[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
جماع أبواب معراجه صلى الله عليه وسلم
قد كنت أفردت كتابا حافلا في هذا الباب سميته : «الآيات البينات في معراج سيد أهل الأرض والسماوات» ، ثم ظفرت بأشياء لم يتيسر الوقوف عليها إذ ذاك ، فجمعت كتابا آخر سميته : «الفضل الفائق في معراج خير الخلائق» ، فاجتمع فيه فوائد ونفائس لا توجد مجموعة إلا فيه ، فرأيت أن أذكر هنا خلاصته .
[ ص: 4 ]
الباب الأول في
nindex.php?page=treesubj&link=28988بعض فوائد قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير [الإسراء 1] .
الكلام على هذه الآية من وجوه :
الأول : في سبب نزولها :
قال الإمام العالم العلامة
أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي -بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالطاء المهملة- في تفسيره المسمى بالنهر : «سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الإسراء به كذبوه ، فأنزلها الله تعالى» .
الثاني : في وجه اتصال هذه السورة بما قبلها :
قال الإمام
فخر الدين الرازي ،
والبرهان النسفي : «وجه الاتصال بما قبلها أن في تلك السورة ذكر
الخليل صلى الله عليه وسلم ، وذكر أوصافه الشريفة ، وتشريعاته العلية من الحضرة الأزلية ، والأمر باتباع ملة الحنيفية ، والاقتداء به في العقائد الدينية ، وفي هذه السورة ذكر من اتبع ملته بالصدق ، وأقام سنته على الحق ، وفي آخر تلك السورة أمر نبينا صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة [النحل 125] . وأمره بعد ذلك بالصبر فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون [النحل 127] والصبر هو التحمل للمكاره ، والتحمل من جملة ما يؤدي إلى التجمل ، ومنه ما ذكر في أول هذه السورة .
النهر : لما أمره الله تعالى بالصبر ، ونهاه عن الحزن عليهم ، وأن يضيق صدره من مكرهم ، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والشعر وغير ذلك مما رموه به ، فأعقب الله تعالى ذلك بشرفه وفضله واحتفائه به وعلو منزلته عنده .
الشيخ رحمه الله تعالى في مناسباته : «هذه السورة والأربعة بعدها من قديم ما نزل ، روى الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال في سورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء : هن من العتاق الأول وهن من تلادي» .
التلاد - بكسر المثناة الفوقية وتخفيف اللام أي : مما حفظ قديما ، وهذا وجه في ترتيبها ، وهو اشتراكها في قدم النزول وكونها مكيات ، وكلها مشتملة على القصص .
وظهر لي في وجه اتصالها بسورة النحل أنه سبحانه وتعالى لما قال في آخرها :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه [النحل 124] . فسر في هذه السورة شريعة أهل السبت وشأنهم ، فذكر فيها جميع ما شرع لهم في التوراة .
كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : «التوراة كلها في خمس
[ ص: 5 ]
عشرة آية من بني إسرائيل» . وذكر عصيانهم وفسادهم وتخريب مسجدهم ، ثم ذكر استفزازهم النبي صلى الله عليه وسلم وإرادتهم إخراجه من المدينة وسؤالهم إياه عن الروح . ثم ختم السورة بآيات
موسى التسع ، وخطابه مع فرعون . وأخبر أن فرعون أراد أن يستفزهم من الأرض فأهلك . وأرث بني إسرائيل الأرض من بعدهم . وفي ذلك تعريض بهم أنهم كما استفزوا النبي صلى الله عليه وسلم من
المدينة ، فسيخرجون منها ويرثها هو وأصحابه كنظير ما وقع لهم مع فرعون لما استفزهم . وقد وقع ذلك أيضا . ولما كانت السورة مصدرة بتخريب
المسجد الأقصى افتتحت بذكر إسراء
سيدنا محمد المصطفى إليه ، تشريفا لحلول ركابه الشريف وجبرا لما وقع من تخريبه . انتهى .
