ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29313وصول أبي سفيان إلى قرب المدينة وحذره من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وغيره : وأقبل
أبو سفيان بالعير وقد خاف خوفا شديدا ، حتى دنوا من
المدينة ، واستبطأ
ضمضم بن عمرو النفير ، حتى ورد
بدرا وهو خائف ، فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء
بدر جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء
بدر ، وكانوا باتوا من وراء
بدر ، آخر ليلتهم ، وهم على أن يصبحوا
بدرا إن لم يعترض لهم ، فما انقادت العير لهم حتى ضربوها بالعقل وهي ترجع الحنين ، فتواردا إلى ماء
بدر وما بها إلى الماء من حاجة ، لقد شربت بالأمس ، وجعل أهل العير يقولون : هذا شيء ما صنعته معنا منذ خرجنا ، وغشيتهم ظلمة تلك الليلة حتى ما يبصر أحد منهم شيئا . وتقدم
أبو سفيان أمام العير حذرا حتى ورد الماء فرأى
مجدي -بفتح الميم وإسكان الجيم فدال مهملة فياء ممدودة كياء النسب- ابن عمرو الجهني فقال له : هل أحسست أحدا ؟ قال : ما رأيت أحدا أنكره غير أني قد رأيت راكبين -يعني
بسبسا وعديا- قد أناخا إلى هذا التل ، ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا ، فأتى
أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففتته فإذا فيه النوى ، فقال : هذه والله علائف
يثرب . فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق ، فساحل بها ، وترك
بدرا بيسار ، وانطلق حتى أسرع فسار ليلا ونهارا فرقا من الطلب .
ولما رأى
أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى
قريش قيس بن امرئ القيس : إنكم إنما
[ ص: 29 ] خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله ، فارجعوا ، فأتاهم الخبر وهم
بالجحفة ، فقال
أبو جهل بن هشام : والله لا نرجع حتى نرد
بدرا -وكان بدر موسما من مواسم العرب ، يجتمع لهم به سوق كل عام- فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها .
وكره أهل الرأي المسير ، ومشى بعضهم إلى بعض ، وكان ممن أبطأ بهم عن ذلك
الحارث بن عامر ، وأمية بن خلف ، وعتبة وشيبة ابنا
ربيعة ، nindex.php?page=showalam&ids=137وحكيم بن حزام ، وأبو البختري ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه ، حتى بكتهم
أبو جهل بالجبن ، وأعانه
عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث بن كلدة . وأجمعوا المسير .
وقال
الأخنس بن شريق -وكان حليف
بني زهرة- : يا
بني زهرة قد نجى الله أموالكم ، وخلص لكم صاحبكم
مخرمة بن نوفل ، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله ، فاجعلوا بي جبنها وارجعوا ، فإنه لا حاجة لكم أن تخرجوا في غير ضيعة ، لا ما يقول هؤلاء ، فرجعوا ، وكانوا نحو المائة ، ويقال : ثلاثمائة ، فما شهدها زهري إلا رجلين هما عما
مسلم بن شهاب الزهري ، وقتلا كافرين .
قال
ابن سعد : ولحق
قيس بن امرئ القيس أبا سفيان فأخبره مجيء
قريش ، فقال : واقوماه! هذا عمل
عمرو بن هشام ، يعني
أبا جهل ، واغتبطت
بنو زهرة بعد برأي
الأخنس ، فلم يزل فيهم مطاعا معظما ، وأرادت
بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم
أبو جهل وقال : لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع .
قال
ابن سعد : وكانت
بنو عدي بن كعب مع النفير ، فلما بلغوا
ثنية لفت عدلوا في السحر إلى الساحل منصرفين إلى
مكة ، فصادفهم
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب فقال : يا
بني عدي ، كيف رجعتم ، لا في العير ولا في النفير ؟ قالوا : أنت أرسلت إلى
قريش أن ترجع ، ويقال : بل لقيهم
بمر الظهران ، ومضت
قريش حتى نزلت
بالعدوة القصوى من الوادي خلف
العقنقل وبطن الوادي ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بينهم وبين الماء رحلة ، وغلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء ، فظمئ المسلمون ، وأصابهم ضيق شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ ، فوسوس إليهم : تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسول الله وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون مخبتين ، فأنزل الله تعالى تلك الليلة مطرا كثيرا ، فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم ، وكان على المسلمين طلا طهرهم الله به ، وأذهب عنهم رجز الشيطان ، ووطأ به الأرض ، وصلب الرمل ، وثبت الأقدام ، ومهد به المنزل ،
[ ص: 30 ] وربط به على قلوبهم ، ولم يمنعهم من السير ، وسال الوادي فشرب المؤمنون ، وملأوا الأسقية ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا من الجنابة ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام [الأنفال : 11] .
وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا ، حتى إن أحدهم ذقنه بين يديه وما يشعر حتى يقع على جنبه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في الدلائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=681818ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة حتى أصبح .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة قال : كان النعاس أمنة من الله ، وكان النعاس نعاسين : نعاس يوم
بدر ونعاس يوم
أحد ، وكانت ليلة الجمعة ، وبين الفريقين قوز من الرمل . وبعث صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ، فأطافا بالقوم ، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورون ، وأن السماء تسح عليهم ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء ، يبادرهم الماء فسبقهم إليه ، ومنعهم من السبق إليه المطر ، أرسله الله تعالى عليهم حتى جاء أدنى ماء من
بدر ، فنزل ، فقال
الحباب بن المنذر بن الجموح فيما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل [أمنزلا] أنزلكه الله ، ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، قال : يا رسول الله ، ليس هذا المنزل فانهض بالناس ، حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء [ثم نقاتل القوم] فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد أشرت بالرأي» . وذكر
ابن سعد أن
جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرأي ما أشار به
الحباب ، فنهض صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس ، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه نصف الليل ، ثم أمر بالقلب فغورت ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملأه ماء ، ثم قذفوا فيه الآنية . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ : يا رسول الله ، ألا نبني لك عريشا تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله تعالى وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا ، فلقد تخلف عنك أقوام ، يا نبي الله ، ما نحن بأشد حبا لك منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم ، يناصحونك ويجاهدون معك .
فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له بخير ، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش على تل مشرف على المعركة ، فكان فيه هو
وأبو بكر وليس معهما غيرهما ، وقام
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ رضي الله عنه على بابه متوشحا بالسيف ، ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة ، وجعل
[ ص: 31 ] يشير بيده :
nindex.php?page=hadith&LINKID=104966«هذا مصرع فلان ، وهذا مصرع فلان ، إن شاء الله ، فما تعدى منهم أحد موضع إشارته» رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وغيرهما .
وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
ببدر ، وارتحلت
قريش حين أصبحت ، فأقبلت بحدها وحديدها تحاد الله عز وجل ، وتحاد رسوله ، وجاءوا على حرد قادرين ، وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها ، وقد أصابوا بالأمس
عمرو بن الحضرمي وأصحابه والعير التي كانت معه ، فجمعهم الله تعالى على غير ميعاد ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا [الأنفال : 42] فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل- وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي- فكان أول من طلع
زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه ، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا ، فقال صلى الله عليه وسلم :
«اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة» . nindex.php?page=hadith&LINKID=104947وقال صلى الله عليه وسلم لما رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر : «إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب هذا الجمل الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا ، يا nindex.php?page=showalam&ids=8علي ناد nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة -وكان أقربهم من المشركين- : من صاحب الجمل الأحمر ؟ »
فقال : هو عتبة وهو ينهى عن القتال ، ويأمر بالرجوع ، ويقول : يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا : جبن عتبة ، وأبو جهل يأبى .
وبعث
خفاف -بضم الخاء المعجمة وفاءين- ابن إيماء -بهمزة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة وميم ممدودة- ابن رحضة -بفتح الراء والحاء المهملتين والضاد المعجمة- أو أبوه
[إيماء بن رحضة الغفاري] -وأسلم الثلاثة بعد ذلك- إلى
قريش بجزائر أهداها لهم مع ابنه وقال : إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا ، فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم ، وقد قضيت الذي عليك ، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم ، ولئن كنا إنما نقاتل الله -كما يزعم
محمد- فما لأحد بالله من طاقة .
