الوجه الثاني أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497رأس الخطايا المهلكة حب الدنيا ورأس أسباب النجاة التجافي بالقلب عن دار الغرور ومواتاة النعم على وفق المراد ، من غير امتزاج ببلاء ومصيبة تورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها ، وأنسه بها ، حتى تصير كالجنة في حقه ، فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ، ولم يسكن إليها ، ولم يأنس بها ، وصارت سجنا عليه ، وكانت نجاته منها غاية اللذة كالخلاص من السجن ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664616الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والكافر كل من أعرض عن الله تعالى ولم يرد إلا الحياة الدنيا ورضي بها واطمأن إليها والمؤمن كل منقطع بقلبه عن الدنيا شديد الحنين إلى الخروج منها والكفر بعضه ظاهر ، وبعضه خفي ، وبقدر حب الدنيا في القلب يسري فيه الشرك الخفي بل الموحد المطلق هو الذي لا يحب إلا الواحد الحق فإذا في البلاء نعم من هذا الوجه فيجب الفرح به ،
وأما التألم فهو ضروري وذلك يضاهي فرحك عند الحاجة إلى الحجامة بمن يتولى حجامتك مجانا أو يسقيك دواء نافعا بشعا : مجانا فإنك تتألم وتفرح فتصبر على الألم وتشكره على سبب الفرح ، فكل بلاء في الأمور الدنيوية مثاله الدواء الذي يؤلم في الحال وينفع في المآل بل من دخل دار ملك للنضارة : وعلم أنه يخرج منها لا محالة فرأى وجها حسنا لا يخرج معه من الدار كان ذلك وبالا وبلاء عليه ، لأنه يورثه الأنس بمنزل لا يمكنه المقام فيه ، ولو كان عليه في المقام خطر من أن يطلع عليه الملك فيعذبه فأصابه ما يكره حتى نفره عن المقام كان ذلك نعمة عليه والدنيا منزل وقد دخلها الناس من باب الرحم وهم خارجون عنها من باب اللحد ، فكل ما يحقق أنسهم بالمنزل فهو بلاء ، وكل ما يزعج قلوبهم عنها ويقطع أنسهم بها فهو نعمة ، فمن عرف هذا تصور منه أن يشكر على ، البلايا ومن لم يعرف هذه النعم في البلاء لم يتصور منه الشكر لأن الشكر يتبع معرفة النعمة بالضرورة
ومن لا يؤمن بأن ثواب المصيبة أكبر من المصيبة لم يتصور منه الشكر على المصيبة وحكي أن أعرابيا عزى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على أبيه فقال :
اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية بعد صبر الراس خير من العباس أجرك بعده
والله خير منك للعباس
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما عزاني أحد أحسن من تعزيته
.
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497رَأْسَ الْخَطَايَا الْمُهْلِكَةِ حُبُّ الدُّنْيَا وَرَأْسُ أَسْبَابِ النَّجَاةِ التَّجَافِي بِالْقَلْبِ عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَمُوَاتَاةُ النِّعَمِ عَلَى وَفْقِ الْمُرَادِ ، مِنْ غَيْرِ امْتِزَاجٍ بِبَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ تُورِثُ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ إِلَى الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا ، وَأُنْسَهُ بِهَا ، حَتَّى تَصِيرَ كَالْجَنَّةِ فِي حَقِّهِ ، فَيَعْظُمَ بَلَاؤُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِسَبَبِ مُفَارَقَتِهِ وَإِذَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ انْزَعَجَ قَلْبُهُ عَنِ الدُّنْيَا ، وَلَمْ يَسْكُنْ إِلَيْهَا ، وَلَمْ يَأْنَسْ بِهَا ، وَصَارَتْ سِجْنًا عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ نَجَاتُهُ مِنْهَا غَايَةَ اللَّذَّةِ كَالْخَلَاصِ مِنَ السِّجْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664616الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ وَالْكَافِرُ كُلُّ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَرَضِيَ بِهَا وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهَا وَالْمُؤْمِنُ كُلُّ مُنْقَطِعٍ بِقَلْبِهِ عَنِ الدُّنْيَا شَدِيدُ الْحَنِينِ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَالْكُفْرُ بَعْضُهُ ظَاهِرٌ ، وَبَعْضُهُ خَفِيٌّ ، وَبِقَدْرِ حُبِّ الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ يَسْرِي فِيهِ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ بَلِ الْمُوَحِّدُ الْمُطْلَقُ هُوَ الَّذِي لَا يُحِبُّ إِلَّا الْوَاحِدَ الْحَقَّ فَإِذًا فِي الْبَلَاءِ نَعَمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيَجِبُ الْفَرَحُ بِهِ ،
وَأَمَّا التَّأَلُّمُ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ وَذَلِكَ يُضَاهِي فَرَحَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الْحِجَامَةِ بِمَنْ يَتَوَلَّى حِجَامَتَكَ مَجَّانًا أَوْ يَسْقِيكَ دَوَاءً نَافِعًا بَشِعًا : مَجَّانًا فَإِنَّكَ تَتَأَلَّمُ وَتَفْرَحُ فَتَصْبِرُ عَلَى الْأَلَمِ وَتَشْكُرُهُ عَلَى سَبَبِ الْفَرَحِ ، فَكُلُّ بَلَاءٍ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِثَالُهُ الدَّوَاءُ الَّذِي يُؤْلِمُ فِي الْحَالِ وَيَنْفَعُ فِي الْمَآلِ بَلْ مَنْ دَخَلَ دَارَ مَلِكٍ لِلنَّضَارَةِ : وَعَلِمَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا لَا مَحَالَةَ فَرَأَى وَجْهًا حَسَنًا لَا يَخْرُجُ مَعَهُ مِنَ الدَّارِ كَانَ ذَلِكَ وَبَالًا وَبَلَاءً عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يُورِثُهُ الْأُنْسَ بِمَنْزِلٍ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامَ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمُقَامِ خَطَرٌ مِنْ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْمَلِكُ فَيُعَذِّبَهُ فَأَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ حَتَّى نَفَّرَهُ عَنِ الْمُقَامِ كَانَ ذَلِكَ نِعْمَةً عَلَيْهِ وَالدُّنْيَا مَنْزِلٌ وَقَدْ دَخَلَهَا النَّاسُ مِنْ بَابِ الرَّحِمِ وَهُمْ خَارِجُونَ عَنْهَا مِنْ بَابِ اللَّحْدِ ، فَكُلُّ مَا يُحَقِّقُ أُنْسَهُمْ بِالْمَنْزِلِ فَهُوَ بَلَاءٌ ، وَكُلُّ مَا يُزْعِجُ قُلُوبَهُمْ عَنْهَا وَيَقْطَعُ أُنْسَهُمْ بِهَا فَهُوَ نِعْمَةٌ ، فَمَنْ عَرَفَ هَذَا تَصَوَّرَ مِنْهُ أَنْ يَشْكُرَ عَلَى ، الْبَلَايَا وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذِهِ النِّعَمَ فِي الْبَلَاءِ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الشُّكْرُ لِأَنَّ الشُّكْرَ يَتْبَعُ مَعْرِفَةَ النِّعْمَةِ بِالضَّرُورَةِ
وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِأَنَّ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ أَكْبَرُ مِنَ الْمُصِيبَةِ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الشُّكْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ وَحُكِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَزَّى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى أَبِيهِ فَقَالَ :
اصْبِرْ نَكُنْ بِكَ صَابِرِينَ فَإِنَّمَا صَبْرُ الرَّعِيَّةِ بَعْدَ صَبْرِ الرَّاسِ خَيْرٌ مِنَ الْعَبَّاسِ أَجْرُكَ بَعْدَهُ
وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكَ لِلْعَبَّاسِ
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ مَا عَزَّانِي أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْ تَعْزِيَتِهِ
.