وقال الخواص دخلنا على رحلة العابدة وكانت قد صامت حتى اسودت وبكت حتى عميت وصلت حتى أقعدت وكانت تصلي قاعدة فسلمنا عليها ثم ذكرناها شيئا من العفو ليهون عليها الأمر قال فشهقت ثم قالت علمي بنفسي قرح فؤادي وكلم كبدي والله لوددت أن الله لم يخلقني ولم أك شيئا مذكورا ثم أقبلت على صلاتها .
فعليك إن كنت من المرابطين المراقبين لنفسك أن تطالع أحوال الرجال والنساء من المجتهدين لينبعث نشاطك ويزيد حرصك ، وإياك أن تنظر إلى أهل عصرك فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله .
وحكايات المجتهدين غير محصورة ، وفيما ذكرناه كفاية للمعتبر .
وإن أردت مزيدا فعليك بالمواظبة على مطالعة كتاب حلية الأولياء فهو مشتمل على شرح أحوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم وبالوقوف عليه يستبين لك بعدك وبعد أهل عصرك من أهل الدين .
فإن حدثتك نفسك بالنظر إلى أهل زمانك وقالت : إنما تيسر الخير في ذلك الزمان لكثرة الأعوان والآن فإن خالفت أهل زمانك رأوك مجنونا وسخروا بك فوافقهم فيما هم فيه وعليه فلا يجري عليك إلا ما يجري عليهم ، والمصيبة إذا عمت طابت فإياك أن تتدلى بحبل غرورها وتنخدع بتزويرها ، وقل لها : أرأيت لو هجم سيل جارف يغرق أهل البلد وثبتوا على مواضعهم ولم يأخذوا حذرهم لجهلهم بحقيقة الحال وقدرت أنت على أن تفارقيهم وتركبي في سفينة تتخلصين بها من الغرق فهل يختلج في نفسك أن المصيبة إذا عمت طابت أم تتركين موافقتهم وتستجهلينهم في صنيعهم وتأخذين حذرك مما دهاك فإذا كنت تتركين موافقتهم خوفا من الغرق وعذاب الغرق لا يتمادى إلا ساعة فكيف لا تهربين من عذاب الأبد وأنت متعرضة له في كل حال ، ومن أين تطيب المصيبة إذا عمت ، ولأهل النار شغل شاغل عن الالتفات إلى العموم والخصوص ، ولم يهلك الكفار إلا بموافقة أهل زمانهم حيث قالو إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون فعليك أن لا تترك معاتبتها وتوبيخها وتعريفها سوء نظرها لنفسها ، فعساها تنزجر عن طغيانها . إذا اشتغلت بمعاتبة نفسك وحملها على الاجتهاد فاستعصت