الباب الثامن والعشرون في
nindex.php?page=treesubj&link=29336غزوة حنين
[وتسمى أيضا
nindex.php?page=treesubj&link=29336غزوة هوازن ، لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
محمد بن عمر الأسلمي : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12458ابن أبي الزناد عن أبيه : أقامت
هوازن سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب تجمعهم -] انتهى .
قال أئمة المغازي : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مكة مشت أشراف
هوازن ، وثقيف بعضها إلى بعض ، وأشفقوا أن يغزوهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا ، والرأي أن نغزوه ، فحشدوا وبغوا وقالوا : والله إن محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فأجمعوا أمركم ، فسيروا في الناس وسيروا إليه قبل أن يسير إليكم ، فأجمعت
هوازن أمرها ، وجمعها
مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النصري بالصاد المهملة - وأسلم بعد ذلك ، وهو - يوم حنين - ابن ثلاثين سنة ، فاجتمع إليه مع
هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها ،
وسعد بن بكر ، وناس من
بني هلال ، وهم قليل . قال
محمد بن عمر : لا يبلغون مائة ، ولم يشهدها من
قيس عيلان - أي بالعين المهملة - إلا هؤلاء ، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، مشى فيها
ابن أبي براء فنهاها عن الحضور وقال : والله لو ناوأوا
محمدا من بين المشرق والمغرب لظهر عليهم .
وكان في
جشم دريد بن الصمة وهو يومئذ ابن ستين ومائة . ويقال عشرين ومائة سنة ، وهو شيخ كبير قد عمي ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخا مجربا قد ذكر بالشجاعة والفروسية وله عشرون سنة ، فلما عزمت
هوازن على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألت دريدا الرياسة عليها فقال : وما ذاك وقد عمي بصري وما استمسك على ظهر الفرس ، ولكن أحضر معكم لأن أشير عليكم برأيي على أن لا أخالف ، فإن كنتم تظنون أني أخالف أقمت ولم أخرج قالوا : لا نخالفك ، وجاءه
مالك بن عوف ، وكان جماع أمر الناس إليه ، فقالوا له : لا نخالفك في أمر تراه .
فقال له
دريد : يا
مالك إنك تقاتل رجلا كريما ، قد أوطأ العرب ، وخافته العجم ومن
بالشام ، وأجلى يهود الحجاز ، إما قتلا وإما خروجا على ذل وصغار ، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا له ما بعده .
قال
مالك : إني لأطمع أن ترى غدا ما يسرك .
قال
دريد : منزلي حيث ترى ، فإذا جمعت الناس صرت إليك ، فلما خرج من عنده طوى عنه أن يسير بالظعن والأموال مع الناس .
[ ص: 311 ]
فلما أجمع
مالك المسير بالناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس فخرجوا معهم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم ثم انتهى إلى
أوطاس ، فعسكر به ، وجعلت الأمداد تأتي من كل جهة ، وأقبل
دريد بن الصمة في شجار له يقاد به من الكبر ، فلما نزل الشيخ لمس الأرض بيده وقال : بأي واد أنتم ؟ قالوا :
بأوطاس . قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس .
ما لي أسمع بكاء الصغير ، ورغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبعار الشاء وخوار البقر ؟ قالوا : ساق
مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم فقال
دريد : قد شرط لي ألا يخالفني فقد خالفني فأنا أرجع إلى أهلي وتارك ما هنا . قيل : أفتلقى مالكا فتكلمه ؟ فدعي له مالك ، فقال : يا
مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام . ما لي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وبعار الشاء وخوار البقر ؟ ! قال : قد سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، قال : ولم قال : أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم ، فأنقض به
دريد وقال : راعي ضأن والله ، ما له وللحرب . وصفق دريد بإحدى يديه على الأخرى تعجبا وقال : هل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، يا
مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة ، بيضة
هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، فارفع الأموال والنساء والذراري إلى عليا قومهم ، وممتنع بلادهم ، ثم الق القوم على متون الخيل والرجال بين أصفاف الخيل أو متقدمة درية أمام الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك ، وقد أحرزت أهلك ومالك . فقال
مالك بن عوف : والله لا أفعل ولا أغير أمرا صنعته ، إنك قد كبرت وكبر علمك ، أو قال عقلك . وجعل يضحك مما يشير به