فلما نزل الناس أقبل نفر من
قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دعوهم ، فما شرب منهم أحد إلا قتل ، إلا ما كان من
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام ، فإنه لم يقتل» وأسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ، فكان إذا اجتهد في يمينه قال : لا والذي نجاني يوم
بدر .
فلما اطمأن القوم بعثوا
عمير بن وهب الجمحي -وأسلم بعد ذلك- فقالوا له : احزر لنا أصحاب
محمد ، فجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم ، فقال : ثلاثمائة رجل ، يزيدون قليلا
[ ص: 32 ] أو ينقصون ، ولكن أمهلوني حتى أنظر : أللقوم كمين أو مدد ؟ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا ، فرجع إليهم فقال : ما رأيت شيئا ، ولكن رأيت -يا معشر
قريش- البلايا تحمل المنايا ، نواضح
يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون ، يتلمظون تلمظ الأفاعي ، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم ، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما في العيش خير بعد ذلك فروا رأيكم .
فبعثوا
أبا سلمة الجشمي فأطاف بالمسلمين على فرسه ، ثم رجع فقال : والله ما رأيت جلدا ولا عدادا ولا حلقة ولا كراعا ، ولكن رأيت قوما لا يريدون أن يؤوبوا إلى أهليهم ، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، زرق العيون كأنها الحصا تحت الحجف ، فروا رأيكم .
فلما سمع
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس ، فأتى
عتبة بن ربيعة فكلمه ليرجع بالناس ، وقال : يا
أبا الوليد ، إنك كبير
قريش وسيدها والمطاع فيها ، هل لك إلى أمر لا تزال تذكر فيه بخير إلى آخر الدهر ؟ قال : وما ذاك يا
حكيم ؟ قال : ترجع بالناس ، وتحتمل أمر حليفك
عمرو بن الحضرمي . قال : قد فعلت ، أنت علي بذلك ، إنما هو حليفي ، فعلي عقله وما أصيب من ماله ، فأت
ابن الحنظلية فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره ، يعني
أبا جهل بن هشام ، ثم قام
عتبة خطيبا في الناس فقال : يا معشر
قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا
محمدا وأصحابه شيئا ، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه ، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته ، فارجعوا وخلوا بين
محمد وبين سائر العرب ، فإن أصابوه فذلك الذي أردتم ، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون ، إني أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير ، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا : جبن
عتبة ، وأنتم تعلمون أني لست بأجبنكم . قال
حكيم : فانطلقت حتى أتيت
أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيئها -وعند
ابن هشام : يهنئها- فقلت له : يا
أبا الحكم إن
عتبة قد أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال ، فقال : انتفخ والله سحره حين رأى
محمدا وأصحابه ، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين
محمد وما
بعتبة ما قال ، ولكنه قد رأى أن
محمدا وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه ، فقد تخوفكم عليه ، ثم بعث إلى
عامر بن الحضرمي فقال : هذا حليفك
عتبة يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك ، فقام
عامر بن الحضرمي فكشف عن استه ، ثم صاح : واعمراه واعمراه ؟ فحميت الحرب ، وحقب أمر الناس ، واستوسقوا على ما هم عليه من الشر ، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه
عتبة . [ ص: 33 ]
ولما بلغ
عتبة قول
أبي جهل : «انتفخ والله سحره» قال : سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره : أنا أم هو ؟
ثم التمس
عتبة بيضة ليدخلها في رأسه ، فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته ، فلما رأى ذلك اعتجر ببرد له على رأسه .
وسل
أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه ، فقال له
إيماء بن رحضة : بئس الفأل هذا ؟ .
وذكر
محمد بن عمر الأسلمي nindex.php?page=showalam&ids=13898والبلاذري وصاحب الإمتاع : أن
قريشا لما نزلت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليهم ، يقول لهم : ارجعوا فإنه أن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إلي من أن تلوه مني ، وأن أليه من غيركم أحب إلي من أن أليه منكم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام : قد عرض نصحا فاقبلوه ، فوالله لا تنتصرون عليه بعدما عرض من النصح ، فقال
أبو جهل : والله لا نرجع بعد أن مكننا الله منهم .
قال
ابن عائذ : وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : غر هؤلاء دينهم ، منهم
أبو البختري بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وذكر غيرهم لما تقالوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنوا أن الغلبة إنما هي بالكثرة ، فأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=49إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم [الأنفال : 49] لا يغالب ، ينصر من يستحق النصر وإن كان ضعيفا ، فعزته وحكمته أوجبت نصر الفئة المتوكلة عليه ، أخبر تعالى أن النصر بالتوكل عليه لا بالكثرة .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أن
أبا جهل قال يوم
بدر : خذوهم أخذا فاربطوهم في الحبال ، ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=17إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة [القلم : 17] يقول في قدرتهم عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29313وُصُولِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ وَحَذَرِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ : وَأَقْبَلَ
أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَقَدْ خَافَ خَوْفًا شَدِيدًا ، حَتَّى دَنَوْا مِنَ
الْمَدِينَةِ ، وَاسْتَبْطَأَ
ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو النَّفِيرَ ، حَتَّى وَرَدَ
بَدْرًا وَهُوَ خَائِفٌ ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُصْبِحُونَ فِيهَا عَلَى مَاءِ
بَدْرٍ جَعَلَتِ الْعِيرُ تُقْبِلُ بِوُجُوهِهَا إِلَى مَاءِ
بَدْرٍ ، وَكَانُوا بَاتُوا مِنْ وَرَاءِ
بَدْرٍ ، آخِرَ لَيْلَتِهِمْ ، وَهُمْ عَلَى أَنْ يُصَبِّحُوا
بَدْرًا إِنْ لَمْ يُعْتَرَضْ لَهُمْ ، فَمَا انْقَادَتِ الْعِيرُ لَهُمْ حَتَّى ضَرَبُوهَا بِالْعُقُلِ وَهِيَ تُرَجِّعُ الْحَنِينَ ، فَتَوَارَدَا إِلَى مَاءِ
بَدْرٍ وَمَا بِهَا إِلَى الْمَاءِ مِنْ حَاجَةٍ ، لَقَدْ شَرِبَتْ بِالْأَمْسِ ، وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ : هَذَا شَيْءٌ مَا صَنَعْتِهِ مَعَنَا مُنْذُ خَرَجْنَا ، وَغَشِيَتْهُمْ ظُلْمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى مَا يُبْصِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا . وَتَقَدَّمَ
أَبُو سُفْيَانَ أَمَامَ الْعِيرِ حَذِرًا حَتَّى وَرَدَ الْمَاءَ فَرَأَى
مَجْدِيَّ -بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ فَيَاءٍ مَمْدُودَةٍ كَيَاءِ النَّسَبِ- ابْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ فَقَالَ لَهُ : هَلْ أَحْسَسْتَ أَحَدًا ؟ قَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أُنْكِرُهُ غَيْرَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ -يَعْنِي
بَسْبَسًا وَعَدِيًّا- قَدْ أَنَاخَا إِلَى هَذَا التَّلِّ ، ثُمَّ اسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا ، ثُمَّ انْطَلَقَا ، فَأَتَى
أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا فَأَخَذَ مِنْ أَبِعَارِ بَعِيرَيْهِمَا ، فَفَتَّتَهُ فَإِذَا فِيهِ النَّوَى ، فَقَالَ : هَذِهِ وَاللَّهِ عَلَائِفُ
يَثْرِبَ . فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنِ الطَّرِيقِ ، فَسَاحَلَ بِهَا ، وَتَرَكَ
بَدْرًا بِيَسَارٍ ، وَانْطَلَقَ حَتَّى أَسْرَعَ فَسَارَ لَيْلًا وَنَهَارًا فَرَقًا مِنَ الطَّلَبِ .
وَلَمَّا رَأَى
أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسَلَ إِلَى
قُرَيْشٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ : إِنَّكُمْ إِنَّمَا
[ ص: 29 ] خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَقَدْ نَجَّاهَا اللَّهُ ، فَارْجِعُوا ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ وَهُمْ
بِالْجُحْفَةِ ، فَقَالَ
أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ : وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ
بَدْرًا -وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ- فَنُقِيمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَنَنْحَرَ الْجُزُرَ ، وَنُطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَنُسْقَى الْخَمْرَ ، وَتَعْزِفَ عَلَيْنَا الْقِيَانُ ، وَتَسْمَعَ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا ، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا .
وَكَرِهَ أَهْلُ الرَّأْيِ الْمَسِيرَ ، وَمَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، وَكَانَ مِمَّنْ أَبْطَأَ بِهِمْ عَنْ ذَلِكَ
الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا
رَبِيعَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=137وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ ، وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهٍ ، حَتَّى بَكَّتَهُمْ
أَبُو جَهْلٍ بِالْجُبْنِ ، وَأَعَانَهُ
عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ . وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ .
وَقَالَ
الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ -وَكَانَ حَلِيفَ
بَنِي زُهْرَةَ- : يَا
بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجَّى اللَّهُ أَمْوَالَكُمْ ، وَخَلَّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ
مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ ، وَإِنَّمَا نَفَرْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ ، فَاجْعَلُوا بِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ ، لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ ، فَرَجَعُوا ، وَكَانُوا نَحْوَ الْمِائَةِ ، وَيُقَالُ : ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَمَا شَهِدَهَا زُهْرِيٌّ إِلَّا رَجُلَيْنِ هُمَا عَمَّا
مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ ، وَقُتِلَا كَافِرَيْنِ .
قَالَ
ابْنُ سَعْدٍ : وَلَحِقَ
قَيْسُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ أَبَا سُفْيَانَ فَأَخْبَرَهُ مَجِيءَ
قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : وَاقَوْمَاهْ! هَذَا عَمَلُ
عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ ، يَعْنِي
أَبَا جَهْلٍ ، وَاغْتَبَطَتْ
بَنُو زُهْرَةَ بَعْدُ بِرَأْيِ
الْأَخْنَسِ ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مُطَاعًا مُعَظَّمًا ، وَأَرَادَتْ
بَنُو هَاشِمٍ الرُّجُوعَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ
أَبُو جَهْلٍ وَقَالَ : لَا تُفَارِقُنَا هَذِهِ الْعِصَابَةُ حَتَّى نَرْجِعَ .
قَالَ
ابْنُ سَعْدٍ : وَكَانَتْ
بَنُو عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ النَّفِيرِ ، فَلَمَّا بَلَغُوا
ثَنِيَّةَ لَفْتٍ عَدَلُوا فِي السَّحَرِ إِلَى السَّاحِلِ مُنْصَرِفِينَ إِلَى
مَكَّةَ ، فَصَادَفَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ : يَا
بَنِي عَدِيٍّ ، كَيْفَ رَجَعْتُمْ ، لَا فِي الْعِيرِ وَلَا فِي النَّفِيرِ ؟ قَالُوا : أَنْتَ أَرْسَلْتَ إِلَى
قُرَيْشٍ أَنْ تَرْجِعَ ، وَيُقَالُ : بَلْ لَقِيَهُمْ
بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ، وَمَضَتْ
قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ
بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي خَلْفَ
الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رِحْلَةٌ ، وَغَلَبَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ عَلَى الْمَاءِ ، فَظَمِئَ الْمُسْلِمُونَ ، وَأَصَابَهُمْ ضِيقٌ شَدِيدٌ ، وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْغَيْظَ ، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِمْ : تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ ، وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُخْبِتِينَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَطَرًا كَثِيرًا ، فَكَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَابِلًا شَدِيدًا مَنَعَهُمْ مِنَ التَّقَدُّمِ ، وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَلًّا طَهَّرَهُمُ اللَّهُ بِهِ ، وَأَذْهَبَ عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ، وَوَطَّأَ بِهِ الْأَرْضَ ، وَصَلَّبَ الرَّمْلَ ، وَثَبَّتَ الْأَقْدَامَ ، وَمَهَّدَ بِهِ الْمَنْزِلَ ،
[ ص: 30 ] وَرَبَطَ بِهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ السَّيْرِ ، وَسَالَ الْوَادِي فَشَرِبَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَمَلَأُوا الْأَسْقِيَةَ ، وَسَقَوُا الرِّكَابَ ، وَاغْتَسَلُوا مِنَ الْجَنَابَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الْأَنْفَالِ : 11] .
وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ نُعَاسٌ أُلْقِيَ عَلَيْهِمْ فَنَامُوا ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ ذَقَنُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا يَشْعُرُ حَتَّى يَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12201أَبُو يَعْلَى nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=681818مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ ، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ قَالَ : كَانَ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنَ اللَّهِ ، وَكَانَ النُّعَاسُ نُعَاسَيْنِ : نُعَاسَ يَوْمَ
بَدْرٍ وَنُعَاسَ يَوْمَ
أُحُدٍ ، وَكَانَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، وَبَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ قَوْزٌ مِنَ الرَّمْلِ . وَبَعَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَأَطَافَا بِالْقَوْمِ ، ثُمَّ رَجَعَا فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ الْقَوْمَ مَذْعُورُونَ ، وَأَنَّ السَّمَاءَ تَسُحُّ عَلَيْهِمْ ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءً ، يُبَادِرُهُمُ الْمَاءَ فَسَبَقَهُمْ إِلَيْهِ ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ السَّبْقِ إِلَيْهِ الْمَطَرُ ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ حَتَّى جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ
بَدْرٍ ، فَنَزَلَ ، فَقَالَ
الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فِيمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ [أَمَنْزِلًا] أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ ، وَلَا نَتَأَخَّرَ عَنْهُ ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ : بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَيْسَ هَذَا الْمَنْزِلَ فَانْهَضْ بِالنَّاسِ ، حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ ، ثُمَّ نُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ ، ثُمَّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَأَهُ مَاءً [ثُمَّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ] فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ» . وَذَكَرَ
ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ
جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : الرَّأْيُ مَا أَشَارَ بِهِ
الْحُبَابُ ، فَنَهَضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ ، حَتَّى إِذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوِّرَتْ ، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمَلَأَهُ مَاءً ، ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ ، وَنُعِدُّ عِنْدَكَ رَكَائِبَكَ ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا ، فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا ، فَلَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ حُبًّا لَكَ مِنْهُمْ ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَكَ .
فَأَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ ، ثُمَّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ عَلَى تَلٍّ مُشْرِفٍ عَلَى الْمَعْرَكَةِ ، فَكَانَ فِيهِ هُوَ
وَأَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا ، وَقَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى بَابِهِ مُتَوَشِّحًا بِالسَّيْفِ ، وَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْضِعِ الْمَعْرَكَةِ ، وَجَعَلَ
[ ص: 31 ] يُشِيرُ بِيَدِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=104966«هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَمَا تَعَدَّى مِنْهُمْ أَحَدٌ مَوْضِعَ إِشَارَتِهِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا .
وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِبَدْرٍ ، وَارْتَحَلَتْ
قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ ، فَأَقْبَلَتْ بِحَدِّهَا وَحَدِيدِهَا تُحَادُّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتُحَادُّ رَسُولَهُ ، وَجَاءُوا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ، وَعَلَى حَمِيَّةٍ وَغَضَبٍ وَحَنَقٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ؛ لِمَا يُرِيدُونَ مِنْ أَخْذِ عِيرِهِمْ وَقَتْلِ مَنْ فِيهَا ، وَقَدْ أَصَابُوا بِالْأَمْسِ
عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَأَصْحَابَهُ وَالْعِيرَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ ، فَجَمَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا [الْأَنْفَالِ : 42] فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُصَوِّبُ مِنَ الْعَقَنْقَلِ- وَهُوَ الْكَثِيبُ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ إِلَى الْوَادِي- فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ طَلَعَ
زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يَتْبَعُهُ ابْنُهُ ، فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ يُرِيدُ أَنْ يَتَبَوَّأَ لِلْقَوْمِ مَنْزِلًا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ ، اللَّهُمَّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ الْغَدَاةَ» . nindex.php?page=hadith&LINKID=104947وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ : «إِنْ يَكُ فِي أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ هَذَا الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ، إِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا ، يَا nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ نَادِ nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةَ -وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- : مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ؟ »
فَقَالَ : هُوَ عُتْبَةُ وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ ، وَيَأْمُرُ بِالرُّجُوعِ ، وَيَقُولُ : يَا قَوْمِ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا : جَبُنَ عُتْبَةُ ، وَأَبُو جَهْلٍ يَأْبَى .
وَبَعَثَ
خُفَافَ -بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَاءَيْنِ- ابْنَ إِيمَاءِ -بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَمِيمٍ مَمْدُودَةٍ- ابْنِ رَحَضَةَ -بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ- أَوْ أَبُوهُ
[إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ] -وَأَسْلَمَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ- إِلَى
قُرَيْشٍ بِجَزَائِرَ أَهْدَاهَا لَهُمْ مَعَ ابْنِهِ وَقَالَ : إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نَمُدَّكُمْ بِسِلَاحٍ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ أَنْ وَصَلَتْكَ رَحِمٌ ، وَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كُنَّا إِنَّمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ ، وَلَئِنْ كُنَّا إِنَّمَا نُقَاتِلُ اللَّهَ -كَمَا يَزْعُمُ
مُحَمَّدٌ- فَمَا لِأَحَدٍ بِاللَّهِ مِنْ طَاقَةٍ .
فَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ
قُرَيْشٍ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «دَعُوهُمْ ، فَمَا شَرِبَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قُتِلَ ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ» وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، فَكَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ : لَا وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ
بَدْرٍ .
فَلَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ بَعَثُوا
عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ -َوَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ- فَقَالُوا لَهُ : احْزِرْ لَنَا أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ ، فَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ ، يَزِيدُونَ قَلِيلًا
[ ص: 32 ] أَوْ يَنْقُصُونَ ، وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ : أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ ؟ فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَبْعَدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ -يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ- الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا ، نَوَاضِحُ
يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ ، قَوْمٌ لَيْسَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إِلَّا سُيُوفُهُمْ ، أَمَا تَرَوْنَهُمْ خُرْسًا لَا يَتَكَلَّمُونَ ، يَتَلَمَّظُونَ تَلَمُّظَ الْأَفَاعِي ، وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَوْا رَأْيَكُمْ .
فَبَعَثُوا
أَبَا سَلَمَةَ الْجُشَمِيَّ فَأَطَافَ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى فَرَسِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ جَلَدًا وَلَا عِدَادًا وَلَا حَلْقَةً وَلَا كُرَاعًا ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَؤُوبُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ ، قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إِلَّا سُيُوفُهُمْ ، زُرْقُ الْعُيُونِ كَأَنَّهَا الْحَصَا تَحْتَ الْحَجَفِ ، فَرَوْا رَأْيَكُمْ .
فَلَمَّا سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ ، فَأَتَى
عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَكَلَّمَهُ لِيَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَقَالَ : يَا
أَبَا الْوَلِيدِ ، إِنَّكَ كَبِيرُ
قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا وَالْمُطَاعُ فِيهَا ، هَلْ لَكَ إِلَى أَمْرٍ لَا تَزَالُ تُذْكَرُ فِيهِ بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ يَا
حَكِيمُ ؟ قَالَ : تَرْجِعُ بِالنَّاسِ ، وَتَحْتَمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ
عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ . قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ، أَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ ، إِنَّمَا هُوَ حَلِيفِي ، فَعَلَيَّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ ، فَأْتِ
ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ فَإِنِّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النَّاسِ غَيْرُهُ ، يَعْنِي
أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، ثُمَّ قَامَ
عُتْبَةُ خَطِيبًا فِي النَّاسِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ ، قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ أَوِ ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ ، فَارْجِعُوا وَخَلُّوا بَيْنَ
مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرَّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ ، إِنِّي أَرَى أَقْوَامًا مُسْتَمِيتِينَ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ ، يَا قَوْمِ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا : جَبُنَ
عُتْبَةُ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ . قَالَ
حَكِيمٌ : فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ
أَبَا جَهْلٍ فَوَجَدْتُهُ قَدْ نَثَلَ دِرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا فَهُوَ يُهَيِّئُهَا -وَعِنْدَ
ابْنِ هِشَامٍ : يَهْنِئُهَا- فَقُلْتُ لَهُ : يَا
أَبَا الْحَكَمِ إِنَّ
عُتْبَةَ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ بِكَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالَ ، فَقَالَ : انْتَفَخَ وَاللَّهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ، كَلَّا وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
مُحَمَّدٍ وَمَا
بِعُتْبَةَ مَا قَالَ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَأَى أَنَّ
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ ، وَفِيهِمُ ابْنُهُ ، فَقَدْ تَخَوَّفَكُمْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى
عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ : هَذَا حَلِيفُكَ
عُتْبَةُ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَكَ بِعَيْنِكَ فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيكَ ، فَقَامَ
عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَكَشَفَ عَنِ اسْتِهِ ، ثُمَّ صَاحَ : وَاعَمْرَاهْ وَاعَمْرَاهْ ؟ فَحَمِيَتِ الْحَرْبُ ، وَحَقِبَ أَمْرُ النَّاسِ ، وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ ، وَأَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ الرَّأْيَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ
عُتْبَةُ . [ ص: 33 ]
وَلَمَّا بَلَغَ
عُتْبَةَ قَوْلُ
أَبِي جَهْلٍ : «انْتَفَخَ وَاللَّهِ سَحْرُهُ» قَالَ : سَيَعْلَمُ مُصَفِّرُ اسْتَهُ مَنِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ : أَنَا أَمْ هُوَ ؟
ثُمَّ الْتَمَسَ
عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ ، فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ بِبُرْدِ لَهُ عَلَى رَأْسِهِ .
وَسَلَّ
أَبُو جَهْلٍ سَيْفَهُ فَضَرَبَ بِهِ مَتْنَ فَرَسِهِ ، فَقَالَ لَهُ
إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ : بِئْسَ الْفَأْلُ هَذَا ؟ .
وَذَكَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْأَسْلَمِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13898وَالْبَلَاذُرِيُّ وَصَاحِبُ الْإِمْتَاعِ : أَنَّ
قُرَيْشًا لَمَّا نَزَلَتْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَيْهِمْ ، يَقُولُ لَهُمُ : ارْجِعُوا فَإِنَّهُ أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ مِنِّي غَيْرُكُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَلُوهُ مَنِي ، وَأَنْ أَلِيَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلِيَهُ مِنْكُمْ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : قَدْ عَرَضَ نُصْحًا فَاقْبَلُوهُ ، فَوَاللَّهِ لَا تَنْتَصِرُونَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا عَرَضَ مِنَ النُّصْحِ ، فَقَالَ
أَبُو جَهْلٍ : وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ مَكَّنَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ .
قَالَ
ابْنُ عَائِذٍ : وَقَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ، مِنْهُمْ
أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، وَذَكَرَ غَيْرَهُمْ لَمَّا تَقَالُّوا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنُّوا أَنَّ الْغَلَبَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالْكَثْرَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=49إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الْأَنْفَالِ : 49] لَا يُغَالَبُ ، يَنْصُرُ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، فَعِزَّتُهُ وَحِكْمَتُهُ أَوْجَبَتْ نَصْرَ الْفِئَةِ الْمُتَوَكِّلَةِ عَلَيْهِ ، أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ النَّصْرَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ لَا بِالْكَثْرَةِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=11970وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ
أَبَا جَهْلٍ قَالَ يَوْمَ
بَدْرٍ : خُذُوهُمْ أَخْذًا فَارْبُطُوهُمْ فِي الْحِبَالِ ، وَلَا تَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَزَلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=17إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [الْقَلَمِ : 17] يَقُولُ فِي قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِمْ كَمَا اقْتَدَرَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ عَلَى الْجَنَّةِ .