بيان فضل النعمة على البلاء
لعلك تقول هذه الأخبار تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=34308البلاء خير في الدنيا من النعم فهل لنا أن نسأل الله البلاء فأقول : لا وجه لذلك ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ في دعائه من بلاء الدنيا وبلاء الآخرة
وكان يقول هو والأنبياء عليهم السلام : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=201ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وكانوا يستعيذون من شماتة الأعداء وغيرها
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه
nindex.php?page=hadith&LINKID=701854اللهم إني أسألك الصبر ، فقال صلى الله عليه وسلم : لقد سألت البلاء فاسأله العافية
وروى الصديق رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=680850سلوا الله العافية ، فما أعطي أحد أفضل من العافية إلا اليقين وأشار باليقين إلى عافية القلب عن مرض الجهل والشك ، فعافية القلب أعلى من عافية البدن
وقال
الحسن رحمه الله : الخير الذي لا شر فيه العافية مع الشكر فكم من منعم عليه غير شاكر
وقال مطرف بن عبد الله لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر :
وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه :
وعافيتك أحب إلي وهذا أظهر من أن يحتاج فيه إلى دليل واستشهاد ، وهذا لأن البلاء صار نعمة باعتبارين أحدهما ، بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ، إما في الدنيا أو في الدين والآخر بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب فينبغي أن
nindex.php?page=treesubj&link=24262_32066_32061_32059نسأل الله تمام النعمة في الدنيا ، ودفع ما فوقه من البلاء ، ونسأله الثواب في الآخرة على الشكر على نعمته فإنه قادر على أن يعطي على الشكر ما لا يعطيه على الصبر ،
فإن قلت : فقد قال : بعضهم : أود أن أكون جسرا على النار يعبر علي الخلق كلهم فينجون ، وأكون أنا في النار وقال سمنون رحمه الله تعالى :
وليس لي في سواك حظ فكيفما شئت فاختبرني
فهذا من هؤلاء سؤال للبلاء فاعلم أنه حكي عن سمنون المحب رحمه الله أنه بلي بعد هذا البيت بعلة الحصر : فكان بعد ذلك يدور على أبواب المكاتب ويقول للصبيان ادعوا لعمكم الكذاب وأما محبة الإنسان ليكون هو في النار دون سائر الخلق فغير ، ممكنة ولكن قد تغلب المحبة على القلب ، حتى يظن المحب بنفسه حبا لمثل ذلك ، فمن شرب كأس المحبة سكر ، ومن سكر توسع في الكلام ، ولو زايله سكره : علم أن ما غلب عليه كان حالة لا حقيقة لها ، فما سمعته من هذا الفن فهو من كلام العشاق الذين أفرط حبهم وكلام العشاق يستلذ سماعه ولا يعول عليه كما حكي أن فاختة كان يراودها زوجها فتمنعه فقال ما الذي يمنعك عني ، ولو أردت أن أقلب لك الكونين مع ملك
سليمان ظهرا لبطن لفعلته لأجلك ؟! فسمعه
سليمان عليه السلام فاستدعاه وعاتبه ، فقال : يا نبي الله ، كلام العشاق لا يحكى ، وهو كما قال وقال الشاعر
أريد وصاله ويريد هجري فأترك ما أريد لما يريد
وهو أيضا محال ، ومعناه أني أريد ما لا ؛ يريد لأن من أراد الوصال ما أراد الهجر فكيف أراد الهجر الذي لم يرده بل لا يصدق هذا الكلام إلا بتأويلين ، أحدهما : أن يكون ذلك في بعض الأحوال حتى يكتسب به رضاه الذي يتوصل به إلى الوصال في الاستقبال ، فيكون الهجران وسيلة إلى الرضا ، والرضا وسيلة إلى وصال المحبوب ، والوسيلة إلى المحبوب محبوبة ، فيكون مثاله مثال محب المال إذا أسلم درهما في درهمين فهو بحب الدرهمين يترك الدرهم . في الحال الثاني أن يصير رضاه عنده مطلوبا من حيث إنه رضاه فقط ، ويكون له لذة في استشعاره رضا محبوبه منه تزيد تلك اللذة على لذته في مشاهدته مع كراهته ، فعند ذلك يتصور أن يريد ما فيه الرضا ؛ فلذلك قد انتهى حال بعض المحبين إلى أن صارت لذتهم في البلاء مع استشعارهم رضا الله عنهم أكثر من لذتهم في العافية من غير شعور الرضا ، فهؤلاء إذا قدروا رضاه في البلاء صار البلاء أحب إليهم من العافية ، وهذه حالة لا يبعد وقوعها في غلبات الحب ولكنها لا تثبت وإن ثبتت مثلا فهل هي حالة صحيحة أم حالة اقتضتها حالة أخرى وردت على القلب فمالت به عن الاعتدال ؟ هذا فيه نظر وذكر تحقيقه لا يليق بما نحن فيه وقد ظهر بما سبق أن العافية خير من البلاء ، فنسأل الله تعالى المان بفضله على جميع خلقه العفو والعافية في الدين ، والدنيا ، والآخرة ، لنا ولجميع المسلمين
.