الثالث : في حكمة استفتاحها بالتسبيح :
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في زاد المسير : الحكمة في الإتيان به هنا وجهان : أحدهما : أن العرب تسبح عند الأمر العجيب ، فكأن الله تعالى عجب خلقه بما أسدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإسراء به .
الثاني : أن يكون خرج مخرج الرد عليهم ، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حدثهم عن الإسراء به كذبوه ، فيكون المعنى : تنزه الله تعالى أن يتخذ رسولا كذابا .
القاضي تاج الدين السبكي في تذكرته سأل الإمام : ما
nindex.php?page=treesubj&link=28988_28881الحكمة في افتتاح سورة الإسراء بالتسبيح والكهف بالتحميد؟ وأجاب بأن التسبيح حيث جاء قدم على التحميد نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك [النصر 3] سبحان الله والحمد لله .
وأجاب
ابن الزملكاني -بفتح الزاي واللام- : [أن] سورة سبحان لما اشتملت على الإسراء وكذب المشركون به النبي صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه تكذيب لله تعالى ، أتي «بسبحان» لتنزيه الله عز وجل عما ينسب إليه من الكذب ، وسورة الكهف لما نزلت بعد سؤال المشركين عن قصة أصحاب الكهف وتأخير الوحي نزلت مبينة أن الله تعالى لم يقطع نعمته على نبيه ولا على المؤمنين ، بل أتم عليهم النعمة بإنزال الكتاب ، فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة .
الرابع : في الكلام على سبحان الله :
محمود الكرماني في «برهانه» : «كلمة استأثر الله تعالى بها ، فبدأ بالمصدر في بني إسرائيل ثم بالماضي في الصف والحشر لأنه أسبق ، ثم بالمضارع في الجمعة والتغابن ، ثم بالأمر في الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها» ، انتهى .
وقوله : «فبدأ بالمصدر» أي بالاسم الموضوع موضع المصدر .
[ ص: 6 ]
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أن nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى «سبحان الله» ، فقال : «تنزيه الله من كل سوء» .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله تعالى عنهما ، قال : «سبحان الله ، اسم يعظم الله تعالى به نفسه ويتحاشى به عن السوء» .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي رحمه الله تعالى : «هو ذكر يعظم الله تعالى به لا يصلح إلا له» .
وأما ما ذكر في قول الشاعر .
«سبحان من علقمة الفاخر» .
فعلى سبيل الشذوذ .
صاحب النظم : «السبح في اللغة التباعد ، يدل عليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=7إن لك في النهار سبحا طويلا [المزمل 7] ، أي تباعدا طويلا . فمعنى سبح الله تعالى : بعده عما لا ينبغي .
وللتسبيح معان أخر ذكرتها في كتاب : القول الجامع الوجيز الخادم للقرآن العزيز .
الإمام موفق الدين بن يعيش رحمه الله تعالى في شرح المفصل : «اعلم أنهم قد علقوا الأعلام على المعاني فأطلقوها على الأعيان ، فمن ذلك قولهم : سبحان ، وهو عندنا علم واقع على
nindex.php?page=treesubj&link=34077_33143معنى التسبيح ، وهو مصدر معناه البراءة والتنزيه وليس منه فعل ، وإنما هو واقع التسبيح الذي هو المصدر في الحقيقة ، جعل علما على هذا المعنى فهو معرفة لذلك ، ولا ينصرف للتعريف وزيادة الألف والنون . وأما قول الشاعر : «سبحانه ثم سبحانا يعود له» ، ففي تنوينه وجهان : أن يكون ضرورة ، والثاني : أن يكون أراد الفكرة» .
الضياء بن العلج رحمه الله ، في البسيط : «لفظ المصدر لأنه مصدر سبح إذا قال :
سبحان الله ، ومدلول سبحان التنزيه لا اللفظ» .
قلنا : التسبيح بمعنى التنزيه أيضا لأن معنى سبحت نزهت الله تعالى ، فتطابقا حينئذ على معنى التنزيه ، فصح تعليق سبحان على التسبيح ، واستعماله علما قليل ، وأكثر استعماله مضافا إما إلى فاعله أو إلى مفعوله . فإذا أضيف فليس بعلم لأن الأعلام لا تضاف .
