأخيه محمد بن الفرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار ، وحمل من داره من المتاع على ستة عشر بعيرا فرش فاخرة ، ومن الجوهر ما قيمته أربعون ألف دينار ، وألبس جبة صوف وقيد ، وأخذ عياله ففتشوا فكن مائة جارية ، ثم صولح على أحد عشر ألف ألف ، على أن يرد عليه ما أخذ منه من ضياع الأهواز ، وتنزع عنه القيود [في شوال . ]
[ ص: 192 ]
وقد ] أنبأنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر البزار ، أنبأنا علي بن المحسن [التنوخي ] قال : حدثني أبي أن بعض المعمرين من الشهود بالأهواز حدثه عن أبيه - أو بعض أهله - قال : كان محمد بن منصور يتقلد القضاء بكور الأهواز وعمر بن فرج الرخجي يتقلد [الخراج ] بها ، وكانا يتوازيان المرتبة السلطانية ، فلا يركب القاضي إلى إلا بعد أن يجيبه ويتشاحان على التعظيم ، وتولدت بينهما عداوة من ذلك ، وكان الرخجي يكتب في القاضي إلى الرخجي ، فلا يلتفت إلى كتبه لعظم محله عند المتوكل ، ويبلغ ذلك القاضي فلا يحفل به ، فلما كان في بعض الأوقات ورد كتاب المتوكل على المتوكل يأمره بأمر في معنى الخراج ، وأن يجتمع مع الرخجي محمد بن منصور القاضي ولا ينفرد دونه ، وورد بالكتاب خادم كبير من خدم السلطان ، فأنفذ إلى القاضي ، فأعلمه الخبر وقال : الرخجي
تصير إلى ديوان الخراج لنجتمع فيه على امتثال الأمر ، فقال القاضي : لا ، ولكن أتصير أنت إلى الجامع فتجتمع فيه ، وتردد الكلام بينهما إلى أن قال للخادم : الرخجي
ارجع إلى حضرة أمير المؤمنين واذكر القصة وأن قاضيه يريد إيقاف ما أمر به [أمير المؤمنين ] ، فبلغه الخبر ، فركب محمد بن منصور إلى الديوان ومعه شهوده ، فدخله والرخجي فيه في دست وكتابه بين يديه ، فلما بصروا به قاموا ، إلا فعدل إلى آخر البساط ، بعد أن أمر غلامه فطوى البساط وجلس على البوري ، وحف به [ ص: 193 ] الشهود ، وجاء الخادم ، فجلس عند القاضي وأراه الكتاب ، فلم يزل الرخجي يخاطب القاضي وبينهما مسافة حتى فرغا من الأمر ، فلما فرغا قال الرخجي للقاضي : يا الرخجي أبا جعفر ، ما هذه الجبرية ؟ ! لا تزال تتولع بي وتقدر أنك عند الخليفة مثلي ، أو أن محلك يوازي محلي ، والخليفة لا يضرب على يدي في أمواله التي بها قوام دولته ، ولقد أخذت من ماله ألف ألف دينار ، وألف ألف دينار ، وألف ألف دينار فما سألني عنها ، وإنما أنت لك أن تحلف منكرا على حق ، وأن تفرض لامرأة على زوجها وتحبس ممتنعا من أداء حق ، وأبو جعفر [ساكت ] ، فلما ذكر ألف ألف دينار وثنى القول يعدد بإصبعه ، وقد كشفها ليراها الناس ، فلما أمسك الرخجي عمر [ابن الفرج ] لم يجبه القاضي بشيء ، وقال لوكيل : يا فلان ، قد سمعت ما جرى ؟
فقال : قد وكلتك لأمير المؤمنين [وللمسلمين ] على [هذا ] الرجل في المطالبة لهم بهذا المال . فقال له الوكيل : إن رأى القاضي أن يحكم بهذا المال للمسلمين ، قال والرخجي يسمع ، فقال القاضي : دواة . وكتب القاضي سجلا بخطه بذلك المال ، ورمى به إلى الشهود وقال : اشهدوا على إنفاذي الحكم [ ص: 194 ] بما في هذا الكتاب ، وإلزام فلان ابن فلان هذا [وأومأ إلى ] بما أقر به عندي من المال المذكور مبلغه في هذا الكتاب للمسلمين . فكتب الشهود خطوطهم ، وأخذ القاضي الكتاب ومضى ، وأخذ الرخجي يهزأ به ويقول : يا الرخجي أبا جعفر لقد بالغت في عقوبتي ، قتلتني ! قال : إي والله !
فكتب صاحب الخبر إلى بما جرى ، فأحضر وزيره وقال : أنا منذ زمان أقول لك حاسب هذا الخائن ، وأنت تدافع حتى حفظ الله علينا أموالنا بقاضينا المتوكل محمد بن منصور ، ورمى إليه بكتاب صاحب الخبر [قال ] : اكتب الساعة بالقبض على ، فخرج الوزير وهو قلق لعنايته الرخجي بالرخجي ، وقال لكاتبه :
اكتب إليه : [يا مسكين ] يا مشئوم . ما دعاك إلى معاداة القضاة وأنت مقتول إن لم تتلاف أمرك مع القاضي .
فركب إلى القاضي فحجبه ، فرجع خجلا ، فاحتال فدخل مع بعض خواص القاضي بالليل ، فصاح عليه : اخرج عن داري فأكب على رأسه وبكى ، فقام القاضي فاعتنقه وبكى وقال : عزيز علي ولا حيلة لي فقد نفذ الحكم ! فنهض ونفذ بمن قبض عليه ، ونصب القاضي من باع أملاك الرخجي وحمل ثمنها إلى بيت المال . الرخجي