دريد ، فغضب
دريد وقال : هذا أيضا يا معشر
هوازن ، والله ما هذا لكم برأي ، إن هذا فاضحكم في عورتكم ، وممكن منكم عدوكم ولاحق بحصن ثقيف وتارككم ، فانصرفوا واتركوه ، فسل
مالك سيفه ثم نكسه ، ثم قال : يا معشر
هوازن!! والله لتطيعنني أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري - وكره أن يكون
لدريد فيها ذكر أو رأي - فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : والله - لئن عصينا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا ليقتلن نفسه وهو شاب ، ونبقى مع
دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه ، فأجمعوا رأيكم مع
مالك ، فلما رأى
دريد أنهم قد خالفوه قال :
يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع
كأنها شاة صدع
قال
ابن هشام : أنشدني غير واحد من أهل العلم :
ثم قال
دريد : ليتني فيها جذع يا معشر
هوازن ما فعلت
كعب وكلاب ؟ قالوا : ما
[ ص: 312 ]
شهدها منهم أحد . قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة ، وفي لفظ : لو كان ذكرا وشرفا ما تخلفوا عنه ، يا معشر
هوازن ارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء ، فأبوا عليه ، قال : فمن شهدها منكم ؟ قالوا :
عمرو بن عامر وعوف بن عامر ، قال : ذانك الجذعان من
بني عامر لا ينفعان ولا يضران ، قال
مالك لدريد : هل من رأي غير هذا فيما قد حضر من أمر القوم ؟ قال
دريد : نعم تجعل كمينا ، يكونون لك عونا ، إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم ، وكررت أنت بمن معك ، وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد ، فذلك حين أمر
مالك أصحابه أن يكونوا كمينا في الشعاب وبطون الأودية ، فحملوا الحملة الأولى التي انهزم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
دريد - من مقدمة أصحاب
محمد ؟ قالوا :
بني سليم ، قال : هذه عادة لهم غير مستنكرة ، فليت بعيري ينحى من سنن خيلهم ، فنحي ، بعيره موليا من حيث جاء .
الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29336غَزْوَةِ حُنَيْنٍ
[وَتُسَمَّى أَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=29336غَزْوَةَ هَوَازِنَ ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَتَوْا لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْأَسْلَمِيُّ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=12458ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ : أَقَامَتْ
هَوَازِنُ سَنَةً تَجْمَعُ الْجُمُوعَ وَتَسِيرُ رُؤَسَاؤُهُمْ فِي الْعَرَبِ تَجْمَعُهُمْ -] انْتَهَى .
قَالَ أَئِمَّةُ الْمَغَازِي : لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَكَّةَ مَشَتْ أَشْرَافُ
هَوَازِنَ ، وَثَقِيفٍ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَأَشْفَقُوا أَنْ يَغْزُوَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا : قَدْ فَرَغَ لَنَا فَلَا نَاهِيَةَ لَهُ دُونَنَا ، وَالرَّأْيُ أَنْ نَغْزُوَهُ ، فَحَشَدُوا وَبَغَوْا وَقَالُوا : وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَاقَى قَوْمًا لَا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ ، فَسِيرُوا فِي النَّاسِ وَسِيرُوا إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْكُمْ ، فَأَجْمَعَتْ
هَوَازِنُ أَمْرَهَا ، وَجَمَعَهَا
مَالِكُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ رَبِيعَةَ النَّصْرِيُّ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهُوَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ - ابْنَ ثَلَاثِينَ سَنَةً ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَعَ
هَوَازِنَ ثَقِيفٌ كُلُّهَا وَنَصْرٌ وَجُشَمٍ كُلُّهَا ،
وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ ، وَنَاسٌ مِنْ
بَنِي هِلَالٍ ، وَهُمْ قَلِيلٌ . قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ : لَا يَبْلُغُونَ مِائَةً ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ
قَيْسِ عَيْلَانَ - أَيْ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - إِلَّا هَؤُلَاءِ ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ هَوَازِنِ كَعْبٍ وَلَا كِلَابٍ ، مَشَى فِيهَا
ابْنُ أَبِي بَرَاءٍ فَنَهَاهَا عَنِ الْحُضُورِ وَقَالَ : وَاللَّهِ لَوْ نَاوَأُوا
مُحَمَّدًا مِنْ بَيْنِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَظَهَرَ عَلَيْهِمْ .