بَيَانُ فَضْلِ النِّعْمَةِ عَلَى الْبَلَاءِ
لَعَلَّكَ تَقُولُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34308الْبَلَاءَ خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ النِّعَمِ فَهَلْ لَنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ الْبَلَاءَ فَأَقُولُ : لَا وَجْهَ لِذَلِكَ ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ فِي دُعَائِهِ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا وَبَلَاءِ الْآخِرَةِ
وَكَانَ يَقُولُ هُوَ وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=201رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَكَانُوا يَسْتَعِيذُونَ مِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِهَا
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=701854اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ سَأَلْتَ الْبَلَاءَ فَاسْأَلْهُ الْعَافِيَةَ
وَرَوَى الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=680850سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ، فَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ إِلَّا الْيَقِينَ وَأَشَارَ بِالْيَقِينِ إِلَى عَافِيَةِ الْقَلْبِ عَنْ مَرَضِ الْجَهْلِ وَالشَّكِّ ، فَعَافِيَةُ الْقَلْبِ أَعْلَى مِنْ عَافِيَةِ الْبَدَنِ
وَقَالَ
الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْخَيْرُ الَّذِي لَا شَرَّ فِيهِ الْعَافِيَةُ مَعَ الشُّكْرِ فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ غَيْرِ شَاكِرٍ
وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ :
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ :
وَعَافِيَتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إِلَى دَلِيلٍ وَاسْتِشْهَادٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَلَاءَ صَارَ نِعْمَةً بِاعْتِبَارَيْنِ أَحَدُهُمَا ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ ، إِمَّا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الدِّينِ وَالْآخَرُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا يُرْجَى مِنَ الثَّوَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24262_32066_32061_32059نَسْأَلَ اللَّهَ تَمَامَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَدَفْعَ مَا فَوْقَهُ مِنَ الْبَلَاءِ ، وَنَسْأَلَهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الشُّكْرِ عَلَى نِعْمَتِهِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ عَلَى الشُّكْرِ مَا لَا يُعْطِيهِ عَلَى الصَّبْرِ ،
فَإِنْ قُلْتَ : فَقَدْ قَالَ : بَعْضُهُمْ : أَوَدُّ أَنْ أَكُونَ جِسْرًا عَلَى النَّارِ يَعْبُرُ عَلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فَيَنْجُونَ ، وَأَكُونُ أَنَا فِي النَّارِ وَقَالَ سَمْنُونُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
وَلَيْسَ لِي فِي سِوَاكَ حَظٌّ فَكَيْفَمَا شِئْتَ فَاخْتَبِرْنِي
فَهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ سُؤَالٌ لِلْبَلَاءِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ سَمْنُونٍ الْمُحِبِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ بُلِيَ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتَ بِعِلَّةِ الْحَصْرِ : فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدُورُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَكَاتِبِ وَيَقُولُ لِلصِّبْيَانِ ادْعُوا لِعَمِّكُمُ الْكَذَّابِ وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْإِنْسَانِ لِيَكُونَ هُوَ فِي النَّارِ دُونَ سَائِرِ الْخَلْقِ فَغَيْرُ ، مُمْكِنَةٍ وَلَكِنْ قَدْ تَغْلِبُ الْمَحَبَّةُ عَلَى الْقَلْبِ ، حَتَّى يَظُنَّ الْمُحِبُّ بِنَفْسِهِ حُبًّا لِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَمَنْ شَرِبَ كَأْسَ الْمَحَبَّةِ سَكِرَ ، وَمَنْ سَكِرَ تَوَسَّعَ فِي الْكَلَامِ ، وَلَوْ زَايَلَهُ سُكْرُهُ : عَلِمَ أَنَّ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَانَ حَالَةً لَا حَقِيقَةَ لَهَا ، فَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ هَذَا الْفَنِّ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعُشَّاقِ الَّذِينَ أَفْرَطَ حُبُّهُمْ وَكَلَامُ الْعُشَّاقِ يُسْتَلَذُّ سَمَاعُهُ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا حُكِيَ أَنَّ فَاخِتَةَ كَانَ يُرَاوِدُهَا زَوْجُهَا فَتَمْنَعُهُ فَقَالَ مَا الَّذِي يَمْنَعُكِ عَنِّي ، وَلَوْ أَرَدْتِ أَنْ أَقْلِبَ لَكِ الْكَوْنَيْنِ مَعَ مُلْكِ
سُلَيْمَانَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ لَفَعَلْتُهُ لِأَجْلِكِ ؟! فَسَمِعَهُ
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاسْتَدْعَاهُ وَعَاتَبَهُ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، كَلَامُ الْعُشَّاقِ لَا يُحْكَى ، وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَالَ الشَّاعِرُ
أُرِيدُ وِصَالَهُ وَيُرِيدُ هَجْرِي فَأَتْرُكُ مَا أُرِيدُ لِمَا يُرِيدُ
وَهُوَ أَيْضًا مُحَالٌ ، وَمَعْنَاهُ أَنِّي أُرِيدُ مَا لَا ؛ يُرِيدُ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ الْوِصَالَ مَا أَرَادَ الْهَجْرَ فَكَيْفَ أَرَادَ الْهَجْرَ الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ بَلْ لَا يُصَدَّقُ هَذَا الْكَلَامِ إِلَّا بِتَأْوِيلَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ حَتَّى يَكْتَسِبَ بِهِ رِضَاهُ الَّذِي يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْوِصَالِ فِي الِاسْتِقْبَالِ ، فَيَكُونُ الْهِجْرَانُ وَسِيلَةَ إِلَى الرِّضَا ، وَالرِّضَا وَسِيلَةَ إِلَى وِصَالِ الْمَحْبُوبِ ، وَالْوَسِيلَةُ إِلَى الْمَحْبُوبِ مَحْبُوبَةً ، فَيَكُونُ مِثَالُهُ مِثَالَ مُحِبِّ الْمَالِ إِذَا أَسْلَمَ دِرْهَمًا فِي دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ بِحُبِّ الدِّرْهَمَيْنِ يَتْرُكُ الدِّرْهَمَ . فِي الْحَالِ الثَّانِي أَنْ يَصِيرَ رِضَاهُ عِنْدَهُ مَطْلُوبًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ رِضَاهُ فَقَطْ ، وَيَكُونُ لَهُ لَذَّةٌ فِي اسْتِشْعَارِهِ رِضَا مَحْبُوبِهِ مِنْهُ تَزِيدُ تِلْكَ اللَّذَّةُ عَلَى لَذَّتِهِ فِي مُشَاهَدَتِهِ مَعَ كَرَاهَتِهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرِيدَ مَا فِيهِ الرِّضَا ؛ فَلِذَلِكَ قَدِ انْتَهَى حَالُ بَعْضِ الْمُحِبِّينَ إِلَى أَنْ صَارَتْ لَذَّتُهُمْ فِي الْبَلَاءِ مَعَ اسْتِشْعَارِهِمْ رِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ لَذَّتِهِمْ فِي الْعَافِيَةِ مِنْ غَيْرِ شُعُورِ الرِّضَا ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا قَدَّرُوا رِضَاهُ فِي الْبَلَاءِ صَارَ الْبَلَاءُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعَافِيَةِ ، وَهَذِهِ حَالَةٌ لَا يَبْعُدُ وُقُوعُهَا فِي غَلَبَاتِ الْحُبِّ وَلَكِنَّهَا لَا تَثْبُتُ وَإِنْ ثَبَتَتْ مَثَلًا فَهَلْ هِيَ حَالَةٌ صَحِيحَةٌ أَمْ حَالَةٌ اقْتَضَتْهَا حَالَةٌ أُخْرَى وَرَدَتْ عَلَى الْقَلْبِ فَمَالَتْ بِهِ عَنِ الِاعْتِدَالِ ؟ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَذِكْرُ تَحْقِيقِهِ لَا يَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا سَبَقَ أَنَّ الْعَافِيَةَ خَيْرٌ مِنَ الْبَلَاءِ ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْمَانَّ بِفَضْلِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ ، وَالدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةِ ، لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ
.