قال : وقيل «سبحان» في البيت مضاف حذف المضاف إليه للعلم به وليس بعلم» .
[ ص: 7 ] أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى في أماليه : «الدليل على أن سبحان علم للتسبيح قول الشاعر :
قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر
ولولا أنه علم لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية» .
الشهاب السمين رحمه الله تعالى في إعرابه : «قيل هو مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي ، وهو من الأسماء اللازمة للإضافة . وقد يفرد ، وإذا أفرد منع من الصرف للتعريف ، وزيادة الألف والنون كما في البيت السابق . وقد جاء منونا كقوله :
سبحانه ثم سبحانا يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد
فقيل ضرورة ، وقيل هو بمنزلة قبل وبعد ، إن نوي تعريفه بقي على حاله ، وإن نكر أعرب ، منصرفا . وهذا البيت يساعد على كونه مصدرا لا اسم مصدر لوروده منصرفا . ولقائل القول الأول أن يجيب عنه بأن هذا نكرة لا معرفة . وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية فلا تنصرف . والناصب له فعل مقدر لا يجوز إظهاره» .
أبو شامة رحمه الله : «حيث جاء منصوبا نصب المفعول المطلق اللازم إضمار فعله ، وفعله إما فعل أمر أو خبر . وهو في هذه السورة محتمل للأمرين أي سبحوا الذي أسرى بعبده أو سبح الذي أسرى بعبده ، على أن يكون ابتداء ثناء الله تعالى على نفسه كقول (الحمد لله رب العالمين)» .
nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي رحمه الله تعالى : «العامل فيه على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه الفعل الذي من معناه لا من لفظه إذ لم يجئ من لفظه فعل ، وذلك مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء . فالتقدير عنده أنزه الله تعالى تنزيها ، فوقع «سبحان الله» مكان قولك تنزيها» . انتهى .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري رحمه الله تعالى : «سبحان علم للتسبيح كعثمان لرجل وانتصابه بفعل
[ ص: 8 ] مضمر [متروك إظهاره ، تقديره] أسبح الله سبحان . ثم نزل منزلة الفعل فسد مسده ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله» .
الطيبي رحمه الله تعالى : «وذلك في جلب هذا المصدر في أصل هذا التركيب للتوكيد ، وهو أسبح تسبيحا ثم أسبح سبحان ، ثم في حذف العامل وإقامته مقامه للدلالة على أن المقصود بالذات هو المصدر ، والفعل تابع ، فيفيد الإخبار بسرعة وجود التنزيه» .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أنه جعل منادى تقديره يا سبحانك ، وأباه الجمهور .
nindex.php?page=showalam&ids=14486السفاقسي والسمين : «ورد بأنه لم يسمع دخول حرف النداء عليه ، وزعم بعضهم أن لفظه لفظ التثنية ومعناه كذلك كلبيك . وهو غريب . ويلزمه أن يكون مفرده سبحا وألا يكون منصوبا بل مرفوعا ، وأن نونه لم تسقط بالإضافة وأن فتحها يلزم» .
ومن الغرائب أيضا ما حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان بن تغلب- بالمثناة الفوقية والغين المعجمة- أن سبحان كلمة أصلها بالنبطية «شبهانك» فعربت «سبحانك» . والذي أضيف إلى سبحان مفعول به لأنه المسبح ، ويجوز أن يكون فاعلا لأن المعنى تنزه الذي أسرى بعبده .
[ ص: 3 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جِمَاعُ أَبْوَابِ مِعْرَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ كُنْتُ أَفْرَدْتُ كِتَابًا حَافِلًا فِي هَذَا الْبَابِ سَمَّيْتُهُ : «الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ فِي مِعْرَاجِ سَيِّدِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ» ، ثُمَّ ظَفِرْتُ بِأَشْيَاءَ لَمْ يَتَيَسَّرِ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا إِذْ ذَاكَ ، فَجَمَعْتُ كِتَابًا آخَرَ سَمَّيْتُهُ : «الْفَضْلَ الْفَائِقَ فِي مِعْرَاجِ خَيْرِ الْخَلَائِقِ» ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ فَوَائِدُ وَنَفَائِسُ لَا تُوجَدُ مَجْمُوعَةً إِلَّا فِيهِ ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَذْكُرَ هُنَا خُلَاصَتَهُ .