وَكَانَ فِي
جُشَمَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سِتِّينَ وَمِائَةٍ . وَيُقَالُ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ عَمِيَ ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إِلَّا التَّيَمُّنَ بِرَأْيهِ وَمَعْرِفَتَهُ بِالْحَرْبِ ، وَكَانَ شَيْخًا مُجَرَّبًا قَدْ ذُكِرَ بِالشُّجَاعَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً ، فَلَمَّا عَزَمَتْ
هَوَازِنُ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَتْ دُرَيْدًا الرِّيَاسَةَ عَلَيْهَا فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ وَقَدْ عَمِيَ بَصَرِي وَمَا اسْتَمْسَكَ عَلَى ظَهْرِ الْفَرَسِ ، وَلَكِنْ أَحْضُرُ مَعَكُمْ لِأَنْ أُشِيرَ عَلَيْكُمْ بِرَأْيِي عَلَى أَنْ لَا أُخَالَفَ ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنِّي أُخَالَفُ أَقَمْتُ وَلَمْ أَخْرُجْ قَالُوا : لَا نُخَالِفُكَ ، وَجَاءَهُ
مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ جِمَاعُ أَمْرِ النَّاسِ إِلَيْهِ ، فَقَالُوا لَهُ : لَا نُخَالِفُكَ فِي أَمْرٍ تَرَاهُ .
فَقَالَ لَهُ
دُرَيْدٌ : يَا
مَالِكُ إِنَّكَ تُقَاتِلُ رَجُلًا كَرِيمًا ، قَدْ أَوْطَأَ الْعَرَبَ ، وَخَافَتْهُ الْعَجَمُ وَمَنْ
بِالشَّامِ ، وَأَجْلَى يَهُودَ الْحِجَازِ ، إِمَّا قَتْلًا وَإِمَّا خُرُوجًا عَلَى ذُلٍّ وَصَغَارٍ ، وَيَوْمُكَ هَذَا الَّذِي تَلْقَى فِيهِ مُحَمَّدًا لَهُ مَا بَعْدَهُ .
قَالَ
مَالِكٌ : إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَرَى غَدًا مَا يَسُرُّكَ .
قَالَ
دُرَيْدٌ : مَنْزِلِي حَيْثُ تَرَى ، فَإِذَا جَمَعْتَ النَّاسَ صِرْتُ إِلَيْكَ ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ طَوَى عَنْهُ أَنْ يَسِيرَ بِالظَّعْنِ وَالْأَمْوَالِ مَعَ النَّاسِ .
[ ص: 311 ]
فَلَمَّا أَجْمَعَ
مَالِكٌ الْمَسِيرَ بِالنَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ النَّاسَ فَخَرَجُوا مَعَهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ ثُمَّ انْتَهَى إِلَى
أَوْطَاسَ ، فَعَسْكَرَ بِهِ ، وَجَعَلَتِ الْأَمْدَادُ تَأْتِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، وَأَقْبَلَ
دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ فِي شِجَارٍ لَهُ يُقَادُ بِهِ مِنَ الْكِبَرِ ، فَلَمَّا نَزَلَ الشَّيْخُ لَمَسَ الْأَرْضَ بِيَدِهِ وَقَالَ : بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا :
بِأَوْطَاسَ . قَالَ : نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ ، لَا حَزَنٌ ضَرَسَ ، وَلَا سَهْلَ دَهَسَ .
مَا لِي أَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّغِيرِ ، وَرُغَاءَ الْبَعِيرِ ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ ، وَبُعَارَ الشَّاءِ وَخُوَارَ الْبَقَرِ ؟ قَالُوا : سَاقَ
مَالِكٌ مَعَ النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَقَالَ
دُرَيْدٌ : قَدْ شَرَطَ لِي أَلَّا يُخَالِفَنِي فَقَدْ خَالَفَنِي فَأَنَا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي وَتَارِكٌ مَا هُنَا . قِيلَ : أَفَتَلْقَى مَالِكًا فَتُكَلِّمَهُ ؟ فَدُعِيَ لَهُ مَالِكٌ ، فَقَالَ : يَا
مَالِكُ إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ . مَا لِي أَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّغِيرِ وَرُغَاءَ الْبَعِيرِ وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ وَبُعَارَ الشَّاءِ وَخُوَارَ الْبَقَرِ ؟ ! قَالَ : قَدْ سُقْتُ مَعَ النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، قَالَ : وَلِمَ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ إِنْسَانٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ يُقَاتِلُ عَنْهُمْ ، فَأَنْقَضَ بِهِ
دُرَيْدٌ وَقَالَ : رَاعِي ضَأْنٍ وَاللَّهِ ، مَا لَهُ وَلِلْحَرْبِ . وَصَفَّقَ دُرَيْدٌ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى تَعَجُّبًا وَقَالَ : هَلْ يَرُدُّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ ؟ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكَ ، يَا
مَالِكُ إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ الْبَيْضَةِ ، بَيْضَةِ
