عن رضي الله تعالى عنهما، عبد الله بن عمرو الله عز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة» وكان عرشه على الماء. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن
رواه مسلم.
زاد صاحب اللطائف: ومن جملة ما كتب في الذكر وهو أم الكتاب: أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
وعن العرباض- بكسر العين المهملة- ابن سارية رضي الله تعالى عنه آدم لمنجدل في طينته . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن
رواه الإمام أحمد وصححه. والحاكم
قال الطيبي في «شرح المشكاة» : «انجدل» مطاوع جدله إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإلقاء على الجدالة- بفتح الجيم والدال المهملة- وهي الأرض الصلبة وهذا على سبيل إنابة فعل مناب فعل، يعني لا يجوز إجزاء منجدل على أن تكون مطاوعا لجدل لما يلزم منه أن يكون آدم منفصلا من الأرض الصلبة، بل هو ملقى عليها. والطينة: الخلقة من قولهم: طانه الله على طينتك. والجار الذي هو «في» ليس بمتعلق بمنجدل، لما يلزم منه أن يكون آدم مظروفا في طينته، إنما هو خبر ثان لأن، والواو وما بعدها في محل نصب على الحال من المكتوب، [ ص: 78 ] والمعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء تخلقه لما يفرغ من تصويره وإجراء الروح.
وقال الحافظ أبو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى في اللطائف: المقصود من هذا الحديث أن وأن ذلك كان مكتوبا في أم الكتاب من قبل نفخ الروح في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مذكورة معروفة من قبل أن يخلقه الله تعالى ويخرجه إلى دار الدنيا حيا، آدم صلى الله عليه وسلم، وفسر أم الكتاب باللوح المحفوظ وبالذكر في قوله تعالى: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وعن رضي الله تعالى عنهما أنه سأل عن أم الكتاب فقال: علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون، فقال لعلمه كن كتابا. فكان كتابا. ابن عباس
ولا ريب أن علم الله تعالى قديم أزلي لم يزل عالما بما يحدثه من خلقه، ثم إن الله تعالى كتب ذلك عنده في كتاب عنده قبل أن يخلق السماوات والأرض كما قال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير .
وفي صحيح عن البخاري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمران بن حصين «كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض» .
وقوله في هذا الحديث:
«إني عند الله في أم الكتاب»
ليس المراد به- والله أعلم- أنه حينئذ كتب في أم الكتاب ختمه للنبيين وإنما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوبا في أم الكتاب في ذلك الحال قبل نفخ الروح في آدم وهو أول ما خلق الله تعالى من النوع الإنساني.
وجاء في أحاديث أخر أنه في تلك الحالة وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة. وهذه مرتبة ثالثة وهو [ ص: 79 ] انتقاله صلى الله عليه وسلم من رتبة العلم والكتابة إلى رتبة الوجود العيني الخارجي. فإنه صلى الله عليه وسلم استخرج من ظهر آدم ونبئ فصارت نبوته موجودة في الخارج بعد كونها كانت مكتوبة مقدرة في أم الكتاب.
فعن ميسرة- بفتح الميم وسكون المثناة التحتية- الفجر - بفتح الفاء وسكون الجيم- رضي الله تعالى عنه قال: . «يا رسول الله، متى كنت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد»
رواه الإمام أحمد في تاريخه والبخاري وصححه. والحاكم
قال الإمام في رواية منها: وبعضهم يرويه أحمد . رواه متى كتبت من الكتابة؟ قال: «كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد» ابن عساكر
فتحمل هذه الرواية مع حديث العرباض السابق على وجوب نبوته صلى الله عليه وسلم وثبوتها وظهورها في الخارج، فإن الكتابة إنما تستعمل فيما هو واجب شرعا كقوله تعالى: كتب عليكم الصيام أو قدرا كقوله تعالى: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي .
وعن رضي الله تعالى عنه قال: أبي هريرة
قال: «وآدم بين الروح والجسد» . قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟
رواه وحسنه. الترمذي
وعن الصنابحي مرسلا- وهو بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الموحدة ومهملة- عن رضي الله تعالى عنه أنه عمر بن الخطاب
قال: «وآدم بين الروح والجسد» . قال: يا رسول الله متى جعلت نبيا؟
رواه . [ ص: 80 ] أبو نعيم
وروى الآجري في كتاب الشريعة، عن سعيد بن أبي راشد قال: سألت رحمه الله تعالى: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم نبيا قبل أن يخلق الخلق؟ قال: إي والله وقبل أن تخلق الدنيا بألفي عام. عطاء
قال الحافظ ابن رجب: هذا الظاهر أنه عطاء الخراساني، وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من كتابة نبوته صلى الله عليه وسلم في أم الكتاب عند تقدير المقادير. ويرحم الله القائل حيث قال:
سبقت نبوته وآدم طينة فله الفخار على جميع الناس سبحان من خص النبي محمدا
بفضائل تتلى بغير قياس!
الأول: ما اشتهر على الألسنة بلفظ:
«كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»
قال ابن تيمية والزركشي والشيخ وغيرهم من الحفاظ: لا أصل له. وكذا:
«كنت ولا آدم ولا ماء ولا طين» . [ ص: 81 ]
الثاني: قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي قدس الله تعالى روحه: لم يصب من فسر قوله صلى الله عليه وسلم:
«كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد»
[بأنه] سيصير نبيا، لأن علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير إليه في المستقبل لم تكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم لأجلها أخبر أمته الخبر إعلاما لأمته، ليعرفوا قدره عند الله تعالى ثم قال: فإن قلت: النبوة وصف لازم أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك؟.
قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله:
«كنت نبيا»
إلى روحه الشريفة أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعلمها خالقها ومن أمده الله تعالى بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها، مهيأة لذلك فأفاضه عليه من ذلك الوقت فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة في ذلك الوقت وإن تأخر جسده الشريف المتصف بها.
واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المضافة عليه من الحضرة الإلهية إنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وحقيقته معجل لا تأخر فيه، وكذا استنباؤه وإيتاؤه الحكم والنبوة، وإنما المتأخر تكونه وتنقله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلم. انتهى ملخصا.
وأثر كعب السابق أول الباب الأول يؤيد ما قاله.
وقال بعض العارفين: لما خلق الله الأرواح المدبرة للأجسام عند وجود حركة الفلك أول ما خلق الله الزمان بحركة، كان أول ما خلق روح محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صدرت الأرواح عن الحركات الفلكية فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه بالنبوة وآدم [ ص: 82 ] لم يكن، كما قال: «بين الروح والجسد» فاقتضى قوله: أن يكون حقيقة، فإنه لا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، والمعدوم لا يوصف بالحصر في شيء، ثم انتهى الزمان إلى وجود جسمه صلى الله عليه وسلم وارتباط الروح به، فظهر «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بكليته جسما وروحا، فكان له الحكم أولا باطنا في جميع ما ظهر من الشرائع على يدي الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ثم صار له الحكم ظاهرا فنسخ كل شرع وإن كان الشرع واحدا وهو صاحب الشرع، فإنه قال: «كنت نبيا» ما قال: كنت إنسانا ولا كنت موجودا، وليست النبوة إلا بالشرع المقرر من عند الله تعالى، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء في الدنيا . [ ص: 83 ]