[ ص: 4 ]
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28988بَعْضِ فَوَائِدِ قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنَ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الْإِسْرَاءُ 1] .
الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا :
قَالَ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ
أَبُو حَيَّانَ أَثِيرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْغَرْنَاطِيُّ -بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ- فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِالنَّهْرِ : «سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ الْإِسْرَاءَ بِهِ كَذَّبُوهُ ، فَأَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى» .
الثَّانِي : فِي وَجْهِ اتِّصَالِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا قَبْلَهَا :
قَالَ الْإِمَامُ
فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ ،
وَالْبُرْهَانُ النَّسَفِيُّ : «وَجْهُ الِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّ فِي تِلْكَ السُّورَةِ ذِكْرَ
الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذِكْرَ أَوْصَافِهِ الشَّرِيفَةِ ، وَتَشْرِيعَاتِهِ الْعَلِيَّةِ مِنَ الْحَضْرَةِ الْأَزَلِيَّةِ ، وَالْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ ذِكْرُ مَنِ اتَّبَعَ مِلَّتَهُ بِالصِّدْقِ ، وَأَقَامَ سُنَّتَهُ عَلَى الْحَقِّ ، وَفِي آخِرِ تِلْكَ السُّورَةِ أُمِرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النَّحْلُ 125] . وَأَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النَّحْلُ 127] وَالصَّبْرُ هُوَ التَّحَمُّلُ لِلْمَكَارِهِ ، وَالتَّحَمُّلُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُؤَدِّي إِلَى التَّجَمُّلِ ، وَمِنْهُ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ .
النَّهْرُ : لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّبْرِ ، وَنَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنْ يَضِيقَ صَدْرُهُ مِنْ مَكْرِهِمْ ، وَكَانَ مِنْ مَكْرِهِمْ نِسْبَتُهُ إِلَى الْكَذِبِ وَالسِّحْرِ وَالشِّعْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَمَوْهُ بِهِ ، فَأَعْقَبَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِشَرَفِهِ وَفَضْلِهِ وَاحْتِفَائِهِ بِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ .
الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُنَاسَبَاتِهِ : «هَذِهِ السُّورَةُ وَالْأَرْبَعَةُ بَعْدَهَا مِنْ قَدِيمِ مَا نَزَلَ ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطَهَ وَالْأَنْبِيَاءِ : هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلَادِيَّ» .
التِّلَادُ - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ : مِمَّا حُفِظَ قَدِيمًا ، وَهَذَا وَجْهٌ فِي تَرْتِيبِهَا ، وَهُوَ اشْتِرَاكُهَا فِي قِدَمِ النُّزُولِ وَكَوْنِهَا مَكِّيَّاتٍ ، وَكُلُّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْقَصَصِ .
وَظَهَرَ لِي فِي وَجْهِ اتِّصَالِهَا بِسُورَةِ النَّحْلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا قَالَ فِي آخِرِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ [النَّحْلُ 124] . فَسَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ شَرِيعَةَ أَهْلِ السَّبْتِ وَشَأْنَهُمْ ، فَذَكَرَ فِيهَا جَمِيعَ مَا شَرَعَ لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ .
كَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : «التَّوْرَاةُ كُلُّهَا فِي خَمْسَ
[ ص: 5 ]
عَشْرَةَ آيَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» . وَذَكَرَ عِصْيَانَهُمْ وَفَسَادَهُمْ وَتَخْرِيبَ مَسْجِدِهِمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ اسْتِفْزَازَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِرَادَتَهُمْ إِخْرَاجَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَسُؤَالَهُمْ إِيَّاهُ عَنِ الرُّوحِ . ثُمَّ خَتَمَ السُّورَةَ بِآيَاتِ
مُوسَى التِّسْعِ ، وَخِطَابِهِ مَعَ فِرْعَوْنَ . وَأَخْبَرَ أَنَّ فِرْعَوْنَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأُهْلِكَ . وَأَرَّثَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ . وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِهِمْ أَنَّهُمْ كَمَا اسْتَفَزُّوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْمَدِينَةِ ، فَسَيُخْرَجُونَ مِنْهَا وَيَرِثُهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَنَظِيرِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مَعَ فِرْعَوْنَ لَمَّا اسْتَفَزَّهُمْ . وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ أَيْضًا . وَلَمَّا كَانَتِ السُّورَةُ مُصَدَّرَةً بِتَخْرِيبِ
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى افْتُتِحَتْ بِذِكْرِ إِسْرَاءِ
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى إِلَيْهِ ، تَشْرِيفًا لِحُلُولِ رِكَابِهِ الشَّرِيفِ وَجَبْرًا لِمَا وَقَعَ مِنْ تَخْرِيبِهِ . انْتَهَى .
الثَّالِثُ : فِي حِكْمَةِ اسْتِفْتَاحِهَا بِالتَّسْبِيحِ :
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي زَادِ الْمَسِيرِ : الْحِكْمَةُ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ هُنَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَرَبَ تُسَبِّحُ عِنْدَ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَجَّبَ خَلْقَهُ بِمَا أَسْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِسْرَاءِ بِهِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَدَّثَهُمْ عَنِ الْإِسْرَاءِ بِهِ كَذَّبُوهُ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : تَنَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَّخِذَ رَسُولًا كَذَّابًا .
الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ سَأَلَ الْإِمَامَ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=28988_28881الْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ بِالتَّسْبِيحِ وَالْكَهْفِ بِالتَّحْمِيدِ؟ وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ حَيْثُ جَاءَ قُدِّمَ عَلَى التَّحْمِيدِ نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [النَّصْرُ 3] سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
وَأَجَابَ
ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ -بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ- : [أَنَّ] سُورَةَ سُبْحَانَ لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْإِسْرَاءِ وَكَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَكْذِيبُهُ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، أُتِيَ «بِسُبْحَانَ» لِتَنْزِيهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ ، وَسُورَةُ الْكَهْفِ لَمَّا نَزَلَتْ بَعْدَ سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَتَأْخِيرِ الْوَحْيِ نَزَلَتْ مُبَيِّنَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْطَعْ نِعْمَتَهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَلَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ أَتَمَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ ، فَنَاسَبَ افْتِتَاحَهَا بِالْحَمْدِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ .
الرَّابِعُ : فِي الْكَلَامِ عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ :
مَحْمُودٌ الْكَرْمَانِيُّ فِي «بُرْهَانِهِ» : «كَلِمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا ، فَبَدَأَ بِالْمَصْدَرِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ بِالْمَاضِي فِي الصَّفِّ وَالْحَشْرِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ ، ثُمَّ بِالْمُضَارِعِ فِي الْجُمُعَةِ وَالتَّغَابُنِ ، ثُمَّ بِالْأَمْرِ فِي الْأَعْلَى اسْتِيعَابًا لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا» ، انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ : «فَبَدَأَ بِالْمَصْدَرِ» أَيْ بِالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ .
[ ص: 6 ]
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=55طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَعْنَى «سُبْحَانَ اللَّهِ» ، فَقَالَ : «تَنْزِيهُ اللَّهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ» .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ ، اسْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَفْسَهُ وَيَتَحَاشَى بِهِ عَنِ السُّوءِ» .
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : «هُوَ ذِكْرٌ يُعَظَّمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لَهُ» .
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ .
«سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ» .
فَعَلَى سَبِيلِ الشُّذُوذِ .
صَاحِبُ النَّظْمِ : «السَّبْحُ فِي اللُّغَةِ التَّبَاعُدُ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=7إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا [الْمُزَّمِّلُ 7] ، أَيْ تَبَاعُدًا طَوِيلًا . فَمَعْنَى سَبِّحِ اللَّهَ تَعَالَى : بَعِّدْهُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي .
وَلِلتَّسْبِيحِ مَعَانٍ أُخَرُ ذَكَرْتُهَا فِي كِتَابِ : الْقَوْلُ الْجَامِعُ الْوَجِيزُ الْخَادِمُ لِلْقُرْآنِ الْعَزِيزِ .
الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ يَعِيشَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ : «اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَدْ عَلَّقُوا الْأَعْلَامَ عَلَى الْمَعَانِي فَأَطْلَقُوهَا عَلَى الْأَعْيَانِ ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : سُبْحَانَ ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَمٌ وَاقِعٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=34077_33143مَعْنَى التَّسْبِيحِ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مَعْنَاهُ الْبَرَاءَةُ وَالتَّنْزِيهُ وَلَيْسَ مِنْهُ فِعْلٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاقِعُ التَّسْبِيحِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ فِي الْحَقِيقَةِ ، جُعِلَ عَلَمًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مَعْرِفَةٌ لِذَلِكَ ، وَلَا يَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ وَزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ . وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ : «سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا يَعُودُ لَهُ» ، فَفِي تَنْوِينِهِ وَجْهَانِ : أَنْ يَكُونَ ضَرُورَةً ، وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْفِكْرَةَ» .
الضِّيَاءُ بْنُ الْعِلْجِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي الْبَسِيطِ : «لَفْظُ الْمَصْدَرِ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ سَبَّحَ إِذَا قَالَ :
سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَمَدْلُولُ سُبْحَانَ التَّنْزِيهُ لَا اللَّفْظُ» .
قُلْنَا : التَّسْبِيحُ بِمَعْنَى التَّنْزِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَى سَبَّحْتُ نَزَّهْتُ اللَّهَ تَعَالَى ، فَتَطَابَقَا حِينَئِذٍ عَلَى مَعْنَى التَّنْزِيهِ ، فَصَحَّ تَعْلِيقُ سُبْحَانَ عَلَى التَّسْبِيحِ ، وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَمًا قَلِيلٌ ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ مُضَافًا إِمَّا إِلَى فَاعِلِهِ أَوْ إِلَى مَفْعُولِهِ . فَإِذَا أُضِيفَ فَلَيْسَ بِعَلَمٍ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُضَافُ .
قَالَ : وَقِيلَ «سُبْحَانَ» فِي الْبَيْتِ مُضَافٌ حُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلَيْسَ بِعَلَمٍ» .
[ ص: 7 ] أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمَالِيهِ : «الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ سُبْحَانَ عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
قَدْ قُلْتُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
وَلَوْلَا أَنَّهُ عَلَمٌ لَوَجَبَ صَرْفُهُ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَالنُّونَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ إِنَّمَا تَمْنَعُ مَعَ الْعَلَمِيَّةِ» .
الشِّهَابُ السَّمِينُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي إِعْرَابِهِ : «قِيلَ هُوَ مُصْدَرٌ لِأَنَّهُ سُمِعَ لَهُ فِعْلٌ ثُلَاثِيٌّ ، وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ . وَقَدْ يُفْرَدُ ، وَإِذَا أُفْرِدَ مُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ لِلتَّعْرِيفِ ، وَزِيَادَةُ الْأَلِفِ وَالنُّونِ كَمَا فِي الْبَيْتِ السَّابِقِ . وَقَدْ جَاءَ مُنَوَّنًا كَقَوْلِهِ :
سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا يَعُودُ لَهُ وَقَبْلَنَا سَبَّحَ الْجُودِيُّ وَالْجُمُدُ
فَقِيلَ ضَرُورَةٌ ، وَقِيلَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَبْلُ وَبَعْدُ ، إِنْ نُوِيَ تَعْرِيفُهُ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ ، وَإِنْ نُكِّرَ أُعْرِبَ ، مُنْصَرِفًا . وَهَذَا الْبَيْتُ يُسَاعِدُ عَلَى كَوْنِهِ مَصْدَرًا لَا اسْمَ مَصْدَرٍ لِوُرُودِهِ مُنْصَرِفًا . وَلِقَائِلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا نَكِرَةٌ لَا مَعْرِفَةٌ . وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ النَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ فَلَا تَنْصَرِفُ . وَالنَّاصِبُ لَهُ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ لَا يَجُوزُ إِظْهَارُهُ» .