هَوَازِنَ إِلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا ، فَارْفَعِ الْأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ إِلَى عَلْيَا قَوْمِهِمْ ، وَمُمْتَنَعِ بِلَادِهِمْ ، ثُمَّ الْقَ الْقَوْمَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ بَيْنَ أَصْفَافِ الْخَيْلِ أَوْ مُتَقَدِّمَةٍ دُرِّيَّةٍ أَمَامَ الْخَيْلِ فَإِنْ كَانَتْ لَكَ لَحِقَ بِكَ مَنْ وَرَاءَكَ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ أَلْفَاكَ ذَلِكَ ، وَقَدْ أَحْرَزْتَ أَهْلَكَ وَمَالَكَ . فَقَالَ
مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ : وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ وَلَا أُغَيِّرُ أَمْرًا صَنَعْتُهُ ، إِنَّكَ قَدْ كَبُرْتَ وَكَبُرَ عِلْمُكَ ، أَوْ قَالَ عَقْلُكَ . وَجَعَلَ يَضْحَكُ مِمَّا يُشِيرُ بِهِ
دُرَيْدٌ ، فَغَضِبَ
دُرَيْدٌ وَقَالَ : هَذَا أَيْضًا يَا مَعْشَرَ
هَوَازِنَ ، وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ ، إِنَّ هَذَا فَاضِحُكُمْ فِي عَوْرَتِكُمْ ، وَمُمَكِّنٌ مِنْكُمْ عَدُوَّكُمْ وَلَاحِقٌ بِحِصْنِ ثَقِيفٍ وَتَارِكُكُمْ ، فَانْصَرِفُوا وَاتْرُكُوهُ ، فَسَلَّ
مَالِكٌ سَيْفَهُ ثُمَّ نَكَّسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ
هَوَازِنَ!! وَاللَّهِ لَتُطِيعُنَّنِي أَوْ لَأَتَّكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي - وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ
لِدُرَيْدٍ فِيهَا ذِكْرٌ أَوْ رَأْيٌ - فَمَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا : وَاللَّهِ - لَئِنْ عَصَيْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا لَيَقْتُلَنَّ نَفْسَهُ وَهُوَ شَابٌّ ، وَنَبْقَى مَعَ
دُرَيْدٍ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا قِتَالَ مَعَهُ ، فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ مَعَ
مَالِكٍ ، فَلَمَّا رَأَى
دُرَيْدٌ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ قَالَ :
يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعٌ أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعُ أَقُودُ وَطْفَاءَ الزَّمْعِ
كَأَنَّهَا شَاةٌ صُدُعُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ :
ثُمَّ قَالَ
دُرَيْدٌ : لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعٌ يَا مَعْشَرَ
هَوَازِنَ مَا فَعَلَتْ
كَعْبٌ وَكِلَابٌ ؟ قَالُوا : مَا
[ ص: 312 ]
شَهْدهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ . قَالَ : غَابَ الْحَدُّ وَالْجَدُّ ، لَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ ، وَفِي لَفْظٍ : لَوْ كَانَ ذِكْرًا وَشَرَفًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْهُ ، يَا مَعْشَرَ
هَوَازِنَ ارْجِعُوا وَافْعَلُوا مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ ، قَالَ : فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ ؟ قَالُوا :
عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : ذَانِكَ الْجَذَعَانِ مِنْ
بَنِي عَامِرٍ لَا يَنْفَعَانِ وَلَا يَضُرَّانِ ، قَالَ
مَالِكٌ لِدُرَيْدٍ : هَلْ مِنْ رَأْيٍ غَيْرِ هَذَا فِيمَا قَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ الْقَوْمِ ؟ قَالَ
دُرَيْدٌ : نَعَمْ تَجْعَلُ كَمِينًا ، يَكُونُونَ لَكَ عَوْنًا ، إِنْ حَمَلَ الْقَوْمُ عَلَيْكَ جَاءَهُمُ الْكَمِينُ مِنْ خَلْفِهِمْ ، وَكَرَرْتَ أَنْتَ بِمَنْ مَعَكَ ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَمَلَةُ لَكَ لَمْ يُفْلِتْ مِنَ الْقَوْمِ أَحَدٌ ، فَذَلِكَ حِينَ أَمَرَ
مَالِكٌ أَصْحَابَهُ أَنْ يَكُونُوا كَمِينًا فِي الشِّعَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ ، فَحَمَلُوا الْحَمْلَةَ الْأَوْلَى الَّتِي انْهَزَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
دُرَيْدٌ - مِنْ مُقَدِّمَةِ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ ؟ قَالُوا :
بَنِي سُلَيْمٍ ، قَالَ : هَذِهِ عَادَةٌ لَهُمْ غَيْرُ مُسْتَنْكَرَةٍ ، فَلَيْتَ بَعِيرِي يُنَحَّى مِنْ سَنَنِ خَيْلِهِمْ ، فَنُحِّيَ ، بَعِيرَهُ مُوَلِّيًا مِنْ حَيْثُ جَاءَ .