وأما النيات الحسنة ، فإنه ينوي به اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وينوي بذلك أيضا تعظيم المسجد ، واحترام بيت الله فلا يرى أن يدخله زائرا لله إلا طيب الرائحة ، وأن يقصد به ترويح جيرانه ليستريحوا في المسجد عند مجاورته بروائحه وأن يقصد به دفع الروائح الكريهة عن نفسه التي تؤدي إلى إيذاء مخالطيه وأن يقصد حسم باب الغيبة عن المغتابين إذا اغتابوه بالروائح الكريهة ، فيعصون الله بسببه ، فمن تعرض للغيبة وهو قادر على الاحتراز منها فهو شريك في تلك المعصية كما قيل .
:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا أن لا تفارقهم فالراحلون هم
وقال الله تعالى : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم أشار به إلى أن التسبب إلى الشر شر وأن يقصد به معالجة دماغه لتزيد به فطنته وذكاؤه ويسهل عليه درك مهمات دينه بالفكر فقد قال رحمه الله : من طاب ريحه زاد عقله . الشافعيفهذا وأمثاله من النيات لا يعجز الفقيه عنها إذا كانت تجارة الآخرة وطلب الخير غالبة على قلبه ، وإذا لم يغلب على قلبه إلا نعيم الدنيا لم تحضره هذه النيات ، وإن ذكرت له لم ينبعث لها قلبه ، فلا يكون معه منها إلا حديث النفس وليس ذلك من النية في شيء .
والمباحات كثيرة ، ولا يمكن إحصاء النيات فيها ، فقس بهذا الواحد ما عداه ولهذا قال بعض العارفين من السلف : إني أستحب أن يكون لي في كل شيء نية حتى في أكلي وشربي ونومي ودخولي إلى الخلاء وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى ؛ لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن وفراغ القلب من مهمات البدن فهو معين على الدين ، فمن قصده من الأكل التقوي على العبادة ومن الوقاع تحصين دينه وتطييب قلب أهله والتوصل به إلى ولد صالح يعبد الله تعالى بعده فتكثر به أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان مطيعا بأكله ونكاحه وأغلب حظوظ النفس الأكل والوقاع ، وقصد الخير بهما غير ممتنع لمن غلب على قلبه هم الآخرة ولذلك ينبغي أن يحسن نيته مهما ضاع له مال ويقول : هو في سبيل الله وإذا بلغه اغتياب غيره له فليطيب قلبه بأنه سيحمل سيئاته وستنقل إلى ديوانه حسناته ولينوي ، ذلك بسكوته عن الجواب .
ففي الخبر : " إن العبد ليحاسب فتبطل أعماله لدخول الآفة فيها حتى يستوجب النار ، ثم ينشر له من الأعمال الصالحة ما يستوجب به الجنة ، فيتعجب ويقول : يا رب هذه أعمال ما عملتها قط . فيقال : هذه أعمال الذين اغتابوك وآذوك وظلموك " وفي الخبر : " إن العبد ليوافي القيامة بحسنات أمثال الجبال لو خلصت له لدخل الجنة ، فيأتي وقد ظلم هذا ، وشتم هذا ، وضرب هذا ، فيقتص لهذا من حسناته ، ولهذا من حسناته ؛ حتى لا يبقى له حسنة ، فتقول الملائكة : قد فنيت حسناته وبقي طالبون ، فيقول الله تعالى : ألقوا عليه من سيئاتهم ثم صكوا له صكا إلى النار " .