التنبيه الثالث والعشرون :
قال : اعلم أن التخيير قد يكون بين واجبين كخصال الكفارة وقد يكون بين مباحين ، وأما التخيير بين واجب وممنوع أو مباح وممنوع فمستحيل ، فانظر في إحضار اللبن والخمر ، هل أريد به الإباحة لهما والإذن فيهما؟ كما لو أحضرت طعامين لضيف وأبحتهما له ، فما معنى اختياره لأحدهما؟ وما معنى قول ابن دحية جبريل :
«اخترت الفطرة» أو «أصبت ، أصاب الله بك» ؟ وإن كان المراد الإذن في أحدهما لا بعينه ، بحيث يكون الآخر ممنوعا لزم التخيير بين ممنوع ومباح ، وذلك لا يتصور ، والذي يرفع الإشكال إن شاء الله تعالى أن يكون المراد تفويض الأمر في تحريم ما يحرم منها وتحليل ما يحل إلى اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وسداد نظره المعصوم . فلما نظر فيها أداه اجتهاده إلى فوافق الصواب في علم الله تعالى ، فقال له تحريم الخمر وتحليل اللبن ، جبريل : «أصبت» ، وعلى تقدير ألا تكون الخمر محرمة لأنها إنما حرمت بالمدينة فيكون توقيها ورعا وتعريضا بأنها ستحرم .