أَبُو شَامَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : «حَيْثُ جَاءَ مَنْصُوبًا نَصْبَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ اللَّازِمِ إِضْمَارُ فِعْلِهِ ، وَفِعْلُهُ إِمَّا فِعْلُ أَمْرٍ أَوْ خَبَرٍ . وَهُوَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ أَيْ سَبِّحُوا الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ أَوْ سَبِّحِ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)» .
nindex.php?page=showalam&ids=11963الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : «الْعَامِلُ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ الْفِعْلُ الَّذِي مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظِهِ إِذْ لَمْ يَجِئْ مِنْ لَفْظِهِ فِعْلٌ ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَعَدَ الْقُرْفُصَاءَ وَاشْتَمَلَ الصَّمَّاءَ . فَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُ أُنَزِّهُ اللَّهَ تَعَالَى تَنْزِيهًا ، فَوَقَعَ «سُبْحَانَ اللَّهِ» مَكَانَ قَوْلِكَ تَنْزِيهًا» . انْتَهَى .
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : «سُبْحَانَ عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ كَعُثْمَانَ لِرَجُلٍ وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ
[ ص: 8 ] مُضْمَرٍ [مَتْرُوكٍ إِظْهَارُهُ ، تَقْدِيرُهُ] أُسَبِّحُ اللَّهَ سُبْحَانَ . ثُمَّ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْفِعْلِ فَسَدَّ مَسَدَّهُ وَدَلَّ عَلَى التَّنْزِيهِ الْبَلِيغِ مِنْ جَمِيعِ الْقَبَائِحِ الَّتِي يُضِيفُهَا إِلَيْهِ أَعْدَاءُ اللَّهِ» .
الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : «وَذَلِكَ فِي جَلْبِ هَذَا الْمَصْدَرِ فِي أَصْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ لِلتَّوْكِيدِ ، وَهُوَ أُسَبِّحُ تَسْبِيحًا ثُمَّ أُسَبِّحُ سُبْحَانَ ، ثُمَّ فِي حَذْفِ الْعَامِلِ وَإِقَامَتِهِ مَقَامَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ هُوَ الْمَصْدَرُ ، وَالْفِعْلُ تَابِعٌ ، فَيُفِيدُ الْإِخْبَارَ بِسُرْعَةِ وُجُودِ التَّنْزِيهِ» .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ جُعِلَ مُنَادًى تَقْدِيرُهُ يَا سُبْحَانَكَ ، وَأَبَاهُ الْجُمْهُورُ .
nindex.php?page=showalam&ids=14486السَّفَاقِسِيُّ وَالسَّمِينُ : «وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ دُخُولُ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ التَّثْنِيَةِ وَمَعْنَاهُ كَذَلِكَ كَلَبَّيْكَ . وَهُوَ غَرِيبٌ . وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدُهُ سُبْحًا وَأَلَّا يَكُونَ مَنْصُوبًا بَلْ مَرْفُوعًا ، وَأَنَّ نُونَهُ لَمْ تَسْقُطْ بِالْإِضَافَةِ وَأَنَّ فَتْحَهَا يَلْزَمُ» .
وَمِنَ الْغَرَائِبِ أَيْضًا مَا حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11793أَبَانَ بْنِ تَغَلِبَ- بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ- أَنَّ سُبْحَانَ كَلِمَةٌ أَصْلُهَا بِالنَّبَطِيَّةِ «شُبْهَانَكَ» فَعُرِّبَتْ «سُبْحَانَكَ» . وَالَّذِي أُضِيفَ إِلَى سُبْحَانَ مَفْعُولٌ بِهِ لِأَنَّهُ الْمُسَبَّحُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِأَنَّ الْمَعْنَى تَنَزَّهَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ .